افتراضي تحقيق ميزان الإيمان و التقوى في القرآن

تحقيق ميزان الإيمان و التقوى في القرآن

هذا البحث يسهل فهمه والاستفادة منه بعد الإطلاع على موضوع :

"الإيمان المصير الغائب الذي جهله كثير من الناس"

على الرابط :

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

إمامنا في هذا البحث قول الله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ
وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ
اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [المائدة :
93] .

(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ
فِيمَا طَعِمُواْ ) تشير هذه الآية إلى طعم ومذاق الإيمان وهو خصوصية
المؤمن العالم "العارف بالله " ، و العمل الصالح وهو خصوصية المؤمن الزاهد
"الولي الصالح" ، في حالة حققوا وصدقوا بما خصصوا أنفسهم لأجله ابتغاء وجه
الله .

وقبل الخوض في هذا الموضوع العقائدي الهام في حياة كل مؤمن صادق مخلص لا
غاية له إلا إرضاء الله ، علينا أن نعرف أنواع المؤمنين وهم يصنفون وفق
المقام و المرتبة إلى ثلاثة أنواع هم :

• المؤمن العالم : فالعلماء هم ورثة الأنبياء لقوله "ص" : ( العلماء ورثة
الأنبياء ، فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً و لا ديناراً ، ولكن ورثوا العلم
فمن آخذ به فقد أخذ بحظ وافر ) .

وهم أمناء الرسل على العباد لقوله "ص" : ( العلماء أمناء الرسل على عباد
الله ما لم يخالطوا السلطان ، ويدخلوا في الدنيا ، فإذا خالطوا ودخلوا في
الدنيا فقد خانوا الرسل ، فاعتزلوهم واحذروهم ) .

وهم خلفاء الحبيب الأعظم "ص" لقوله : ( رحمة الله على خلفائي ، قيل ومن خلفاؤك ، قال : الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله ).

وهم الغرباء في هذا الزمان الذي كثر فيه الدعاة و القراء وقل فيه العلماء و
الفقهاء لقول الهادي المصطفى "ص" : ( سيأتي على أمتي زمان يكثر فيه القراء
ويقل الفقهاء ويقبض العلم ) ، ونحن في هذا الزمن الذي كثر فيه الأئمة
الضالين الذين حذرنا منهم "ص" ، بقوله "ص" : ( أخوف ما أخاف على أمتي
الأئمة الضالين ) وأصبح العالم الرباني الوارث ووزرائه من الغرباء الذين
قال فيهم خليفة الله الأعظم "ص" : )إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا
كما بدأ، فطوبى للغرباء ، قيل: يا رسول الله ، ومن الغرباء؟ قال : الذين
يحيون سنتي من بعدي ، ويعلمونها عباد الله( .

و مما قال سيد المرسلين "ص" في فضل العالم : ( فضل العلم على العابد كفضل القمر ليلة على سائر الكواكب ) .

لقوله تعالى : ( ................ يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [المجادلة : 11]

ويقول "ص" : ( العلماء قادة وسادة ، والجلوس في مجالسهم هدىُ وعبادة ، وعالم ينتفع بعلمه خير من ألف عابد أو زيادة ) .

لقوله تعالى : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) [الأنعام : 90]

أما في فضل المتعلمين فقد قال "ص" : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً منها بما يفعل ) .

و في رواية معاذ بن جبل أنه "ص" قال : ( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ،
وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه
صدقة ، وبذله لأهله قربة ، وهو الأنيس في الوحدة ، والصاحب في الخلوة ،
والدليل على الدين ، والمصبر على البأساء والضراء ، يرفع الله به أقواما
فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدى بهم ، أدلة في الخير ، تقتص آثارهم ،
وترمق أفعالهم ، يبلغ العبد به منازل الأبرار والدرجات العلى ; والتفكر
فيه يعدل بالصيام ، ومدارسته بالقيام ، به يطاع الله عز وجل ، وبه يعبد ،
وبه يوحد ويمجد ، وبه يتورع ، وبه توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال ، وهو
إمام والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء ) .

• المؤمن الزاهد : و هم أولياء الله ورسوله "ص" ، وهم من قال فيهم وفي
شأنهم الله تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ) [ يونس:62-64 ] .

