المحبة
لا يمكن حدها بحدود لأنها لا حدود لها , وما وضع لها من حدود وتعاريف لا
تزيدها إلا خفاء , فهي حالات ذوقية تفيض من نور المحبوب تهدى إليه لا
ارتواء فيها حتى يذوب المحب في محبوبه ويفقد عناصره فيصبح نسخة منه ,
وبدون المحبة ترى كل شيء جافاً لا حياة فيه فهي ماء الحياة الذي بلغه
المحبون فهاموا واستزادوا وكلما استزادوا زيدوا وهذا حالهم , وكل ما قيل
في المحبة في كتب القوم ما هي إلا أثار لها تركتها فيهم فعبروا عن هذه
الآثار , فكيف يمكن رسم الحدود والتعاريف لها وهي فيض من نور الله توصل
إلى الله الذي ليس كمثله شيء .
• قال ابن الدباغ رحمه الله : فأن
المحبة لا يعبر عنها حقيقة إلا من ذاقها استولى عليه من الذهول على ما هو
فيه أمر لا يمكنه معه العبارة , كمثل من هو طافح سكراً إذا سُئل عن حقيقة
السكر الذي هو فيه , لم يمكنه العبارة في تلك الحالة لاستيلائه على عقله .
والفرق بين السكرين أن سكر الخمر عرضي يمكن زواله ويعبر عنه في حين الصحو
, وسكر المحبة ذاتي ملازم لا يمكن من وصل إليه أن يصحو عنه حتى يخبر فيه
عن حقيقة كما قيل :
يصحُ من الخمر شاربوها والعشق سكر على الدوام
•
قال ابن عربي : وما من الموجودات إلا محب حتى السالب والموجب وهما أقوام
الوجود حتى ذرات الطبيعة يمسكها الحب أن تزول أو تحول فالعالم كله محب
ومحبوب ولكن صور الحب خداعة اتخذت ألوانها حُجباً ومظهراً مضمرة فما تنفس
الحب في قلب إنسان لغير خالقه ولكنه احتجب بحجب زينب وهند وليلى والدرهم
والدينار والجاه وكل مرغوب محبوب من شهوات الدنيا .
وراح ابن عربي يبين سبب الحب في الأعماق البشرية وغيرها وقال :
فالحب
سبب الجمال وهو الله . والله جميل يحب الجمال , فإن أحببت إلا الله فأنه
هو الجميل . وإنما أخرج الله العالم ليكون مرآته يرى نفسه فيه مما أحب إلا
نفسه .
• قال المحاسبي في المحبة : ميلك إلى الشيء بكليتك ثم إيثاره
على نفسك وروحك ومالك وموافقته لك سراً وجهراً ثم علمك بتقصيرك في حبه .
ويعتقد
بعض النقاد إن المحبة تورث الترخص في الدين ورفع التكاليف الشرعية وهذا
مرفوض قطعاً . فقد قال يحيى بن معاذ : ( ليس بصادق من ادعى إلى المحبة ولم
يحفظ حدوده ) . ومن عبارة جلال الدين الرومي التي يقول فيها : ( الحب دواء
العجب والرياء وطبيب جميع الأدواء ولا يكون الإيثار صادقاً إلا عنده من
مّزق الحب ثوبه ) . فليس من يعبد الله طمعاً بجنته أو خوفاً من ناره كمن
يعبد الله حباً لذاته وطمعاً في محبته إياه فالفرق شاسع بين الجنة التي هي
مخلوق وبين الخالق العظيم .
دليلها من الكتاب والسُنة
قال تعالى : ] قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ [( ).
وقال تعالى : ] وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ [( ).
وقال
تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [(
).
محبة الله تعالى للعبد إرادة تقريبية وإكرامه وتوليه بعنايته في
جميع أحواله , فمن أحبه الله تعالى عامله بلطفه وجاد عليه بإحسانه وفتح
عليه ما يبلغه أمله , ولا يدركه كده وعمله , ومحبة العبد لله تعالى تعلق
القلب بذكره ودوام الشغف به والتنعم بمناجاته والتلذذ بخدمته وصدق الشوق
إليه والاكتفاء به عن كل ما سواه .
• قال رسول الله : ] اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك اللهم أجعل حبك أحب ألي من نفسي وأهلي والماء البارد [
•
قال : ] ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان , أن يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى
الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار [ .
• قال :
] إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء
والشهداء [ , قال رجل فمن هم وما أعمالهم لعلّنا نحبهم ؟ قال : ] قوم
يتحابون بروح الله من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها , والله إن
وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون
إذا حزن الناس [ .
• قال تعالى في الحديث القدسي : ] لا يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها [ .
• ويقول لصحابة الرسول رضوان
الله عليهم أجمعين محذراً لهم من نقض شروط المحبة وحثاً على الإيفاء بها :
] فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ [( ).
والمحب عند
الله تحبه جميع المخلوقات حتى الحجر والمدر والنبات والبهائم وغيرها
فتلتصق به الريح حباً ويظلله الغمام , ويكون مقبولاً في السماء والأرض
تحبه الملائكة كما قال سيد الكائنات حبيبنا محمد : ] إذا أحب الله عبداً
دعا جبريل فقال أني أحب فلاناً فأحبه , فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء
فيقول : إن الله يحب فلان فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في
الأرض [ .
والقرآن والسنة مملوءان بذكر من يحبه الله وبذكر من لم
يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم : ] وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [(
). ] وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [( ). ] إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [( ). ] وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ [( ).
وقد جعل الله حب الله ورسوله من شروط الإيمان في
أحاديث كثيرة , فقال] لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبُ إليه من أهله وماله
والناس أجمعين [
والمحبة تورث ألمعية حيث قال رسول الله ] يُحشر المرء مع من أحب[
• وقال : ] من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه [ .
وأوحى الله إلى عيسى : ] إني إذا اطلعت إلى سر عبدي فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته بحبي وتوليته بحفظي [ .
وأوحى الله تعالى إلى داود : ] يا داود ذكرى للذاكرين , وجنتي للعابدين , وزيارتي للمشتاقين , وأنا خاصة المحبين [ .
وأوحى الله تعالى إلى آدم : ] يا آدم من أحّب حبيباً صدق قوله , ومن أنس بحبيبه رضي فعله , ومن اشتاق إليه جّد في سيره [ .
وأوحى
الله تعالى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام : ] يا يحيى أني قضيت على
نفسي أنه لا يحبني أحد من خلقي , اعلم ذلك من نيته , إلا كُنت سمعه الذي
يسمع به وبصره الذي يبصر به وفؤاده الذي يعقل به فإذا كنت كذلك بغضتُ إليه
أن يشتغل بغيري وأدمت فكره وأسهرت ليله وأظمأت نهاره , أنظرُ إليه في كل
يوم سبعين نظرة فأرى قلبه مشغولاً بي فأزداد من حبه , وأملأ قلبه نوراً
حتى ينظر بنوري , فكيف يسكن يا يحيى قلبه وأنا جليسه وغاية أمنيته وعزتي
وجلالي لابعثنه مبعثاً يغبطه النبيون والمرسلون , ثم آمر منادياً ينادي :
هذا حبيب الله وصفيه دعاه إلى زيارته , فإذا جاءني رفعت الحجاب بيني وبينه
[ , فلما ذكر الحجاب صاح يحيى صيحة فلم يفق ثلاثة أيام , فلما أفاق قال
: فمن لم يرضّ بك صاحباً فبمن يرضى وكيف أصاحب خلقك وقد دعوتني إلى
مصاحبتك .
أوحى الله تعالى إلى داود : ] يا داود من طالبني قتلته في هواي شوقاً إلى لقاءي , من أحبني أحببته أي أشغفته حتى لأجد له دوني [ .
أقوال العلماء في المحبة
الإمام الغزالي : من ادعى حب الله وشكا من البلوى فهو كذاب .
وقالت رابعة :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقاً لاطعته إن المحب لمن يحب مطيعُ
وقال ابن عربي : إن الحب ليس دعوى يلفظها اللسان ويتصورها الخيال , بل للحب آيات وشهود وشروط فينبغي على المحب :
• أن يصم سمعه إلا عن كلام محبوبه .
• ويعمي عينه عن كل منظور سوى وجه محبوبه .
• ويخرس لسانه عن كلام إلا عن ذكر محبوبه .
• ويرمي على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه , فيه يسمع وبه يبصر وبه يتكلم وله يتكلم .
وقال
: واعلم انه كلما ازدادت المشاهدة ازداد الحب لان الاشتياق يهيج باللقاء
ومن علامة المحب أن يستقل الكثير من نفسه , ويستكثر الكثير من محبوبه لان
المحبوب غني فقليله كثير , , والمحب فقير فكثيره قليل , وان يستريح لكلام
محبوبه هائم القلب يؤثر محبوبه على كل مصحوب .
