قال
الله تعالى:(( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا
فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ
يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ
الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ
وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ
جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ
قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي
اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))





القصة:


مكث
سيدنا موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا
تخطئه عين الملاحظة، ويظهر عنادهم و جدالهم فى هذه القصه. فالموضوع لم يكن
يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبينه كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت.
وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني
إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى
ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة.و لكنهم
بدلا من امتثالهم للامر اتهموا سيدنا موسى بأنه يهزأ و يسخر منهم، فاستعاذ
سيدنا موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم.فجادلوا ثانيه و سالوا عن
لونها فأجابهم سيدنا موسى بان لونها اصفر فاقع تسر الناظرين فجادلوا مره
اخرى و قالوا ان البقر كله يشبه بعضه فاجابهم قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فيها



بقرة
ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة
الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات
الخاصة. أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها.





وأمسك
سيدنا موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته.
سأله سيدنا موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن
يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام
أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم
زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم.



و لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. دائمى الجدال و التعنت مثلما اخبرنا القران عنهم .
فهم
لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه
الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول
موضوع لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة.



ولعل
السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها
موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا:
(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون
ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله.( مثلما قالوا فى حادثه اخرى اذهب انت و ربك فحاربا انا هاهنا قاعدون ) انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)
بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا
نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم
وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور
عليه في البقر عادة.



تفسير الطبرى


864ـ
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنـي أبو جعفر, عن الربـيع, عن
أبـي العالـية فـي قول الله إنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَة قال: كان رجل من بنـي إسرائيـل, وكان غنـيا ولـم يكن له ولد, وكان
له قريب وكان وارثه, فقتله لـيرثه, ثم ألقاه علـى مـجمع الطريق, وأتـى
موسى, فقال له: إن قريبـي قتل, وأتـى إلـيّ أمرٌ عظيـم, وإنـي لا أجد أحدا
يبـين لـي من قتله غيرك يا نبـيّ الله. قال: فنادى موسى فـي الناس: أنشد
الله من كان عنده من هذا علـم إلا بـينه لنا فلـم يكن عندهم علـمه, فأقبل
القاتل علـى موسى فقال: أنت نبـيّ الله, فـاسأل لنا ربك أن يبـين لنا فسأل
ربه فأوحى الله إلـيه: إنّ اللّهَ يأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
فعجبوا وقالوا: أتَتّـخِذُنا هُزُوا قالَ أعُوذُ بـاللّهِ أنْ أكُونَ مِنَ
الـجاهِلِـينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إنّه
يَقُولُ إنّهَا بَقَرَة لا فـارِض يعنـي هرمة وَلا بكْر يعنـي ولا صغيرة
عَوَان بـينَ ذلكَ أي نصف بـين البكر والهرمة, قالُوا ادْعُ لَنَا رَبّكَ
يُبَـيّنْ لَنا ما لَوْنُها قال إنهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَة صَفْرَاءُ
فـاقِع لَوْنُها أي صاف لونها تَسُرّ النَاظِرِينَ أي تعجب الناظرين.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ إنّ البَقَرَ تَشابَهَ
عَلَـيْنَا وَإنَا إنْ شاءَ الله لـمهتدون قال أنه يقول أنها بقرة لا ذلول
أي يذللها العمل تثـير الأرض يعنـي يسق بذلول فتثـير الأرض ولا تسقـي
الـحرث يقول ولا تعمل فـي الـحرب مسلـمة يعنـي مسلـمة من العيوب لاشية
فـيها. يقول لا بـياض فـيها. قالُوا الاَنَ جِئْتَ بـالـحَقّ فَذَبَحُوها
وما كادُوا يَفْعَلُونَ. قال: ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة
استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها, ولكنهم شددوا علـى أنفسهم,
فشدّد الله علـيهم. ولولا أن القوم استثنوا فقالوا إنا إن شاء الله
لـمهتدون لـما هدوا إلـيها أبدا فبلغنا أنهم لـم يجدوا البقرة التـي نعتت
لهم إلا عند عجوز عندها يتامى وهي القـيـمة علـيهم فلـما علـمت أنهم لا
يزكو لهم غيرها أضعفت علـيهم الثمن فأتوا موسى فأخبروه أنهم لـم يجدوا هذا
النعت إلا عند فلانة وأنها سألتهم أضعاف ثمنها فقال لهم موسى أن الله قد
كان خفف علـيكم فشددتـم علـى أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها ففعلوا واشتروها
فذبحوها فأمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فـيضربو به القتـيـل ففعلوا فرجع
إلـيه روحه فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان فأخذوا قاتله وهو الذي كان
أتـى موسى فشكى إلـيه فقتله الله علـى أسوء عمله.



