مولانا خالد النقشبندي الشهرزوري

[center][center][size=25]مولانا خالد النقشبندي الشهرزوري
بـــــداية رحلــــــة الكمــــــال

أبو البهاء ضياء الدين مولانا خالد النقشبندي الشهرزوري ، ولد عام 1779م في ناحية قرداغ التابعة لمحافظة السليمانية ، والده مولانا احمد بن حسين من عشيرة الميكايلي احدى قبائل الجاف الكبرى ، ونسبهم الى البير ميكائيل ذو الستة أصابع وهو احد العارفين بالله من ذرية الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) . قدم إلى كردستان حوالي الثمانمائة للهجرة للإرشاد والدعوة للإسلام .

دخل مولانا المدارس الدينية في قرداغ ، في البدء تعلم الصرف والنحو بالعربية والأدبيات الفارسية ، وفي بداية رحلة التعلّم ظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ والشخصية المتميزة ، كان ذو فكر نفاذ ولسان فصيح وبلاغة كبيرة ، كان يقضي معظم وقته في القراءة والتعلم وتعليم عبادة الله تعالى ، مولانا كسائر أقرانه من متابعي العلم والمعرفة في كردستان آنذاك ، ومن اجل إدامة التواصل وتعلم أكثر ، سافر إلى الأماكن التي كان فيها العلم مزدهراً ، تتلمذ على يد العديد من العلماء الإجلاء ، كـ (سيد عبد الكريم البرزنجي) و (الشيخ عبدالله خرباني) و (العلامة ملا محمد بن آدم) والعديد من العلماء والأدباء آنذاك . إلى ان أصبح موضع تقدير أقرانه لإمكاناته وقدرته وذكائه الفذ و مقدرته على حل أعقد المشاكل الفلسفية والعلمية والوجدانية بطرق سهلة وبسيطة ودقيقة وعلمية، وكان موضع إعجاب ، لقدرته العقلية والعلمية ونباهته . وعلى أثر ذلك طلبت منه السلطة آنذاك التدريس في احد مدارس السليمانية . غير انه رفض ذلك بدعوى انه لا يزال في طور التعلم ولم يصل إلى الكمال وهو لا يزال بحاجة للمزيد من العلم ، وفي سبيل الحصول إلى المزيد من العلم توجه إلى كردستان إيران (سنندج) وبدأ بدراسة العلم على يد العلامة (محمد قسيم مردوحي السنندجي) . وبعد إتمام هذه المرحلة لم يبق أمامه أي مجال علمي لم يدخله ولم يكن له معرفة ومقدرة فيه وفي كافة الأمور العقلية والنقلية وأصبح علامة يشار لها بالبنان .

حصل الشيخ مولانا خالد النقشبندي الشهرزوري على اجازته العلمية من الشيخ محمد قسيم مروخي عام 1212هـ ، وعاد بعدها الى السليمانية واستقبل استقبالاً حافلاً . وبعد عودته طلب منه الوالي عبدالرحمن باشا بابان التدريس في احد مدارس السليمانية وتعليم الراغبين في الحصول على العلم . في البداية رفض مولانا الطلب وبعد وفاة العلامة الجليل شيخ عبد الكريم البرزنجي قبل الطلب . وفعلاً بدأ التدريس وبعد انتشار خبر قبوله التدريس توجه إلى المنطقة عشاق العلم والمعرفة من جميع المناطق في سبيل الحصول على العلم من هذا العلامة البارع .

رغم امكاناته العلمية ومقدرته في التدريس ، كان قبلة العلماء ، واجتمع حوله العديد من طلاب العلم ، وكان موضع تقدير المسؤولين آنذاك . إلا ان المناصب الدنيوية لم تغريه . حيث كان في انتظار فرصة للقاء احد العارفين . لذلك سافر عام (1220هـ) إلى الحجاز بقلب يملؤه الشوق والهياج إضافة لأداء فريضة الحج عسى ان يلتقي بأحد العارفين ليساعده في الوصول إلى مبتغاه ، وكأنما كان لديه إلهاما بان في سفره هذا سوف يصل الى هدفه . كان خط سفره قد بدأ من الموصل وديار بكر وحلب والشام إلى أن وصل إلى الحجاز .