ومن عجب إني أحن إليهم واسأل شوقاً عنهم وهـم معي
وتبكيهم عيوني في سوادها وتشتاقهم نفسي وهم بين أضلعي
ويقول
: إن الله يحبنا لنا ولنفسه فأما حبه إيانا لنفسه , فهو قوله : ] وأحببت
أن اعرف فخلقت الخلق فتعرفت أليهم فعرفوني [ . وأما حبه لنا فلما عرفنا به
من الأعمال التي تؤدي بنا إلى سعادتنا ونجاتنا , ومن إحسانه بعث الرسل
إلينا فكلما ازداد إيمان الفرد ازداد حبه , ولا بأس أن نقول كلما ازداد
حبه ازداد إيمانه وقَوتْ عقيدته ورسخت , فكلما ازداد حبه لك مضاعفاً وفي
ذلك قوله في الحديث القدسي : ] كلما تقرب ألي عبدي شبراً , تقربت إليه
ذراعاً [ .
فبقدر الاستعداد والإخلاص يحول الله بحبه الروح إلى راضية
ومطمئنة لا يصدر عنها شر ولا عدوان وهو أن يصل الإنسان إلى حب كل شيء في
الوجود حين يتصور إن كل شيء من صنع المحبوب فيحب جميع الموجودات لأجله ,
سُئل صوفي عن المحبة فقال : هي الموافقة وانشد :
ولو قلتَ لي مُت مُتُ سمعاً وطاعةً وقلت لداعي الموت أهلاً ومرحباً
ابن الفارض :
ولاح سر خفي يدريه من كان مثلي فالموت فيه حياتي وفي حياتي قتلي
وكان بلال يعالج سكرات الموت باسماً وهو يقول : وافرحتاه غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه .
• وقال أبو بكر الصديق : من ذاق من خالص محبة الله شغله ذلك عن طلب الدنيا وأوحش عن جميع البشر .
• وقال يحيى بن معاذ : مثقال خردلة من الحُب أحب أليّ من عبادة سبعين سنة بلا حُب .
• وقالت رابعة العدوية رحمها الله : من يدلنا على حبيبنا ؟ فقالت جارية لها : حبيبنا معنا ولكن الدنيا قطعتنا عنه .
وقال ذو النون المصري ما اولع أمرؤ بذكر الله تعالى إلا استفاد محبة الله .
•
قال الإمام القشيري : من الأحوال السنية في المحبة الشوق ولا يكون المحب
إلا مشتاقاً أبداً لان الحق تعالى لا نهاية له , فما من حال يبلغها المحب
إلا ويعلم أن وراء ذلك أوفى منها وأتم , وقال : ثم هذا الشوق الجاذب عنده
ليس هو كسبه وإنما هو موهبة خّص الله تعالى بها المحبين .
• وقال
أحمد بن أبي الحواري : دخلت على أبي سليمان الداراني , فرأيته يبكي
فقلت : ما يبكيك رحمك الله ؟ قال : ويحك يا أحمد , إذا جُن هذا الليل
وافترش أهل المحبة أقدامهم وجرت دموعهم على خدودهم , أشرف الجليل عليهم
, وقال : ] بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلى مناجاتي واني مطلع أليهم في
خلواتهم , اسمع أنينهم وارى بكاءهم , يا جبريل ناد فيهم ما هذا البكاء
الذي أراه فيكم , هل أخبركم مخبر إن حبيباً يُعّذب أحباءه بالنار , بل كيف
يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جُن عليهم الليل تملقوني , فبي حلفت إذا وردوا
يوم القيامة على أن أسفر لهم عن وجهي وأبيحهم رياض قدسي [ .
• قال السري السقطي : من أحب الله تعالى عاش , ومن مال إلى الدنيا طاش , والأحمق يغدو ويروح في غير شيء .
• قال سهل بن عبد الله : المحبة عطف الله بقلب عبده إلى مشاهدته بعد فهم المراد منه .
• وقال أبو يزيد البسطامي : المحبة إيثار المحبوب عن كل مصحوب .
•
وقال الجنيد عن المحبة لله تعالى : عبد ذهب عن نفسه واتصل بذكر ربه وأقام
بأداء حقوقه ونظر إليه بقلبه , فأن تكلم فبالله وأن سكت فمع الله .