حدثنـي
موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسبـاط عن السدي وإذ قال موسى لقومه إن
الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قال كان رجل من بنـي إسرائيـل مكثرا من الـمال,
وكانت له ابنة وكان له ابن أخ مـحتاج. فخطب إلـيه ابن أخيه ابنته فأبى أن
يزوّجه إياها, فغضب الفتـى وقال: والله لأقتلنّ عمي ولاَخذنّ ماله ولأنكحنّ
ابنته ولاَكلنّ ديته فأتاه الفتـى وقد قدم تـجار فـي بعض أسبـاط بنـي
إسرائيـل, فقال: يا عم انطلق معي فخذ لـي من تـجارة هؤلاء القوم لعلـي أصيب
منها, فإنهم إذا رأوك معي أعطونـي. فخرج العم مع الفتـى لـيلاً, فلـما بلغ
الشيخ ذلك السبط قتله الفتـى ثم رجع إلـى أهله. فلـما أصبح جاء كأنه يطلب
عمه, كأنه لا يدري أين هو فلـم يجده, فـانطلق نـحوه فإذا هو بذلك السبط
مـجتـمعين علـيه, فأخذهم وقال: قتلتـم عمي فأدّوا إلـيّ ديته. وجعل يبكي
ويحثو التراب علـى رأسه وينادي واعماه. فرفعهم إلـى موسى, فقضى علـيهم
بـالدية, فقالوا له: يا رسول الله: ادع لنا حتـى يتبـين له من صاحبه فـيؤخذ
صاحب الـجريـمة, فوالله إن ديته علـينا لهينة, ولكنا نستـحي أن نعير به.
فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: وَإذْ قَتَلْتُـمْ نَفْسا فـادّارَأتُـمْ
فـيها وَاللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ فقال لهم موسى: إنّ
اللّهَ يأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالوا: نسألك عن القتـيـل وعمن
قتله وتقول اذبحوا بقرة, أتهزأ بنا؟ قال موسى: أعُوذُ بـاللّهِ أنْ أكُونَ
مِنَ الـجَاهِلِـينَ. قال: قال ابن عبـاس: فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت
عنهم, ولكنهم شدّدوا وتعنتوا موسى, فشدد الله علـيهم فقالوا: ادْعُ لَنا
رَبّكَ يُبَـيّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَةٌ لا
فـارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بـينَ ذلكَ والفـارض: الهرمة التـي لا تلد,
والبكر: التـي لـم تلد إلا ولدا واحدا, والعوان: النصف التـي بـين ذلك
التـي قد ولدت وولد ولدها فـافعلوا ما تؤمرون. قالُوا ادْعُ لَنا رَبّكَ
يُبَـيّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ
فـاقِعٌ لَوْنُها تَسُرّ النّاظِرِينَ قال: تعجب الناظرين: قالُوا ادْعُ
لَنا رَبّكَ يُبَـيّنُ لَنا ما هِيَ إنّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَـيْنا
وَإنّا إنْ شاءَ اللّهُ لَـمُهْتَدُونَ قالَ إنّهُ يَقُولُ إنّها بَقَرَةٌ
لا ذَلُولٌ تُثِـيرُ الأرْضَ وَلا تَسْقِـي الـحَرْثَ مُسَلّـمَةٌ لا
شِيَةَ فِـيها من بـياض ولا سواد ولا حمرة. قالُوا الاَنَ جِئْتَ بـالـحَقّ
فطلبوها فلـم يقدروا علـيها. وكان رجل من بنـي إسرائيـل من أبرّ الناس
بأبـيه. وأن رجلاً مرّ به معه لؤلؤ يبـيعه, فكان أبوه نائما تـحت رأسه
الـمفتاح, فقال له الرجل: تشتري منـي هذا اللؤلؤ بسبعين ألفـا؟ فقال له
الفتـى: كما أنت حتـى يستـيقظ أبـي فآخذه بثمانـين ألفـا. فقال له الاَخر:
أيقظ أبـاك وهو لك بستـين ألفـا. فجعل التاجر يحطّ له حتـى بلغ ثلاثـين
ألفـا, وزاد الاَخر علـى أن ينتظر حتـى يستـيقظ أبوه حتـى بلغ مائة ألف.
فلـما أكثر علـيه قال: لا والله لا أشتريه منك بشيء أبدا, وأبى أن يوقظ
أبـاه. فعوّضه الله من ذلك اللؤلؤ أن جعل له تلك البقرة, فمرّت به بنو
إسرائيـل يطلبون البقرة, فأبصروا البقرة عنده, فسألوه أن يبـيعهم إياها
بقرة ببقرة فأبى, فأعطوه ثنتـين فأبى, فزادوه حتـى بلغوا عشرا فأبى,
فقالوا: والله لا نتركك حتـى نأخذها منك. فـانطلقوا به إلـى موسى, فقالوا:
يا نبـيّ الله إنا وجدنا البقرة عند هذا فأبى أن يعطيناها, وقد أعطيناه
ثمنا. فقال له موسى: أعطهم بقرتك فقال: يا رسول الله أنا أحقّ بـمالـي.
فقال: صدقت, وقال للقوم: أرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبـا فأبى, فأضعفوا له
مثل ما أعطوه وزنها حتـى أعطوه وزنها عشر مرّات, فبـاعهم إياها وأخذ
ثمنها. فقال: اذبحوها فذبحوها, فقال: اضربوه ببعضها فضربوه بـالبضعة التـي
بـين الكتفـين فعاش, فأسلوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي قال: أقتله وآخذ
ماله وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه.