منتدى الطريقه النقشبنديه تصوف اسلامى تزكية واداب وسلوك احزاب واوراد علوم روحانية دروس وخطب كتب مجانية تعليم برامج طب و اسرة اخبار و ترفيه |
|
| لماذا محمد | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:18 am | |
| الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وفقني الله تعالى في عمل بحث قيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسميته " لماذا محمد " وهو كما يبين من عنوانه يتناول الأسباب والمبررات التي ميزت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اختاره الله تعالى ليحمل الرسالة الخاتمة إلى الناس كافة ، وقسمت هذا البحث إلى ثلاثة أبواب : الباب الأول : بعنوان النبوة ويحتوي على أربعة فصول الفصل الأول عن النبوة وماهيتها وشروطها ومدى توافر ذلك في محمد بن عبد الله وحده دون غيره من البشر ، الفصل الثاني عنوانه الأختيار ويبين أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف - هو أو من حوله - أنه هو بذاته وشخصه نبي آخر الزمان التي نبئت به الكتب حتى بدء بعثته ، الفصل الثالث يتناول الخصائص النبوية المحمدية التي تميز بها عن غيره فأهلته للنبوة ، الفصل الرابع عن صلاحيته هو وحده للرسالة مقارنة بغيره من خيرة البشر وأكابر الصحابة وغيرهم من الحنفاء وأهل الكتاب ، . أما الباب الثاني فعنوانه الأخلاق ويتكون من ثلاثة فصول الفصل الأول استقلاليته صلى الله عليه وسلم في قراراته وأفعاله ورؤاه وكل ماعلا ذلك أو دنا ، الفصل الثاني مايفيد تخطيه صلى الله عليه وسلم الكمال البشري الأخلاقي لا وصوله إليه فحسب إذ وصل غيره إلى الكمال أما هو فتخطى ذلك ، الفصل الثالث يتكلم عن بعض خصائصه الأخلاقية التي لم تجعله صلى الله عليه وسلم يبلغ رضاء الله تعالى فقط كما بلغ غيره هذا الرضاء ولكنه تخطى ذلك إلى بلوعه وحده هو فقط دون غيره مراد الله تعالى أما الباب الثالث فعن فضائله صلى الله عليه وسلم وقد بلغت ما يقارب المائة بعد استبعاد المبالغ والمشكوك فيه في أمهات الكتب وأشهرها وهو من ثلاثة فصول أيضا الفصل الأول أسس التفاضل وأن ذلك متروك لله ورسوله فقط الفصل الثاني أفضليته في الدنيا الفصل الثالث أفضليته في الاخرة وسوف أوالي إن شاء الله تعالى تباعا نشر هذا البحث على مراحل والله هو الموفق ------------------------------------------------------------------- تعريف النبوة ------------------------ النبوة من الناحية اللغوية لها اشتقاقان يحملان معناها : الأول اشتقاقها من النبأ أي الخبر , والثاني من نبا أو نباوة أي الارتفاع عن الأرض والسمو . وقد تبنى الأشاعرة الرأي الأول فاعتبروا النبوة هبة واصطفاء من الله تعالى دون كسب أو عمل من النبي , بينما تبنى المعتزلة الرأي الثاني فعرفوا النبي بأنه الذي استحق الرسالة برفعة وخصوصية منه وتكفل بأدائها وصبر عليها ومن ثم فهي جزاء على عمل ونتيجة مجاهدة …(1) واهتداء بذلك يمكن القول بأن النبوة تشمل كلا المعنيين : فهي أولا اصطفاء من الله تعالى ، وهى ثانيا نتيجة كسب واجتهاد من النبي المصطفى . فأما عن كونها اصطفاء وهبة فيستدل على ذلك بآيات كثيرة منها قوله تعالى"اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالته(2) وقوله (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً) (3) وقوله (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا) (4) وأما عن كونها نتيجة كسب واجتهاد من النبي أو جزاء على عمل فمرد ذلك إلى المعايير التي على أساسها يتم اختيار النبي ، كقوله تعالى لموسى عليه السلام "(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (5) واخترتك أي اصطفيتك برسالتي لما توافرت فيك مؤهلات الاصطفاء ،يقرب هذا المعنى ما قاله بن كثير في تفسير هذه الآية من أن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس ؟ قال لا ، قال لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك "(6) ----------------------------- وهى من ثم لها أسس وضوابط ومعايير .وتنقسم هذه الأسس والمعايير الى قسمين : منهجية : تتعلق بطبيعة الرسالة ومنهجهها ومكانها وزمانها ، ويمكن تسميتها بمعايير الاصطفاء وبشرية : ويقصد بها مدى الصفات التي ينبغي أن يتصف بها هذا البشري حتى يكون جديرا بحمل أعباء الرسالة وتبعاتها ويمكن تسميتها بمعايير المصطفين الأخيار ---------------------------------------------- المشيئة الإلهية --------------------------- وقبل أن نخوض في بعض تفاصيل هذه المعايير ، نتعرض لمفهوم قد يبدو بسيطا في تناوله إلا أنه يتفق مع الموضوع الذي نحن بصدده ، ويصح أن يكون توطئة له ، ألا وهو المتعلق بالمشيئة والعلم الإلهيين ، فمشيئة الله سبحانه تعالى وعلمه من الأمور المعلومة بالضرورة , والتي لا يُتصور انعدامها أو نقصانها أو ضعفها أو ارتباطها بمقدرات وعوامل أخرى , ولا يُتصور كذلك جريان أمر هذا الكون دون مشيئة خالقه ومدبره ، ودون علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون وأثناء كينونته وبعدما كان ومصيره بعد ذلك وما آل إليه أو ما كان يمكن أن يؤول إليه وهذا القول هو ما يتفق مع العقل والفطرة ، وهو ما يستقيم معه الخلق جميعا ، ويمكن تصور هذه المشيئة من زاويتين : الأولى ما تعلق منها بجميع المخلوقات والثانية ما تعلق منها بالأنس والجن فقط أما تلك المتعلقة بجميع المخلوقات فلها وجهين أيضا :- ------------------------------------------------------------- الوجه الأول : هو إرادته سبحانه وتعالى في الخلق بداءة وتنظيم هذا الخلق وتدبيره وما يعتريه من تطورات وأحداث فيما نعلمه وفيما لا نعلمه وفيما ندركه وما لا ندركه ، ويدخل في هذا الوجه الإنس والجن لكونهما خلق من خلق الله ، ومشيئته سبحانه وتعالى في هذا الصدد هي خلق هذه المخلوقات بكيفية معينة وبهيئة معينة ووظيفة معينة وبتسلسل زماني ومكاني معينين وعلى أنظمة معينة بعضها معلوم حكمته وكثير استأثر الله بعلمه , وكذلك خلق أفعال العباد وأقوالهم وأحوالهم ومصائرهم , ومن ذلك قوله (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّام)(7) وقوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(8) وقوله( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(9) فقد بين الله تعالى في هذه الآيات ما اقتضته مشيئته من خلق السماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار بطريقة لا نعلمها وبهيئة هو الذي اختارها إلا أنه بين لنا بعض الحكمة منها ، وأيضا هيئة الإنسان وجوارحه : قال تعالى يَا أَيُّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (10) ، فحدد سبحانه على وجه قاطع أنه هو الذي خلق الإنسان على ما هو عليه وعلى صورته التي خلق عليها بمشيئته وإرادته ، وكذلك خلق الجان حيث قال تعالى : "(وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) (11) ، أما خلق أفعال العباد فالحق الذي عليه أهل السنة والجماعة هو أنها مخلوقة ومقدرة سلفا ، وفي ذلك يقول الطبري : "وأما الصواب من القول لدينا فيما اختلف من أفعال العباد وحسناتهم وسيائتهم فإن جميع ذلك من عند الله والله سبحانه وتعالى مقدره ومدبره ولا يكون شيء إلا بأذنه ولا يحدث شيء إلا بمشيئته له الخلق والأمر"(12) الوجه الثاني : هو مشيئته سبحانه وتعالى المتعلقة بمنهجه الذي ارتضاه لعبادته به العبادة الحرة التي من أجلها خُلق الإنس والجان قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (13) هذا المنهج هو الدين الذي يحب الله تعالى أن يتعبد به , لذا نظمه سبحانه وفق ما يراه على مراحل زمنية متعاقبة بدأت مع نزول آدم عليــه السلام إلى الأرض ، حتى بعثة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي ختم الله تعالى به الأديـان والرسل ، وهذين الوجهين لا إرادة للإنسان فيهما ولا شأن له بهما ، على ما بهما من حكمة علمها من علمها وجهلها من آبى أما الزاوية الثانية من المشيئة --------------------------------------- فهي المتعلقة بمشيئة الثقلين بوصفهما المكلفين بالعبودية , وأعني بها تعلق مشيئة هذين الثقلين بمشيئته سبحانه وتعالى بحيث لا تتعدى مشيئتهما مشيئته في خلقه ، ولا تتعرض لها ، ولا تحول بينها وبين نفاذها بما يريد وبما يشاء إذ الأصل أن المشيئة كلها لله والاستثناء هو أنه سبحانه وتعالى جعل لهذين المخلوقين من خلقه مشيئة . إلا أنه حصرها في مجال واحد فقط هو مجال الفعل والفعل فقط ، أيا كان هذا الفعل سلبا أو إيجابا ، قولا أو فعلا ، سكونا أو حركة , ويأتي هذا الاستثناء تماشيا مع حريتهما المخلوقين بها وتكليفهما بعبادته بهذه الحرية ، قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)(14) ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "قال عز وجل "بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبرحمتي أديت إلي فرائضي وقويت على معصيتي "(15) وحتى لا تتعرض هذه المشيئة لمشيئته سبحانه وتعالى التي بيناها في الوجهين السابقين ، فقد ربط مشيئتهما بمشيئته وقيدهما بقدرته بحيث لا يستطيعا منفردين أو مجتمعين الحيلولة دون هذه المشيئة أو التعرض لها ، فذلك قوله جلا وعلا (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (16) ، كما أن المشيئة والعلم الإلهيين مرتبطين ارتباطا لا يقبل التجزئة ولا الانفصال ، حيث كانت مشيئته جلا وعلا على ضوء علمه بكل ما هو كائن وما سيكون قبل أن يكون ، فقد علم سبحانه وتعالى مثلا أن آدم عليه السلام سيعصه ويتبع غواية إبليس ، فكانت مشيئته وفق علمه فاقتضت هذه المشيئة طردهما من الجنة فما كان بإمكانهما الامتناع أو عدم التنفيذ،قال تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (17) ، وعلم الله أن الأقوام الذين أرسل إليهم أنبيائهم لن يتبعوهم وسيكذبونهم فاقتضت مشيئته إهلاكهم بالطريقة وبالزمان والمكان الذي اقتضاه , فمنهم من أغرقه الطوفان ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أخذته الصاعقة ومنهم من أصابته السكرة ، فقال (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (18) ، وعلم سبحانه وتعالى منذ الأزل وسطر في كتابه المكنون أن العرب لن يستطيعوا أن يأتوا بآية أو سورة من قرآنه ، فكانت مشيئته هي التحدي بالإتيان بمثل ما أتى فقال (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (19) ، وعلم أن أبا لهب وامرأته لن يُسلما فكانت مشيئته الحكم عليهما بالنار يوم القيامة فقال (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ الحطب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (20) ، وعلم أن الوليد بن المغيرة القائل عن كلامه سحر يؤثر سيبقى على كفره حتى موته فكانت مشيئته القضاء عليه بالخلود في سقر فقال سبحانه (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (21) ومن ثم علم سبحانه وتعالى أن خير البشرية في إرسال الرسل لهدايتهم إليه وتبليغ منهجه ، وأن يكون هؤلاء الرسل منهم – أي من البشر دون الملائكة أو دون غيرهم من المخلوقات – فكانت مشيئته سبحانه وتعالى بإرسالهم تترا ، رسول يتبع رسول ونبي يعقب نبي ، وفق منهج محدد ووفق أسس ومعايير مقدرة ومحكمة ، وعلم أن هؤلاء الرسل هم خير وأفضل من يؤدون دورهم المنوط القيام به ، فكانت مشيئته اختيارهم على العالمين واصطفائهم على غيرهم من البشر ، فقال سبحانه (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)(22) قال بن القيم " ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر به وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم ، وما جاؤوا به فهو الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال ، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال ، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه ، والعين إلى نورها والروح إلى حياتها ، فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير"(23)، والقول فى هذا الباب جم كثير ، وغاية ما أود الوصول إليه هو أن هذه المعايير أو الشروط القدرية هي عبارة عن تنظيم وتدبير من الله لكل ما يتعلق بالرسالة والرسل والمرسل إليهم ، وبدون هذه المعايير وهذا التنظيم تكون الأمور عشوائية لا ضابط لها ولا أساس ، فلا دخل للأنبياء إذن فيها لكونها هبة من الله لهم ومنٌ عليهم ، قال تعالى على لسان بعض رسله ردا على قومهم الذين يكذبونهم (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )(24)وإن استحقوا هذه الهبة لتوافر شروطها فيهم ، ولا دخل للمرسل إليهم أيضا فيها ، قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)(25)، وإن كان الغرض من ارسال الرسل والأنبياء إليهم هو مصلحتهم ومنفعتهم ،، ومن ثم لا يجوز الدفع بعدم جواز هذه المشيئة أو بطلانها أو نقصانها أو فسادها ، ولا يجوز التعرض لها أو تأويلها إلا بالقدر الذي يتيح البحث عن الحكمة منها
--------------------------------------------------- (1)النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ للأستاذ/ علي مبارك ص 15 (2) الأنعام من الآية 124 (3) مريم 53 (4) الأنعام من الآية 84 (5) طـه:13 (6) تفسير بن كثير لسورة طه ج4 ص145 (7) السجدة: من الآية4 (8) يونس 5 (9) الزمر 62 (10) الانفطار 6 وما بعدها (11) الحجر 27 (12) صريح السنة لمحمد بن جرير الطبري (13) الذاريات 56 (14) الكهف من الآية 29 (15) هكذا وجدته في تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ولم أجده عند غيره (16) الإنسان 30 (17) البقرة 35 وما بعدها (18) العنكبوت 40 (19) الإسراء 88 (20) المسد (21) المدثر 11 وما بعدها (22) الحج 57 (23) ابن القيم زاد الميعاد ج 1 ص69 (24) إبراهيم من الآية 11 (25) الزخرف الآية 31 وما بعدها -----------------------------------------------------------
معايير الاصطفاء ------------------------- 1- المكان : - نزول الرسالة أو النبوة في مكان معد سلفا -------------------------------------------------------- فكان المكان الذي بعث فيه موسى عليه السلام هو طور سينين بسيناء مصر ، وكان المكان الذي بعث فيه عيسى عليه السلام الأرض المقدسة ، وكان لكل نبي مكانه المقدر والمحدد سلفا , وفى معظم الأحوال يكون مكان النبي هو مكان قومه ومولده بالنظر الى إقليمية الدعوة وبالنظر إلى كونه منهم ويتحدث بلغتهم ، وقد حدد الله تعالى مكان الرسل تحديدا خاصا له دلالة محددة ، حيث ذكر بأنهم من أهل القرى وذلك في قوله تعالى (وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )(1) والمراد بالقرى المدن لا البوادي ، وسبب ذلك " أن أهل البوادي من أجفى الناس طباعا وأخلاقا وأن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل سواديهم وأهل الريف ، والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي ولهذا قال تعالى الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً)(2) ، وقال قتادة " لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود " (3) ، وقال الطبري " من أهل القرى يريد المدائن ولم يبعث الله نبيا من أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على أهل البدو ولأن أهل الأمصار أعقل وأحلم وأفضل وأعلم (4)، لذا فأن أغلب الآيات إن لم تكن كلها تتحدث عن القرى وأهلها ، بوصفها المكان الذي بعث فيها النبي ، ومن ذلك قوله تعاله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ..) (5) ، أما المكان الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكة المكرمة بوصفها أم القرى : قال تعالى ( وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )(6)، وهي المنطلق إلى عالمية الإسلام وهى أشهر مدن الحجاز ومتوسط الجزيرة العربية .وكان ( لهذا التوسط من ناحية ولطبيعة العرب الرعاة الرحل كعنصر حركي من ناحية أخرى إلى جانب التجانس النسبي الكبير فى البيئة الطبيعية الصحراوية بين الموطن والمهجر - مما كفل وحدة الوسط والوسيط - والرمال والجمال أثره فى هذا الزحف التاريخي الطولي ) (7) وكانت مكة معدة منذ بداية الإنسانية لتكون النواة لانطلاقة الإسلام ، حيث بها الكعبة التى مركز الأرض ، قال شمس الدين السخاوي " إن أول ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى " (8) .. ------------------------------------------------------- 2- الزمان : نزول الرسالة أو النبوة في زمان محدد ومقدر سلف . -------------------------------------------------------------- ويقصد بالزمان الفترة الزمنية التي كان يرسل فيها كل نبي , فكان وقت بعثة أي نبي هو الوقت المناسب لبعثته ، وفقا لما قدره الله في ذلك ووفقا لحاجة البشرية إلى هذه البعثة , ولم أجد فيما بحثت ما يعينني على الحديث عن الفترات الزمنية التي بعث فيها الأنبياء ، لذا سيقتصر حديثي إجمالا عن الفترة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي فترة نضوج الفكر البشري التي أصبح العقل الإنساني فيها مؤهلا لتلقي رسالة السماء النهائية وقادرا على حملها والقيام بها ، وليس أدل على ذلك من سرعة انتشار الإسلام انتشارا مذهلا فى فترة زمنية وجيزة " فتح فيها المسلمون فارس ومستعمرات الروم وكانتا أمتان عظيمتان تحملان أرقى المدنيات فى ذلك العهد , وفتحت الشام ومصر مهد الحضارات الفرعونية القديمة والوارثة لحضارات اليونان والرومان وفتحت بلاد المغرب من برقة وتونس والجزائر ومراكش الى مضيق جبل طارق " (9) ، وفى عهد الوليد بن عبد الملك فتحت السند وبخارى وخوارزم وسمرقند والأندلس ، بل نجد على المستوى الفردي ما أن يدخل المرء دين الإسلام حتى يتمكن من كل جوارحه ومشاعره فيصير أحب اليه من نفسه التى بين جنبيه ويضحي من أجله بكل عزيز وغالى , والأمثلة على ذلك هى قصة حياة الصحابة بأسرها ، ليس ذلك فحسب بل نلمح هذا النضوج فى الملوك والأمراء الذين كاتبهم رسول الله وأرسل إليهم رسله يدعوهم إلى الإسلام , فقد أسلم النجاشي أصحمة بن أبجر ، وكاد هرقل عظيم الروم والمقوقس ملك مصر أن يسلما لولا أنهما خشيا فقدان ملكيهما ، ولكنهما أكرما وفادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنا إليهم , وأسلم ملكي عمان ابنا الجلندي من ملوك النصارى على يد عمرو بن العاص رسول رسول الله إليهما , وأسلم عبد الله بن سلام كبير أحبار اليهود ورهبانهم وسيدهم وابن سيدهم (10) وللتأكد من ذلك قارن بين هذا الرعيل الأول من المسلمين الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية وبين اليهود الذين كافح موسى عليه السلام لإخراجهم من أرض مصر والنجاة بهم من بطش فرعون وجنوده ورأوا الآيات والمعجزات تتوالى لهم تترا أثناء وجودهم فى مصر وبعد خروجهم منها، وامتلأ القرآن الكريم بالعديد من الآيات التى تدل على عنادهم وصلفهم وغرورهم وتعنتهم مع نبى الله موسى وكفرهم وجحودهم رغم هذه الآيات والمعجزات حتى وصفهم الله بقوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (11) ولما طلب موسى عليه السلام منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة التى أعدها الله لهم ، رفضوا وظلوا على رفضهم رغم هذه الآيات والمعجزات وقالوا (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(12) فحرمها عليهم ربهم وقضى عليهم بالتيه أربعين سنة مات فيها موسى وهارون دون أن ينفذوا أمرهما أو يقاتلا معهما فقال سبحانه (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (13) حتى عيسى عليه السلام لم يؤمن معه إلا قليل حتى قيل أن عددهم لم يتجاوز اثنا عشرة رجلا , وكان إيمانهم بوحي من الله تعالى : قال جلا وعلا (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (14) ، ولما أراد أعدائه أن يبطشوا به ويقتلوه لم يتمكنوا من إنقاذه وتركوه هاربين ، ليتدخل سبحانه وتعالى فيرفع نبيه إليه وينقذه من القتل والصلب ويلقى الشبه على خائنه ، وعلى هذه الشاكلة كان كل الأنبياء مع قومهم قال تعالىإِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) (15) وليس ذلك معناه نجاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعوته بينما اخفق باقي الأنبياء , وإلا عد ذلك إنقاصا لقدرهم وطعنا فى أمانتهم ، فقد جاهدوا بنفس القدر من الجهد ، ولم يألوا جهدا فى سبيل تبليغ رسالة ربهم ، وليس معناه أيضا عظم رسالة الإسلام عن سائر الرسالات والكتب السماوية الأخر , لأن معيار التفاضل بين الكتب والأديان السماوية ليس من هذا الوجه , ولكن من وجه أخر سوف نزيده إيضاحا فيما بعد وهو أن الإسلام كان المرحلة النهائية فى اكتمال الشرائع والرسائل السماوية ، كما أن هيمنة القرآن على الكتب السماوية ليست من هذا الوجه أيضا ، فكل من عند الله وكل الأديان خرجت من مشكاة واحدة وكلها تدعو الى الإسلام قال تعالى" (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)(16) و(قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(17) وهكذا كل الأديان وتلك دعوة كل الأنبياء ، إنما هى الحقيقة تطل بوجهها المشرق المنير من بين صفحات كتب السيرة وحياة الصحابة تنطق بالحق وتعرف به وتدل عليه , إنهم المهاجرين والأنصار والتابعين من بعدهم بإحسان ، أنضج العقول وأكملها، وأرق الأفئدة وأشرفها، وأعظم الرجال واصدقها, وأطهر القلوب وأسلمها ، هم الذين أعانوا نبيهم ونصروه وآزروه وأيدوه وحملوا معه أعباء الدعوة ونشروا الإسلام فى ربوع الأرض , ولولاهم ما تحقق لهذا الدين الخلود ، لذا يمكن القول بأن الفترة الزمنية التى ظهر فيها الإسلام كانت أنسب الفترات ، لا بالمقارنة لما قبلها فحسب ولكن بالمقارنة لما بعدها أيضا ، ؟ وعدم صلاحية الفترة الزمنية اللاحقة لا يرجع إلى ضعف الدعوة الإسلامية أو لعدم قدرتها أو قدرة نبيها على إنجاحها ، وإنما لذات المعيار الخاص بالفترة السابقة ، وهو عدم وجود هذا الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار أو مثلهم ممن تكون لديه القدرة والعزيمة على حمل لواء الإسلام والإيمان واليقين بهما ، وإلا ما آلت الأمة الإسلامية إلى ما آلت إليه الآن وبعد الآن ، فضلا عن هذا التقدم التكنلوجي الذي يبدد أي تخيل أو تصور لظهور نبي أو دين جديد ، في عصر وعصور لاحقة له تقيس كل شيء بمعيار العقل والعلم . بما في ذلك علامات الساعة التي نبأ بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فالزلازل مثلا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرتها علامة على الساعة (18) بينما نظر إليها مترفي القرى والمفسدين فيها من منظور علمي بحت وفسروها بتغيرات في باطن الأرض وماشابه ، إذن ما كان الزمان يصلح من قبل ومن بعد وصدق الله القائل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (19) ------------------------------------------------ -3- المعجزة : --------------- أن يكون مع النبي معجزة إلهية تؤيده هي من صنع الله ولا يد للنبي أو الرسول فيها ، وكان لكل نبي معجزة تناسب قومه وزمانه , وكانت معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، معجزة تناسب التفوق اللغوي والبياني للعرب من ناحية ودســتورا يكفي العالمين حتى قيام الساعة من ناحية أخرى،أما معجزاته الأخرى صلى الله عليه وسلم والمعبر عنها بالمعجزات المادية فأن لها معلما آخر سنبينه في حينه بإذن الله (20) . وتقوم حكمة المعجزة على دحض الحجج التي يمكن أن يتذرع بها المرسل إليهم ، وحتى تكون للرسول الحجة والدليل فى بعثته من قبل ربه ، وليثبت أن دعوته ليست من صنع يديه . وفي ذلك يقول بن تيمية " المعجزة من أتم الطرق عند أهل الكلام والنظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء لكمال الإيمان " (21) ، وقال الجوينى "لا دليل على صدق النبي غير المعجزة فإن قيل هل فى المقدور نصب دليل علــى صدق النبي غير المعجزة ؟ قلنا ذلك غير ممكن فإن ما يقدر دليلا على الصدق لا يخلو إما أن يكـون معتادا ، وإما أن يكون خارقا للعادة فإن كان معتادا يستوي فيه البر والفاجر فيستحيل كونه دليـلا وإن كان خارقا للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله فإذا لم يكن بد من تعلقه بالدعوى فهـو المعجزة بعينها "(22) ، والمعجزة تتفاوت بتفاوت الدور النوط به النبي أو الرسول والقوم المرسل إليهم , فقد كان المناسب لقوم ثمود مثلا الناقة بوصفهم قوم بدو وصحاري وكانوا يتخذون من الجبال بيوتا قال تعالى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(23) ، وأعطى الله عيسى عليه السلام بعض الآيات على الرغم من أنه لم يأتي بشرع جديد وإنما كان تشريعه مكملا للتوراة وذلك لطبيعة القوم الذين أرسل إليهم الذين طغت عليهم المادية وأصبحوا لا يؤمنون إلا بكل ماهو مادي فقال(وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ24وقد بين القرآن الكريم بعض المعجزات لبعض الأنبياء , وأنبياء آخرين لم يبين لنا الله تعالى معجزاتهم صراحة ، إلا أن ذلك لا يمنع عدم تأييدهم بمعجزة أو كرامة على أقل تقدير تعينهم على أداء رسالتهم , وضرورة المعجزة أمر ثابت في سائر الكتب السماوية السابقة ففي التوراة :" جعل الله تجليته هو المعجزة ودليل النبوة . لما تجلى لموسى فى سيناء ليرسله إلى بنى إسرائيل وإلى فرعون وملأه ، وثبت له وللناس رسالته بمعجزة العصا ومعجزة اليد البرصاء (25) ثم ارسله والمعجزة بيده " خذ بيدك العصا تصنع بها المعجزات،وصنع موسى المعجزات على عيون الشعب فأمن الشعب"(26) ، وفى الإنجيل جعل الله تعالى المسيح عليه السلام هو المعجزات ودلائل النبوة " إن كنت لا أعمل أعمال أبي ( المكتوب عندهم أبي وهو تحريف) فلا تصدقونى . ولكن إن كنت أعمالها ولا تريدون أن تصدقوني فصدقوا هذه الأعمال " (27) ، ثم يستشهد بالكتاب لنفسه ويستشهد بسابقة يحيى المعمدان ولكنه يستشهد خصوصا بأعماله المعجزة :"وإن لى شهادة أعظم من شهادة يوحنا إن الأعمال التى أتانى الله ( الآب )أن اعملها هذه الأعمال عينها التى أنا أعملها هى تشهد لى بأن الله ( الآب ) قد أرسلنى "(28) . والله تعالى في القرآن يسمى المعجزة سنة الأولين التى لا تبديل لها ولا تحويل فقال سبحانه ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيل ) (29) ويسمى المعجزة أيضا " السلطان المبين " فيقول تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مبين )(30) وإن كنت لم أقف في الحقيقة على تفسير مفصل لقوله تعالى (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (31) إذ فسرت معظم التفاسير هذه الآية تفسيرا ظاهريا بسيطا ، مجمله أن هود عليه السلام لم يأتهم بآية بينة (32) فهل معنى ذلك أن هود عليه السلام لم يأتي بخارق كما قال بن كثير في قصص الأنبياء ، وبالتالي تكون المعجزة ليست شرطا لازما للنبوة ، خاصة وأن بن كثير يؤكد ذلك في ذات المصدر بقوله مفسرا الآية "وما نحن بالذي نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته ؟ (33) أم أن الله تعالى لم يقص خبر المعجزة التي أيد بها نبيه هود باعتبارها خبر غير مؤثر في سرد قصته ؟ --------------------------------------------------------- 4 - الرسالة أو الشريعة أو المنهج . --------------------------------------- فكان لكل نبي أو رسول منهجا وشريعة تناسب الزمان والمكان والقوم والإقليمية . وكما أن الله قص على نبيه رسلا ولم يقصص عليه رسلا ، فلا شك أنه قص عليه كتبا ولم يقصص عليه أخر.قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ)(34)وقال سبحانه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )(35) ، وفى هذا الصدد عقد شيخ الإسلام بن تيميه فصلا في بيان وحدة الأديان واختلاف الشرائع فاستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم " إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد "(36) وقول الله تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (37) أي ملتكم ملة واحدة وقوله (إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة)(38) أي على ملة وقوله سبحانه :- (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاًوَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا (39) ثم قال رحمه الله " فدين الأنبياء واحد وهو دين الإسلام ، إلا أن بعض الشرائع تتنوع ، فقد يشرع في وقت أمرا لحكمة ثم يشرع في وقت آخر أمرا آخر لحكمة ، كما شرع في أول الإسلام الصلاة إلى بيت المقدس ثم نسخ ذلك وأمر بالصلاة إلى الكعبة ، فتنوعت الشريعة والدين واحد وكان استقبال الشام من ذلك الوقت من دين الإسلام وكذلك السبت لموسى من دين الإسلام ، ثم لما صار دين الإسلام هو الناسخ وهو الصلاة إلى الكعبة ، فمن تمسك بالمنسوخ فليس على دين الإسلام ولا هو من الأنبياء ومن ترك شرع الأنبياء وابتدع شرعا فشرعه باطل لا يجوز اتباعه لقوله (أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(40) ، ولهذا كفرت اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع منسوخ والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله ومحمد خاتم الرسل ، فعلى جميع الخلق اتباعه واتباع ما شرعه من الدين وهو ما أتى به من الكتاب والسنة . وفي موضع آخر يقول " فدين الأنبياء والمرسلين دين واحد وإن كان لكل من التوراة والإنجيل والقرآن شرعة ومنهاج ولهذا قال صلى الله عليه سلم في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنا معشر الأنبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لأنا، إنه ليس بيني وبينه نبي " فدين المرسلين يخالف دين المشركين المبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا (41) ------------------------------------------------------------- (1) فجر الإسلام أحمد أمين (2) هداية الحيارى لابن القيم بتصرف (3) البقرة 74 (4) المائدة من الآية 24 (5) المائدة 26 (6) يوسف: من الآية109) (7) التوبة: من الآية97 (8) بن كثير تفسير الآية 109 من سورة يوسف (9) تفسير الطبري جزء 13 ص 80 (10) الأعراف:96 (11) الأنعام من الآية 92 (12) عالمية الإسلام للأستاذ/ جمال حمدان (13) مشتهر الأحاديث للسخاوي (14) المائدة 111 (15) ص 14 (16) يونس 84 (17) آل عمران من الآية 52 (18)صحيح البخاري 989 (19) القمر 49 (20)سيأتي ذلك في الباب الثالث الخاص بالتفاضل (21) العقيدة الأصفهانية ج 1 ص120 (22 )الإرشاد الجزء الثاني (23) بديع القرآن ص 307 (4) الأعراف 73 (24) آل عمران 49 (25) الخروج 3-4:2 (26) الخروج 18-34: 4 (27) يوحنا 37-38 : 10 (28) يوحنا 36 : 5 (29) فاطر 34 (30) غافر 23 (31) هود 53 (32) تفاسير بن كثير والقرطبي والجلالين (33) قصص الأنبياء لابن كثير قصة هود ص81 (34)الحديد 25 (35)المائدة 48 (36) صحيح البخاري 3442 م 2365 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "نحن معاشر الأنبياء أخوة لعلات ديننا واحد (37) المؤمنون 52 (38) الزخرف 23 (39) الشورى من الآية 13 (40) الشورى من الآية 21 (41) الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح ج ----------------------------------------------------------------------------
ثانيا :- معايير الأنبياء ------------------------------ الثانية هي المعايير المتعلقة بالمصطفين من الرسل : ------------------------------------------------------------ وهى الصفات المشترط توافرها فى الرسل بصفة عامة بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصفات المشترط توافرها في الرسول الخاتم بصفة خاصة , وهذه الصفات أو الشروط وإن كانت قدرية أيضا إلا أن بعضها نتيجة كسب من النبي المرسل واجتهاد منه فتنسب إليه ، وأقصد بذلك على وجه التحديد المعيار الخلقي ، باعتبار أن أخلاق النبي كواحد من البشر نابعة من مشيئته المحضة في الفعل وإرادته وقدرته ، وعلى هذا الأساس اقتضت مشيئة الله ، وعلى ضوء علمه المسبق اختيار هذا النبي أو ذاك لحمل أمانة الدعوة والتبليغ . وهذه المعايير هي :- ( المعيار النوعي ، اللغة ، الحرية والحسب والنسب ، المعيار الأخلاقي . المعيار العقلي . المعيار الشكلي .السن ) . يزيد عليها ما يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بوصفة الرسول الخاتم وهي ( الاسم والصفة . الأمـــــية . المــــنعة . ألا يعقب ولدا .) ------------------------------------------------------------ 1-المعيار النوعي : ---------------------------------- ويقصد به أن يكون النبي المقتضى ارساله رجلا لا امرأة ، وقد حدد الله سبحانه وتعالى ذلك على وجه قاطع في عديد من الآيات ، من ذلك قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )(1) وقوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2) ، وقال تعالى مؤكدا على أنه لا ينبغي للنبي أو الرسول إلا أن يكون رجلا (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (3) وقال تعالى (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (4) بل وكان المشركون من العرب يفهمون ذلك ، فعلى الرغم من تعجبهم بارسال واحد من البشر وليس من الملائكة ، إلا أنهم لم يتعجبوا من إرساله رجلا ، فقال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (5) ، ولم يكن قوله تعالى (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا )(6) اشارة إلى تعجبهم من إرساله رجلا ، ولكن اشارة إلى تعجبهم من اختيار محمد بن عبد الله بالذات دون غيره من الرجال رسولا ، وفي ذلك يقول بن كثير في تفسيره لاية الزخرف سالفة الذكر " وذلك أنهم قبحهم الله كانوا يزدرون بالرسول صلوات الله وسلامه عليه بغيا وحسدا وعنادا واستكبارا كقوله تعالى مخبرا عنه (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً) (7) هذا مع اعترافهم بفضله وشرفه ونسبه وطهارة بيته ومرباه ومنشئه صلى الله عليه وسلم (8) وقال القرطبي " قال العلماء من شرط الرسول أن يكون رجلا آدميا مدنيا وإنما قالوا آدميا تحرزا من قوله يعوذون برجال من الجن والله أعلم (9) كما قال بن كثير في تفسير قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) (10) " أخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء وهذا قول جمهور العلماء كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات آدم وحي تشريع " ، ثم بقول في ذات الموضع " والذي عليه أهل السنة والجماعة والذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم أنه ليس في النساء نبية ، وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم البتول (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) (11)فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقة ، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام فهي صديقة بنص القرآن "(يؤكد ذلك بن تيميه في الجواب الصحيح حيث قال " وقد حكى الإجماع على انه لم يكن في النساء نبية "(12) وروي عن الحسن قوله " لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن " (13) ----------------------------------------------------------------------- 2- اللغة ، أن يكون النبي من القوم المرسل إليهم. ------------------------------------------------------- ولذلك تجده سبحانه وتعالى يعبر عن النبي المرسل إلى قومه بأنه أخاهم ، فيقول عن سيدنا هود عليه السلام على سبيل المثال ومثله سائر الأنبياء (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)(14) ودائما يجعل سبحانه وتعالى نداء النبي لقومه بـ يا قومي كقوله تعالى (يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ)(15) ، بما يعنى وجوب أن يكون النبي من القوم المرسل إليهم , كما يقتضي التحدث بلغتهم فذلك قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )(16) أي ليبين لهم ما أنزل إليهم حتى لا يكون هناك عائقا يحول بينه وبينهم .قال سفيان الثوري كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه ، وبالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال فيه سبحانه وتعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ )(17) وقال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (18) ولغة الإسلام هي العربية وهى أعظم اللغات والألسنة التي نطق بها البشر حتى قيل أنها أول اللغات ,وقيل أنها اللغة التى تكلم بها آدم عليه السلام وأنها لغة أهل الجنة , فعن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي ( )، وقال مقاتل " لسان أهل السماء عربي " وليست عظمتها لأنها لغة القرآن فحسب ولكن لغناها وشمولها وكثر تصاريفها وحلاوة نطقها " لذا كان الشعراء فى الجاهلية هم العلماء وكانوا من أرقى الطبقات عقلا وقد سجلوا بالشعر عاداتهم وأخلاقهم وحروبهم وسلمهم وعقائدهم وفخرهم "(19)، ثم ازدادت اللغة العربية ثقلا وجمالا بعد نزول القرآن ، وكان التحدي ببيان القرآن وفصاحته وبلاغته مالم يقوى عربي حتى تاريخه على الإتيان بمثل أية واحدة من آياته ، ويفسر بن القيم معنى ذلك بقوله "فلما جعل الله القرآن عربيا ويسره بلسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان ذلك فعلا من أفعال الله جعل القرآن به عربيا . يعني هذا بيان لمن أراد الله هداه وليس كما زعموا – يقصد الزنادقة والجهمية –معناه أنزل بلسان العرب (21) لا يقدح في ذلك ورود بعض الكلمات الخارجة عن لغة العرب في القرآن الكريم مثل "المشكاة وهي الكوة وناشئة الليل أي قام من الليل ، وكفلين أي ضعفين ، وقسورة أي الأسد فذلك بلسان الحبشة ، والغساق أي البارد بلسان الترك ، والقسطاس أي الميزان بلغة الروم ، والسجيل الحجارة والطين بلسان الفرس ، والطور الجبل واليم البحر بالسريانية ، والتنور وجه الأرض بالعجمية "إذ حقيقة هذه الكلمات والعبارات أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه" وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الكلمات الغير عربية مثل الهرج في قوله صلى الله عليه وسلم"ثم إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل ويكثر فيها الهرج"والهرج القتل بلسان الحبشة(22) -------------------------------------------------- 3- الحرية والحسب والنسب ------------------------------- أما الحرية فهي شرط مفترض وبديهي ، إذ لا يستقيم أن يكون النبي عبدا لغيره من الناس ويدعو إلى عبادة رب الناس ، فضلا عما في العبودية من مانع وشغل عن الدعوة ، " لذا اختلف السلف في لقمان هل كان نبيا أم عبدا صالحا على قول الآكثرين بالثاني ، فقال ابن عباس " كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، وقال قتادة عن عبد الله بن الزبير " قلت لجابر بن عبد الله ما انتهى إليكم من شأن لقمان ؟ قال كان قصيرا أفطس الانف من النوبة " ، وقال سعيد بن المسيب " كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة " ، وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد كان لقمان عبدا صالحا ولم يكن نبيا ، فهذه الآثار منها ما هو مصرح فيه بنفي كونه نبيا ومنها ما هو مشعر بذلك لأن كونه عبدا قد مسه الرق ينافي كونه نبيا لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا ، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة إن صح السند إليه قال كان لقمان نبيا وهو ضعيف (23) وأما النسب والحسب فهما لفظان يكاد يجمعهما معنى واحد ، إذ النَّسَبُ يعني القَرابةُ؛ وقـيل هو فـي الآباء خاصَّةً؛ ومصدرُه الانْتِساب (24) ويعني في مجال حديثنا : التحاق النبي وانتسابه إلى نسل شريف لم يمسسه سفاح أو بغاء ، وهو ما عرف عنه كل الأنبياء والرسل ، حيث لم يثبت ولم يدعي أحد عن نبي غير ذلك ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الذي رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي " (25) .. فيما يعني الحسب عراقة السلالة النبوية التي تمتد جذورها إلى آدم عليه السلام وطيب أصلها ، فقال صاحب معجم المختار " الحَسَبُ أيضا ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه " (26) وقد تلمست هذا الشرط من قول بن كثير في تفسيره لسورة لقمان الذي أشرت إليه آنفا الذي هو " لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها " وقول هرقل عظيم الروم لأبي سفيان في الرواية الطويلة و المشهورة عنه " كذلك الأنبياء تبعث في أنساب قومها " وذلك عندما سأل أبو سفيان بعض الأسئلة عن رسول الله عليه وسلم ، فكان مما سأله إياه سؤاله عن نسبه صلى الله عليه وسلم ، فأجابه أبو سفيان بقوله هو فينا ذو نسب " (27) وفي بعض الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " أنا من خيار إلى خيار " (28) ------------------------------------ 4 - المعيار الأخلاقي :- ------------------------------- ويقصد به الدرجة الأسمى والأعظم من مكارم الأخلاق التى يجب أن يتحلى بها النبي , فلا يصح ولا يتفق أن تشوب النبي ثمة نقيصة أو عيب أخلاقي , وهذه الدرجة وصل إليها كل الأنبياء الذين قصهم الله تعالى على نبيه محمد وأولئك الذين لم يقصصهم عليه , إذ من الطبيعي أنه إذا اتصف المعلومين من الأنبياء بصفات الخلق الحسن فأن الغير معلومين موصفين أيضا بذات الخلق . لأن المبدأ واحد لا يتجزأ ، فموسى عليه السلام وصفه الله تعالى فى القرآن على لسان إحدى السيدتين التى سقا لهما بأنه القوى الأمين فتقول لأبيها ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (29) ويصفه الله في موضع آخر بقوله ( وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً)(30) ، ويوس | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:21 am | |
| ثالثا شروط النبي الخاتم : ------------------------------- 1 -الاسم والصفة ---------------------------- أما الاسم فهو أحمد تحديدا وتصريحا ، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)(1)، ومحمد هو اسمه الأشهر صلى الله عليه وسلم ، وورد في كتاب الله تعالى أربع مرات ، وكلاهما (محمد وأحمد )اسمين لمعنى واحد ، فيقول بن القيم "تقدير أحمد على قول :الأولين أحمد الناس لربه ، وعلى قول هؤلاء أحق الناس وأولاهم بأن يحمد فيكون كمحمد في المعنى ، إلا أن الفرق بينهما أن محمدا هو كثير الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره ، فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة والكيفية فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره وأفضل مما يستحق غيره فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر ، فالإسمان واقعان على المفعول وهذا أبلغ في مدحه وأكمل معنى "(2)وروى أن عبد المطلب إنما سمى محمدًا بهذا الاسم لرؤيا رآها، فزعموا أنه رأى فى منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف فى السماء وطرف فى الأرض وطرف فى المشرق وطرف فى المغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها.فقصها فعبروها له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمدًا (3) أما الصفات فقد أخرج أحمد عن عطاء بن يسار قال " لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما فقلت أخبرني عن رسول الله فى التوراة فقال أجل إنه لموصوف فى التوراة بصفته فى القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لافظ ولاغليظ ولاصخاب فى الأسواق ولا قوال بالخنا ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر .اسدده بكل جميل وأهب له من كل خلق كريم وأجعل السكينة لباسه والبر شعاره ولن يقبضه الله حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا اله إلا الله يفتح به أعينا عميا وأذانا صما وقلوبا غلفا "(4) وخلاصة هذا الشرط أن يتصف النبي الخاتم ويسمى بصفات الحمد والخيرية المطلقة .