وهم حزب الله وأهله وخاصته لقوله تعالى : (ِإنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * َمَن يَتَوَلَّ اللّهَ
وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ [المائدة : 55-56] .

فالولي : ( هو من تولاه الله ورسوله ، وولوه عبادة الصالحين ) .

وهم المتحابين بالله الذين يغبطهم الأنبياء و الشهداء لمكانهم من الله ؟! .

يقول الله تعالى بالحديث القدسي : ( المتحابين في جلالي على منابر من نور يغبطهم الأنبياء و الشهداء ) .

وقال فيهم "ص" : ( إِنَّ لِلَّهِ أهليين مِنْ النَّاسِ . قَالُوا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ
اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ ) ، وأهل القرآن هم أهل العلم وهم من قال فيهم رسول
الله "ص" : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وهم الذين يرقوُن بالله ويرقون
عباد الله ، وفق وصف رسول الله "ص" : ( مثل المؤمن الذي يقرا القرآن كمثل
الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ) .

و الولي يخفي كرامته كما يخفي عورته ؟! ...

لقوله تعالى في الحديث القدسي : ( أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري ) .

وأفضل ما قيل فيهم قول الله تعالى في الحديث القدسي : ( إن لي عباداً من
عبادي يحبوني وأحبهم ، ويشتاقون إليَّ وأشتاق إليهم ، ويذكروني وأذكرهم ،
وينظرون إليَّ وأنظر إليهم ، من حذا طريقتهم أحببته ومن عدل عنها مقته
علامتهم أنهم يراعون الظلال بالنهار كما يُراعي الراعي الشفيق غـنمه ،
ويحنون إلي غروب الشمس كما يحن الطائر إلي وكره عند الغروب ، فإذا جنَّـهم
الليل واختلط الظلام وفـُرشت الفرش ونصبت الأسرة ، وخلا كل حبيب بحبيبه ،
نصبوا إلي أقدامهم وافترشوا إلي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي
فبين صارخ وباك ، وبين متأوه وشاك ، وبين قائم وقاعد ، وبين راكع وساجد ،
بعيني ما يتحملون من أجلي ، وبسمعي ما يشتكون من حبي ، أول ما أعطيهم ، أن
أقذف من نوري في قلوبهم : فيخبرون عني كما أخبر عنهم ، لو كانت السموات
والأرض وما فيها في موازينهم لا استقللتها لهم ، وأخر ما أعطيهم أن أقبل
عليهم بوجهي ورحمتي: فلا يعلم أحد ما أريد أن أعطيهم ) .

• المؤمن العابد : وهو القائم بظاهر الطاعات و ينتهي عند الإيمان الاعتقادي
المتمثل بحسن الظن بالله وهو من قال فيه "ص" : ( حسن الظن بالله من عبادة
الله ) .

وقال سيد ولد ابن أدم "ص" : ( يأتي العالم و العابد يوم القيامة ، فيقال للعابد أدخل الجنة ، ويقال للعالم اتئد لتشفع للناس ) .

وهو مقام عامة المسلمين أو من يمكن أن نسميه "المسلم" وينتهي بأداء العبادات وأن لا يكون من المفلسين ؟! .

قال "ص" : ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع
؟ فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد
شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا
من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت
عليه، ثم طرح في النار ) .

أي أن تكون استقامته استقامة جوارح ، ولن نتناوله في هذا البحث لأنه معروف المقام ...

يقول الله تعالى : ( إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) .

وكلمة إذا هنا أداة شرط ، تشير إلى موجبات السعادة القلبية التي ينشدها
المؤمن التقي وهذه الموجبات تبدأ بالتقوى الأول وهي الإسلام فالإسلام هو : "
الاستسلام لأوامر الله كاملة و التسليم بها " ، ويكون ذلك باستقامة
الجوارح لقوله تعالى : (َاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ
وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [هود : 112] وتبدأ
بالتوبة "العودة بالامتثال لأوامر الله" ، وقد قال "ص" : ( المسلم من سلم
المسلمون من لسانه و يده ) وتلخص استقامة الجوارح عند أهل الإيمان الظني في
الآيات التالية : (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ
مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن
نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم
بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ * يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات :
11-13 ].

