[size=21]



الحمد لله العظيم الأعظم الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم , الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، النور الهادي البديع القهار
الذي تشعشع فارتفع وقهر فصدع ، ونظر نظرةً للجبل فانقطع ، وخر موسى صعقاً
من الفزع ، أنت الله الإله الأكبرُ الأوَّليُّ الأولُ الذي لا يحولُ ولا
يزولُ والذي تذهل منه العقول

والصلاة والسلام الأتان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل
النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، وأفضل الخليقة الإنسانية، وأشرف الصور
الجسمانية، ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبضة
الأصلية، والبهجة السنية، والرتبة العلية، من اندرجت النبيون تحت لوائه،
فهم منه وإليه.
وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت ورزقت وأمتَّ وأحييتَ، إلى
يوم تبعث من أفنيت، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

( مقتبسان من ورد الجلالة لسيدي عبد القادر الجيلاني , والصلاة النورانية لسيدي أحمد البدوي رضي الله تعالى عنهما )





الحقيقة المحمدية ..



كثر حولها الكلام وهي باختصار ليست إلا النبوة كما قال الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق رحمه الله تعالى ..

ولكن لماذا سميت حقيقة ؟

لسنا نحن الذين سميناها وانما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :

( ومحمد حق ) في حديث التهجد الطويل .. حيث قرن اسمه الشريف بحقائق الكون
وحقائق الاخرة .. عن طاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا تهجد من الليل قال اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن
فيهن ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت مالك
السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق
والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق ..

والحق من اسماء الله تعالى أيضاً .. وقد أخبر في عدة مواضع من كتابه أنه خلق السموات والأرض بـ( الحق ) ..

وأخبر أنه أرسل نبيه وعبده محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم رحمة ( وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .. لم يقل رحمة للصحابة وحدهم أو رحمة لمن رآه
من معاصريه وانما رحمة للعالمين أجمعين ..

ذلك أن الله تعالى قضى قبل ان يخلق السموات والأرض أن رحمته سبقت غضبه ..
قال صلى الله عليه وسلم ( ان الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتي
سبقت غضبي )

وقد اختار الله تعالى صفة الرحمة لتكون مقترنة بالبسملة دون سائر الصفات متمثلة في اسمي ( الرحمن ) و ( الرحيم ) ..

فجعلها في أول المصحف

وفي مطلع الفاتحة

مكررة اربع مرات بالبسملة ..

وبها ختم الخلائق كلامهم بعد انتهاء الأمر كما غي نهاية سورة الزمر ( وقيل
الحمد لله رب العالمين ) يقول الحسن البصري رحمه الله ورضي عنه : إن الكافر
ليدخل النار وإن حمد الله لفي قلبه ) ..

فرحمة الله تعالى بلغت مبلغاً يعجز عن التعبير عنه أفصح لسان وأبلغ بيان
ويكفي من هذا كله اختيار الله تعالى لنفسه صفة الرحمة مقترنة بالبسملة
وبالنبي صلى الله عليه وسلم وبالهدف من رسالته ..

فلما كانت ارادة الإنعام والمن والعطاء والهبة والتنعيم الخ تلك المعاني :
من أجل صفات الله , أرسل الله تعالى هذا العبد الذي يتم به تحقيق هذه
الإرادة إرادة الرحمة والتوبة والاجتباء والاصطفاء والتقريب ..

فهو صلى الله عليه وسلم الواسطة بيننا وبين الله تعالى في وصول تلكم الرحمة , وبدونه صلى الله عليه وسلم فلا رحمة ..

( ومن عصاني فقد أبى ) ..

ومن استكبر أن يتلقى الرحمة من خلاله صلى الله عليه وسلم فقد أبى .. وهي
صفة المنافقينن كما قال الله ( واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله
لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون )

إن كل خلاف بين ما نعي التوسل ومجيزيه هو خلاف حول حقيقة النبي صلى الله
عليه وسلم .. قهؤلاء ينظرون إلى ظاهره وبشريته , وهؤلاء ينظرون إلى باطنه
وروحه الطاهره المُطهِرة الزكية ..



فقد كان يأتيه الشاب يستأذنه في الزنا فيكفيه من النبي صلى الله عليه وسلم
نظرة فقط إلى صدره لتخترق أشعة روحه سويداء قلب هذا الشاب ليخرج من عنده
ممتلئ مدداً نورانياً يسحق ويمحق من قلبه الشهوة الحرام ويستبدل بها العفة
الطهارة حتى يكون أعف الناس ..
فالمسألة ليست مسألة دعوات فقط يدعو بها صلى الله عليه وسلم ويستجيب الله
له , نعم هو كان يدعو يجتهد في الدعاء ولكن الله تعالى جعل فيه امكانات
روحية هي من تجليات الرحمة التي جعله الله مختصاً بها ومختصة به
وليس من الكمال الالهي أن يكون مقام الخلافة في الارض مجرداً من حقيقته لمن
يستحقها , بل ان القدرة الالهية تجل عن التدخل في سفاسف الدنيا التي لا
تساوي عند الله جناح بعوضة وليس فيها مُلك يُفتخر به
وهذا هو سبب اختصاص الملك بيوم الدين في سورة الفاتحة ( مالك يوم الدين )
مع انه مالك الدنيا أيضاً ولكن من تمام كماله أن يحجُب ملكه للدنيا بحجاب
ووسائط تمنع نسبة الدنايا إلى مقام الربوبية العالي
ولذلك فليس من العجب أن يخص الله خليفته في الأرض ورحمته للعالمين بخصائص رحمة يرحم الله عباده من خلالها
والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بشراً كالبشر بل كانت له
خصائص فريدة عز نظيرها ان يجتمع في أمة بأسرها فضلاً جماعة فضلا عن رجل
واحد
وكان من خصائصه أنه كان يرى من خلفه الصفوف وكل شئ كما يرى من أمامه , وكان
يرى مالا نرى ويسمع مالا نسمع كما في الحديث الذي أخبر فيه بأنه ما من
موضع قدم في السماء إلا فيها ملك راكع أو ساجد , فكان يسمع أطيط السماء وهو
على الأرض , ويرى الجنة والنار وهو في الصلاة ويرى الجن والملائكة والغيوب
مما يفتح به الله عليه وخصائص أخرى غير بشرية كثير كثير