2- المنعة -------------------- إذ كان لزاما وأخذا بسنته سبحانه وتعالى فى " الأخذ بالأسباب " أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم منعة تحميه وتمكنه من أداء رسالته , وكانت منعته صلى الله عليه وسلم هي قبيلته قريش صاحبة السيادة والنفوذ والرئاسة ، وبيت من بيوت قريش هو بيت جده عبد المطلب سيد قريش وزعيمها ، كما تمثلت منعته فى كفالة عمه أبو طالب له وزواجه من السيدة الطاهرة خديجة بنت خويلد ، حتى إذا حاربته قريش وقاطعته وخذلته ومات جده عبد المطلب ومن بعده عمه أبو طالب ثم خديجة رضى الله عنها ومن قبلهما أمه وأبيه ، لم يستطع أن يدخل عليه الصلاة والسلام مكة بعد أن خرج منها إلى الطائف إلا في جوار من قبل جواره وهو المطعم بن عدى ، ثم عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوائل الأنصار ببيعة العقبة على أن يمنعوه مما يمنعوا منه نسائهم وأولادهم وقال وقتها البراء بن معرور : " نعم والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه نسائنا وأولادنا نحن أهل الحرب والسلاح , ورثناها كابر عن كابر "(5) ولما أشتد إيذاء المشركين له قال لعمه العباس بن عبد المطلب " ياعم إن الله عز وجل ناصر دينه بقوم يهون عليهم رغم قريش عزا فى ذات الله تعالى فامضي بى إلى عكاظ فأرني منازل وأحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عز وجل وأن يمنعوني ويؤوني إلى أن أبلغ عن الله عز وجل "(6) وظل يعرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل فى الأسواق ولاقى منهم ما لاقى من حرج وإيذاء , وعن عاصم ورجل من بني رقاش من بني عامر وقوم هم وفد بني كلب قال ، أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وقال " أنا النبي الأمي الصادق الزكي والويل كل الويل لمن كذبني وتولى عني وقاتلني والخير كل الخير لمن آواني ونصرني وآمن بي وصدق قولي وجاهد معي (7) .. ووفد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبيلة بني شيبان لطلب المنعة ومعه أبو بكر رضي الله عنه فكان مما سأله أبو بكر لقائدهم - ويدعى مفروق - "كيف المنعة فيكم إلى أن سأل هذا القائد رسول الله عما يدعو إليه فقال صلى الله عليه وسلم " أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله وأن تؤونى وتنصرونى .. (8)
3 - الأمية ----------------------- عرف العرب جميعا بالأمية ولم يكن لهم علم ولا فلسفة ولم يكن من بينهم من يصح أن يصبح عالما إلا قليل وكان الجهل فاشيا فيهم والأمية شائعة بينهم خصوصا فى الأقطار البدوية " وقد دخل الإسلام وفى قريش سبعة عشر رجلا يكتب وقليل من النساء . ولندرة الكتابة كانوا يطلقون على من يجمع بين الكتابة والرمى والعوم "بالكامل "كسعد بن عبادة وأسيد بن حضير وسويد بن الصامت(9) إلا أنهم على الرغم من ذلك كانت مهارتهم التي تفوقوا بها على العالمين هى اللغة العربية . والسبب في ذلك كما يقول صاحب أبجد العلوم " كان حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم وذلك من الغريب الواقع , لأن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم العجم إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي ، والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال البساطة والبداوة وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه ، كان الرجال ينقلونها في صدورهم وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه حاجة ، وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين وكانوا يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله القراء ، أي الذين يقرؤون الكتاب وليسوا أميين لأن الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة بما كانوا عربا ، فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء إشارة إلى هذا ، فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عن رسول الله لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث الذي هو في غالب موارده تفسير له ، (10) فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتقييد الحديث مخافة ضياعه ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الناقلين للتميز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان فاحتيج .. وهكذا " (11) وقد اقتضت إرادة الله أن يكون الرسول الخاتم أميا , لأن الكتاب الذي سينزل عليه سيكون التحدي به بالبلاغة والبيان وبما احتواه من علوم لا يتأتى العلم بها إلا بالتعلم والاطلاع والسفر والترحال وبالعمر الطويل , فكانت أميته صلى الله عليه وسلم أقوى الدلائل على صدقه وكانت الحكمة من هذه الأمية دحض حجج المبطلين القائلين بافتعال محمد بنفسه أو بمعاونة غيره من البشر للقرآن ، وهى الفرية التى طالما رددها أعداء الإسلام فقالوا إنما يعلمه بشر فقال لهم الله تعالى : (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (12)وقال (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (13)ومن هنا لا ينظر إلى هذه الأمية على أنها شرف لرسول الله ونقيصة لغيره فحسب، إنما ينبغي النظر إليها من منظور أسمى وأجل هو الدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وقد برر صاحب المصدر السابق سبب اعتبار الأمية نقصا في حق البشر وكمالا في حقه صلى الله عليه وسلم بقوله " أن ذلك كمالا في حقه بالنسبة إلى مقامه لشرفه وتنزهه عن الصنائع العملية التي هي أسباب المعاش والعمران كلها وليست الأمية كمالا في حقنا نحن إذ هو منقطع إلى ربه ونحن متعاونون على الحياة الدنيا شأن الصنائع كلها حتى العلوم الاصطلاحية فإن الكمال في حقه هو تنزهه عنها جملة بخلافنا" (13) وقد نعته الله تعالى بهذا الشرف في قوله تعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(14) وبين أن تلك صفته في الكتب الأولى فقال ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل)(15) وقوله تعالى الأمي هو منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها - قاله ابن عزيز- ، وقال ابن عباس رضي الله عنه " كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب قال الله تعالى (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (16) وكان أهل الكتاب يعرفونه بهذه الصفة ، فعن بن عياس قال حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فتسائلوا .. وكان من بين ما سألوه .. وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة ؟ قال فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعني (4) وكانت تلك صفته التي يفخر بها صلى الله عليه وسلم في الدنيا , فعن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال " أنا النبي الأمي قاله ثلاث مرات ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وعلمت خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه (17) وتلك صفته أيضا التي ينادى بها في الآخرة , فعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق نورهم كالشمس فيقال النبي الأمي ، فيتحشحش لها كل نبي ، فيقال محمد وأمته ، ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق نورهم مثل كل كوكب في السماء فيقال النبي الأمي ، فيتحشحش لها كل نبي ، ثم يحثى حثيتين ، فيقال هذا لك يا محمد وهذا مني لك يا محمد ، ثم يوضع الميزان ويؤخذ في لحساب (18) ويلحق بهذا الشرط شرط آخر اقتضاه ونص الله سبحانه وتعالى عليه صراحة ، وهو وجوب جهله التام بقول الشعر وفنونه وألوانه وأشكاله وكل ما يتعلق به ، فذلك قوله سبحانه ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ)(19)ويؤدي ذلك بالضرورة إلى جهله بالكهانة والدجل والسحر للزوم العلم والقراءة والكتابة لمثل هذه الفنون 4- ألا يعقب ولدا --------------------------- قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(1) خصت هذه الآية عند المفسرين بتحريم التبني ، إلا أن هذا لا يمنع حملها على العموم ، بحيث يمتنع القول بأبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من الرجال ، ويسري هذا القضاء الإلهي حال حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته أيضا , لذا لم يكن من قبيل المصادفة – والمصادفة لا مكان لها فى تدبير الله وتنظيمه لملكه - أن لا يعش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنا ذكرا أو أنثى إلا فاطمة , ولم تدم حياتها بعده صلى الله عليه وسلم إلا ستة أشهر , وربما تكون الحكمة من ذلك ألا يفتتن الناس بهم من بعده , أو ربما ليتوقف النسل الطاهر الممتد من إبراهيم ومن بعده إسماعيل إليه صلى الله عليه وسلم ، " وكل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة رضى الله عنها سوى إبراهيم من ماريا القبطية , وهم القاسم وبه كان يكنى عاش أياما يسيرة ومات قبل النبوة , وولدان آخران اختلف في اسميهما إلا أنه لا يخرج عن عبد الله , الطاهر , والطيب , " وبناته زينب وماتت سنة ثمان من الهجرة , ورقية ماتت بعد بدر بثلاثة أيام وأم كلثوم وماتت أيضا حال حياته (2) وقال القرطبي " وكل أولاده ماتوا في حياته غير فاطمة ، وأما الإناث من أولاده فمنهن فاطمة الزهراء بنت خديجة ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين وهي أصغر بناته , وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير وهي أول من لحقه من أهل بيته رضي الله عنها , وإبراهيم أمه مارية القبطية ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي ابن ستة عشر شهرا وقيل ثمانية عشر ذكره الدارقطني ودفن بالبقيع وقال صلى الله عليه وسلم إن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة " (3) وفي أخبار مكة للفاكهي " مات أولاد النبي صلى الله عليه وسلم الذكور كلهم رضعا بمكة " (4) وخصوصية هذا الشرط بالنبوة الخاتمة إنما لانقطاعها ونهايتها ، بحيث لا يتصور نبي آخر من نسل النبي الخاتم أو من غيره ، بينما كانت الذرية مستمرة في الأنبياء السالفين باعتبار النبوة لم يؤذن في انقطاعها بعد , قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)
(5) شروط وخصائص أخرى إجمالية ------------------------------------ ومن الشروط التي وجدنها في بعض أمهات الكتب ومما اتفق عليه علماء الإسلام ما يلي الشرط الأول: الذكورة لما في ذلك من ضمان للكمال المفترض في النبي مما لا يتصوره في الأنثى الشرط الثاني: الأمانة والصدق وحفظ الله ظواهرهم وبواطنهم من الإثم الشرط الثالث: العقل: فلا تجوز علي نبي الأخطاء العقلية والأفكار الخاطئة وسوء الاستنباطات. الشرط الرابع : الضبط: يعني أن يفهم الخبر عن ربه قبل أن يبلغه كما ينبغي ويضبط معناه الشرط الخامس : العدالة : وتعني عدم وجود دوافع شخصية ينقل لنا الخبر عن ربه بغير تعديل الشرط السادس : عدم الوقوع في المعاصي والذنوب. سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها وعقد الماوردي فصلا أسماه " فصل شروط صحة النبوة " ------------------------------------ فقال : فإذا أثبت أن النبوة لا تصح إلا ممن أرسله الله تعالى بوحيه إليه فصحتها فيه معتبرة بثلاثة شروط تدل على صدقه ووجوب طاعته : - الشرط الأول : أن يكون مدعي النبوة على صفات يجوز أن يكون مؤهلا لها لصدق لهجته وظهور فضله وكمال حاله فإن اعتوره نقص أو ظهر منه كذب لم يجز أن يؤهل للنبوة من عدم آلتها وفقد أمانتها . والشرط الثاني : إظهار معجز يدل على صدقه ويعجز البشر عن مثله لتكون مضاهية للأفعال الإلهية ليعلم أنها منه فيصح بها دعوى رسالته . والشرط الثالث : أن يقرن بالمعجز دعوى النبوة فإن لم يقترن بالمعجزة دعوى لم يصر بظهور المعجزة نبيا ، لأن المعجز يدل على صدق الدعوى فكان صفة لها ، ثم عقد فصلا آخر في " شروط خطاب الرسول لأمته " --------------------------------- فقال : وأما خطاب الرسول لأمته فيما بلغهم من رسالة ربه بعد ظهور معجزته والإخبار بنبوته ولزومه للأمة فمعتبر بخمسة شروط : الشرط الأول : العلم بانتفاء الكذب عنه فيما ينقله عن الله تعالى من خبر أو يؤديه من الشرط الثاني : أن يعلم من حاله أنه لا يجوز أن يكتم ما أمر بأدائه لأن كتمانه يمنع من التزام رسالته الشرط الثالث : أن ينتفي عنه ما يقتضي التنفير من قبول قوله لأن الله تعالى حماه من الغلظة لئلا ينفر من متابعتة وكان أولى أن لا ينفر عن قبول خطابه الشرط الرابع : أن يقترن بخطابه ما يدل على المراد به لينتفي عنه التلبيس والتعمية في أحكام الرسالة الشرط الخامس :العلم بوجوب طاعته ليعلم بها وجوب أوامره واختلف في طاعته هل وجبت عقلا أو سمعا بحسب اختلافهم في بعثة الرسل هل هو من موجبات العقل أم لا ( أ هـ) (6) ------------------------------------------------------- (1) الصف 6 (2) ابن القيم زاد الميعاد ج أول (3) شرح الزرقاني ج 4 ص 558 (4) مسند أحمد الجزء الرابع والأدب المفرد للبخاري الجزء الأول . (5) السيرة النبوية لابن هشام ج 2 (6) ميزان الاعتدال في نقد الرجال لشمس الدين الذهبي باب من اسمهعلوان بن داود البجلي أحد رواة الرواية ، وأيضا رواه بن حجر في لسان الميزان فصل علوان الطبقات الكبرى لابن سعد (7) القصة كاملة وردت في الثقات لابن حيان جزء أول ص 84 فصل عرض رسول الله نفسه على القبائل (8) فجر الإسلام أ/ أحمد أمين (9) أبجد العلوم لصديق بن حسن القنوجي المتوفى (10) المصدر السابق ج أول ص 159 (11) النحل 103 (12) يونس16 (13) المصدر السابق (2) الأعراف من الآية 158 (14) الأعراف من الآية 157 (15) العنكبوت:48 (16) مسند أحمد 2514 وقال الهيثمي في الزوائد رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف (17) مسند أحمد ج ثان 6606 (18) قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني ورجاله ثقة (19) يس 69 --------------------------------------- (1)الأحزاب 40 (2) جوامع السيرة النبوية لابن حزم الأندلسي (3) تفسير القرطبي ج 14 (4) أخبار مكة لمحمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي دار نشر ببيروت تحقيق عبد الملك عبد الله دهيش (5) الرعد:38 (6) أعلام النبوة للماوردي ج 1 بتصرف | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:22 am | |
| أسس الاختيار وجهل الناس بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلف بها --------------------------------------------------- يتضح مما تقدم أن اختيار الله سبحانه وتعالى لرسله يقوم على أسس موضوعيه لتكون حجة فى مواجهة المرسل إليهم حتى يعينهم ذلك على أداء رسالتهم ، وتلمح من آيات الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم أنه جلا وعلا يقدم الدليل على صلاحية هؤلاء الأنبياء وتوافر شروط النبوة فيهم واستحقاقهم هذه الهبة الإلهية ، فيقول عن بعض أنبيائه على لسان قومهم (قالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا)(1) وقوله (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (2) وفى سورة مريم يقدم الله سبحانه وتعالى بعض صفات أنبيائه قبل تكليفهم بالنبوة ثم يتبع ذلك التكليف بها فيقول (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً)(3 ويقول (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (4) ويقول(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)(5) ويقول (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (6) فقدم الصدق عند إبراهيم عليه السلام قبل الخبر بالنبوة , وقدم إخلاص موسى قبل تكليفه بالنبوة أيضا ، وكذلك إسماعيل قدم له الصدق والوفاء في الوعد قبل أن يقدم صفته كنبي ، بما يعنى أنهم عليهم السلام كانوا متخلقين بهذه الصفات قبل أن يهبهم الله النبوة وأن هذه الصفات هى موجبات بعثتهم ومن ثم لا يتصور تخلقهم بها بعد بعثتهم ، حتى عيسى عليه السلام على الرغم من أنه نطق بالنبوة فى المهد إلا أن الله تعالى قدم الدليل على صلاحيته ، فقال (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)(7) كما قدم ذات الدليل بالنسبة ليحيى عليه السلام فقال عنه (وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً) (8) وبنفس هذا المنطق كان اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اختيار قائم على أسس ومعايير موضوعية ، وعلى المفاضلة بينه وبين من حوله من البشر ، حتى ثبت أنه الأفضل والأصلح وهذا هو قول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه " إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالاته " (9) وهذا الاختيار القائم على أسس موضوعية يقودنا إلى نتيجة حتمية مؤداها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن معـروفا لدى الناس جميـعا بأنه هو النبي المنتظر قبل أن يكلف بالنبوة ولم يكن هو ذاته يعرف ذلك , ولم يكــن يعرف ذلك أيضا من عندهم علم الكتاب ، إلا بما توسم فيه بعض الأحبار والرهبان مــن علامات النبوة ، لذا فوجئت قريش باختياره صلى الله عليه وسلم دون عظيم مــن عظمائهم نبيا , وكان ذلك أهم أسباب عدم دخول أئمة الكفر والجهل منهم الإسلام فقال تعالى : (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (10) إذ كان محمد بالنسبة لهم واحد من الناس ورجل كسائر الرجال وفردا من العرب وإن اتصف بينهم بصفات حميدة وأخلاق سامية ، وإن عرف بينهم بالصادق الأمين ومن الأدلة على ذلك وعلى سبيل المثال ما يلي : ---------------------------------- 1-قال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل عن محمد بن إسحاق وصولا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ما موجزه : لما نزلت هذه الآية على رسول الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (11) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عرفت أني إن بادرت بها قومي رأيت منهم ما أكره فَصَمَتُّ فجاءني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك " ، قال علي رضي الله عنه فدعاني فقال " يا علي إن الله تعالى قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فعرفت أني إن بادرتهم بذلك رأيت منهم ما أكره فصمت عن ذلك ، ثم جاءني جبريل فقال يا محمد إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك فاصنع لنا يا عليُّ شاةً على صاعٍ من طعامٍ وأعد لنا عس لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلتُ ، فاجتمعوا إليه وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب الكافر الخبيث ، … فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لهدَّ ما سحركم صاحبكم فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم – روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك في يومين متتاليين - وفي الثالثة قال عليه الصلاة والسلام" يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا" ؟ قال فأحجم القوم عنها جميعا (12) ، وهو ما يستدل معه على عدم علم عشيرته صلى الله عليه وسلم أو قرابته أو قريش أو مكة بأسرها بنبوته قبل أن يكلف بها وإلا ما فوجئوا بما سمعوا 2- في قوله تعالى ( مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ )(13) ما يدل على عدم علمه صلى الله علـيه وسلم بالنبوات والرسل وأسبابهما وكل ما يتعلق بهما ، خاصة وأنه أمي نشأ في أمة أمية , وتفسير الآية " أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان ، وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الوحي متصفا بالإيمان (14)، بغير أن يمنع ذلك من أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لصنم ولا أشرك بالله ، وكان على دين لقومه هو دين الحمس ، ولم يحلف باللات أو العزى أو بصنم من أصنامهم ، ولم يكن يعرف الكتب أو الشرائع السماوية السابقة ، ولم يتخلف على أحد عالما كان أو غير عالم يعرف منه ، " ويعضد ذلك ويؤيده قوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (15) " أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، فهداك ، وضالا أي لم تكن تدري القرآن والشرائع ، فهداك اللّه إلى القرآن، وشرائع الإسلام؛ (16) 3- روى الطبراني من قول معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أن أمية بن أبي الصلت قال له أني أجد في الكتاب صفة نبي يبعث في بلادنا وكنت أظن أني هو ثم ظهر لي أنه من بني عبد مناف فنظرت فلم أجد فيهم من هو منصف بأخلاقه إلا عتبة بن ربيعة إلا أنه جاوز الأربعين ولم يوح له فعرفت أنه غيره قال أبو سفيان فلما بعث محمد قلت لأمية عنه أما إنه حق فاتبعه .. " (17) 4 - وهذه خديجة زوجته عندما جاءه الوحي صلى الله عليه وسلم لم تجزم بعلم عندها خبرت به من أي مصدر أنه نبي الأمة المنتظر ، وإنما طمأنته في بداية الأمر بما لديها من فطرة نقية وإحساس صادق أنه ما كان ليصيبه سوء ، ثم ذهبت به إلى ابن عمتها ورقة بن نوفل بوصفه عالم بالكتب السابقة فما إن سمع منهما وقع الكلام عليه موقع المفاجأة فقال " هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك " (18) ، وقبل ذلك لم يقل بنبوة محمد وهو أمامه دوما ولم يشيع بين الناس سواء من العرب أو من اليهود والنصارى أن هذا الرجل المسمى محمد بن عبد الله هو النبي الذي بشرت به الكتب بغير أن يمنع ذلك توسمه فيه النبوة باعتبار أن صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم كانتا ترشحانه لذلك 5- وروى بن حجر في الإصابة عن المدائني بسند له عن ابن عباس أن نساء أهل مكة اجتمعن في عيد لهن في الجاهلية فتمثل لهن رجلا فنادى بأعلى صوته يا نساء مكة إنه سيكون في بلدكن نبي ، فمن استطاعت منكن أن تكون زوجا له فلتفعل ، فحصبنه جميعا إلا خديجة فإنها عضت على قوله ولم تعرض له بما يكشف عن جهل مكة ونساءها بخروج نبي آخر الزمان من بين ظهرانيهم (19) 6- وهذا عمرو بن نفيل يحكي عنه عامر بن وهب قوله : أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي فإن طالت بك مدة فرأيته فاقرأه مني السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك ،قال هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ، ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليس يفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه ، واسمه أحمد ، وهذا البلد مولده ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب .. "(20) ثم رآه ابنه زيد ورغم ذلك لم يعرفه ، فعن سالم بن عبد الله أنه سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدخ (مكان)، وذلك قبل أن ينزل على رسول الله الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منه وقال" إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه." (21) 7- قال النضر بن الحارس لقريش قد كان محمد فيكم غلاماً حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر فلا والله ما هو بساحر ... (22) وهو ما يبين منه بجلاء أن محمدا كان مرضيا عندهم مقبولا لأخلاقه السامية التي تميز بها واشتهر بينهم بها ، حتى إذا قال بالنبوة صعقوا وألجمتهم المفاجأة فقالوا ما قالوا فيه . 8- ومن المعلوم أيضا أن بعض العرب سموا أولادهم باسم محمد عندما عرفوا من بعض الكهنة بمبعث نبي في الحجاز اسمه محمد ، فنذر كل منهم إن ولد له ولد ذكر أن يسميه محمد وهم : محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي ، و محمد بن مسلمة الأنصاري ، و محمد بن براء البكري ، و محمد بن سفيان بن مجاشع ، ومحمد بن حمران الجعفي ، و محمد بن خراعي السلمي ،محمد الجشمي من بني سواءة ومحمد الأسيدي ومحمد الفقيمي (23) وبرر بن سعد ذلك بقوله : سموهم طمعا في النبوة ، كما برر عبد المطلب تسمية محمدا بهذا الاسم بالتيمن به أو لرؤية رآها. ما يعني عدم التيقن من نبوة محمد بن عبد الله بذاته وشخصه قبل أن يبعث . 