و الدليل على أن هذه الآيات تخص المسلمين من أهل الاستقامة بالجوارح الآية
التي تلي الآيات السابقة في قوله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا
قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا
يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
[الحجرات : 14] ، ولكن هذه الاستقامة في النهاية توصل إلى الاستقامة
القلبية و الوصول إلى الإيمان الحقيقي ، إذا ما طبقت على أحسن وجه لقوله
صلى الله عليه وسلم : ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم
قلبه حتى تستقيم جوارحه ) .

والتقوى الأول هنا هي تقوى الذنوب ، ولا تكون بإزالة الذنوب لأنه لا يزول الذنب إلا بمغفرة الله من خلال نور الإيمان القلبي .

ولكن استقامة جوارح تؤدي إلى ترك أسباب تزايد تأثير الذنب وتعشقه في القلب
فالذنب هو ميل قلبي وتعلق نفسي تحركه الشهوات وهو هوى النفس وهي النوع
الأول من حجب القلب .

فكلمة ذنب مأخوذة من كلمة ذنب وهو الذيل القصير وهي تلك العالقة اللحمية
التي يمكن العيش عند كبير من الحيوانات بغيرها ولكن زوالها مؤلم .

وقد شبهه الله تعالى ، تتالي وتزايد أثار الذنوب على القلب في كتابه العزيز
بالأغلال ، التي تمنع المرء من المضي في طريق الإيمان وتشكل سد منيع يعمي
القلب لقوله تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ
لَا يُؤْمِنُونَ * ِإنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ
إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * َجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ
يُبْصِرُونَ ) [يس :7-9] ، فالاقماح هنا هو الامتلاء بالتعلقات النفسية
التي تعمي البصيرة و الاقماح مشتقه من سنبلة القمح المليئة بحبات القمح حتى
الامتلاء ، لقوله "ص" : ( إن الذنوب إذا تتالت على القلوب أغلقتها و إذا
أغلقتها جاءها الخاتم والطابع من الله بأن ليس للإيمان إليها مدخل وليس
الكفر "الإعراض عن ذكر الله" عنها منجى ) ...

ومنبع الذنب هي سبعة شهوات أساسية ذكرها الله في كتابه العزيز في قوله : (
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ
وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) [آل عمران : 14]

فالذهب و الفضة في عصرنا هي الأموال المنقولة والغير منقولة لأن الذهب أو
الأموال المنقولة هي الأموال المتداولة التي تذهب وتجيء أما الفضة أو
الأموال الغير منقولة أي فهي الأملاك الثابتة من أبنية و عقارات ... الخ أو
ما يسمى في علم المحاسبة و التجارة الأصول أو الموجودات الثابتة .

و الخيل المسومة في يومنا هي السيارات المرفهة ذات المواصفات القاسية .

فترك هذه الشهوات ، إلا بالحلال بما قسمه الله ، لقوله "ص" : ( ثلاثة من
نعيم الدنيا والدنيا ليس فيها نعيم : المرأة الصالحة ، والدابة الوطيئة ، و
البيت الواسع ) وما عند الله ، خير للسالك المسلم لقوله تعالى :
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) [الكهف :
46] ، وقوله "ص" : ( من ترك شيء لله عوضه الله بخير وأحسن منه في دينه
دنياه ) .

فمن ابتلي بذنب حب النساء لا يحاسب على هذا البلاء ولكن يحاسب إن لم يتب عن
موجبات زيادة هذا الميل القلبي ، وهنا يكمن سر أو فقه الأمر في غض البصر
وحفظ الفرج عند الرجال ويضاف له عند النساء إخفاء الزينة وما يستجذب الرجال
لأنهن حبائل الشيطان ، لقوله تعالى : (ُقل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * َوقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ
أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ
أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ
الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن
زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور : 30 - 31] .

فغض البصر يثاب فاعله في النهاية بطهارة قلبه من هذا الذنب أو الهوى
وارتقائه بالإيمان لقوله تعالى : (ُقل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ..... )
وأزكى "أي أنقى و أرقى " لقلوبهم ، وشرح ذلك قوله "ص" : ( النظر إلى المرأة
سهم مسموم من سهام إبليس من تركه من خوف الله عز وجل أثابه الله إيماناً
يجد حلاوته في قلبه ) ومن هذه الحلاوة عزة المؤمن بارتقائه عن هذا الهوى .