في دمشق تشرف بلقاء (الشيخ محمد كزبري) وهو محدث رفيع المستوى وتلميذاً من تلامذة العلامة (الشيخ مصطفى الكردي) وحصل على اجازة المحدث والطريقة القادرية من هذين العالمين . وفي الحجاز وفي إطار البحث عن هدفه التقى رجلاً صالحاً ذو معشر لطيف وطلب منه هدايته إلى الطريق ، وكان رد هذا الرجل : ( اذهب الى مكة ، ولكن كن حذراً ان رأيت شخصاً يؤدي عملاً منكراً لا تلمسه ولا تتحدث بالسوء عنه ، يحتمل ان يكون دواؤك لدى شخص كهذا ) .

سافر مولانا خالد إلى مكة ، وفي صبيحة احد أيام الجمع وبعد أداء الزيارة جلس قبالة بيت الله منشغلاً في قراءة كتاب (دلائل الخيرات) ، فرأى شخصاً ذو لحية سوداء جالساً قبالته تاركاً الكعبة خلف ظهره ، وهجس هاجس في داخله ان هذا الشخص عديم الحياء كيف يمكنه الجلوس بهذا الشكل المنكر.
وعندما كانت هذه الوساوس في داخل مولانا توجه إليه الرجل قائلاً : ( ألا تعلم ان حرمة الإنسان اكبر من الكعبة لدى الله تعالى ، لماذا تبدي عدم الرضا من جلوسي قبالتك وظهري إلى الكعبة، الم تتم نصيحتك في المدينة المنورة؟ ) . عندها أدرك مولانا ان هذا احد أولياء الله الصالحين وهو من يبحث عنه ، وعلى الفور نهض متوجهاً إلى الشخص مقبّلاً يديه وطلب منه السماح وإهدائه إلى طريق الحق الباطني . وكان رد الرجل ان الأبواب لن تفتح أمامك هنا ، انتظر إشارة تأتيك من هندستان لأن وصولك لهدفك وغايتك هو هناك . فاطمأن مولانا لهذا الكلام وعلم ان الأبواب تنفتح أمامه في مكان آخر ، لذا وبعد أداء فريضة الحج وعن طريق نفس المسار عاد إلى السليمانية وبدأ العمل بالتدريس إضافة لأداء فرائض العبادة ، وأثناء ذلك كان في انتظار وصول الإشارة من هندستان بشوق ولهفة .

عام (1224هـ) قدم شخص الى السليمانية بلباس الدراويش المتجولين ويدعى (ميرزا رحيم عظيم ابادي هندستاني) وهو من مريدي قطب الزمان (شاه عبدالله الدهلوي) قدس سره . بعد وصوله إلى السليمانية توجه إلى خانقاه مولانا خالد وطلب منه السماح له بمكوثه عدة أيام في خانقاه ( التكية ) للراحة ، ودون ان يعلم مولانا بهدف وغاية الرجل حيث وافق على طلبه . بعد مدة من بقاء الرجل ، وعن طريق مراقبة مولانا لهذا الشخص علم مدى تقواه وعباداته ، لذلك ارتاح مولانا من صداقة هذا الشخص ، و لم يمض وقت طويل لصداقتهم ، حتى تحدث له مولانا عن رغبته وأمنيته للقاء مرشد كامل لتمسكه وحصوله على الطريقة على يده . بعد اظهار رغبته هذه ، تحدث الرجل عن الطريقة النقشبندية ومقام ومرتبة مرشد الطريقة (الشاه عبد الله الدهلوي) . وتحدث الرجل عن الهدف من قدومه إلى هذه المنطقة وانه قدم بامر من مرشده . لينير الطريق أمام مولانا وزيادة شوقه ولهفته لزيارة شاه عبدالله الدهلوي .