9-وفي حوار هرقل مع أبو سفيان ، والنجاشي مع بعض مهاجري الحبشة ، وكتاب المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، ما يتضح بجلاء جهلهم جمعيا وأساقفتهم وعلمائهم بأن هذا العربي المسمى محمدا هو النبي المنتظر - وإن علموا بخروج النبوة من حرة بين لبتين هي مكة المتوسطة الجزيرة العربية - حيث ثبت لدى هؤلاء الملوك من خلال الصفات التي سألوا عنها وعرفوها ممن سألوهم إياها ، أن هذا النبي صادق غير مدعى ، وأنه هو النبي الذي أخبرت به كتبهم . ولم يعرفوا ذلك من خلال علم مسبق لديهم بأن الفتى العربي ساكن مكة والمسمى محمد بن عبد الله هو النبي المنتظر . فهذا هرقل يعقب على إجابة أبو سفيان لأسئلته فيقول له بعد أن أخبره أبو سفيان عن بعض صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم " (24) وبعد أن يستمع النجاشي لمهاجري الحبشة الأول ، يقول أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجد في الإنجيل وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم (25) ، وهذا كتاب المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له فيه " قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام " (26) وهو ما يفهم منه أن هؤلاء الملوك ما علموا بنبوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام إلا من خلال رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، وبما أخبروهم به من صفاته وأخلاقه ، وقبل ذلك لم يصل إلى علمهم ولم يخبرهم مخبر أو ينبئهم منبئ ، أن الفتى العربي المسمى محمد بن عبد الله هو هذا النبي ، 10- كما أن الصفات الموجودة في الكتب والتي تبشر به فكانت كلها تتعلق بالصفات الخُلقية التي من الممكن أن تتوافر في أي شخص , إلا أنها لم تتوافر إلا في شخص واحد فقط ، استحق بموجبها شرف الرسالة هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، كما تشير هذه الكتب إلى المكان والزمان المقدرين سلفا بعلم الله ومشيئته واللذين من المنتظر بعثة النبي فيهما ، ولم يرد بهذه الكتب صفات خَلقية محددة تحديدا قاطعا يدل على ذات محمد بن عبد الله أو شخصه ، فعن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و حرزاً للأميين ، أنت عبدي و رسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، و لا يدفع السيئة بالسيئة ، و لكن يعفو و يغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، يفتح بها أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً " . (27) 11-وعن تفسير قوله تعالى ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فريقا منهم ليكتمون الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (28) فيقول بن كثير " أن العلماء من أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده ، والعرب كانت تضرب هذا المثل في صحة الشيء ، ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي يكتمون الناس صفته "وروى القرطبي عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام "أتعرف محمدا كما تعرف ولدك قال نعم وأكثر نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته"(29) ومعنى عرفته أي طابقت الصفة التي جاء بها الأمين من السماء على الصفات الموجودة بالتوراة والنجيل فتطابقت فعرفته فآمنت به ، بما يعني أن معرفتهم به صلى الله عليه وسلم كمعرفتهم أبنائهم إنما ذلك بعد قوله بالنبوة لا قبلها . والسؤال الذي لا بد أن يطرح نفسه الآن ، هو ما الفائدة أن لا يعرف رسول الله عن نفسه أو لا يعرف عنه غيره أنه هو النبي التي نبئت به الكتب بشخصه وبهيئته قبل أن يبعث ؟، والإجابة لها شقين : الأول ما يخص محمدا نفسه ، والثاني ما يخص غيره ، أما فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم فيفيدنا ذلك في معرفة أنه لم يكن يتحنث في غار حراء منتظرا الوحي ، ولم يكن يحجم عن عبادة آلهة قومه لعلمه المسبق بإنه نبي ، ولم يكن يخوض مع الخائضين أو يسفه مع السافهين لذات السبب . إنما كانت تنبع تصرفاته بتلقائية لا تحكمها ثمة معلومات مسبقة ، ولا تحكمها ثمة مقدمات أو إعدادات متقنة ، وإلا لكان لجأ إلى معلم يعلمه أو راهب يعده ويؤهله للنبوة . أما فيما يخص الناس دونه صلى الله عليه وسلم فما كانوا يتعاملون معه على هذا الأساس وما كانوا ينظرون إليه نظرة النبي المنتظر ، وما كانوا ينتظرون الوحي لاختياره وإلا أعدوا لذلك العدة ، ومهدوا لذلك تمهيدا ، ولما كان اختياره صلى الله عليه وسلم مفاجأة لأكثرهم , وعندئذ نعرف أنهم كانوا يتعاملون معه كواحد من سائر الناس له ما لهم وعليه ما عليهم ، وأن كان يتميز عليهم بسمت الأنبياء ------------------------------------------- (1) هود من الآية 62 (2) هود 87 (3)مريم 41 (4)مريم 51 (5) مريم 54 (6) مريم 56 (7) مريم 32 (8) مريم 14 (9) مسند أحمد 3600 (10) الزخرف 31 (11) الشعراء:214 (12) دلائل النبوة للبيهقي ج أولو السيرة لابن حبان تحت عنوان فشو ذكر الإسلام بمكة (13) الشورى 52 (14) القرطبي تفسير الآية (15) الضحى 7 (16) القرطبي ج الأخير تفسير الضحى (17) المعجم الكبير للطبراني 7262 السيرة النبوية لابن اسحاق (18) صحيح مسلم بدء الوحي 160 (19) الإصابة لابن حجر 11086 (20) الإصابة لابن حجر 2925 (21) صحيح البخاري 5180 (22) السيرة النبوية لابن هشام ج 1 (23) الطبقات لابن سعد (24) والرواية بتمامها بصحيح مسلم باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإٍسلام 1773 (25) مسند أحمد 1740 (26) الطبقات الكبرى ج أول بعثة رسول الله وكتبه (27) عيون الأثر الجزء الأول وصحيح البخاري 2018 (28) البقرة 146 (29) الأعراف 157 وتفسير بن كثير للآية | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:24 am | |
| بحيرا الراهب ---------------------------- أشهر المصادر التي تكلمت في قصة بحيرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي السيرة النبوية لابن هشام وسنن الترمذي في المناقب ، ويبدو أن عنهما أخذت جميع المصادر ، وقال الحاكم في المستدرك صحيح على شرط الشيخين، وذكرها ابن أبي شيبة في المصنف والماوردي في أعلام النبوة وأبو نعيم في دلائل النبوة والطبري في تاريخه ، وقال ابن حجر في الإصابة رجاله ثقات ، بينما أخرجه الذهبي في السيرة النبوية وقال أظنه موضوعاً وبعضه باطل وقال الشيخ الألباني اسناده جيد لا بأس به .. وفي الأول قال ابن إسحاق ما موجزه " ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون فرق لـه( أبو طالب ) .. فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ... فلما نزلوا به قريبا من صومعته ... وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم . قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة ، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم ..فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( له ) لا تسألني باللاتي والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما … فجعل بحيرى يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده " وبرواية أخرى قال ابن إسحاق ما موجزه : أن خديجة بنت خويلد عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا … مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها … فخرج حتى قدم الشام فنزل رسول الله في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم ; فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي … "(3) بينما روى الترمذي قريب من هذا في مصنفه وقال في نهايته : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ا (4) --------------------------------------------- وبداية أشير إلى أنه لا مانع من صحة بعض القصة ما بين سفر القوم وفيهم محمدا إلى الشام ، وما بين لقائهم بالراهب ، ولا مانع كذلك من توسم بحيرا في رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة بما وجد فيه من سمات الأنبياء ووقارهم وصفاتهم الحميدة .. وعندئذ يكون الأقرب إلى الصحة هو جزء من الرواية التي قال بها بن اسحاق برؤية الراهـب له صلى الله عليه وسلم عندما خرج تاجرا مع ميسرة في تجارة خديجة بن خويلد حيث أنها الأقرب إلى العقل , وفيها توسم بحيرا في محمد سمات النبي المنتظر بعد أن بلغ من سن الشباب والرجولة - الخامسة والعشرين - بما عنده من علم بصفات هذا النبي .. ولكن المانع هو ما داخل القصة من كلام يبين منه علم بحيرا اليقيني بأن محمد الشخص الذي رآه في هذا الوقت وقبل نزول الوحي عليه بما يقرب من خمسة عشر عاما هو بذاته النبي المنتظر بما رآه من علامات ومعجزات كالغمامة أو سجود الحجر والأشياء له ، ومن هذا المنطلق نبدي الملاحظات الآتية : ---------------------------------------- 1- البين من روايتي ابن إسحاق أن التباعد الزمني بينهما واضح ، إذ قيل في الأولى أنه خرج صلى الله عليه وسلم مع عمه وهو ابن تسع سنين أو اثنى عشر عاما ، وفي الثانية يكون خروجه مع ميسره وسنه خمس وعشرون عاما لأنه العام الذي تلاه زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها .، والبين ثانية أن ابن إسحاق نفسه يشك في الرواية التي ينقلها بترديده بين كل فقرة وأخرى كلمه يزعمون ، وتكراره لها أكثر من مرة ، وهو يستخدم هذه الكلمة غالبا في الروايات التي لا سند لها ولا مصدر ، 2- من المعلوم بيقين أن هيئة أو كيفية سجود الأشياء كالحجر والشجر لله تعالى من العلوم التي استأثر بها سبحانه وتعالى ولم يطلع عليها أحد من خلقه إلا من ارتضى من رسول ، فقال سبحانه (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)(5) ، فإذا كان الإنسان لا يفقه تسبيح المخلوقات الأخرى فأولى ألا يفقه سجودها ، ولم أجد في أمهات كتب السلف الأولى ما يدل على أهلية بحيرا أو خصوصيته التي تؤهله لرؤية سجود الأشياء وكيفيتها إلا ما جاء في المعارف لابن قتيبة قوله " أنه سمع قبل الإسلام بقليل هاتف يهتف ألا إن خير أهل الأرض ثلاثة بحيرى ، ورباب بن البراء الشني والثالث المنتظر " وهو قول لا يكفي وحده كدليل على هذه الخصوصية ، باعتبار أن وحدانية المصدر في الدليل قاصرة على القرآن والسنة فقط 3-يقول بن تيميه وهو يرد بعض أقوال من نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزات لم تنقل عن ثقات من أهل العلم "ولكن أظلته الغمامة عندما رآه بحيرا الراهب وعلى الرغم من ذلك لا يُجزم بصحته" (6)أي يقول بقصة بحيرا ولكنه لا يجزم بصحة القصة 4 - أنشد أبو طالب في هذا القصة شعرا قال السهيلي فيه " إن في شعر أبو طالب دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا أو غيره وهذا فيه نظر لما تقدم عن ابن اسحاق أن إنشاء أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث ، ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله جاءت في كثير من الأخبار وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما وأنه مات على الإسلام (7) 5- في تهذيب التهذيب لابن حجر ذكر أن رسول الله غير اسم رجلا أسلم كان اسمه بحيرا وسماه عبد الله وهو عبد الله بن أبي ربيعة ، سافر مع عمرو بن العاص إلى الحبشة من قبل الملأ من قريش ليرد الفئة التي هاجرت الهجرة الأولى إلى الحبشة ، وهو ما يدعو للتساؤل أليس من العجيب أن يغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم رجل هو أول من علم أن محمد بن عبد الله بذاته وشخصــه وهيئته هو النبي المذكور في التوراة والإنجيل وعلمه بذلك كان قبل أن يبعث صلى الله عليــه وسلم بفترة زمنية كبيرة , علما بأن هناك أسماء لم يغيرها رسول الله صلى الله عليه سلم على الرغم من أنها يهودية أو نصرانية مثل ميمون بن مهران وكعب الأحبار ، وأليس من العجيب أيضا ألا يذكره رسول الله في قولة واحدة وهـو المعروف بوفائه صلى الله عليه وسلم لكل من رآه أو تعامل معه ولو قبل بعثته ومن الذين ذكرهم صلى الله عليه وسلم ممن التقى بهم قبل النبوة أو عرف عنهم خبرا قيس بن ساعدة الأيادي وعمرو بن نوفيل . كما ذكر ورقة بن نوفل في قوله صلى الله عليه وسلم الذي أورده بن حجر ، " لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني " (8) وقال بن حجر أخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه يعضده ما أخرجه الزبير عن عروة أنه – أي ورقة – مر على بلال وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء كي يشرك وهو يقول أحد أحد فيقول له والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا 6 - قال السيوطي " القول بأن أبو بكر آمن برسول الله في زمن بحيرا الراهب يخالف الإجماع الذي عليه أهل العلم والحديث من أن أبو بكر آمن برسول الله أول ما آمن به عندما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه وأنه نبي هذه الأمة ، كما قال صاحب عيون الأثر في الجزء الأول بعدمـا روى القصة عن ابن اسحاق "ومع ذلك ففي متنه نكارة و هي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه و سلم بلالا . وكيف وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين فإن النبي صلى الله عليه و سلم أسن من أبي بكر بأزيد من عامين ، وكانت للنبي صلى الله عليه و سلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره ، أو اثنا عشر على ما قاله آخرون ، وأيضاً فإن بلالاً لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بكثير 7- ضعف الحافظ الذهبي الرواية وقال تحت عنوان سفره مع عمه حديث منكر جدا للسبب السابق (9) 8– اختلف الرواة في اسم الراهب أصلا ما بين بحيرا عند بن اسحاق ، وسرخيس في سير الزهري ودون اسم في سنن الترمذي ، وذكره بن سعد في طبقاته باسم نسطور ، بل إن ابن خلدون في تاريخه جعلهما اثنين الأول هو بحيرا والتقى به رسول الله وهو ابن تسع أو اثني عشر سنة , والثاني هو نسطور والتقى به رسول الله في تجارة لخديجة ومعه ميسرة وهو شاب وقال صاحب علامات النبوة بالقصتين معا 9– المعلوم أيضا أن عم النبي عليه الصلاة والسلام أبو طالب لم يسلم , ولم يكتب التاريخ كلمة خرجت من شفتيه يواجه بها أهل مكة الذين ناصبوه العداء بسبب محمد صلى الله عليه وسلم بعلمه بنبوة ابن أخيه عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث بعشرات السنين عن طريق بحيرا . ولو كان الخبر صحيحا على النحو الوارد لكان هو أول من أسلم لكونه أول من سمع ولاحتج بعلمه هذا عليهم 10-والبين كذلك أن الروايات جميعها لم تشر من قريب أو بعيد إلى إسلام بحيرا أو إعلان إيمانه بمحمد كنبي منتظر مثلما فعل ورقة بن نوفل لما علم بنزول الوحي على رسول الله فقال " لئن أدركت هذا اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه " ولم أجد ذلك إلا في مصدر واحد لم يقدم الدليل على صحة ما قاله على الرغم من أنه لم يصنفه ضمن الصحابة لشكه في لإسلامه وهو المنقول عن ابن حجر في باب تراجم الرجال بالإصابة ، وهو تناقض يضعف من التصور الذي جاءت به الرواية إذ كيف يمكن قبول علم الراهب اليقيني بالعلامات والدلائل بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعدم الإيمان به . 11- استغل المستشرقون في العصر الحديث هذه الرواية ونقلوا عن كاتب مسيحي في القرنين الحادي أو الثاني عشر يدعى اشوعيب قوله بتلقين سرجيوس محمدا صلى الله عليه وسلم عقيدته وشرائعه وأجزاء من القرآن وذلك بقصد أن يجعل العرب يدينون لليهود بعلمهم بإله واحد (10) هذا وإن كانت هذه الملاحظات قائمة على اجتهاد قد يكون غير صائب ، فضلا عن عدم تملكي مكنات أو قدرات النقد العلمي القائم على التخصص للأحاديث سواء من ناحية الرواة أو المتن أو غير ذلك ، فأني أنقل هنا بعض ملاحظات هؤلاء الذين تتوافر لديهم هذه والقدرات ، فيقول أحدهم" روى الترمذي عن الفضل ابن سهل - عن عبد الرحمن ابن غزوان- عن يونس أبي اسحق - عن أبي بكر ابن أبي موسى عن أبيه [أبي موسى الأشعري] أنه قال " ذهب أبو طالب إلى بلاد الشام....الخ : أما – عبد الرحمن ابن غزوان – فمع أنه حصل على اعتراف من نُقاد علم أسماء الرجال علم مصداقية رواة الأحاديث لكن آخرين قد وجهوا له التهم ، ومنهم العلامة الذهبي حيث يقول "أن عبد الرحمن يروي الأحاديث الضعيفة وأكثر تلك الأحاديث الغير مقبولة هو الحديث المتعلق بحادثة بحيرا وقال ابن حبان " لقد ارتكب أخطاء ً" . أما الإمام أحمد فقد صنف روايته بشكل عام على أنها غير موثوقة ولا قيمة لها ، مما جعل ابن سعد يصنف حديثه على أنه ضعيف. وبذلك فإن بالإمكان تصنيف الحديث على أنه منقطع سلسلة الرواة . وأبي موسى الأشعري الذي كان أحد صحابة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وجمع عنه الحافظ شمس الدين محمد ابن أحمد ابن أسامة الذهبي معلومات مفصلة عنه ، فقال بعد أن ذكر جميع الروايات عن تاريخ وفاته ما بين عام 42هـ ، 52هـ لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار أبي موسى الأشعري شاهد عيان للحادثة التي حدثت قبل ميلاده بمدة 20 إلى 34 عاماً ومن 30 إلى 40 عاماً قبل بلوغه ، حيث أن درجة فهمه وتذكره لمثل تلك الحادثة تكون ضعيف ، وحتى ولو لم يكن أبي موسى شاهد عيان فإن من الممكن قبول روايته لو أنه قال منذ البداية أنه سمع الحادثة من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، أو من أحد من صحابته ، وعن أبو بكر بن أبي موسى رفض الإمام أحمد ابن حنبل رفضاً قاطعاً إمكانية قبول روايته .ويعتبره ابن سعد كاذباً ولا يؤخذ بقوله ، ويقول الحافظ يوسف المزني ضعيف ولا يُعتمد عليه ومهمل بل وحتى ملفق ، يقول أبو حكيم إنه غالباً ما يشعر بالحيرة والإحساس بالهذيان إزاء روايته ، رغم أن بعض النقاد أيدوا وقبلوا روايته إلا أن معظمهم يعتبرونه غير موثوق به ، وقالوا عن يونس ابن إسحق " كان الإهمال وعدم الاهتمام صفة متأصلة فيه ، ويتبقى فقط الفضل ابن سهل ابن إبراهيم الأعرج .وقيل أنه كان راوياً قوياً ، ولكن هناك تحفظات بالنسبة له فيقول الخطيب البغدادي نقلا عن آخرين كان شخصاً ماكراً كالثعالب ومراوغاً ومخادعا ------------------------------------------- فيما قال آخرون --------------------------- 1-كان الدخول في التعاملات التجارية والذهاب بها ضمن قوافل تجارية محصوراً على الأشخاص الأثرياء ولم يحلم أبو طالب أن يكون منهم ، لأنه لم يكن ثرياً أبداً بل إن ثروته كانت ضئيلة لدرجة عدم تمكنه من الإنفاق على أولاده ، مما جعل بعض أقاربه يتعاطفون معه ويأخذون على عاتقهم مسئولية تربية بعض أبنائه ، إن قصة الحديث مختلقة ولا يوجد دليل على أن أبا طالب كان له رحلات تجارية إلى أي مكان فقد كان بائع عطور بسيط ، وقد رُوي أنه كان أعرجاً وبذلك يفقد الأهلية للقيام برحلة كهذه 2- بما أن بحيرا فقط هو الذي أدرك سجود الأشياء والغمامة .فإن من المفترض أن علامة النبوة المذكورة تكون موجودة في الإنجيل ، لكن الأمر ليس كذلك مما يجعل الحادثة مختلقة وغير موثوقة ولو كان قوله أن الأشجار والحجارة ركعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك لن ينحصر في تلك الحادثة فقط ، ويكون مئات الآلاف من الأشخاص قد شاهدوا ذلك في مكة وسواها ، لكننا لا نجد حديثاً صحيحاً واحداً يؤيد حدوث ذلك مما يؤكد أن ذلك الحديث موضوع لا أصل له 3- ومما يجدر ذكره أن الإسلام قد حرّم الركوع لأحد سوى الله . فيقول تعـالى ( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (11) وقد منع الرســــول صلى الله عليه وسلم الركوع أمام أحد سوى الله ، كما مُنع ذلك في الإنجيل " لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض ، لا تسجد لهن ولا تعبدهن ، لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع ، وبذلك يتضح عدم جواز الركوع لغير الله في أية حال 4- يقول بعض المستشرقين المحايدين مثل جون ب. نوس ، وديفيد س. نوس في كتابهما الشهير" أديان الرجل" .. إن من الواجب إدراج الحديث الشريف الذي يقول إن محمداً صلى الله عـليه وسلم تعلم اليهوديـــة والنصرانية خلال رحلاته مع القافلة التجارية المتجهة للشام ، وكانـت الأولى بصحبة عمه أبي طالب عندما كان في سن الثانية عشرة ، والثانية عندما كان عمره 25 عــاماً كموظف لخديجة التي تزوجها فيما بعد على أنه حديث غير مقبول ويقول توماس كارلايل : حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير . (12) ------------------------------------------ (1) ذكره بن حجر في تهذيب التهذيب رواية عن الشيخين وغيرهما 450 (2) الرواية بتمامها عند بن حبان تحت رقم 6335 (3) السيرة الهشامية لابن اسحاق (4) الحديث الغريب هو ما انفرد واحد بروايته وينقسم إلى غريب صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح وهو الغالب على الغرائب ولذلك جاء عن أحمد بن حنبل لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء " ( المنهل الروي لمحمد بن ابراهيم بن جماعة ) (5) الإسراء من الآية 44 (6) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (7) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (8) قال بن حجر في الإصابة أخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه وعضده برواية أخرى (9) تاريخ الإسلام للذهبي (10) دائرة المعارف الإسلامية مترجمة طبعة الشعب ج7 نقلا عن مجلة الوعي الإسلامي 419/2000 (11) فصلت 37 (12) نفس المصدر السابق
سيف بن ذي يزن --------------------------- روى بن إسحاق عن ابن عباس ما موجزه " لما ظهر سيف بن ذي يزن على الحبشة ، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم أتته وفود العرب ... فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم في أناس من وجوه قريش ... فتكلم عبد المطلب بكلام أعجب الملك ، كما تكلم بن ذي يزن بكلام أعجب منه وذكر بن إسحاق ما قالاه كلاهما تفصيلا ، فكان مما قاله سيف بن ذي يزن " إنى مفوض إليك من سنى علمي أمرًا لو يكون غيرك لم أبح له به ولكنى رأيتك معدنه فأطلعتك عليه فليكن عندك مكنونا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره. إنى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون الذى اختزناه لأنفسنا واجتبيناه دون غيرنا خيرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة، للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة... إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة … هذا حينه الذى يولد فيه أو قد ولد ، اسمه محمد يموت أبوه وأمــه ويكفله جده وعمه ، قد ولدناه مرارًا والله باعثه جهارًا وجاعل له منا أنصارًا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم الأرض ويكســـر الصلبان ويخمد النيران ويعبد الرحمن ويدحر الشيطان قوله فصل وحكمه عدل يأمــر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله … والبيت والحجب والعلامات والنصب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب… فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود، فإنهم أعداؤه، ولن يجعل الله عليه سبيلاً، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فأنى لا آمن أن تدخلهم التعاسة من أن تكون لكم الرياسة فيطلبون له الغوائل وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون وأبناؤهم، ولولا أنى أعلم أن الموت مخترمي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار ملكه، ولولا أنى أخاف عليه الآفات واحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه بذكره، ولكنى صارف ذلك إليك، من غير تقصير بمن معك " ، ثم مات ابن ذى يزن قبل أن يحول الحول فكان عبد المطلب كثيرًا ما يقول يا معشر قريش، لا يغبطنى أحدكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطنى بما يبقى لى ولعقبى من بعدى ذكره وفخره وشرفه. فإذا قيل له : فما ذاك؟ قال: ستعلمون نبأه ولو بعد حين " .