يروى أن سيدنا سلطان العارفين "أبو يزيد البسطامي" قدس سره العزيز ، قال :
طلبت من الله أن يكفيني شهوة الكلأ والنساء ، فعدت وقلت لكن لم يطلب ذلك
رسول الله "ص" ، إلا أن الله كفاني النساء ، فلا أعلم إذا أتيت النساء
أفئاتي بشر أم حجر .

وقول الفارق رضي الله عنه : ( كنا نأتي النساء شهوة الولد ) ؟! ... وعنه
أيضاً : ( ما آتي النساء لشهوة، ولولا الولد ما آتي النساء) ... ، وهذا
ليس لقلة فحوله عنده رضي الله عنه ، ولكن لشدة تولهه بالله ، أي مشغول لا
يشغل ...

فتحبيب الله لرسوله بالنساء سنة لنا حتى تستمر الحياة الاجتماعية و التكاثر ...

لقوله "ص" يقول : (لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ ،
وَ لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ ، أَصُومُ
وَ أُصَلِّي وَ أَلْمِسُ أَهْلِي ، فَمَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي
فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي ، وَ مِنْ سُنَّتِيَ النِّكَاحُ ) ، ومنه نفهم
القول المعتدل لإمام الطائفتين " أبو القاسم الجنيد" قدس سره : ( أحتاج إلى
الجماع كما أحتاج القوت ، فالزوجة على التحقيق قوت وسبب لطهارة القلب )
لقوله "ص" : ( خيركم من غسل و أغتسل ) ، وقوله "ص" : ( في بضع أحدكم أجر ،
قالوا يا رسول الله أو يأتي الرجل منا شهوته ويكون له أجر ، قال ماذا إن
أتاها بالحرم أوليس عليه وزر ، قالوا بلى يا رسول الله ، وكذلك إن أتاها
بالحلال فإن له أجر ) ، ومنه نفهم قول الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه: (
إني لأكره نفسي على الجماع كي تخرج مني نسمة تسبح الله تعالى ) .

لكن الواصلين إلى مقام التحقيق وعلى رأسهم إمام المتحققين "ص" ، يفعلون
ذلك لإسعاد نسائهم لا لإسعاد ذاتهم لأن قرة أعينهم بصلتهم بربهم لقوله "ص" :
( حبب إلي من دنياكم ثلاث ، الطيب ، والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة )
والدليل صحة حال الفاروق الأعظم وسلطان العارفين حال مصباح القلوب ، سيدنا
محمد "ص" في قوله : ( والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ، وبكيتم
كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ) .

ونعود إلى مطلع الآية من جديد (إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ... ) .

لنبحث في المقام الأول من الإيمان وهو الإيمان الاعتقادي ، والذي ينقسم إلى قسمين هما :

• الإيمان الظني : وهو الإيمان المبني على حسن الظن بالله وهو كما قال "ص"
مفتاح الجنة ورأس الأمر كله وهو مبعث الأمل في قلب العابد و الزاهد
"الولي" ويصدقه العمل الصالح أي العمل الذي تصلحه النية الصادقة ، والنية
هي إرادة العمل ، يقول "ص" في رواية فاروق الأمة "ر" : ( إنما الأعمال
بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى
الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها. فهجرته إلى ما
هاجر إليه ) .