كما
قال : بكى يونس حتى عمي وقام حتى انحنى وصلى حتى اقعد وكان يقول : وعزتك
وجلالك لو كان بيني وبينك بحار من نار لخضتها شوقاً مني إليك .
• وقال بعضهم رأيت في جبل لكام رجلاً أحمر نحيف البدن وهو يفر من حجر إلى حجر ويقول :
إنما الشوق والهوى حّيرني كما ترى
ويقال : المحبة أن تكون للمحبوب كالمملوك حتى لا يكون لك منك شيء .
قال سمنون : ذهب المحبون بشرف الدنيا والآخرة لان النبي محمد يقول : ] المرء مع من أحب [ .
•
قال المحاسبي : المحبة ميلك إلى المحبوب بكليك ثم إيثارك له على نفسك
وروحك ومالك ثم موافقتك له سراً وجهراً ثم علمك بتقصيرك في حبه
ودخل
جماعة على الشبلي وهو في المارستان فقال : من أنتم فقالوا أحبابك فرماهم
بحجر فهربوا , فقال : يا كذبة لو كنتم أحبابي لما هربتم من بلائي .
الحب لذات الله :
الصوفية يحبون الله لا خوفاً ولا طمعاً بل يحبونه لذاته لأنه أهلاً للحب وتلك مثالية في الحب لم تعرف لغير هؤلاء الصفوة الربانيين .
•
قال أبو يزيد البسطامي : الناس يخشون الموت وأنا أتمناه حتى إذا جاء يوم
الحساب هتف بي ربي , يا عبدي : فأقول لبيك , ثم يفعل بعد ذلك ما يشاء .
هكذا
يرون ويتمنون مناجاته لهم , لا يريدون سواه , فقول الله له يا عبدي تكفيه
عن كل شيء فهو ألذُ عنده من الجنان والحور الحسان , هذا سبيلهم في الحب
فهم لا يعشقون سواه فهو وسيلتهم وهو غايتهم فيه يحبون وإليه يقصدون .
إن
المريد إذا أحب الشيخ المحبة الكاملة , سكن الشيخ معه في ذاته وتكون محبته
خالصة دائمة فلا يزال أمر الشيخ يظهر في ذاته إلى أن يفتح الله عليه ,
وتارة تكون متقطعة بعد أن كانت صادقة وانقطاعها بسبب عروض مانع . نسأل
الله السلامة منه فتتبدل نيته وتنقطع أسرار الشيخ عنه بعد أن كانت ساطعة
فيه وتارة تقف محبته ثم تعود مدة قد تطول أو تقصر فتقف أسرار ذات الشيخ
عنه وإذا ما رجعت المحبة رجعت الأسرار , فالمريد لا ينقطع بمحبة شيخه حتى
إذا أحبه لسره أو لولايته أو لعلمه أو لكرمه أو لنحو ذلك من العلل ثم
تتطور هذه المحبة حتى تكون محبته متصلة بذات الشيخ متوجهة إليه لا لعلة
ولا لغرض مثل المحبة التي تكون بين الصبيان الأبرياء فأن بعضهم يحب بعضاً
من غير أغراض باعثة على المحبة بل مجرد الألفة لا غير ومثل هذه المحبة هي
التي ينبغي أن تكون بين المريد والشيخ حتى لا تزهق للأغراض والعلل والمار
ذكرها لان العلل مهما كانت دخلها الشيطان وأكثر من الوساوس وقد تنقطع أو
تقف
فتحقق محبة الشيخ تكون لخصوص ذاته لا لما عنده من الأسرار كي
تكون المحبة خالصة لله تعالى لان الذات المجردة لا يتوقع منها نفع ولا غير
ذلك فإذا توجهت المحبة نحوها كان ذلك علامة الخلوص من الشوائب .
حكايات في المحبة
• ومن حكايات المشتاقين ما حكي عن شقيق البلخي قال : رأيت في طريق مكة مُقعداً يزحف على الأرض فقلت له : من أين أقبلت ؟
قال : من سمرقند .