والقرآن أثبت أنه بشر مثلنا - كما في آخر سورة الكهف - بعد قوله تعالى ( قل
لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو
جئنا بمثله مددا . قل انما انا بشر مثلكم .. ) فمن الواضح ان هذا في سياق
اثبات نسبة القرآن لله وأنه كلام الله وليس كلام بشر مثلهم .. وليست الآية
تتعرض للمعني الذي يريده من يساوون بين النبي صلى الله عله وسلم وبين آحاد
خلق الله من حيث روحه ومن حيث أثره وونفعه وكل شيء أعطاه الله إياه نعوذ
بالله من الخذلان ..

إن النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص قد انفرد بها عن كل الخلائق بلغت من
كثرتها أن صنف فيها العلماء المصنفات الكثيرة , ومن أعظمها كتاب الخصائص
الكبرى للحافظ السيوطي رحمه الله تعالى .. وكثير من هذه الخصائص تتعلق
بذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وفضلها على الذوات كفضل القمر على سائر
الكواكب ..



هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم له مقام عال جداً عند الله لدرجة لا
تستوعبها قلوب وعقول هؤلاء المحجوبون من حراس العقيدة .. تأمل في قول الله
تعالى ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) الله ورسوله مفرد
أم مثنى ؟! مثنى , وعليه فهل المفترض أن يقال من فضله ؟! هكذا بصيغة المفرد
أم بصيغة التثنية من فضلهما ؟

القرآن يوصل إلينا منزلة هذا النبي الكريم من ربه وعِظم محبة الله له من خلال مثل هذه الاشارات ..

تخيل أن يحول الله قبلة أمة بأكملها إلى يوم القيامة لأجله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها )

تخيل أن يرفع الله العذاب عن أمة هو فيها مع شدة كفرها وطلبها نزول العذاب
تطاولا على الله , فلا ينزل عليهم عذاب الاستئصال الفوري كما نزل على أمم
من قبل في حياة أنبيائهم ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك
فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم , وما كان الله ليعذبهم
وأنت فيهم ) كيف أعذبهم - وإن طلبوا - وأنت أنت فيهم ؟!

هذا فوق آية التوسل ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك .. ) الاية .. والتوسل
بالنبي - فوق أنه حقيقة قرآنية - هو نتيجة منطقية لهذه المنزلة للنبي
الأعظم عند الله ..



فمن أعظم خصائصه ومناقبه على الاطلاق أن الله تعالى كان ( يسارع في هواه )
كما أخبرت عنه السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها ..
فإن الله تعالى يحب هذه الذات المحمدية حباً شديداً , ولو لم يكن من آثار
هذا الحب العظيم المطلق إلا تكرار معنى قوله تعالى في القرآن ( من يطع
الرسول فقد أطاع الله ) لكان في ذلك كفاية .. وكما قال حسان رضي الله تعالى
عنه :


وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محممود وهذا محمد


أيضاً في الكون كناب الله المشهود

ففي كل لحظة على وجه الأرض أذان يعلن عن هذا الحب قارناً بين اسم الله واسم ( محمد )


وقد جاء في الخبر ان الحق تبارك وتعالى جعل اسم نبيه في أشرف المواضع في
الجنة في كل مكان فيها حيث جاء عن كعب الاحبار : (إن الله أنزل على آدم
عصيا بعدد الأنبياء والمرسلين ثم أقبل على ابنه شيث فقال: ابنى أنت خليفتى
من بعدى فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى وكلما ذكرت اسم الله فاذكر إلى
جنبه اسم محمد ..

فإنى رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش وأنا بين الروح والطين

ثم إنى طفت السماوات فلم أر فى الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه

ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين

وعلى ورق قصب آجام الجنة

وعلى ورق شجرة طوبى
وعلى ورق سدرة المنتهى

وعلى أطراف الحجب

وبين أعين الملائكة ..

فأكثروا ذكره فإن الملائكة تذكره فى كل ساعاتها ) . قاله الزرقانى فى شرحه ورواه بن عساكر،

وقد أخبر العلامة محمد الباقر الكتاني المغربي أن هذا قد ثبت بالكشف لدى كبار الاولياء ..

فهل وصل إليك معنىً مُعين ينم عن محبة الله تعالى لنبيه بجعل اسم ( محمد ) على نحور الحور العين وبين أعين الملائكة ؟!

إنها مواضع التقبيل !

فأنت حين تقبل زوجتك أو تقبل الملاك بين عينيه فأنت تقبل اسم هذه الرحمة
للعالمين .. التي أهلتك للوصول إلى تلك المنازل العالية .. حتى أصبحت
ارادتك مطابقة مع ارادة الله تعالى تعبر عن محبك لما يحبه الله بلا كلفة
ولا مشقة .. فذاك في ذاك

وهذا شبيه بما ورد أن أهل الجنة تسقط عنهم التكاليف إلا عبادة واحدة هي تلك
التي يتميز بها الصوفية الذين يسخر منهم المحجوبون منهم .. انها عبادة
الذكر .. حيث يُلهمون التسبيح كما يلهمون النفَس بغير كلفة ولا مشقة ..
فذاك في ذاك



يتبع ..