ولكن الزيادة عند الأولياء عن عامة المسلمين ، بكثرة العلم كثرة الذكر
القلبي وبفهم العمل والزهد بالدنيا والمراقبة الدائمة للذات والخشية من
التقصير مع الله وعلو الهمة في التفاني بالنوافل و العمل الصالح ، كما أخبر
بذلك سيدنا الإمام أحمد بن حنبل بعد أن التقى بسادة أهل القلوب بزمانه وهم
الإمام " الحارث بن أسد المحاسبي " قدس سره ، والإمام المعروف "معروف
الكرخي " قدس سره الذي جرى بينه وبين الإمام أحمد حوار أراد الإمام أحمد أن
يختبره فيه في مجال التشريع ، قائلاً : أخبرني يا إمام عن حكم سجود السهو
في فريضة الصلاة ، فأجاب قدس سره : عندنا أم عندكم فأجاب الإمام أحمد
متعجباً ! ، عندنا وعنكم فقال : أما عندكم فيكون السهو إن تاه المصلي عن
واجب من واجبات الصلاة ، وأما عندنا فيستوجب العقاب ذلك لأن العبد ألتفت عن
ربه وهل للعبد أن يلتفت عن ربه ، فذهل الإمام أحمد من إجابته ، ثم سأله ما
هو مقدار الزكاة إذا حال عليها الحول ، فأجاب قدس سره ، عندنا أم عنكم ،
فقال عندنا وعندكم ، فأجاب : عندكم مقدار الزكاة هي ثُمن الخُمس من النصاب ،
وأما عندنا فالعبد وما ملكت يمينه لربه ، فذهل الإمام أحمد من جديد ثم قال
: متى يستوجب الحج ، فقال عندنا أم عندكم فطلب منه الحالتين فأجاب عندكم
في حالة الاستطاعة بالمال والبدن ، وعندنا الحج لمن حج وعرفة لمن عرفه ،
هنا أيقن الإمام أحمد بعلو مقام آهل الولاية وصلاحهم في علم الدارين ، وقال
لأبنه يا بني إن جلست في غيري مجلسي هذا فلا تجالس إلا من أسموا أنفسهم
بالصوفية فقد زادوا علينا بكثرة العلم و الزهد و المراقبة و الخشية وعلو
الهمة ، وقد أخذ عنهم آداب السلوك إلى الله حيث قال : ( تعلمت العلم في
سبعة سنين وتعلمت الأدب في سبعة سنين وليته كان كله أدب ؟! ) .

• الإيمان الفكري : وهو ذكر القلب ومفتاح أنواره وهم منهج العلماء في شقيه
أي ذكر المحبة من خلال التأمل في أسماء جمال الربوبية ، وذكر الهيبة
بالتأمل بأسماء وصفات كمال الإلوهية ، ولكن العلماء يختصون بأسماء الهيبة
الإلهية فيغلب الجلال على الجمال في قلوبهم لتخشع قلوبهم من خشية الله .

أما الأولياء فيختصون بذكر المحبة وأسلوبهم بالتفكر يكون بالتأمل أي
الاستلال بالنظر في نعماء الله لصفائهم بالله ، وليس الموازنة أو المقارنة
الفكرية كما عند العلماء ودليلهم في ذلك قوله "ص" ( زد غباً تزد حباً ) وما
قال فيه سيد المرسلين "ص" في أصدق الشعر وهو ما قال لبيد الذي يقول ( تأمل
سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل **** قد خط فيها إذا
تأملت خطاه آلا كل ما خلا الله باطل ) .

وهم يكثروا من ذلك بالسر و العلانية بغية أن ينالوا محبة المحبوب جل وعلا لهم لقوله "ص" : ( من أكثر ذكر الله أحبه الله ) .

أما عند العلماء ويكون التفكر بإنتاج معرفة قلبية بالموازنة بين معرفتين
فكريتين ، ويكون ذلك من خلال خمسة موازين منطوية في كتاب الله وهي :

1. ميزان الشيء وأصله ، أي الإنسان وأصله من نطفة مجهريه ملقحه أو علقة
تربو على جدار الرحم ومصداق ذلك من كتاب الله قوله تعالى : ( اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ) [العلق
: 1-2].

2. ميزان الشيء وانعدامه ، فغياب الشمس يدل على أهمية وجودها وإغماض العين
يبن قيمة النظر ومنه قوله "ص" : ( أغمض عينيك لترى فضل الله عليك ) ، و
مصداق ذلك في كتاب الله : ( ...... رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران : 191] ، وقوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ .............
[الأنعام : 73] ، وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء
وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) [يونس : 5] .

3. ميزان الشيء وأضداده أو خلاف ما هو عليه ويستدل بهذا الميزان على الفضل و
العظمة لله ، وميثاقه قول الله تعالى : (ِإنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ ) [القمر : 49] .

4. ميزان الشيء ومثيله أي التفكر بالعين البشرية وأشباهها عند الكائنات وهو
يدل على سعة الله وإحاطته بخلقه ، أو التفكر بأمثلتها من صنع الإنسان مثل
الكمرات حتى يتثنى لنا معرفة عظمة الصنعة الإلهية ودليله من كتاب الله
قوله تعالى : (َيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم : 25] أي يتفكرون وبيان هذه الآية المبينة في
قوله تعالى : (َتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا
يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) [العنكبوت : 43] .