الملاحظات : --------------------- 1- ذكر بن كثير قصة سيف بن ذي يزن كما رواها بن اسحاق من جهة قصة أصحاب الخدود حيث ذكر بن إسحاق أن " سيف هو الذي استنقذ بعض مؤمني أصحاب الأخدود وهو دوس ذو تغلبان وهو الوحيد الذي نجا فذهب هذا الذي نجا إلى قيصر الروم ملك الشام فكتب الأخير إلى النجاشي فأرسل مع ذو نواس جيشا يقدمهم أرباط وأبرهة فاستنقذوا اليمن من اليهود ( أصحاب الأخدود وهرب ذو نواس وغرق في البحر ثم استمر ملك الحبشة في أيدي النصارى إلى أن استنقذه سيف بن ذي يزن منهم ، ثم قال بن كثير تعقيبا على هذه القصة " إن زمن القصة قديما بعد زمان إسماعيل عليه السلام بقرب من خمسمائة سنة وما ذكره بن إسحاق يقتضي أن قصتهم كانت في زمان الفترة بين عيسى ومحمد وهـو أشبه " ثم عقب بعد ذلك ابن كثير باحتمال حدوث قصة أصحاب الأخدود أكثر من مرة حتى يطابق ما قاله بن اسحاق ، (1) 2- الملاحظ أولا أن هذه القصة رويت من مصدر يكاد يكون وحيد هو الموجود في السيرة الهشامية لابن هشام في تهذيب سيرة بن إسحاق , وعنها أخذت جميع السير ، 3- والملاحظ ثانيا أن القصة بالطريقة التي سردها بن إسحاق يغلب عليها الطابع الأدبي ,وهو الطابع الذي يعتمد على القص والحكي متخذا من العبارات السهلة سبيلا لعرض القصص في أسلوب أدبي شيق شارحا بعض الكلمات الغامضة أثناء العرض القصصي محليا الخبر بأبيات شعرية أو نصوص نثرية , وهو ما فعله بن هشام حيث نحا في أغلب الحوادث التاريخية وخاصة قبل الإسلام نحوا قصصيا في أسلوب أدبي بليغ وتخلل عرض الأخبار كثير من الحوارات الشيقة ، ومن هذه الحوادث أخبار غزوة يثرب التي قام بها تبان أسعد حاكم اليمن قاصدا هلاك المدينة , وكان لحبرين من اليهود دخل في حوادث هذه القصة المغرقة في الإسرائيليات وكذا قصة سد مأرب ، وأرى أن القصة صاغها بن إسحاق من هذا القبيل , وهذه الطريقة أخذ عنها أغلب الكتاب والأدباء المعاصرين حيث استخدموا قدراتهم الأدبية في صياغة السيرة النبوية في صورة القصص والرواية والشعر ومن هؤلاء طه حسين في كتابه على هامش السيرة , وتوفيق الحكيم في ( محمد ) ومن الشعراء محمود سامي البارودي في كشف الغمة في مدح سيد الأمة (2) لذا جاء الحوار فيها بطريقة أدبية بالغة الدقة ظاهر فيها استخدام السجع والبلاغة والشعر ، بغير أن يعني ذلك جميعه نفي القصة من أساسها ، ولكن كما قلت في قصة بحيرا من أنه لا مانع من صحة الرواية ، ولا مانع من سفر محمد إلى الشام في تجارة ولقائه به ، ولا مانع من توسم بحيرا في محمد سمات الأنبياء ، فأقول هنا أيضا لا مانع من لقاء عبد المطلب بسيف بن ذي يزن على النحو الذي جاءت به القصة ، ولا مانع كذلك من صحة أغلب الحوارات والكلام الذي دار بينهما , ولكن يبقى مانع وحيد وهو علم ذي يزن هذا العلم اليقيني المؤكد تأكيدا ينقطع دونه كل شك أو احتمال بنبوة محمد ، وأن محدثه هو جده ، وأن الطفل محمد بن عبد الله هو حفيده ، 5- من المعروف أن عبد المطلب مات وسنه صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات , فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة جده عبد المطلب في كفالة عمه أبو طالب، وكان عبد المطلب يوصي أبا طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن عبد الله والده وأبا طالب عمه كانا أخوان لأب واحد هو عبد المطلب وأم واحدة هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ (2)، فهل كان من ضمن ما أخبر به عبد المطلب ابنه أبو طالب وأوصاه به هو أن محمد النبي المنتظر ؟ وهل أخبره بكلام بن ذي يزن ؟ بل وهل أخبره بسائر الأقاويل التي سمعها والتي تؤكد كلها بما لايدع مجالا للشك أن محمد بن عبد الله هو النبي المنتظر ومن هذه الأقاويل على سبيل المثال ومما أفاض فيه بن إسحاق أيضا ، ما رواه من قول أم أيمن : " كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يومًا فلم أدر إلا بعبد المطلب قائمًا على رأسى يقول يا بركة ، قلت لبيك، قال أتدرين أين وجدت ابني ؟ قلت لا أدرى قال وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة، لا تغفلي عن أبني، فإن أهل الكتاب يزعمون أن أبني نبي هذه الأمة، وأنا لا آمن عليه منهم (3) وأيضا "جلس عبد المطلب يومًا فى الحجر وعنده أسقف نجران وكان صديقًا له وهو يحادثه وهو يقول إنا نجد صفة نبى بقى من ولد إسماعيل، هذه مولده، من صفته كذا وكذا فأتى الطفل محمد وهم على هذا الحديث، فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال هو هذا ، فقال الأسقف ما هذا منك؟ قال ابني قال الأسقف لا ما نجد أباه حيًّا. قال عبد المطلب هو ابن أبني مات أبوه وأمه حبلى به قال صدقت. قال عبد المطلب تحفظوا بابن أخيكم، ألا تسمعون ما يقال فيه (4) 6- الثابت أن التاريخ لم يسجل وصية لعبد المطلب بهذا الشأن ، وما سجله هو وصيته عند موته عندما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت فجمع بناته وكن ستا: صفية، وبرة، وعاتكة، وأم حكيم البيضاء، وأميمة ، وأروى فقال لهن ابكين على حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت. فقالت كل واحدة منهن شعرًا ترثيه به وأنشدته إياه ، فأشار برأسه ، وقد أصمت أن هكذا فابكيننى (5) 7- بل إن موقف أبو طالب نفسه وعلى وجه الخصوص عدم إسلامه وإيمانه بمحمد يدل على جهله بهذه النبوة ، وما كانت منعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحدبه عليه إلا من منطلق واحد فقط هو منطلق القرابة وصلة الدم والحب له , ولنستعيد موقفه يوم أن ذهب إليه الملأ من قريش ومعهم عمارة ابن الوليد بن المغيرة وقالوا له: يا أبا طالب إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم، فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدًا. (6) فكان إبائه من هذا الوجه فحسب ، ولو كان من وجه يقينه بنبوة محمد لكان أول من آمن . ولما لا وقد تعجب أبو طالب من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما تعجب الملأ الكفار من قريش عندما قال له صلى الله عليه وسلم " أي عم أو أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها" ؟ قال وإلام تدعوهم ؟ قال " أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين بها لهم العرب ويملكون بها العجم " فقال أبو جهل بلى وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها " فقال هي لا إله إلا الله محمد رسول الله فنفروا منه وتفرقوا(7)فهل يفهم من هذا علم أبو طالب أو قريش المسبق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وأنه أصر إصرارا غريبا على عدم الإيمان بمحمد حتى عند موته ، ففي الصحيح عن المسيب أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال أي عم قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب ، ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلماه حتى قال آخر شيء كلمهم به " على ملة عبد المطلب (8) 8-وبالتالي يداخلنا الشك أيضا في بعض ما قيل في الإرهاصات وهواجس النبوة عن علم أبو طالب بنبوة محمد بن أخيه وهو لم يزل طفلا ، وتحققه بنفسه من بعض هذه العلامات ، مثل ماروي من أنه (أي أبو طالب) عرضه على عائف من لهب كان إذا قدم من مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم ، فأتاه به أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه فنظر _ أي العائف - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شىء فقال : الغلام على به. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه ، فجعل يقول ( العائف ) ويلكم ردوا على الغلام الذي رأيت آنفًا، فوالله ليكونن له شأن فانطلق به أبو طالب(9) 9- ولست بذلك أكذب كل الإرهاصات التي نبئت بنبوته صلى الله عليه وسلم خاصة وأن (يقيننا بها جاء بعد الرسالة وليس قبل أن يوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يتنبه الناس إليها إلا بعد أن أعلن محمد – صلى الله عليه وسلم – أنه تلقى وحياً .. ولم يكن الوحي رغبة له صلى الله عليه وسلم ولم تكن الرسالة أملاً يراوده ، ولا حلماً يسعى إليه ، ولقد عاش أربعين عاماً قبل أن يوحي إليه كما يعيش كافة أقرانه لم يعرف عنه إلا أنه الصادق الأمين ) (10) بل أني سأدرجها ضمن فضائله صلى الله عليه وسلم كما سيرد إن شاء الله في باب الفضائل . ولكن المبالغ في هذه الإرهاصات ، هو ما نرده وهو ما نراه مخالفا لقولنا بالاختيار .. والمبالغات التي أشير إليها هي بعض ما امتلأت به كتب التاريخ عن أخبار الكهان ، والتي صورت لنا إياهم قدرتهم الفائقة على العلم بالغيب ، ومنذلك مثالا ما رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء نقلا عن الخرائطي في الهواتف ما موجزه : " أن الفاكه بن المغيرة طلق هند بنت عتبة لشكه في واقعة ما ، فأراد قومها أن يتأكدوا من صدقه أو كذبه فضربوا الرحال إلى كاهن باليمن , فلما خشيت هند أن يخطئ الكاهن بوصفة بشري فيسمها بسيماء تكون عليها سبة في العرب ، قال لها أبوها عتبة أنه سوف يختبره قبل أن يعرض عليه أمرها ، فوضع في إحليل فرسه حبة من حنطة ، ثم دخلوا على الكاهن ، فقال له عتبة " إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبيئا أختبرك فانظر ما هو ؟ فقال برة في كمرة ، قال أريد أبين فقال حبة من بر في إحليل مهر , فقال عتبة صدقت ، ثم قال له انظر في أمر النساء ، فجعل يدنو من إحداهن ويقول لها انهضي حتى إذا دنا من هند قال "قومي غير رسحاء ولا زانية ولتدلين ملكا يقال له معاوية "(11) إذ بالوقوف عند ما انتهت إليه هذه الرواية نجد فيها شبهة المبالغة والتزيد , وأقصد بذلك قوله لهند " تلدين ملكا يقال له معاوية " ، إذ قد علم القائل علما تجاوز به حدود السنين الطوال ، فعلم أن هند ستتزوج ، وأنها ستلد ولدا ، وأن هذا الولد سيكون اسمه معاوية ، وأن هذا الولد المسمى معاوية سيكون ملكا فمن أين تأتى هذا الكاهن بمثل هذا الغيب ؟ أمن شيطانه الذي كان يتسمع أخبار السماء ؟ فما بلغ العلم الشيطاني هذا الحد ، أم من كتاب أطلع عليه ؟ فما من كتاب سماوي أخبر بمثل هذا . بل بلغ الكاهن في قوله هذا علما لم يبلغه نبينا صلى الله عليه وسلم ، إذ غاية ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية قوله في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الملك بن عمير قال " قال معاوية ما زلت أطمع في النبوة منذ قال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام "يا معاوية إذا ملكت فأحسن " (13) ، ليس هذا فحسب بل ما يؤكد ذلك هو اختبار النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد الدجال في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر وفيه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد – وكان كاهنا بلغ في قدرته أن أقسم عمر بن الخطاب بأنه المسيخ الدجال الذي تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم - ماذا ترى ؟ قال بن صياد يأتيني كاذب وصادق , فقال له خلط عليك الأمر , فقال له النبي إني قد خبأت لك خبيئا – وكان الخبيىء آية من سورة الدخان هي" فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " فقال بن صياد هو الدخ الدخ – لا يستطيع أن يكمل – فقال النبي أخسأ فلن تعدو قدرك "(14) إذ دل هذا الحديث على قدرة الكاهن المحدودة 10- خاصة وأن هذه المبالغة اتخذها البعض سندا لاتجاه معين لهم فادعى أحدهم أن نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان ممهدا لها من قبل جده عبد المطلب بن هاشم فقال " إن عبد المطلب بن هاشم كان من ذوى النظر الثاقب والفكر المنهجي المخطط استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة ، تكون نواتها ومركزها " مكة " تحديداً برغم واقع الجزيرة المتشرذم آنذاك ويؤيد ذلك بقولة عن عبد المطلب " إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء " وهو يشير إلى أبنائه وحفدته ، و يقصد الكاتب أن عبد المطلب كان يسعى لإنشاء دولة هاشمية يكون هو ملكها ومن بعده أولاده." .. ثم يربط أحلام اليهود بأحلام العرب بقوله : " هذا الحلم داعب خيال سراة العرب وأشرافهم حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة مشرقاً في الخيال . ثم يوضح " أنه إزاء كل العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داود ، وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة وأمكن هؤلاء بذلك وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي " إلى أن قال " لكن العجيب فعلاً أن لا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة قادرة مقتدرة تطوي تحت جناحيها وفي زمن قياسي ملك الروم والعجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أنه النبي المنتظر" (15) --------------------------- (1)تفسير بن كثير لسورة البروج د/ محمد حامد (2) رسول الإنسانية في الأدب العربي الحديث (3) سيرة بن إسحاق (4) عيون الأثر ج أول (5) سيرة بن كثير ج 1 (6) تاريخ الطبري الجزء الثاني (7) السيرة الحلبية (8) قال الحاكم فصحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه 8737 (9) الرحيق المختوم (10)السيرة لابن كثير ج1 (11) د/ المسير صحيفة النور 5/8/92 (12) تاريخ الخلفاء الجزء الثاني فصل معاوية (13) صحيح البخاري 2988 (14)صحيح مسلم 293 (15) سيلاحظ القاريء في جميع هذا الكتاب أنني لا ذكر أسماء من انتقدهم من العلماء وما ذاك إلا إجلالا لهم وتوقيرا | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:26 am | |
| صور الأنبياء ----------------- ذكر الحاكم والبيهقي عن هشام بن العاص الأموي قال ما موجزه " ذهبت أنا ورجل آخر من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام .. فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له .. فأذن لنا فقال تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام … فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا ليلا ، فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا وقفلا واستخرج منه حريرة سوداء فنشرها ، فإذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الاليتين لم أر مثل طول عنقه وإذا ليست له لحية واذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء واذا فيها صورة رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين ثويل الخد أبيض اللحية كأنه يتبسم فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا إبراهيم عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة فإذا صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتعرفون هذا قلنا نعم محمد رسول الله وبكينا قال والله يعلم انه قام قائما ثم جلس فقال والله انه لهو قلنا نعم انه لهو كأنما ننظر إليه فامسك ساعة ينظر إليها ثم قال أما انه كان آخر البيوت ولكن عجلته لكم لانظر ما عندكم " وتتابعت البيوت وفي كل باب يخرج لهم حريرة فيها صورة نبي ، منهم موسى وهارون ولوط ويعقوب واسماعيل ويوسف وسليمان وعيسى بن مريم عليهم السلام ، ثم سألوه من اين لك هذه الصور لانا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء لانا رأينا صورة نبينا مثله قال أن آدم سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فانزل عليه صورهم وكانوا في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين فصارت الى دانيال وعند الحافظ البيهقي في دلائل النبوة رواية عن أبي جبير بن مطعم يقول " فأخذوا بيدي، فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: انظر، هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لي: هل ترى صفته؟ قلت: نعم. قالوا: أهو هذا؟ وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: اللهم نعم، أشهد أنه هو. قالوا: أتعرف هذا الذي هو آخذ بعقبه؟ قلت: نعم. قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم، وأن هذا الخليفة من بعده الملاحظات -------------------- 1-لم يؤكد بن كثير صحة الإسناد في رواية البيهقي بقوله " هكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوة عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به (1) بينما أشار بن حجر في فتح الباري إلى أن حديث هرقل الذي جاء في دلائل النبوة لأبي نعيم سنده ضعيف ، وذلك بصدد ما روي أن هرقل أخرج حُقا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم فإذا هي صورة محمد صلى الله عليسه وسلم وأبو بكر . 2- الرواية المنقولة عن بن تيميه تشير إلى أن الملك هو المقوقس وليس هرقل (2) 3-رواية أبو نعيم تتحدث عن حرائر أو حريرات بها صور الأنبياء بينما يتحدث البيهقي عن تماثيل 4- اختلاف الرواة حيث أن سند الرواية عند الحاكم هو " عبد الله بن ادريس عن شرحبيل ابن مسلم عن أبي أمامه عن هشام بن العاص الأموي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، بينما ذكر أبو نعيم في الدلائل والطبري في الرياض النضرة الرواية عن " دحية بن خليفة الذي أرسله رسول الله برسالته إلى هرقل " ، فيما كانت رواية البيهقي عن جبير في زمن أبو بكر ، حال كانت رواية بن تيمية عن المغيرة بن شعبة , بينما قال بن حجر أن رواية الصور تلك جاءت في ( أمالي المحالي ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان عن الأصبهانين وفيها أن صاحب بصرى أخذه فأدخله كنيسة لهم فيها صور فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبو بكر (3) 5- أشارت الرواية الأولى إلى وصف آدم عليه السلام بغير لحية وهو ما لا يتصور باعتبار اللحية من الفطرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " خمس من الفطرة " وجعل من بينها اللحية (4) كما يوحي الوصف بأنه كان عاريا من قولهم ضخم الإليتين , والحق غير ذلك حيث أن الله أنزله وحواء إلى الأرض بلباس يواري سواءتهما . 6- لم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل غير دحية لدعوة هرقل ، وكان ذلك بكتاب منه صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت أيضا أن أبو بكر رضي الله عنه أرسل أحدا لدعوة هرقل , 7– لم يحتج رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا بهذه الصورة كدليل على نبوته مع انعدام الفرض بعدم علمه بوجودها ، ولم يحتج أبو بكر بها كدليل على خلافته قبل علمه بها أو بعد ذلك 8- فتح المسلمون الروم والدول التابعة لها ولم يذكر أنهم حصلوا على هذه الصور 9- خلت كل الروايات من أي هيئة للنبي صلى الله عليه وسلم أو وصفا واحدا له ، وهذا هو أهم محور هذه الملاحظات وأهم ما أحاول اثباته ، إذ حتى لو صحت هذه الصور ، فهي خاصة ببعض الأنبياء السابقين فقط دونه صلى الله عليه وسلم ، وإلا ذكرت هذه الروايات ملمحا واحدا أو شكلا أو صفة له 10- إذا افترضنا أن الرواية صحيحة فإن المقصود بالصور - حسبما عرفها بن تيميه – هو التماثيل التي نحتها الكفار وعبدوها (4) وأيضا حسبما جاء في تفسير القرطبي للمحاريب في قوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (5) بأنها تماثيل ثمثل صور الأنبياء والعلماء وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا " ، وقال الفرَّاء فـي ذات الآية " هي صُور الأنبـياء والـملائكة، كانت تُصَور فـي الـمساجد، لـيراها الناس فـيزدادوا عبادة. (6) ، وفي لسان العرب التمثال الصورة ، ومن ثم يكون ما جاء عن الحرائر سواء كانت سوداء او بيضاء زائد , ومما يؤيد ذلك ما جاء بمعجم البلدان من أن "صور الأنبياء بدير باعنتل من جوسيه من أعمال حمص على مرحلة منها من طريق دمشق على أزج أبواب محفورة ومنقوشة وفيها صورة مريم أنى توجهت نظرتك بعينها(7)مما يعني أنها تماثيل كبيرة أو صغيرة . الأمر الذي يدل دلالة شبه قاطعة على أن هذه الصور من وحي خيال اليهود والنصارى الذين برعوا في تحريف الكتب السماوية المقدسة وبالتالي فلا غضاضة عندهم من تحريف هيئات الأنبياء وصورهم ، ومن هذه الرسوم والصور ما أبدعه فناني عصر النهضة الأوربية كمايكل أنجلو وليوناردو دافنشي ، ومن رسومات الأول لوحة يوم الحساب على سقف احدى الكنائس ، وتمثالي نبيا الله داود وموسى عليهما السلام ، ومن رسومات الثاني لوحة العشاء الآخير الخاصة بالمسيح عليه السلام ، كما رسم الفنان جيرلاندايو العشاء الرباني ( المائدة ) ورسم فرا أنجيلكو صلب المسيح ودفنه (8) 11-فإذا كان ذلك وكانت هذه التماثيل مما يعبده الناس قديما ويقدسونه ، فيخرج عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الذين كانوا ينحتونها هم القوم الذين أرسل إليهم المرسلين ، فكانوا إذا ماتت معبوداتهم هذه أو بالغوا في تقدسيهم صوروهم ، بينما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور(9) 12- وعلى محمل آخر قد تكون هذه القصة مستقاة من أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي روتها كتب الصحيحين وغيرهما عن بعض صفات الأنبياء وملامحهم التي رآها النبي عيانا وحقيقة فنقلها لأصحابه ، ومن ذلك ما روي عن ابن عباس قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا قالوا وادي الأزرق قال كأني أنظر إلى موسى فذكر من لونه وشعره شيئاً لا يحفظه داود واضعاً إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية وسرنا حتى أتينا على ثنية فقال أي ثنية هذه قالوا هرشي قال كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته خلبة قد انحدر في هذا الوادي ملبياً (10) وعن ابن عون عن مجاهد قال كنا عند ابن عباس فذكرنا الدجال فقالوا إنه مكتوب بين عينيه ك ف ر فقال ابن عباس لم أسمعه قال ذلك ولكنه قال صلى الله عليه وسلم "أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني أنظر إليه قد انحدر من الوادي يلبي وإسناده حسن (11)،وعن الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انه عرض علي الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم وإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم يعني نفسه ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية ،إسناده حسن(12) ، وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه ليلة أسري به إبراهيم وموسى وعيسى فقال " أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه بصاحبكم منه أو قال أشبه بولده منه ، وأما موسى فرجل آدم طوال جعد قني حتى كأنه من رجال شنوءة ، وأما عيسى فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس (الحمام) يخال رأسه يقطر ماء وما به ماء أشبه من رأيت بـــه عروة بن مسعود " (13) (14) وهو ما يؤكد عدم حقيقة هذه الأسطورة أو المبالغة فيها لمخالفتها العقل ، خاصة مع تعدد وجود الصور مع أكثر من شخص ، وخاصة وأن أحدا لم يخبرنا بكيفية وصولها إلى يد هرقل أو غيره وهي من لدن آدم عليه السلام ، وكيف انتقلت هذه الصور من أجيال إلى أجيال ، ومن قرون تعقبها قرون ، إلى اليهود أو النصارى أو غيرهم من أهل الديانات الأخرى ؟ وقد أهلك الله أمم من بعد آدم عليه السلام وقرون أخر ، وأباد قرى من على وجه الأرض وصوامع وبيع ومساجد وأديرة يذكر فيها اسمه ، فكيف بقيت هذه الصور من هذه العهود البائدة بحالتها ؟ وكيف وصلت إلى أيدي الأحبار أو الرهبان أو غيرهم ؟ وما هو مصير هذه الصور أو مكان تواجدها الآن ؟ -------------------------------- (1) تفسير ابن كثير لسورة سبأ (2) الجواب الصحيح ج 5 ، ومنهاج السنة ج 5 (3) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (4) متفق عليه (5) مجموعة الفتاوى ج 5 (6) سبأ 13 (7) انظر تفسير سورة نوح للقرطبي وغيره (8)معجم البلدان والأربعيين البلدانية (9) روز اليوسف 2/2/98 عدد 3634 سنة 75 (10) انظر باب بعذاب المصورين يوم القيامة بصحيح البخاري 87 (11)رواه مسلم عن داود بن أبي هند 424 (12) رواه مسلم عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي 425 (13) رواه مسلم عن الليث 426 (14) رواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبد الرزاق 427 (15) جميع الأحاديث تحت البند 14نقلا عن المسند المستخرج على صحيح مسلم لابي نعيم الأصبهاني ج أول | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:28 am | |
| الفصل الثالث ( الخصائص النبوية المحمدية ) ------------------------------------- وأقصد بها ما أُختص به صلى الله عليه وسلم فى مجال النبوة الخاتمة من صفات لم يتصف بها إلا هو ومميزات لم يتميز بها إلا سواه , وكانت هذه الصفات والمميزات سبيلا وعونا له في أداء الأمانة وتبليغ الرسالة . وأهمها ما يلي :- اولا:- التحمل وله أربعة أوجه :- الأول :- تحمل الوحي . الثاني :- تحمل القرآن . الثالث :- تحمل العلم الرابع :- تحمل البشر ثانيا :- الصدق والأمانة فى التبليغ ثالثا :- العبودية الحقة