بعد رؤية العارف في مكة ونصيحته له بانتظار شخص من هذا النوع لينور له الطريق ، بقلب ملؤه الفرح والشوق ، قبل مولانا مقترح الرجل وقرر السفر إلى هندستان ، وابلغ قراره هذا لطلبته ، وللوصول للهدف ترك أحباءه وسافر إلى هندستان . وبدأ رحلة السفر من موكريان وبعد فترة وصل إلى طهران ومنها إلى سمنان ومنها إلى بطام ، خرقان ، نيشابور ، هرات ، قندهار، كابل ، بيشاور، لاهور ، وبعد سنة وصل دلهي . بعد يوم من وصوله توجّه مباشرة إلى خانقاه مرشد أمنياته بشوق ولهفة ، وفي عصر ذلك اليوم تشرف بلقاء شاه عبد الله الدهلوي . ومنذ اللقاء الأول أصبح موضع إعجاب مرشده لفصاحته وبلاغته وعلمه ، وبعد تلقينه آداب الذكر والطريقة والسلوك ، كلفه بأداء بعض الأعمال في الخانقاه ، السقا ( سقي الماء) ، وفي نفس الوقت كان يؤدي أعمال التمسك والعبادة على أكمل وجه وكان يؤمّن الماء بطرق بدائية للخانقاه . لذكائه وإمكاناته المفرطة أصبح موضع إعجاب مرشده أكثر من أقرانه بوقت قصير ، وتمكن بعد فترة وجيزة طي مراحل السلوك ، وخلال فترة خمسة أشهر تمكن من الوصول إلى مرتبة الحضور والمشاهدة ، وهذه مرحلة من مراحل التصوف ، وخلال سنة أكمل مراحل السلوك ووصل إلى اخر مراحل الولاية ألا وهي (الفناء والبقاء الأتم) . عندما علم شاه عبد الله بأن مولانا وصل إلى آخر مراحل الكمال ، منحه رسمياً إجازة الإرشاد والخلافة وأمره بالعودة إلى منطقته لهداية وإرشاد المسلمين للطريقة وتربية السالكين . وبسبب جسامة المهمة الملقاة على عاتقه وعدم رغبته الابتعاد عن أحبائه ومرشده ، تحجج بوجود العديد من العلماء والفقهاء والصالحين في كردستان . إلا ان الشاه عبد الله طمأنه بانه سوف يكون ذا مرتبة رفيعة وإن جميع رجالات المنطقة سوف يأتون إليه بشوق . بعد رضوخه للواقع ، سأله شاه عبد الله عن طلبات أخرى ، قال له مولانا أريد الدين ، كما وأريد الدولة لتقوية ديني ، فقال له شاه عبد الله اذهب خالد منحناك كل ذلك .

بعد إتمام استعدادات العودة وفي يوم السفر، ودّعه الشاه عبد الله بنفسه مع جميع مريديه إلى مسافة أربعة أميال خارج المدينة وهناك تم توديعه . ركب مولانا البحر متجهاً إلى إيران ووصل شيراز ومنها إلى همدان ، فسنندج ومكث في سنندج مدة من الزمن وتمسّك العديد من وجهاء المنطقة بسلوك وآداب الطريقة النقشبندية ، ومنهم استاذه السابق (شيخ محمد قسيم مردوخي) . في عام (1226هـ) وصل إلى السليمانية واستقبل استقبالاً حافلاً من قبل أهالي المدينة والمسئولين ، وبعد فترة وبناءاً على أوامر مرشده في هندستان ، سافر إلى بغداد لزيارة حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني ومكث في خانقاه الحضرة الكيلانية مدة خمسة أشهر منشغلاً بالعبادة والتمعّن والتفكر والمراقبة. بعد ذلك عاد مولانا إلى السليمانية كمرشدٍ عالي المقام وصاحب تجربه كبيرة ، وإلمام كبير بالعلم والعرفان ، مخصصاً جلّ وقته للإرشاد وهداية الناس إلى الصلاح وصفاء النفس بإتباع الطريقة النقشبندية.

انتشرت طريقته في أرجاء كردستان ، واستقبلت بشوق ولهفة منقطع النظير واجتمع حوله العديد من العلماء والفقهاء والصالحين . هذا غيضٌ من فيض لهذا الرجل العالم العلامّة ، ولو تحدثنا عن مناقبه وصفاته وأعماله وفضائله لاحتجنا إلى العديد من المجلدات .

[/size][/center][/center]

بـــــاركـــــ الـلـــــــــه فـيـــــــــكــــ
وجــعـله فـــــــــى مـــــــــيــزان حـســــنـاتــــــكــ يـــــــوم الـقـيـامــه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دمــت ودام عـطــــاءكــ لـلـمـنـتـدى
فــــــــــى إنتــظـار مـــزيـــدكـــ الــشــــيق

» مولانا خالد البغدادي النقشبندي
» رسالة من مولانا خالد النقشبندي إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم
» [color=green]الشيخ خالد أبو البهاء ضياء الدين النقشبندي[/color]