5. ميزان الشيء وارتباطه وهو ميزان متقدم بمفاهيمه ويبدأ بعلاقة الارتباط
بين أعضاء الجسم الواحد ثم مع المحيط ثم مع رب المحيط أي الدخول في مضمار
التوحيد .

والتفكر في خلق الله يولد في القلب البهجة أو مما يعرف ببهجة المعرفة نتيجة
بوارق الحق في القلب بقوة الاستدلال التي تزداد يوماً بعد يوم حتى يتوقد
الحق في قلب المؤمن بوله المحبة أو وجل الخشية .

ويساعد على قدح المعارف وتوقد العلوم الاستغفار قبل التفكر وهو طلب المغفرة من الله ...

ولكن ما هي المغفرة ، فالمغفرة لغة هي التغطية والستر ومصدرها "غفر"
وتصريفها المزجي أنها مكونة من كلمتين هما " عف فراه " أي محا خلله وإصلاح
فساده ، ويكون ذلك بنور الإيمان والإيقان ، لقوله تعالى : (وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) [طه :
82] .

أما المساعد الثاني بعد التفكر فهو التسبيح وهو "تذكير القلب بما يحيه
ويرقيه " من خلال إدراج ما يمكن استحضاره من بوارق المعرفة الناتجة عن
الفكر في القلب بعد ربطها ونسبها لأسم الذات الأعظم "الله" .

أما الأولياء فيعتمدون بالمساعدة على تأملهم في جمال المحبوب كثرة الصلاة
على الحبيب "ص" ، وهو طلب أن توصل قلوبهم بقلب سيد المرسلين ليستنيروا
بسراجه المنير شمس الحق و الحقيقة .

أما عن دلالة أهمية التفكر فهي كثيرة ومنها ما ورد عنه "ص" أنه دخل المسجد
مرة فوجد فيها من أصحابه من هو صامت مستغرق ، فسألهم ماذا تفعلون ، فقالوا
نتفكر في خلق الله يا رسول الله ، فقال "ص" : ( هكذا فافعلوا تفكروا بخلق
الله و لا تفكروا بالله فمن فعل ذلك هلك ) فالتفكر يكون بالدلائل على الحق
ونعمائه ، أما التفكر بذات الله فهو إشراك لأن الله واحد لا يتجزأ ولا يحاط
ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، لقوله "ص" : ( العجز عن الإدراك إدراك
والبحث بالذات الإلهية إشراك ) .

ويقول الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : ( لو عرفتم الله عز وجل حق
معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال ولو خشيتم الله حق خشيته
لعلمتم العلم الذي ليس معه جهل ، ولكن لم يبلغ ذلك أحد ،

قيل يا رسول و لا أنت ؟ ، فقال ولا أنا فالله عز و جل أعظم من أن يبلغ
أحداً أمره كله ثم تلا الآية :"وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ
قَلِيلاً ( [الإسراء : 85 ] .

يقول الله تعالى : ( إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) .

ونعود الآن لنتابع تسلسل هذا المقطع من الآية الكريمة ، فقد وصلنا إلى
مرحلة العمل الصالح و العمل الصالح هو "كل عمل به صلاح القلب لنور للإيمان
وهو شعب الإيمان فالإيمان شجرة جذعها الأساسي "لا إله إلا الله " إي
الإقرار بالتوحيد وهو جوهر الإيمان القلبي ، ولها وأغصانها شعب الإيمان
التي قال فيها سيد المرسلين "ص" : ( الإيمان بضع وسبعون شعبه أعلاها لا
إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من شعب
الإيمان ) ومن هذه الأعمال الصالحة وفق أحاديث سيد المرسلين "ص" : الكلمة
الطيبة ، والابتسامة في وجه أخيك ، وحسن الجوار ، وبر الوالدين ، وصلة ذي
القربة ، وصدقة السر ، والتزاور في الله ، وعيادة المريض ، و العطف على
الصغير ، وإجلال الكبير ، وتوقير العالم ، وتشيع الجنائز ، والتماس
الأعذار للأخوة في الله ، ومحبة الخير لأخيك كحبه لنفسك ، والعفو عند
المقدرة ، والعطف على اليتيم وكفالته ، والغضب للدين ، وإكرام النساء
المحارم ، وأن تحسن للمسيء ، وتعفو عن من ظلمك ، وتعطي من منعك ، وتملك
نفسك عند الغضب ، وتكرم ضيفك ، وتعطي وتكرم الفقير و المسكين ... ، وأن
تكون هيناً ليناً ، وأن تخالط الناس بأخلاقهم وتخالفهم بأعمالهم ، وتكون
ألفاً مألوفاً ....... الخ .