تحمل الوحي ------------------------ قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (1) ، كلام الله نوعان : الأول هو المقروء فى كتبه وصحفه السماوية لقوله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(2) وقوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (3) فسمى القرآن والتوراة كلام الله ، والثاني : هو المسموع لقوله تعالى ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)(4) والكلام المقصود فى الآية الأولى بنوعيه المشار اليهما هو الكلام المتعلق بمنهج الله المبعوث به الأنبياء . والقول به على ثلاثة طرق حددتهم الآية وهي :- الوحي , الكلام من وراء حجاب , إرسال ملك بالوحي أما الطريقة الأولى - الوحي - فقد اختص الله تعالى بها كل الأنبياء بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد علم من سياق الآيات وأقوال العلماء أن الوحي هنا هو الإعلام بخفاء ، أي بلا صوت مسموع ولاحروف ولاكتاب مقروء إلا أن يكون نورا يقذفه الله فى قلب النبي الموحى اليه فيبلغ عن ربه مراده ، وقد يكون رؤيا كرؤيا إبراهيم عليه السلام ، أو غير ذلك ، والطريقة الثانية فهي الكلام من وراء حجاب ، واختص الله تعالى بها موسى عليه السلام لقوله تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (5) ففرق سبحانه وتعالى بين الرسالة و الكلام ، أما الطريقة الثالثة فقد اختص الله بها بعضا من الرسل وأحسبهم قليل ، منهم عيسى بن مريم الذي أيده الله بروح القدس ، ومن هذه الطريقة عُلم أن الله أختص بعضا من ملائكته بإرسالهم إلى الرسل من البشر أو جعل من بعض خصائصهم ذلك ليبلغوا منهجه سبحانه وتعالى إليهم ليبلغوه هم بدورهم إلى المرسل إليهم ، وأمير هؤلاء الملائكة هو جبريل عليه السلام" الروح الأمين " وهو الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد بالوحي , قال تعالى " (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (6) وقال تعالى "(قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ (7) ، وفى تفسير القرطبي"أن اليهود قالوا لرسول الله إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة والوحي فمن صاحبك حتى نتابعك ؟ قال جبريل ، قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال . ذاك عدونا ولو قلت ميكائيل الذي ينزل بالقطر لاتبعناك " (8). وعند بن كثير فى تفسيره لذات الآية عن الأمام الطبري أنها نزلت جوابا لليهود من بنى إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدوا لهم وأن ميكائيل وليهم ، واختلفوا – أى العلماء – فى السبب الذي من أجله قالوا ذلك . فقال بعضهم من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله فسألوه عن أمور منها أخبرنا بهذا النبي الأمي الموجود فى التوراة من نبيه ؟ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم " وليى جبريل ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه " , وأردف بن كثير فى تفسيره لقوله تعالى " وما كان لبشر ( الآية ) كما ينزل جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة على الأنبياء"(9) . إذن فملائكة من قبل الله مختصون بهذه الطريقة من الوحي والقول بأن جبريل عليه السلام لم ينزل الا على قلة من الرسل لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم " ولم يبعث الله نبيا الا وهو وليه " (10) إذ لا تقتضي الولاية نزول جبريل نفسه لكل الأنبياء بل ملائكة هو أميرهم ووليهم والمشرف عليهم بإذن الله تعالى , و إن لم يكن ذلك - أي إن لم يكن الأنبياء الذين أختصهم الله بنزول جبريل قليلون - فإن الطريقة التي نزل بها جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الطريقة الوحيدة وأشق الطرق وأصعبها التي نزل بها على نبي ، ولم يكن قلب غير قلبه صلى الله عليه وسلم يحتمل هذه الطريقة وهذا النزول بما فيها من عنصر المفاجأة ، خاصة وأن نزوله عليه السلام كان فى صورته الملائكية الحقيقية .قال تعالى ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )(11) حيث يصف سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام بشدة القوة والمهابة وأنه ذو منظر جليل وبهي , وكان بالأفق الأعلى سادا السماء كلها على صورته الحقيقية , ثم اقترب من رسول الله وكان قاب قوسين منه أو أدنى فأوحى إليه بالقرآن ، وإذ يعيب الله تعالى على هؤلاء المكذبين لرسول الله في رؤيته لجبريل , فقد زاد من حسرتهم بإخبارهم بأنه صلى الله عليه وسلم رآه مرة أخرى على صورة الحقيقية والكاملة أيضا ولكنها هذه المرة كانت عند سدرة المنتهى بالملأ الأعلى ، فيقول سبحانه ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) (12) ويعبر سبحانه وتعالى عن رؤية محمد لجبريل بالرؤية بالفؤاد فضلا عن البصر إمعانا في التأكيد على رؤيته بالبصر والبصيرة ، ويصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول"جاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال أقرأ قلت ما أقرأ فغتنى (13) حتى ظننت أنه الموت [ يصف رسول الله هذه الحالة ثلاث مرات وفى كل مرة يقول حتى ظننت أنه الموت ] ، ثم يقول " فإذا جبريل فى صورة رجل صاف قدمية فى أفق السماء يقول يامحمد أنت رسول الله فوقفت أنظر اليه فما أتقدم ولا أتأخر وجعلت أصرف وجهى آفاق السماء فلا أنظر فى ناحية منها إلا رأيته كذلك "(14)- أى كانت السماء كلها جبريل - كان الموقف جلل لا يحتمله إلا قلب محتواه الصدق واليقين . فكان أن أخذ رسول الله قدرا من المهابة والوجل هو أقل ما يصيب انسان فى مثل هذا الموضع الوحيد الفريد فعاد الى زوجته المعين قائلا دثرونى ، زملونى . ولعل ذلك بعض ما يقصده ابن إسحاق في قوله " ثم تتام الوحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن بالله مصدق بما جاء منه قد قبله بقبوله وتحمل منه حمله على رضا العباد وسخطهم ، والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه ، لما يلقون من الناس وما يرد مما جاءوا به عن الله تعالى " (15) والتصور الذي يجب أن يعتمل في الخيال هو مدى قدرته صلى الله عليه وسلم على استقبال هذا المخلوق الجديد ، الذي لم تكن عينه رأته من قبل أو سمع عنه أو حتى تخيله إذ كان حتى لحظة نزوله عليه منطويا في ملكوت الغيب ، لقد كان أقصى ما يتطلع إليه محمد بن عبد الله متأملا في ملكوت السماء فى غار موحش ، وحده بعيد عن العالم , هو هذه المصابيح التي تزين السماء الدنيا ، وهذه السحب السائرة بطولها ، وهذه الشمس وضحاها والقمر الذى يعقب غروبها , وهذه الأشجار المورقات والنخل الباسقات والطلع النضيد , و الأرض المنبسطة والجبال الرواسي الشامخات والوهاد والتلال والهضاب والسهول والوديان , والليل إذا يغشى والنهار عندما يتجلى , والإبل والشاة والعاديات ضبحا ، من موجد هذه المخلوقات من العدم ومن مبدعها ومن رازقها وما مصيرها بعد فناءها ومن مدبر هذا الملك الرحيب وكيف ومتى وأين ؟ ، يتأمل كل هذا وتحدثه نفسه الحائرة فإذا بمخلوق جديد أمامه يسد أفق السماء ، يغطيه يحدثه ويأمره قائلا له اقرأ ، وهو الذي لم يقرأ من قبل ولم يخط كتاب بيمينه أو بشماله ، حتى إذا قال له ما أنا بقارئ يحتويه بجسده الملائكي بقوه ، مرة تلو أخرى قائلا له نفس المقال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (16) وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن هذا القدر من التحمل فيما روته عائشة رضى الله عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله عن كيفية الوحى فقال رسول الله " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال . وأحيانا يتمثل لى رجل فيكلمني فأعي ما يقول "(17) ثم تصف رضي الله عنها حالته وقتئذ فتقول " والله لقد رأيته ينزل عليه الوحي فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقا "(18) ، ولك أن تقف عند كلمة " يفصم " المذكورة عنه صلى الله عليه وسلم وعن عائشة لأن الفصم هو الانفصام ويقصد به ها هنا خروجه صلى الله عليه وسلم من ذاته ، ويعبر عنها ابن خلدون بقوله " انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالملكية الروحية " ويعبر أيضا عن حالة تمثل الوحي لرسول الله في صورة رجل بأنها " انتقال الملك من الروحانية المحضة الى البشرية الجسمانية ", ولايعني ذلك تحول الملاك إلى بشر تجرى عليه الأعراض البشرية . لأن القصد من نزول الملك فى صورة بشرية الإيناس فقط أو فى حالة نزوله عليه السلام فى وجود بشر أخرون بينما يظل جبريل عليه السلام محتفظا بروحانيته وملائكيته (19)
ليست كل تصرفاته وحي ------------------------------------ فإذا كانت أنواع الوحي بهذه الصورة من الشدة والصعوبة ، لزم العلم يقينا بأن كل تصرفاته صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا ليست وحيا , باعتبار أن الأصل في نزول جبريل عليه السلام على النحو الذي أوردناه سابقا هو بغرض إبلاغ القرآن ، تنفيذا لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك)(20)وهذا هو معنى قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)(21) وحالات أخرى كان ينزل فيها جبريل عليه السلام وهي وإن كانت كثيرة ، كما لم يكن تنزله فيها مباشرة على قلب رسول الله ، وليست بالشدة والقوة التي قلنا بها في بداية نزول الوحي ، إلا أنها لا تشمل كل تصرفاته ولا تشمل كل أقواله وأفعاله ، ومنها على سبيل المثال نزوله يوم بدر : قال عكرمة عن ابن عباس أيضا أن النبي قال يوم بدر " هذا جبريل آخذ رأس فرسه عليه أداة الحرب "(22) ونزوله لتعليم المسلمين أمور دينهم : فيما رواه مسلم وغيره في صحيحه عن عمر بن الخطاب قوله بينما نحن عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب (وعدد عمر الأمور التي سأل هذا الرجل إياها رسول الله) فلما انتهى قال رسول الله ياعمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم(23) ونزوله بالأحاديث القدسية ، وكذا نزوله لمدارسة القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ، قال أبو الفضل العسقلاني في فتح الباري " كان أجود ما يكون حين يلقاه جبريل في كل ليلة من شهر رمضان حتى ينسلخ رمضان " ثم يقول " لأن فيه كان يعرض جبريل على النبي وكان النبي يعرض على جبريل "(24) والقول بأن كل تصرفاته وحي تأسيسا على قوله تعالى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى" فيه نظر , إذ لا يتصور أن يكون كل ما يتلفظ به ويقوله ينزل به الوحي ولا يتصور أن يكون المراد تعلق ذلك بالأمور الشرعية عنه صلى الله عليه وسلم ، حيث أن كل أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم هي تشريع واجب العمل به بما في ذلك بعض جبلياته كطريقة أكله وشربه وجلسته ونومته ، وأيضا ليس المراد بالآية الأحاديث النبوية جنبا إلى القرآن . إذ أن كل أقواله وأفعاله وما أقر عليه غيره أو لم يقره عليه , أو حتى ما أسره وما أغضبه أو ما أبكاه وما أضحكه يعتبر حديثا نبويا ومصدرا أساسيا من مصادر التشريع الإسلامي فمثلا سأله سائل عن الحج أكل عام ؟ { سأله ثلاثا }وهو يسكت . ثم قال له لو قلت نعم لوجبت (25) فلم يكن سكوته صلى الله عليه وسلم انتظارا للوحي يجيب عنه أو يدله , إنما كان إعراضا عن الرجل , بينما كان يسكت عن الجواب أحيانا جهلا به إلى أن ينزل عليه الوحي بالجواب , مثلما روي عن جابر أنه سأل رسول الله عند مرضه عن ماله كيف يقضي فيه فقال : فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث (26) ومثلما سُأل عن الروح وذي القرنين (27) وإلا كيف أرجأ توقيع عقوبة الرجم على الغامدية التي زنت فاعترفت بذنبها حتى تضع حملها وتفطم صغيرها وكذا ماعز بن مالك (28) ؟ كيف وافق على صيغة الأذان التي قالها عمر ولم يوافق على غيرها ؟ ،وذلك فيما رواه بن عمر قال " كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل قرنا مثل قرن اليهود ، فقال عمر أفلا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة فقال رسول الله "قم يا بلال فناد بالصلاة "،وعنه أيضا أن بلالا أول ما أذن قال أشهد أن لا إله إلا اله حي على الصلاة فقال له عمر وأشهد أن محمد رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم قل كما أمرك عمر (29) فهذان مثالان على تصرفه التلقائي البشري دون انتظار للوحي ، ولو كانت كل تصرفاته قولا أو فعلا أو تقريرا وحيا من لدن الخبير العليم لما عاتبه الله سبحانه وتعالى في بعض المواضع مثل موقفه من أسرى بدر حينما استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسرى يوم بدر فقال "إن الله قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس" فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء (30) فنزل قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (31) فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) (شجرة قريبة كانت من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)" إلى قوله تعالى:" فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)" (32) ، ولما وافق صلى الله عليه وسلم على رأي الحباب بن المنذر في مطلع ذات الغزوة عندما سأله الأخير عن منزله بماء بدر أمنزل أنزله الله تعالى إياه فلا يتقدم عليه ولا يتأخر أم هي الحرب والمكيدة ؟ فقال بل الرأي والحرب والمكيدة ، فقال يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراء القُلُب ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماءا فنشرب ولا يشربون فاستحسن النبي ذلك من رأيه وفعل ما أشار به ، (33) ---------------------------------- 1) الشورى 51 (2) التوبة 6 (3) البقرة 75 ( 4) النساء من الآية 164 (5) الأعراف 144 (6) الشعراء 194 (7) البقرة 97 (8) القرطبي تفسير سورة البقرة (9) بن كثير تفسير البقرة ج أول (10) الحديث في مسند أحمد باب مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنه (11) النجم 5 وما بعدها (12) النجم 11 وما بعدها (13) ضمني بشدة (14) السيرة الهشامية ج 1 (15) المصدر السابق (16) أقرأ 1 وما بعدها (17) صحيح البخاري بدء الوحي (18) المصدر السابق ج 2 وغيره (19) تاريخ بن خلدون ج1 (20) المائدة من الآية 67 (21) النجم من الآية 3 وما بعدها ، نقل القرطبي عن قتادة قوله " ما ينطق بالقرآن عن هواه إن هو إلا وحي يوحى إليه وعن أبو عبيدة قوله "عن الهوى أي بالهوى " (22) تاريخ الإسلام للذهبي تحت عنوان رؤيا عاتكة (23) صحيح البخاري 50 (24) فتح الباري في شرح البخاري (25)صحيح مسلم 1337 (26) صحيح البخاري 6879 (27) تفسير القرطبي للكهف ،فتح الباري باب ما ودعك ربك (28) صحيح مسلم 1694 (29) بن خزيمة 361 , 362 (30) تفسير بن كثير لسورة الأنفال (31) الأنفال 67 (32)تفسير القرطبي لسورة الأنفال (33) تاريخ الإسلام للذهبي غزوة | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:29 am | |
| تحمل نزول القرأن ------------------------------ قال الله تعالى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (1) ويقول أيضا سبحانه وتعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى )(2) ، وتبين هاتين الآيتين قدر القرآن وعظمته وجلاله ، ومدى تأثيره القوي على أقوى المخلوقات كالجبال أو الأرض أو ما انعدمت بها الحياة كالموتى ، حتى أن الله جلت قدرته ساواه بجميع المعجزات التي سبقت للمرسلين من قبل وبالآيات التى طلبها الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (3) ، ثم يعبر سبحانه وتعالى عن مدى ثقله وعظمته فيقول لرسوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (4) وتسبق هذه الآية تهيئة من الله لرسوله ليتحمل هذا الثقل العظيم فيقول له : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) (5)ولأن القرآن الكريم بمثل هذه العظمة والجلال بما يحتويه من آيات معجزات أعجزت الثقلين عن الإتيان بمثله ,وبما يحتويه من أحكام ومواعظ ، وحدود وزواجر ووعد ووعيد ، وأوامر ونواهى، وتشريعات وتكاليف ، وعبادات ومعاملات ، وحلال وحرام ، وعقائد وفقه ، وأمثال وعبر ، وأداب وأخلاق ، وأسماء لله وصفات ، وغير ذلك كثير مما تنوء بحمله الجبال حتى إذا أنزل عليها تصدعت وتشققت ، فلم يكن بمقدور قلب بشرى إذن أن يحتمله دفعة واحدة حتى ولو كان أطهر القلوب وأنقاها - قلبه صلى الله عليه وسلم - ، ولا يعنى ذلك بالضرورة ضعف هذا القلب أورقته كما يزعم بعض المفسرون (6) إذ لضعف القلب ورقته مدلولات أخرى سيأتي مجال ذكرها ، لذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يتنزل عليه القرآن مفرقا مصداقا لقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (7) - بالإضافة قطعا لفوائد هذا التنزيل الأخرى - إلا أن هذا التنزيل المفرق لا يستهان به ولايفهم منه أن القرآن فقد بالتالي كل أو بعض جلاله الذي تخشع له الجبال لو أنزل عليها مرة واحدة ، وإلا صار القلب الذي استقبله والأذن التي سمعته أقوى منه ، بل يفهم منه أن التدرج أخف حالا مما لو كان جملة واحدة ,لذا قال القرطبي في التفسير "أن اليهود حين رأوا نزول القرآن مفرقا قالوا هلا أنزل عليه جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى والأنجيل على عيسى والزبور على داود ، فقال الله تعالى كذلك أي فعلنا لنثبت به فؤادك ، أي نقوي به قلبك فتعيه وتحمله لأن الكتب السابقة أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرءون والقرآن أنزل على نبي أمي ، ولأن من القرآن ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، ففرقناه ليكون أوعى للنبي صلى الله عليه وسلم وأيسر على العامل به فكان كلما نزل وحي جديد زاده قوة قلب "،(8)ويظل للقرآن ذات الجلال والعظمة ، ويظل قلبه صلى الله عليه وسلم أقوى القلوب وأشدها استعدادا لاستقباله على مدى ثلاث وعشرين عاما هى عمر رسالته ولتصور ذلك يقول سيد قطب – رحمه الله – " ورجال الصدر الأول رضوان الله عليهم عندما تلقوا القرآن تلقيا حقيقيا شعروا أن كيانهم النفسي كله يتزلزل ليعاد تركيبه من جديد وفق ذلك التصور الذي جاء به القرآن , وأن الكيان القديم الذي بني في الجاهلية لا يمكن أن يبقى ولا يمكن أن يثبت ولا أن يرقع ترقيعا بالتصور الإسلامي الجديد ، بل لا بد من زلزلة وتصدع كاملين في الكيان القديم , ليعاد إنشاؤه وفق هندسة جديدة ووفق تصميم جديد " ثم يستشهد بذات الآية التي استشهدنا به لبيان قدرات صحابة رسول الله في استقبال القرآن ، ثم يتابع قوله " ولقد تصدع ما هو أقوى من الجبل تصدع كيان النفس البشرية التي مسها القرآن مسا حقيقيا ليعاد تركيبها على نسق غير مسبوق . (9) ، هذا هو حديثه عن الصحابة الأول الذين استقبلوا القرآن ومدى ما أحدثه في نفوسهم من تصدع وتزلزل وتغيير لمعالم هذه الأنفس ، فما بالنا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استقبل القرآن بالمباشرة من الله سبحانه وتعالى عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام وبالكيفية التي أشرنا إليها فيما سبق .. ويأخذ تحمل رسول الله للتنزيل القرآني وجهين : الأول : هو التخلق بأخلاقه والتحلي بآدابه والوقوف عند حدوده والعمل بحروفه والانتهاء بنواهيه وهو الوجه عبرت عنه عائشة رضى الله عنها بقولها عنه صلى الله عليه وسلم "كان خلقه القرآن " (10) فلا هى بالغت أوجاملت ولا هو كان عكس ذلك ، إنما كان فعلا وحقيقة وواقعا خلقه القرآن ، هذا بالإضافة إلى الخشوع والتلذذ والاستمتاع بتلاوته وسماع آياته الثانى : التدبر والعمل الفوري بمحكم تنزيلاته ، لذا كان صلى الله عليه وسلم متعجلا تلاوته بمجرد سماعه من جبريل عليه السلام فأشفق عليه ربه فقال له ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ " (11) ، بمعنى أن مجرد سماعه صلى الله عليه وسلم للقرآن كان ذلك بمثابة تدبر ووجوب للعمل الفوري به ، فما إن يصعد جبريل الى الملأ الأعلى حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعب ما أنزل عليه ووعاه واستقر فى قلبه تدبرا وعملا ، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم فى البند السابق الخاص بالوحي عندما قال واصفا حالة الوحي " فيفصم عنى وقد وعيت منه " بينما كان الصحابة يتلقاه بعضهم منه صلى الله عليه وسلم مباشرة ، ويتلقاه البعض الآخر عن بعض ، وكان عامل الزمن بالنسبة لهم مأخوذ به بلا إثم أو وزر ، فكانوا إذا وعوا ما تلاه عليهم رسول الله فبها ، وإلا أمامهم الوقت والتشاور فيما بينهم للتدبر والعمل به،لذلك عندما أنزل الله قوله (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه)(12)على رسوله صلى الله عليه وسلم كان قد تدبر ما جاء بمجرد انتهاء جبريل عليه السلام من مهمة الإبلاغ وأصبح العمل به واقعا لاشك فيه ولا تسويف ولا تأخير ، بينما اختلف الأمر عند الصحابة إذ كان سماع الآية مرحلة أولى ، ثم تلا ذلك التدبر والاستيعاب ، الى أن جاءت مرحلة العمل فشق ذلك عليهم ، فهرعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أشتد عليهم وقالوا له "لا نطيق " فقال لهم " أتقولون كما قال أهل الكتاب قبلكم سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا (13) ولا يتصور قطعا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا القول عن غير قناعة أو إرضاء لربه فحسب , ولا يتصور كذلك ألا يكون رسول الله وعى ما كلف به قبل أن ينقله لصحابته، هذا محال إنما كانت قناعته كاملة بأن الله محاسب الناس على ما يبدون وما يخفون . وإنه استسلم لهذا الأمر الإلهي لحظة نزوله عليه عن يقين لا تشوبه شائبة بلا تضجر ولا مشقة كما كان وعيه الكامل بما كلف به حقيقة راسخة وما كان بوسعه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزل عليه و ما كان يستطيع أن يبلغه لو لم يكن تدبره ووعاه وعمل به فى نفس اللحظة التى صعد فيها جبريل الى السماء . وتجدر الإشارة إلى أن القرآن لم يكن يتنزل آية آية إنما كان يتنزل أحيانا سورة سورة ، فقد روي عن بن عباس أنه قال " قال المشركون ان كان محمد يزعم نبيا فلم يعذبه ربه ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ينزل عليه الآية والآيتين والسورة فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا " وقال الذين كفروا لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة " الى قوله " وأضل سبيلا "(14) ومنها يستدل على أن السورة قد تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ، وقال صاحب التمهيد "لم ينزل القرآن جملة واحدة إلى الأرض وإنما كان ينزل به جبريل عليه السلام سورة سورة وآية آية على حسب حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إليه (15) وقد تكون السورة من السور الطوال ، فقد روي عن أسماء بنت يزيد قالت "نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة إن كادت من ثقلها لتكسر عظم الناقة "(16)يؤكد ذلك ما أورد الطبراني عن بن عمر قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد (17)وفي الفردوس بمأثور الخطاب للهمذاني عن أنس بن مالك قال "نزلت سورة الكهف جملة معها سبعون ألف من الملائكة " (18) وكان بمجرد سماعها صلى الله عليه وسلم يتلوها على أصحابه ويصلى بها . ------------------------------------ (1 ) الحشر 21 (2) الرعد من الآية 31 (3) العنكبوت 51 (4) المزمل 5 (5) المزمل 1 وما بعدها (6) تفسير الصابوني (7) الفرقان 32 (8) تفسير القرطبي للآية ج13 بتصرف (9) التاريخ فكرة ومنهاج سيد قطب (10) مسند الإمام أحمد 25341 (11) القيامة 16وما بعدها (12) البقرة من الآية 284 (13)أسباب النزول النيسابوري وتمام الحديث في صحيح مسلم تحت عنوان باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق 125 (14) الأحاديث المختارة للمقدسي (15) التمهيد لابن عبد البر ج 6ص 191 (16) قال الهيثمي في الزوائد رواه الطبراني وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف (17) المعجم الصغير للطبراني 220 (18) مأثور الخطاب للهمذاني 6812 وقال العجلوني في كشف الخفاء رواه الديلمي عن أنس 2855 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:30 am | |