قلت : فكم لك في الطريق ؟
فذكر أعواماً تزيد على العشرة , فرفعت طرفي انظر إليه متعجباً فقال لي : يا شقيق مالك تنظر ألي ؟
فقلت
متعجباً من ضعف مهجتك وبُعد سفرتك , فقال لي : يا شقيق أما بُعد سفرتي
فالشوق يقربها , وأما ضعف مهجتي فمولاي يحملها , يا شقيق أتعجب من عبد
ضعيف يحمله المولى اللطيف ؟ وانشد يقول لعله يستعده :
أزوركم والهوى صعب مسالكه والشوق يحمل من لا مال يحمله
ليس المحب الذي يخشى مهالكه كلا ولا شدة الأسفار تبعده
•
وحكي عن بعض الصالحين قال : رأيت في الطواف شاباً غلاماً نحيف الجسم دقيق
الساقين وهو يبكي ويقول : يا شوقاه لمن يراني ولا أراه فقلت له : من هو ؟
فانشد :
ولي حبيب بلا كيف ولا شبه ولي مقام بلا ربع ولا خيم
أتيت من دار عشق لا أمثلها من عند لم أطق وصاله بفم
قال ثم غشي عليه زماناً فحركناه فوجدناه قد مات .
• وروى إن أبا عبد الله اشترى جارية فلما دخل داره قال : قومي وافرشي الثياب .
قالت ماذا تصنع يا مولاي ؟
قال : أنام .
قالت : ألك مولى ؟
قال : نعم .
قالت : اينام مولاك ؟
قال : لا .
قالت : أما تستحي أن تنام ومولاك لا ينام ؟
وكانت حبيبة العدوية تقول :
عجباً للمحب كيف ينام كل نوم على المحب حرام
•
كان يوماً عند الشبلي جماعة من الفقراء فأصابتهم فاقه وشدة فكتب إلى وزير
الخليفة بسم الله الرحمن الرحيم , أما بعد .. وجه ألينا من دنياك شيئاً ,
فكتب الوزير على ظهر الرقعة : يا شبلي سل دنياك من مولاك .
فكتب إليه
الشبلي : إنما الدنيا شيء دني ولا يُسأل الدنيّ إلا من دنيّ , الدنيا هذه
ولك منها عبرة , فمن يريد العبرة فهو أقل من العبرة : فوجه إليه عشرة آلاف
درهم .
• وقال أبو الفتح , دخلت على الشبلي يوماً في مرضه فقلت : ألا نأتيك بطبيب ؟
فقال لي :
كيف أشكو إلى طبيبي طبيبي والذي قد أصابني من طبيبي
فصاحب
المحبة ساعة يطلب وساعة يهرب وساعة يحزن وساعة يطرب ليس له حال دائم ولا
أمر قائم , وكيف يدوم حال من يذبح ساعة ويحيى ساعة ويشقى ساعة ويُغني ساعة
.
• وقال الجنيد : رأيت صبياً يضرب شيخاً والشيخ يضحك فقلت له : لِمَ تضحك ؟
قال : كيف لا اضحك ويده روحي وسوطه قلبي وعيشه عيشي , فكيف أشكو من نفسي .
• قال سمنون : كان في جيرتنا رجل له جارية وكان معها متبتلاً شديد الميل لها .
فاعتلت الجارية فقام الرجل يصلح لها حساءً , فبينما هو يحرك القدر بيده حتى تساقطت أصابعه , فقالت الجارية : ماذا صنعت ؟
فقال الرجل : هذا موضع قولك آه .
•
حكي أن أبا الحسن النوري جاء إلى الجنيد فقال بلغني أنك تتكلم في شيء من
المحبة , فتكلم فيما شئت حتى أرده عليك , فقال الجنيد : أحكي لك حكاية ,
كنت أنا وجماعة من أصحابنا في بستان فأبطأ علينا من يجيئنا بما نحتاج إليه
فصعدنا بطلع , وإذا بضرير معه غلام جميل الوجه والضرير يقول له أمرتني يا
هذا بكذا وكذا فامتثلت ونهيتني عن كذا وكذا فتركت وما خالفتك في شيء تريد
, فماذا تريد مني ؟
قال الغلام أريد أن تموت , فقال الضرير : ها أنا
إذاً أموت وتمدد وغطى وجهه فقلت لأصحابي , ما بقي على هذا الضرير شيء قد
تشبه بالموتى , لكن لا يمكنه الموت في الحقيقة فنزلنا إليه فحركناه فإذا
هو ميت , فقام النوري وانصرف .
• حكي إن بعض المتحابين ركبا في البحر
فسقط أحدهما في البحر وغرق , فألقى الأخر نفسه في البحر فقام الغواصون
فأخرجوهما سالمين , فقال الأول لصاحبه : أما أنا فسقطت في البحر فأنت لم
ألقيت نفسك ؟ فانشده
أنا غايب عنك عني توهمت إنك أني