وقد ورد في حديث طويل لرسول الله "ص" في أخلاق المؤمن : ( إن من أخلاق
المؤمن قوة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وعلما في حلم ،
وحلما بعلم ، وكيساً في رفق ، وتجملا في فاقة ، وإنصافا في استقامة ، لا
يحيف على من يبغض ، ولا يأثم في مساعدة من يحب ، ولا يهمز ولا يغمز ، ولا
يلمز ، ولا يلغو ، ولا يلهو ، ولا يلعب ، ولا يمشي بالنميمة ، ولا يتبع ما
ليس له ، ولا يجحد الحق الذي عليه ، ولا يتجاوز في العذر ، ولا يشمت
بالفجيعة إن حلت بغيره ، ولا يسر بالمعصية إن نزلت بسواه ، المؤمن في
الصلاة خاشع ، وإلى الركوع مسارع ، قوله شفاء ، وصبره تقى ، وسكوته فكرة ،
ونظرته عبرة ، يخالط العلماء ليعلم ، ويسكت بينهم ليسلم ، ويتكلم ليغنم ،
إن أحسن استبشر ، وإن أساء استغفر ، وإن عتب استعتب ، وإن سفه عليه حلم ،
وإن ظلم صبر ، وإن جير عليه عدل ، لا يتعوذ بغير الله ، ولا يستعين إلا
بالله ، وقور في الملأ ، شكور في الخلاء ، قانع بالرزق ، حامد على الرخاء ،
صابر على البلاء ، إن جلس مع الغافلين كتب من الذاكرين ، وإن جلس مع
الذاكرين كتب من المستغفرين )

وهي معاملات مبنية على أخلاق حسنة ويختص فيها الأبرار وهي المرتبة الأولى
من مراتب الأولياء وهم بمفهوم التصوف "الصفاء والاصطفاء" ( من صفا من
الأكدار فاصطفاه الله مع الأبرار ) ، قوله "ص" : ( البر ما اطمأن له القلب
واطمأنت له النفس ) ، وقد قال العارف بالله "سهل بن عبد الله التستري" قدس
سره : ( الصوفي من صفا من الكدر وامتلاء بالعبر واستوي عنده الذهب و المدر
وانشغل بالله عن البشر ) .

و البار من ينفق جهده ووقته وماله في حب الله ...

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا
تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران : 92]

وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ [آل عمران : 198]

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة : 177] .

قال "ص" : ( البر حسن الخلق ) ، ومنه نفهم قوله "ص" : ( خيار أمتي أحاسنهم
أخلاقاً الذين يألفون ويؤلفون ) ، ، وقوله "ص" : ( أكملكم يماناً أحاسنكم
أخلاقاً ) .

والبار هو الذي يعمل شكراً لله وتأسياً برسول الله حتى ينال حق التقوى وهي
الاستنارة بنور السراج المنير "ص" لأنه كان على قدم رسول الله "ص" اصطبغ
بحاله واتصل بقلبه فأصبح من المتقين .

والمؤمن البار إن كان عالماً أصبح في نهاية الأمر "صديق" أي الإمام الرباني الوارث لمقام النبوة أي خليفة رسول الله .

لقوله "ص" : ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، و لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) .

فالبار هو الجواد الكريم الذي يجود بالغالي و النفيس في رضا الله ، وكريم
لأنه صافي ونفيس لا تنقضي فضائله ، لأن الكرم عكس اللؤم وليس البخل كما يظن
كثير من الناس .

فالقرآن الكريم أي الصافي والنفيس الذي لا تحاط فضائله ؟! ...

» افتراضي امرأة حديثها القرآن
» التّصوُّف في ميزان الوحي والفقه
» التصوف هو التقوى