| تحمل العلم . --------------------- تعليمه ما لم يكن يعلم وتكليفه وحده من العلم ما كلف الناس به جميعا . -------------------------------------------- قال الله تعالى (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(1)وقال (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(2)وقال الطبري في تفسير قوله تعالى "وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ " أي من خبر الأولين والآخرين وما كان وما هو كائن قبل أن يكون " ، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم "اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما "(3) وقال بن عيينه " لم يزل رسول الله في زيادة من العلم حتى توفاه الله ، كما أنه صلى الله عليه وسلم كلف وحده من العلم ما كلف به الناس جميعا لقوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(4) وقوله أيضا (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(5)ففي مثل هذه الآيات يذكر الله تعالى عباده المؤمنين بما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيتلو عليهم آيات الله المبينات ,ويزكيهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويعلمهم الكتاب - وهو القرآن- والحكمة - وهي السنة - ويعلمهم مالم يكونوا يعلمون ، إذ كانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالعقول الغراء فصاروا بفضل رسالته أعمق الناس علما وأبرهم قلوبا وأصدقهم لهجة ، كما تعني هذه الآيات ومثيلاتها أنه صلة الله عليه وسلم علم وحده العلم ثم علمه للمكلفين جميعا من البشر باعتباره أرسل إلى الناس كافة ، يؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن الإنسان في قوله تعالى (عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(6) يراد به محمد صلى الله عليه وسلم وذكر البيهقي عن أبي ذر قوله "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (7) حتى ختمها ثم قال " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطئت السماء وحق لها أن تئط وما في موضع قدر إصبع إلا ملك واضع جبهته ساجد لله , والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا "(8)واستشهد البيهقي لإثبات ذلك بحديث بن عمر عن رسول الله قوله "بينا أنا نائم إذ أوتيت بقدح فيه لبن فشربت منه حتى أني لأرى الري يجري في أظافري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب " فأول ذلك صلى الله عليه وسلم بالعلم (9) والعلم المقصود هنا هو العلم الذي تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه فعلم به ما لم يكن يعلم وما لم يكن يعلمه غيره وما لم يطيق تحمله غيره وإذ تعجز الكلمات عن الإحاطة بقدرته صلى الله عليه وسلم في تحمل كل هذا العلم الذي استقاه مباشرة من الله العليم الحكيم , وعن طريق أمين الوحي والسماء جبريل عليه السلام , نتذكر في هذا المقام قول الخضر أعلم أهل الأرض في زمنه لموسى عليه السلام عندما أراد أن يعلمه مما يعلم (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (10) أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ، ولم يطق فعلا موسى عليه السلام ببعض علم الغيب الذي علمه الله تعالى للخضر ، فطاقه الخضر وتحمله وهو بعض من بعض علم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنرى ، وأتذكر أيضا قولة لعلي رضي الله عنه يعتد بها كدليل ضمن خصائصه ومناقبه وهو يشير إلى قلبه ويقول " إن هنا لعلوم جمة لمن يقدر على حمله "(11) فإذا كان ذلك وكان علي هو باب مدينة العلم التي هي رسول الله في حديثه صلوات ربي وسلامه عليه " أنا مدينة العلم وعلي بابها "(3) فما بالنا بالمدينة ذاتها وقد احتوت من العلوم ما عجز بابها عن حمله ثم إذا علمنا أن علمه هذا صلى الله عليه وسلم علما يقينيا مؤكدا بلغ في اليقين والتأكد الغاية والإطلاق وأنه علم ما علم بداية من سن الأربعين وبعد جهل وعدم معرفة ، ليكون ذلك أثبت لمعجزته وأقوى في حجته ، وأن علمه يشمل كل شيء في أمور الدين بدءا بالذات الإلهية المقدسة ونهاية بلذة الرؤية يوم القيامة حيث لا نعيم بعدها ولا خبر يذكر , لا نجد إلا أن نضرب بعض الأمثلة ونترك الخيال للأفئدة لعلها تصل إلى مالم أستطع التعبير عنه . ولما لا والخيال قد يكون أحيانا معبرا ودليلا ، أما تدبرت قوله صلى الله الله عليه وسلم في الحديث السابق ذكره " والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا وما رأيت يا رسول الله قال رأيت الجنة والنار " (12) وقال في بعض ما قاله لأمته عن علمه بالنار " عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة "(13) فحسبه من ذلك علما أبكاه وقض مضجعه , بل وحسبه رؤيته للجنة والنار حقيقة وفعلا ، فعن نافع قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم رفع فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم انصرف فقال " لقد دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ودنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا فيهم " (14) أما رأيت علمه ببعض ما يدور بخاطر بعض من حوله وحديث نفسه ، مثلما أحاطه الله علما بالحوار الذي دار بين عمير بن وهب وصفوان بن أمية بعد وقعة بدر ، وكان الأول من شياطين قريش وممن يؤذون النبي وقد وقع ولده في أسر المسلمين ، فاتفق مع الثاني على أن يقتل محمدا مقابل أن يعول أولاده ويسدد ديونه ، وكان اتفاقهما هذا سرا بينهما لم يطلع عليه أحد ولم يعرفه سواهما ، فلما ذهب عمير لقتل رسول الله قال له صلى الله عليه وسلم ما جاء بك يا عمير ؟قال جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم . فقال صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان في الحجر وقلتما " كذا "فقص عليه فأسلم(15) ومثلما علم بكتاب حاطب بن أبي بلتعه الذي بعثه إلى مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علي بن إبي طالب قال بعثنا رسول الله أنا والزبير والمقداد فقال " ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا لها أخرجي الكتاب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعه إلى ناس من مشركي مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (16) ، وما ذلك إلا بعض الغيب الذي أرتضاه اللله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (17) وعلم صلى الله عليه وسلم بعضا من بداية الخلق فقال عن أبي هريرة " خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الأثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل "(18) وتحدث عن الكرسي والعرش فقال رواية عن أبي ذر الغفاري "والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة (19) وتحدث عن اللوح الحفوظ فقال صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنه " إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور لله فيه في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء (20) وعلم عليه الصلاة والسلام أخبار الأنبياء من قبله فقال في بعض ذلك : عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا موضع خاتم . فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها قالوا " هذا عارض ممطرنا " فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " (21) وقال جابر بن عبد الله : لما مر رسول الله بالحجر قال "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر بهم فعقروها وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها من تحت أديم السماء إلا رجل كان في حرم الله فقالوا من هو يا رسول الله فقال "هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم "(22) وعلم كثير من أخبار القبر فأخبر ببعض عذابه ونعيمه في الحديث الطويل المشهور المروي عن البراء بن عازب فيرجى الرجوع إليه في كثير من كتب الثقاة كالروح وحادي الأرواح لعمدة العلماء ابن القيم نقلا عن الأمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والأسفرائيني ، وأحاديث غير ذلك كثيرة ، وخبر عذاب القبر علما ربانيا استأثر به الله سبحانه وتعالى نبيه ليخبره به ويخبر هو به ويصير إخباره قانونا مصدقا وتشريعا مقدسا واجب الإيمان به كالإيمان بذاته صلى الله عليه وسلم ، إذ من مقتضيات الإيمان بالرسل وخاصة الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفه خاتم الأنبياء والمرسلين الإيمان بما يقولونه وبما يخبرون به ، فيقول بن القيم : ما تخبر به الأنبياء على قسمين الأول ما تشهد به العقول والفطر ، والثاني مالا تدركه العقول بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وعذاب القبر وسؤال الملكين ينالان كل من مات ، ولولم يدفن فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، وسمي عذاب القبر باعتبار الغالب فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما " (23). وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضا من علامات الساعة ودل عليها فعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنها قال ، {وذكر حديث جبريل } ومنه فسأله عن الساعة فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل . فسأله عن أماراتها فقال أن تلد الآمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتعالون في البنيان "(24) .ولم يقتصر علمه على ذلك فقط بل منحه الله فضلا عظيما لم يك لغيره من الأنبياء وهو التنبؤ ببعض أحداث المستقبل خلفه مثل إخباره بمصارع مشركي مكة وكفارها قبيل غزوة بدر , فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا مع عمر بين مكة والمدينة نترآى الهلال فحدثني عن أهل بدر فقال إن كان رسول الله ليرينا مصارعهم بالأمس فيقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله , وهذا مصرع فلان إن شاء الله فجعلوا يصرعون عليها , قلت والذي بعثك بالحق ماأخطؤاتيك كانوا يصرعون عليها(25)، وإخباره عن فتح خيبر فيما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله قال يــــوم خيبر "لأعطين الراية رجلا يفتح الله علي يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها . فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجون أن يعطاها فقال " أين علي ؟ "فقالوا هو يشتكى عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق في عينه ودعا له فبرأ وأعطاه الراية وقال " انفذ على بركة الله … " ففتح الله على يديه (26) وإخباره عن فتح فارس وكثرة المال : فعن عدي بن حاتم قال ما مختصره :أتى رجل يشتكي الفاقة ثم أتاه أخر يشتكي قطع الطريق فقال صلى الله عليه وسلم"ياعدي أرايت الحيرة ؟ إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا إلا الله ولترين الرجل يخرج ملء كفه ذهبا أو فضة يطلب من يقبله منه "قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن أفتتح كنوز كسرى ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال النبي يخرج ملء كفه من الذهب أو الفضة (27)، وعلوم كثيرة وأخبار عظيمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من علمها وأول من أخبر عنها ، فقد صعد إلى السماوات سماء تعلوها سماء وفتح أبوابها ورأى ما بها وعاين أحوالها ووصل إلى سدرة المنتهى ، ودخل الجنة وعاين نعيمها ، ورأى النار وجحيمها ، ورأى الصراط المضروب على طرفيها ورأى أرض المحشر ، ورأى الميزان ، وسمع صرير الأقلام ، وسمع أنين الجذع ، وسمع الضب يتكلم ، وسمع الظبية تطلب منه أن تعود إلى حشفيها ( ولديها ) ، وسمع الفرس يشتكي له ، وسمع تسابيح الملائكة ورآهم في الأرض كما رآهم في السماء مثلما رآهم مجتمعين عند موت سعد بن معاذ ومثلما رآهم يوم بدر ويوم حنين ، وشاهد جبريل على حالته ، ورأى الجن وسمعهم واستمع إليهم ، ورأى شيطانه وقبض عليه وأحس بريقه على يديه الطاهرتين ، وسمع المعذبين في قبورهم ، وزويت له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وعلم أن دينه سيبلغ هذه المشارق والمغارب ، ورأى الأنبياء وكلمهم ، وكان يرى الناس من خلاف كما يراهم من أمام ، رأى كل ذلك وغيره كثير ، وعلمه علم اليقين واحتمل وحده ما رأى وما علم , وما كل ذلك إلا بعض علمه صلى الله عليه وسلم، ولعل قائل يقول وماذا في ذلك إذا كان المسلمون كلهم علموا ما علم رسول الله ؟ وماذا في ذلك إذا كان صلى الله عليه وسلم مكلفا بتبليغ ما علم عن ربه ؟ ونقول أن الفارق بين علم المسلمين جميعا ، وعلمه صلى الله عليه وسلم كالفارق بين نزول القرآن الكريم عليه وحده وعن طريق الوحي بالمباشرة من ربه ، وبين وصوله إلينا أو إلى الأوائل سهلا ميسرا ,وكالفارق بين رؤيته لجبريل عليه السلام أول مرة وتلقيه الوحي منه وبين تلقي الناس عنه هذا الوحي , فضلا عن أن علمه صلى الله عليه وسلم هو علم يقيني تحققت فيه رؤية العين وحق اليقين ,كالعلم الذي توافر لدى إبراهيم عليه السلام عندما أراه ربه كيف يحي الموتى ، والذي توافر لموسى عليه السلام عندما رأى تجلي ربه على الجبل أو بسماع صوته وكلامه , والذي توافر لداود عليه السلام عندما سمع تأويب الجبال معه , والذي توافر لسليمان عليه السلام عندما سخر الله تعالى له الجن وأفهمه لغة الطير والحيوان ، ثم أن علمه حمل ثقيل حمل مؤونته وحده وتحمل ثقله وحده , في الوقت الذي وزع العلم على الأمة كلها بدرجات متفاوته وبقبول متفاوت ، فقد عرض عليه سارق فقال : اقتلوه ، فقالوا : يا رسول الله إنما سرق ، فقال : اقتلوه قالوا : يا رسول الله إنما سرق ، قال اقطعوا يده ، قال : ثم سرق فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق أيضا الخامسة ، فجيء به إلى أبي بكر فقال : ما أجد لك شيئاً إلا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك يوم أمر بقتلك ، فإنه كان أعلم بك، فأمر بقتله (28)وهكذا كان العلم عنده وكان علم المكلفين جميعا . فحيث كان علمه شاملا ممتدا محيطا بالقدر الذي أتاحه ومكنه له ومنه ربه , كان علمهم محدودا قاصرا قابعا في نقطة زمنية محددة ومكان لا يمكنهم تعديه ، هذا بالإضافة إلى أن تكليفه بالإيمان بما رأى وبما سمع وبما علم ، يختلف عن تكليف غيره بذلك لتفاوت المكلفين فيما كلفوا به , فما كلف به الأنبياء من الإيمان والعمل بما آمنوا به يختلف عما كلف به أتباعهم والمؤمنين بهم ولهم , ويتفاوت ذات التكليف بين الأتباع حسب درجة علمهم وعقولهم ، ولم يقتصر علمه على هذا فقط ، بل شمل العلم بجميع ما يخص المسلم من أمور الدين والدنيا ..ووضع بعلمه تشريعات المسلمين وسن لهم القوانين وترك لهم ميراثا من الحكمة لا ينضب معينه ولا ينتهي أثره ولا يفقد صلاحيته . ------------------------------ (1 النساء113 (2) طه من الآية 114 (3) الترمذي 3599 وغيره (4) البقرة 151 (5) آل عمران 164 (6) العلق:5 (7) الإنسان 1 (8) مسلم 426 (9) مسلم 2391 (10) الكهف:67 (11) الإمام علي لعبد الرحمن الشرقاوي (12) قال الحاكم صحيح الإسناد رواية عن أبي الصلت وهو صدوق بينما ذكره الجرجاني في الكامل في الضعفاء (4) صحيح مسلم 426 (13) سنن الترمذي وقال في نهايته قال أبو عيسى حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح، ولا أعلم أحداً رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك (14) بن ماجة 1045 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة , (15) القرطبي في تفسير سورة يونس وعند ابن اسحاق في السيرة النبوية لابن هشام ج أول (16) مسلم 2494 والبخاري 2845 (17) الجن 27 (18) صحيح مسلم 2789 باب ابتداء الخلق (19)قال القرطبي في الجزء الثالث ص 278 أخرجه ألآجري وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده والبيهقي وذكر أنه صحيح ، وقال بن حجر في فتح الباري 6982 أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدي عن أبي مالك ثم قال وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه المصدر السابق (20) في معناه مسند الأمام أحمد جزء أول 251 وقال الحاكم في المستدرك 3771 صحيح الإسناد (21) مسند الإمام أحمد جزء 3/296 (22) قصص الأنبياء ابن كثير قصة إبراهيم عليه السلام كما قال به الطبري في ج8 تفسير والحاكم في المستدرك والهيثمي في الزوائد (23) الروح لابن القيم (24) صحيح مسلم باب الإيمان 8 (25) صحيح مسلم 2873 (26) صحيح مسلم 2406 (27) صحيح البخاري 3400 (28) المعجم الكبير للطبراني 3409 وقال الهيثمي في الزوائد رجاله ثقات وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في معرض حديثه عن أبو بكر أخرجه أبو يعلي عن محمد بن | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:33 am | |
| تحمل من حوله . --------------------------- حقيقتان يجب أن يرسخا في الأذهان :- الأولى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر له ما للبشر وعليه ما عليهم والنبوة بالنسبة له مهمة وهبه الله إياها ، وهذه الحقيقة هى الغرض من هذا العنوان , لكونها تقودنا الى محمد الإنسان فنتعامل معه وفق هذا الأساس بحيث لا نجرده من بشريته ولا نتعلل بنبوته الثانية : أن الاختلاف الذي جعله الله سنة فى خلقه لم يكن اختلافا عقائديا فحسب إنم هو اختلاف شكلي وموضوعي ومادي ومعنوي وظاهري وباطني وعلى المستويين الفردي والجمعي في كل شيء وفى أى شيء مهما دق أو عظم ومهما صغر أو كبر ، وأخص هذه الاختلافات البشرية هي التي في الطبائع والفطر ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع كل البشر على اختلاف عاداتهم وميولهم وأهوائهم وأشكالهم وأذواقهم وأخلاقهم بذات واحدة لا تتجزأ هي ذات الإنسان النبي لا النبي الإنسان ، وهؤلاء البشر المعنيين كانوا أنماطا مختلفة وأخلاطا غير مشتبهة , فيهم من غلبت عليه صبوحات الخير وأكثرهم غلبت عليه ظلامات الشر ، فيهم القوى وفيهم الضعيف ، فيهم السيد وفيهم العبد ، فيهم الأسود وفيهم الأحمر , ومنهم القاصي ومنهم الداني ومنهم الأعجمي ومنهم العربي ، ويمكن تقسيمهم الى الأصناف الآتية
الكفار
المنافقين
الأعراب
أهل الكتاب
الأعاجم
النساء
الصحابة
----------------------------------------- أولا : - الكفار . ---------------------- فالكفار والمشركين هم أول من واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاقى منهم مالاقى واحتمل منهم ما احتمل ، ودعاهم فوق طاقته وفوق مايحتمل ، حتى هون عليه ربه فى عديد من الآيات منها قوله تعالى ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (1) ، فلم لم يجد صلى الله عليه وسلم معهم بدا امتثل لأمر ربه وقاتلهم وانتصر عليهم ومكنه الله والمسلمين معه منهم , وأورثهم ديارهم وأموالهم وأرضا لم يطئوها ثم عفا عمن بقي منهم حتى دخلوا فى دين الله أفواجا
ثانيا : – المنافقين. ---------------------------- والمنافقين كانوا مثار حيرته صلى الله عليه وسلم , فهم مسلمون ووصفهم صلى الله عليه وسلم بصحابته عندما أشار عليه بعض الصحابة الخلص بقتلهم جزاء ما قدمت يداهم عندما تخلوا عن المسلمين أثناء الذهاب الى أحد لملاقاة المشركين ، وكان ذلك أحد أسباب الهزيمة فقال عليه الصلاة والسلام : "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " (2)ولاشك أن قوله صلى الله عليه وسلم عنهم صحابته ليس معناه دخولهم فى زمرة الصحابة إلا من حيث هم ذلك ظاهرا , وكان يعرفهم صلى الله عليه وسلم بسيماهم ولحن القول وعلامات النفاق المفضوحة على وجوههم بفطنته وبفراسته وبنور الله فى قلبه , ورغم ذلك حماهم الله تعالى وحذر من قتلهم حتى لا يتخذها الناس سنة من بعد رسوله فيقتلون بناءا على الشك فقال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (3) فاستفيد من هذه الآية أن يدع الناس مهما علا شأنهم العلم بالنفاق وما تطويه القلوب الى الله سبحانه وتعالى وحده , إذ لو عُلموا لقُتِلوا وأهدرت دمائهم , وهو مالا ينبغي أن يكون لأنه بمثابة اطلاع على النوايا وما تكنه الصدور يقول بن هشام فى معرض حديثة عن عداوة اليهود للرسول وكأحد أسباب ظهور هؤلاء المنافقين "وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كان بقى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث . إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم ممن أسلموا عليهم فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جُنة ونافقوا وكان هواهم مع اليهود (4) ، وكانت لهذا النفاق سمات وعلامات منها السخرية من رسول الله وتمنى خذلانه وموالاة أعدائه وتحين الفرص للقضاء عليه أو على دعوته , ومنها التثبيط عن الجهاد والتخلف عنه حين المواجهة وضرب المسلمين اثناؤه , ومنها محاولة الوقيعة بين المؤمنين واستثارة حمية الجاهلية وسجل التاريخ أسماء بعض هؤلاء المنافقين مثل : نبتل بن الحارث الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شئ صدقه . وكان يأتى الى رسول الله فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين , وفيه قال الله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (5) ، ومنهم معتب بن قشير القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شىء لما قتلنا هاهنا والقائل كان محمد يعدنا كنوز كسرى ولايأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط ، قال تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً(6) ومنهم وديعة بن ثابت ممن بنى مسجد ضرار وكان يقول كنا نخوض ونلعب فقال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (7) ، ومنهم قيس بن قيظى الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق إن بيوتنا عورة فأذن لنا بالرجوع ، قال تعالى (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً)(8) ورأس هؤلاء جميعا وأشهرهم عبد الله بن أبي بن سلول وهو القائل فيه ربه (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (9)
3- الأعراب، ----------------- أما الأعراب فطباع حادة وأجلاف ضربت فى البداوة , يصفهم خالقهم بقوله (الأعُرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(10)وقال فيمن أسلم منهم (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )(11)، وقال أيضا سبحانه (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(12) ، وهم الموصفون فى كتاب الله تعالى بالمعذرون والمتخلفون - أى عن الجهاد فى سبيل الله - قال تعالى (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (13) وقال (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم)(14)، لأنهم ما أسلموا الا تحت حد السيف ، وبقوا على شدتهم وحدة طباعهم وتبلد عقولهم فيضع أحدهم خيط أبيض وأخر أسود تحت وسادته ليميز بينهما عند طلوع الفجر فيصوم ، فعن حصين عن الشعبي عن عدي قال ثم أخذ عدي عقالا أبيض وآخر أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبين فلما أصبح قال يارسول الله جعلته تحت وسادي قال إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك(15) ويدخل ثالث عليه المسجد ثائر الشعر واللحية كأنه شيطان فيزعجه " فعن عطاء بن يسار قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيرامن أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان(16) ، ويسأله بعضهم عن أخص الأمور ككسل الرجل عند الجماع في حضرة زوجته أم المؤمنين عائشة فيجيبه " عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم قالت ثم إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (17) ، ويتجشأ آخر فى مجلسه " عن بن عمر قال تجشأ رجل ثم النبي صلى الله عليه وسلم فقال جشاءك (أي كف ) فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ، (18) ، أو يدخل عليه ورائحة فيه كريهة فيضايقه " عن أبا سعيد الخدري حدثه انه ذكر ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل والكراث وقيل يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه (19)، ويخرج آخر ريحا من دبره " عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ قال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط (20)، ويبدو أن مناسبة الحديث حدث ، ويتنخع غيرهما " فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض "(21) أويبول آخر وليس بأخير بالمسجد ، " عن أنس بن مالك قال ثم جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى حاجته قام إلى ناحيه المسجد فبال فصاح به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال فكفهم عنه ثم أمر بدلو من ماء فصبه على بوله أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن يحيى بن سعيد (22). كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته وينادونه من وراء الحجرات بصوت جهوري في أي وقت قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (23) وقال (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (24) ولا يتركون له قيلولة يجد فيها بعض راحة , وكانوا ينظرون إلي طعامه وشرابه منتظرين إناه, فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً)(25) ، إلى أن علمهم الله الآداب في حضرته صلى الله عليه وسلم فامتثلوا .ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (26) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (27) وقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28)
رابعا:- اليهود والنصارى ------------------------- أما اليهود فحدث عنهم ولاحرج ، هم هم فى كل مراحل التاريخ ، مؤامرات ، دسائس ، خيانة ، قلوب كالحجارة وأشد قسوة , لم يسلم رسول الله والمسلمون من غدارتهم ومحاولتهم الوقيعة وإثارة الفتن ومحاولة قتله أيضا وتأليب الأحزاب وعدم وفائهم بالعهود والمواثيق ، ولم يسلم أيضا من ألسنتهم الحداد وأسئلتهم بغرض التشكيك فى دعوته ونبوته ، حسبنا منهم قول الله تعالى ( لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)(29) وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ , هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (30) ، وكانوا يستفتحون على العرب به صلى الله عليه وسلم ويتوعدونهم به كنبي أخر الزمان الذي أطل مبعثه فكانوا أول من كفر به قال تعالى ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين) (31) بينما كان النصارى قلة فى العرب ودخل أكثرهم الإسلام ولم يكن لهم دور كبير سلبا أو إيجابا فى عهد الإسلام الأول , ووصفهم الله تعالى فى كتابه بأنهم الأقرب مودة للمسلمين عن اليهود والذين أشركوا ، فقال تعالى ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ , وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)(32) ومودتهم هذه كانت في عهد الإسلام الأول ، حيث كان بعضهم وخاصة القسيسين منهم والرهبان على علم بنزول نبي آخر الزمان وكتابه المنزل عليه . أم الآن فلا
خامسا: - النساء ، ------------------------- كانت النساء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرات , فمنهن زوجاته ومنهن بناته ومنهن حاضناته ومرضعاته , ومنهن السائلات له صلى الله عليه وسلم والمستفتيات لشئون الدين والدنيا ، ومنهن المشركات اللائى عادينه وجاهرنه صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين بالعداء حتى أهدر دم بعضهن ومنهن الصحابيات الصالحات اللائى كن له وللإسلام والمسلمين نعم العون والمعين ، ومنهن الإماء وما ملكت يمينه والسراري والأسيرات ، تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل هؤلاء وغيرهن كثيرات ، فكن بالنسبة له شقائق الرجال لذا لم يفرط في العدل بينهن وبينهم بل كان فوق ذلك بهن أرحم وعليهن أشفق ، فقال فيما رواه عنه أبو هريرة " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ان ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا (1) فأما بالنسبة لنسائه أمهات المؤمنين فكن على أكثر تقدير اثنا عشر وهن كما قال الزهري : " خديجة بنت خويلد ، عائشة بنت أبي بكر ، أم سلمة بنت أبي أمية ، حفصة بنت عمر ، أم حبيبة بنت أبي سفيان ، ميمونة بنت الحرث ، جويرية بنت الحرث ، زينب بنت جحش ، سودة بنت زمعة ، صفية بنت حيي ، العالية بنت ظبيان من بني عامر بن كلاب ، زينب بنت خزيمة (2) وعلى الرغم من هذه الكثرة بما لا يطيقه ولا يتحمله كما وكيفا غيره صلى الله عليه وسلم ، وعلى الرغم من اختلاف طباعهن ومشاربهن ، فقد كان بينهن الأقرب إلى العدل والأحرص على ذلك ، ولم يثبت عن واحدة منهن أن حدثت بظلم أو جور وقع عليها من زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قيل يعني القلب (3) ، وبناته هن " زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم " ومن الكافرات المشركات اللاتي عادينه وآذينه " أم جميل وهند بنت عتبة " وقد أسلمت الأخيرة فأما أم جميل فكانت زوجة أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخت أبي سفيان ، وهي من سادات نساء قريش وكان اسمها أروى بنت حرب بن أمية ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ولهذا قال تعالى (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (4) ، عن ابن عباس والضحاك قالا " كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقال ابن جرير " كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيرت بذلك " وقال سعيد بن المسيب " كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار " ، وخبر هجاءها لرسول الله ثابت في السنة (5) وهند بنت عتبة التي اخذت بلحية أبي سفيان عندما جاء قريش وقال لهم بأعلى صوته يا قريش هذا محمدا قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت اليه ثم نادت يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق (6) وفي رواية " فاخذت بشاربه فقالت اقتلوا الدسم الاحمش فبئس طليعة قوم " وهي التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه في غزوة أحد ولاكت كبده فلم تستسيغها فلفظتها ، مما سببت حزنا عظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة ، حتى أنه أقسم صلى الله عليه وسلم على أن يمثل بجثث سبعين من المشركين فنزل النهي في ذلك ، وقصتها في بيعة النساء مشهورة (7) ولم يرد لها ذكر في التاريخ عقب هذه البيعة
