السلام عليكم :
لم يتحدث القرآن الكريم الا الى البشر فقط ، وباستقراء الكتاب العزيز نجد ان جميع الأوامر والنواهي هي فقط للبشر ، أو بني آدم ، أو الإنسان أو الناس ...
وعندما يتحدث القرآن الكريم عن الجن فيقرنه في معظم الآيات بالإنس ، وبالنظر الى الأساطير والخرافات التي تروج بين المشايخ والعامة فإننا لا نجد لها دليلاً من القرآن الكريم ...
ولا نعرف ان الله قد بعث نبياً من جنس الجن ولم يذكر القرآن هذا أبداً بالرغم ان القرآن يقول : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }الأنعام130
فتلك الآية توضح ان الرسل يجب ان يكونوا من جنس المرسل اليهم ، وبالرغم من ذلك لا يذكر القرآن الكريم أنه قد بعث رسولاً الى طائفة من الجن خاصة بل يقرر ان الرسول يُبعث من البشر ، فكيف يقول القرآن الكريم (منكم) وفي نفس الوقت فإن الأنبياء البشر فقط هم الذين يرسلون ، فالنبي (ص) قد بعثه الله الى الجن والإنس ، إذن هو منهم ومن جنسهم ، والنبي (ص) لم يكن الا بشراً ... وعلى ذلك فالإنس والجن ما هم الا بشر ينقسم الى نوعين أو صفتين مختلفتين ...
والقرآن يستخدم كلمة الجن لكل ما فيه معنى الاستتار والاختفاء والسرعة والقوة ...
ومن هذا المنطلق فإن الجن هم الكبراء والحكام والطبقة العليا من المجتمع والإنس هم المحكومون والعامة من المجتمع ...
وقد يستخدم القرآن كلمة الجن بمعنى الحية الصغيرة لأنها تختفي بسرعة بين الشقوق مبتعدة عن العيون والأعداء ، قال تعالى : فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ، أي فلما رأى موسى عصاه تتحرك بسرعة مثل الحية الصغيرة أدبر مولياً ...
وقد يستخدم القرآن كلمة الجن بمعنى الغرباء لانهم يميلون دائماً للإستتار والانعزال عن أصحاب البلد لاختلاف العادات والأفكار ، ومثال ذلك القوم الغرباء الذين جاءوا الى النبي (ص) وقابلهم خارج مكة وتحدثت عنهم سورة الجن ... وقد جاءوا متخفيين خوفاً من قريش والعرب حتى يتعرفوا الى النبي (ص) ودعوته وقد قابلهم النبي (ص) خارج مكة لهذا السبب ، ولو كانوا أشباحاً لا يراهم الا من يحبون أن يراهم فقط فلماذا أجهدوا النبي (ص) فخرج اليهم خارج مكة مع ابن مسعود ، كان الأجدر ان يأتوا هم إليه في بيته ولن يراهم أحد ... ومن هذا النوع أي الغرباء جن سليمان عليه السلام ، فقد استعان سليمان بهؤلاء الغرباء من العمال الذين أتى بهم من لبنان لكي يساعدوا في بناء دولته الحديثة حيث ان اليهود لم يكونوا يمتلكون الأيدي العاملة المدربة ، فكان هؤلاء يعلمون لديه بالسخرة وقد بعثهم اليه ملك لبنان في ذلك الوقت ...
وقد يُطلق الجن على الكائنات الدقيقة فقد نهى النبي (ص) عن الاستنجاء بالعظم والروث لما بهما من كائنات دقيقة مؤذية للإنسان تتغذى وتنمو على هذه الفضلات والرمم ...
ونجد من هذه المقدمة ان الجن ليس تلك الأشباح التي يتوهمها الناس لأن القرآن الكريم لا يتحدث الى أشباح ولم يكلف القرآن الكريم الا البشر فقط ...
قال تعالى : كلوا من طيبات ما رزقناكم ، والأشباح تأكل العظام والروث فهل هذه من الطيبات ؟ ، ولماذا لا يستجيب الجن الشبحي المؤمن لتلك الأوامر ، كما أمر القرآن الكريم ان يتعاون المؤمنون على البر والتقوى وان يقاتل المؤمنون صفاً ولم نسمع ان هناك جناً شبحياً قد اشترك مع النبي (ص) في حرب أو دافع عنه ضد الأعداء بالرغم من ان الملائكة قد اشتركوا في حروب النبي (ص) ، فهل كان الجن الشبحي وضيعاً الى تلك الدرجة وهو يرى المسلمين يموتون في شعب أبي طالب ولا يأتى أحدهم بكسرة خبزٍ للمسلمين والأطفال الذين يموتون جوعاً ؟
يقرر القرآن الكريم ان هناك علاقة قوية جداً بين الجن والإنس لدرجة ان سماهم القرآن الكريم (معشر) ولكننا لا نجد هذا على أرض الواقع أبداً ، فإذا قال أحدهم ان السحرة يفعلون ذلك فهؤلاء السحرة من القلة النادرة بحيث لا يمكن ان يطلق القرآن عليهم وصف الاستمتاع بين الجن والانس : قال تعالى ... {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ..... }الأنعام130
{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }الأنعام128
وأي استمتاع للساحر من الجن الا الذل والهوان والكفر ، فكيف يقول الساحر انه استمتع بالجن وهو في مشهد يوم القيامة ، بل الأجدى ان يقر بأنه كان أخسر الخاسرين ، بينما الإقرار بالاستمتاع يعني أن الأمر غير ذلك ، بل هي العلاقة بين الحكام والمحكومين والكبراء والرعية ، فالعامة من الناس قد استكانوا لهم وخضعوا لهم في مقابل انهم استفادوا منهم ومن أموالهم كما فعل فرعون وقومه (فاستخف قومه فأطاعوه) ...
وهذه الآية تشرح نفس المعنى المذكور في آية سورة الأنعام السابقة : {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }سبأ33
ومن هنا فإن الجن اسم وصفي يختلف معناه باختلاف السياق وما هو الا نوعية من البشر لها خصائص معينة وقد يأتي بمعاني أخرى مثل الحيات الصغيرة والكائنات الدقيقة ... وكل ما استتر عنك فهو جن ومنها الملائكة أيضاً والبشر من سكان الكهوف في الأزمنة الغابرة ومنهم كان إبليس كان من الجن أي كان من البشر الذي سكنوا الكهوف ورفضوا الخضوع لآدم حين أراد الله له ان يعمر الأرض بالحضارة ...
ولا أنفي وجود كائنات لا نراها ولكن ما انفيه هو ان القرآن قد تحدث عن تلك الكائنات وطالبها باتباع شريعة القرآن والإيمان بدين الاسلام ، كما انفي ان يكون هناك أشباح تُسخر في أعمال السحر والشعوذة أو تتسلط على الإنسان وتعيش في جسده ، وكل ما ذكرته لا علاقة له بالشيطان ذلك الكائن المعروف الذي خلقة الله للوسوسة فقط لا غير ولم يطالبه باتباع شريعة القرآن وليس له أي حول ولا قوة الا ما ذكره القرآن الكريم (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) فكل من يزيد فوق محكمات القرآن عن قدرة الشيطان فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه ، وكل الروايات والأساطير التي تتعارض مع بينات القرآن فيجب ردها بالقرآن الكريم أو فهمها في إطار القرآن الكريم وليس العكس ...