سادسا: - الأعاجم : ------------------------- هم غير العرب على العموم ، أما على وجه الخصوص فالأَعْجَمُ هو الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب (8)،وقد عرفوا على وجه التحديد في الصدر الأول للإسلام بالروم والفرس " قال صلى الله عليه وسلم اسعد العجم بالإسلام فارس ، وأشقى العجم بالإسلام الروم ، وأشقى العرب بالإسلام تغلب والعباد (9)، وهم من قساة القلوب وجفاة البشر ، ففيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه "اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العلم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب (10)، كما كانت هيئاتهم تدل على ذلك " فقد ذكر ابن مسعود أنه لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط قال من هؤلاء ؟ قالوا هؤلاء نفر من الأعاجم ، قال ما رأيت للذين قرأ عليهم النبي الإسلام من الجن شبها أدنى من هؤلاء " وفي رواية أخرى "لما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزط وهم قوم طوال سود وحجام فقال أظهروا فقيل له إن هؤلاء قوم من الزط فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى النبي "(11)، وأقرب مثلا إلى ذلك أيضا مارواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم"حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر (12) وعن بن عباس في قوله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)(13) " قال اليهود , وفي ذات الآية : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) قالوا الأعاجم ، وفي قوله تعالى(َوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)قال هم الأعاجم ، وقال مجاهد حببت إليهم الخطيئة طول العمر " (14) ، وبلغ من قسوة قلوبهم وجفوتهم أن قال عمر بن الخطاب " إياكم ومواطنة الأعاجم وأن تدخلوا عليهم في بيعهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص من نشأ في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة (15)وسيلي إن شاء الله بعضا من منهيات الرسول عن التشبه بهم سابعا: - الصحابة ( محمد المعلم ) ------------------------------ أما الصحابة فكانوا المعية المؤيدة والمعاونة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان أكثرهم من العرب وبعضهم من الأعاجم والجنسيات المختلفة كالفرس والروم والحبش ، فتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل هذه الأصناف والأنماط بميولهم المختلفة ونزعاتهم وطباعهم وأذواقهم المتباينة , وكان هو صلى الله عليه وسلم قائدهم ومعلمهم ومرجعهم فى كل صغيرة وكبيرة وفى كل شؤون حياتهم ، وعلمهم كل شيء وكأنهم كانوا لا يعلمون أي شيء حتى الخراء ، فروى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان الفارسي قال : قال بعض المشركين وهم يستهزئون بي إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراء قال فقلت له نعم أمرنا ألا نستقبل القبلة ولا نستنجي بإيماننا ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع أو عظم "(16) وكان أول ما علمهم إياه هو صبغهم بصبغة الإسلام وتنفيرهم من كل ما يمت بصلة الى الجاهلية ، فمنع أن يرث المسلم الكافر فقال عن أسامة بن زيد " لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم "(17) ومنع أن يتشبهوا بالمشركين فى أي شئ حتى تسريحة الشعر أو الشارب أو اللحية ومن ذلك قوله عن عبد الله بن عمر "خالفوا المشركين حفوا الشوارب وأعفوا اللحى " وفي رواية عن أبي هريرة "جزوا الشارب وأرخوا اللحية وخالفوا المجوس (18) , وحدث سليمان بن مروان العبدي عن إبراهيم بن أبي يحي عن عثيم بن كليب بن الصلت عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي : " احلق عنك شعر الكفر " (19) ونهر أحد الصحابة كان جالسا واضعا يده خلف ظهره ومتكىء على إلية يده وقال له " أتقعد قعدة المغضوب عليهم " روي ذلك عن عمرو بن الشريك بن السويد عن أبيه (20) كما نهى عن التشبه بالأعاجم فقال " لا تقوموا ثم رأسي كما تقوم الأعاجم ثم رءوس أكاسرتها (21) وعن أبي أمامة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا " (22) كما نهى عن تقبيل اليد وقال " إنه من فعل الأعاجم ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم " فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا رسول الله ، فأخذ يده ليقبلها فجذبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها وإني لست بملك وإنما أنا رجل منكم "(23) ، وعن البراء بن عازب قال "لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت يا رسول الله أن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم فقال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما(24) وايضا نهى صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرجل أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم أو يجعل على منكبه حريرا كالأعاجم (25) ، وغير أسماء كثيرة من أسماءهم وأسماء شعبهم ومدنهم وأولادهم تناسبا مع الإسلام ، وغير بعض العادات التى كانت سائدة فى الفترة السابقة على الإسـلام بما لاتتفق مع هذا الدين القويم ، ومن ذلك أن بن عباس استأذنه فى ذبح العتيرة (26) فقال له " أعتر كعتر الجاهلية ولكن من أحب منكم أن يذبح لله فيأكل ويتصدق فليفعل "(27) ، وكان أشد مايخشاه عليهم أن يتأسوا أو يتعلموا أي شيء غير الأسلام , وكان يعمل كل طاقته فى سبيل ذلك ما وسعه الجهد والمجاهدة , إلى الحد الذي جعله يغضب على عمر بن الخطاب عندما رأه ممسكا بصحيفة من آدم فيها بعض من أقاويل التوراة فنادى الى الصلاة جامعة فنفر الأنصار (28) فقال لهم فيما قال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية " فقال عمر رضينا بالله ربا وبمحمدا رسولا وبالإسلام دينا (29) وبالجملة علمهم كافة أمور دينهم وجعل من أمور دينهم دينا وعبادة فخلطوا الدين بالدنيا في القربى إلى الله وجعلوا الأخيرة مطية للأولى ، قال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علم ، (30) ------------------------------------ (1)الكهف 6 (2)صحيح مسلم 2584 (3) التوبة 101 (4) سيرة بن هشام (5) التوبة 61 (6) الأحزاب 12 (7) التوبة 65 (8) الأحزاب من الآية 13 (9) المنافقون 8 وله مواقف أخرى كثيرة سيئة منها موقفه في حادثة الأفك ، وموقفه قبيل غزوة أحد ، ووساطته ليهود بني قريظة ( وفي الأخيرة انظر تفسير بن كثير لسورة النساء ج الثاني (10) التوبة 97 (11) الحجرات 14 (12) التوبة 98 (13) التوبة 90 (14) الفتح من الآية 11 15) البخاري 4239 (16) موطأ مالك 1702 (17) صحيح مسلم 350 (18) سنن الترمزي 2478 (19) بن خزيمة 1669 (20) البخاري 135 (21)صحيح مسلم 550 وبن خزيمة8129 (22) سنن البيهقي الكبرى4033 (23) الحجرات الآية 2 (24) الحجرات الآية 4 (25) الأحزاب 53 (26)النور:63 (27) النساء:59 (28) المجادلة 12 (29) المائدة من الآية 82 (30) آل عمران 182 وما بعدها (31) البقرة من الآية 89 (32) المائدة من الآية 82 وما بعدها --------------------------------------------------- (1) صحيح مسلم 1468 (2) رواه الطبراني و قال صاحب الزوائد رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح (3) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه المستدرك 2761 (4) المسد : 5 (5) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت ثم لما نزلت تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لن تراني فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني بنت سيدها ( قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 3376) (6) في الزوائد رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف (7) جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة فقالت إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة وكيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر قل لهن ولا يسرقن قالت هند والله إني لأصيب من أبى سفيان قلح وما أدري أيحلهن لي أم لا قال أبو سفيان ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأتته فأخذت بيده فعاذت به فقال أنت هند فقالت عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفسير الطبري جزء 28 ) (8) مختار الصحاح (9) الجامع لمعمر بن راشد الازدي (10) قال الحاكم في المستدرك الجزء الرابع هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (11)الزُّطُّ جيل من الناس الواحد زُطِّيٌّ هكذا في مختار الصحاح أما في النهاية في غريب الحديث فالزُّطّ هم جِنْس من السُّودان والهُنُود ، ومثل ذلك جاء في لسان العرب وأضيف إليه الزُّطُّ السَّبابِجةُ قوم من السِّنْدِ بالبصرة وراجع الطبري ج 26 ص 31 ، 32 كما ذكر هذه الرواية الترمزي 2861 وغيره حيث ضعف يعضهم هذهالرواية مثل بن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (11) صحيح البخاري 3395 (12) البقرة: من الآية96 (13) ذكر الحاكم هذا القول وعقب اتفق الشيخان على سند تفسير الصحابي وهذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ، المستدرك ج 2 (14) ابن كثير ج1 ص129 (15) مسند بن أبي شيبة 9387 (16) مسند أحمد 23753 (17) صحيح مسلم 1614 (18) صحيح مسلم 259 ,260 (19)سنن أبي داود وأحمد وغيرهما وجاء بالمستدرك للحاكم والجامع الكبير للطبراني (20) أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثيرج 3 (21) ذكر هذا الحديث القرطبي في الجزء التاسع تفسير سورة يوسف ورفع أبويه على العرش (22) سنن أبي داود 5230 وأيضا مصنف بن أبي شيبة 25581 (23) شعب الإيمان للبيهقي 6244 (24)تفسير القرطبي جزء 9 ص 266 (25) معتصر المختصر ليوسف أبو المحاسن (26) شاة تذبح في رجب (27) هكذا في كنز العمال وأورده السيوطي في الجامع الكبير (28) نفر الأنصار استعدوا للحرب ، (29) حسنه الألباني في كتاب السنة ، والتهوك هو التحير والتردد (30) المعجم الكبير للطبراني 1647 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:35 am | |
| تحمل من حوله . --------------------------- حقيقتان يجب أن يرسخا في الأذهان :- الأولى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر له ما للبشر وعليه ما عليهم والنبوة بالنسبة له مهمة وهبه الله إياها ، وهذه الحقيقة هى الغرض من هذا العنوان , لكونها تقودنا الى محمد الإنسان فنتعامل معه وفق هذا الأساس بحيث لا نجرده من بشريته ولا نتعلل بنبوته الثانية : أن الاختلاف الذي جعله الله سنة فى خلقه لم يكن اختلافا عقائديا فحسب إنم هو اختلاف شكلي وموضوعي ومادي ومعنوي وظاهري وباطني وعلى المستويين الفردي والجمعي في كل شيء وفى أى شيء مهما دق أو عظم ومهما صغر أو كبر ، وأخص هذه الاختلافات البشرية هي التي في الطبائع والفطر ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع كل البشر على اختلاف عاداتهم وميولهم وأهوائهم وأشكالهم وأذواقهم وأخلاقهم بذات واحدة لا تتجزأ هي ذات الإنسان النبي لا النبي الإنسان ، وهؤلاء البشر المعنيين كانوا أنماطا مختلفة وأخلاطا غير مشتبهة , فيهم من غلبت عليه صبوحات الخير وأكثرهم غلبت عليه ظلامات الشر ، فيهم القوى وفيهم الضعيف ، فيهم السيد وفيهم العبد ، فيهم الأسود وفيهم الأحمر , ومنهم القاصي ومنهم الداني ومنهم الأعجمي ومنهم العربي ، ويمكن تقسيمهم الى الأصناف الآتية
الكفار
المنافقين
الأعراب
أهل الكتاب
الأعاجم
النساء
الصحابة
----------------------------------------- أولا : - الكفار . ---------------------- فالكفار والمشركين هم أول من واجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاقى منهم مالاقى واحتمل منهم ما احتمل ، ودعاهم فوق طاقته وفوق مايحتمل ، حتى هون عليه ربه فى عديد من الآيات منها قوله تعالى ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (1) ، فلم لم يجد صلى الله عليه وسلم معهم بدا امتثل لأمر ربه وقاتلهم وانتصر عليهم ومكنه الله والمسلمين معه منهم , وأورثهم ديارهم وأموالهم وأرضا لم يطئوها ثم عفا عمن بقي منهم حتى دخلوا فى دين الله أفواجا
ثانيا : – المنافقين. ---------------------------- والمنافقين كانوا مثار حيرته صلى الله عليه وسلم , فهم مسلمون ووصفهم صلى الله عليه وسلم بصحابته عندما أشار عليه بعض الصحابة الخلص بقتلهم جزاء ما قدمت يداهم عندما تخلوا عن المسلمين أثناء الذهاب الى أحد لملاقاة المشركين ، وكان ذلك أحد أسباب الهزيمة فقال عليه الصلاة والسلام : "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " (2)ولاشك أن قوله صلى الله عليه وسلم عنهم صحابته ليس معناه دخولهم فى زمرة الصحابة إلا من حيث هم ذلك ظاهرا , وكان يعرفهم صلى الله عليه وسلم بسيماهم ولحن القول وعلامات النفاق المفضوحة على وجوههم بفطنته وبفراسته وبنور الله فى قلبه , ورغم ذلك حماهم الله تعالى وحذر من قتلهم حتى لا يتخذها الناس سنة من بعد رسوله فيقتلون بناءا على الشك فقال تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (3) فاستفيد من هذه الآية أن يدع الناس مهما علا شأنهم العلم بالنفاق وما تطويه القلوب الى الله سبحانه وتعالى وحده , إذ لو عُلموا لقُتِلوا وأهدرت دمائهم , وهو مالا ينبغي أن يكون لأنه بمثابة اطلاع على النوايا وما تكنه الصدور يقول بن هشام فى معرض حديثة عن عداوة اليهود للرسول وكأحد أسباب ظهور هؤلاء المنافقين "وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كان بقى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث . إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم ممن أسلموا عليهم فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جُنة ونافقوا وكان هواهم مع اليهود (4) ، وكانت لهذا النفاق سمات وعلامات منها السخرية من رسول الله وتمنى خذلانه وموالاة أعدائه وتحين الفرص للقضاء عليه أو على دعوته , ومنها التثبيط عن الجهاد والتخلف عنه حين المواجهة وضرب المسلمين اثناؤه , ومنها محاولة الوقيعة بين المؤمنين واستثارة حمية الجاهلية وسجل التاريخ أسماء بعض هؤلاء المنافقين مثل : نبتل بن الحارث الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شئ صدقه . وكان يأتى الى رسول الله فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين , وفيه قال الله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (5) ، ومنهم معتب بن قشير القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شىء لما قتلنا هاهنا والقائل كان محمد يعدنا كنوز كسرى ولايأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط ، قال تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً(6) ومنهم وديعة بن ثابت ممن بنى مسجد ضرار وكان يقول كنا نخوض ونلعب فقال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (7) ، ومنهم قيس بن قيظى الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق إن بيوتنا عورة فأذن لنا بالرجوع ، قال تعالى (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً)(8) ورأس هؤلاء جميعا وأشهرهم عبد الله بن أبي بن سلول وهو القائل فيه ربه (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (9)
3- الأعراب، ----------------- أما الأعراب فطباع حادة وأجلاف ضربت فى البداوة , يصفهم خالقهم بقوله (الأعُرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(10)وقال فيمن أسلم منهم (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )(11)، وقال أيضا سبحانه (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(12) ، وهم الموصفون فى كتاب الله تعالى بالمعذرون والمتخلفون - أى عن الجهاد فى سبيل الله - قال تعالى (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (13) وقال (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم)(14)، لأنهم ما أسلموا الا تحت حد السيف ، وبقوا على شدتهم وحدة طباعهم وتبلد عقولهم فيضع أحدهم خيط أبيض وأخر أسود تحت وسادته ليميز بينهما عند طلوع الفجر فيصوم ، فعن حصين عن الشعبي عن عدي قال ثم أخذ عدي عقالا أبيض وآخر أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبين فلما أصبح قال يارسول الله جعلته تحت وسادي قال إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك(15) ويدخل ثالث عليه المسجد ثائر الشعر واللحية كأنه شيطان فيزعجه " فعن عطاء بن يسار قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيرامن أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان(16) ، ويسأله بعضهم عن أخص الأمور ككسل الرجل عند الجماع في حضرة زوجته أم المؤمنين عائشة فيجيبه " عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم قالت ثم إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (17) ، ويتجشأ آخر فى مجلسه " عن بن عمر قال تجشأ رجل ثم النبي صلى الله عليه وسلم فقال جشاءك (أي كف ) فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ، (18) ، أو يدخل عليه ورائحة فيه كريهة فيضايقه " عن أبا سعيد الخدري حدثه انه ذكر ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل والكراث وقيل يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه (19)، ويخرج آخر ريحا من دبره " عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ قال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط (20)، ويبدو أن مناسبة الحديث حدث ، ويتنخع غيرهما " فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض "(21) أويبول آخر وليس بأخير بالمسجد ، " عن أنس بن مالك قال ثم جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى حاجته قام إلى ناحيه المسجد فبال فصاح به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال فكفهم عنه ثم أمر بدلو من ماء فصبه على بوله أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن يحيى بن سعيد (22). كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته وينادونه من وراء الحجرات بصوت جهوري في أي وقت قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (23) وقال (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (24) ولا يتركون له قيلولة يجد فيها بعض راحة , وكانوا ينظرون إلي طعامه وشرابه منتظرين إناه, فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً)(25) ، إلى أن علمهم الله الآداب في حضرته صلى الله عليه وسلم فامتثلوا .ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (26) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (27) وقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28)
رابعا:- اليهود والنصارى ------------------------- أما اليهود فحدث عنهم ولاحرج ، هم هم فى كل مراحل التاريخ ، مؤامرات ، دسائس ، خيانة ، قلوب كالحجارة وأشد قسوة , لم يسلم رسول الله والمسلمون من غدارتهم ومحاولتهم الوقيعة وإثارة الفتن ومحاولة قتله أيضا وتأليب الأحزاب وعدم وفائهم بالعهود والمواثيق ، ولم يسلم أيضا من ألسنتهم الحداد وأسئلتهم بغرض التشكيك فى دعوته ونبوته ، حسبنا منهم قول الله تعالى ( لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)(29) وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ , هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (30) ، وكانوا يستفتحون على العرب به صلى الله عليه وسلم ويتوعدونهم به كنبي أخر الزمان الذي أطل مبعثه فكانوا أول من كفر به قال تعالى ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين) (31) بينما كان النصارى قلة فى العرب ودخل أكثرهم الإسلام ولم يكن لهم دور كبير سلبا أو إيجابا فى عهد الإسلام الأول , ووصفهم الله تعالى فى كتابه بأنهم الأقرب مودة للمسلمين عن اليهود والذين أشركوا ، فقال تعالى ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ , وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)(32) ومودتهم هذه كانت في عهد الإسلام الأول ، حيث كان بعضهم وخاصة القسيسين منهم والرهبان على علم بنزول نبي آخر الزمان وكتابه المنزل عليه . أم الآن فلا
خامسا: - النساء ، ------------------------- كانت النساء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرات , فمنهن زوجاته ومنهن بناته ومنهن حاضناته ومرضعاته , ومنهن السائلات له صلى الله عليه وسلم والمستفتيات لشئون الدين والدنيا ، ومنهن المشركات اللائى عادينه وجاهرنه صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين بالعداء حتى أهدر دم بعضهن ومنهن الصحابيات الصالحات اللائى كن له وللإسلام والمسلمين نعم العون والمعين ، ومنهن الإماء وما ملكت يمينه والسراري والأسيرات ، تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل هؤلاء وغيرهن كثيرات ، فكن بالنسبة له شقائق الرجال لذا لم يفرط في العدل بينهن وبينهم بل كان فوق ذلك بهن أرحم وعليهن أشفق ، فقال فيما رواه عنه أبو هريرة " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ان ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا (1) فأما بالنسبة لنسائه أمهات المؤمنين فكن على أكثر تقدير اثنا عشر وهن كما قال الزهري : " خديجة بنت خويلد ، عائشة بنت أبي بكر ، أم سلمة بنت أبي أمية ، حفصة بنت عمر ، أم حبيبة بنت أبي سفيان ، ميمونة بنت الحرث ، جويرية بنت الحرث ، زينب بنت جحش ، سودة بنت زمعة ، صفية بنت حيي ، العالية بنت ظبيان من بني عامر بن كلاب ، زينب بنت خزيمة (2) وعلى الرغم من هذه الكثرة بما لا يطيقه ولا يتحمله كما وكيفا غيره صلى الله عليه وسلم ، وعلى الرغم من اختلاف طباعهن ومشاربهن ، فقد كان بينهن الأقرب إلى العدل والأحرص على ذلك ، ولم يثبت عن واحدة منهن أن حدثت بظلم أو جور وقع عليها من زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قيل يعني القلب (3) ، وبناته هن " زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم " ومن الكافرات المشركات اللاتي عادينه وآذينه " أم جميل وهند بنت عتبة " وقد أسلمت الأخيرة فأما أم جميل فكانت زوجة أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخت أبي سفيان ، وهي من سادات نساء قريش وكان اسمها أروى بنت حرب بن أمية ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ولهذا قال تعالى (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (4) ، عن ابن عباس والضحاك قالا " كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقال ابن جرير " كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وكانت تحتطب فعيرت بذلك " وقال سعيد بن المسيب " كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار " ، وخبر هجاءها لرسول الله ثابت في السنة (5) وهند بنت عتبة التي اخذت بلحية أبي سفيان عندما جاء قريش وقال لهم بأعلى صوته يا قريش هذا محمدا قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت اليه ثم نادت يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق (6) وفي رواية " فاخذت بشاربه فقالت اقتلوا الدسم الاحمش فبئس طليعة قوم " وهي التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه في غزوة أحد ولاكت كبده فلم تستسيغها فلفظتها ، مما سببت حزنا عظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة ، حتى أنه أقسم صلى الله عليه وسلم على أن يمثل بجثث سبعين من المشركين فنزل النهي في ذلك ، وقصتها في بيعة النساء مشهورة (7) ولم يرد لها ذكر في التاريخ عقب هذه البيعة
سادسا: - الأعاجم : ------------------------- هم غير العرب على العموم ، أما على وجه الخصوص فالأَعْجَمُ هو الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب (8)،وقد عرفوا على وجه التحديد في الصدر الأول للإسلام بالروم والفرس " قال صلى الله عليه وسلم اسعد العجم بالإسلام فارس ، وأشقى العجم بالإسلام الروم ، وأشقى العرب بالإسلام تغلب والعباد (9)، وهم من قساة القلوب وجفاة البشر ، ففيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه "اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العلم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب (10)، كما كانت هيئاتهم تدل على ذلك " فقد ذكر ابن مسعود أنه لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط قال من هؤلاء ؟ قالوا هؤلاء نفر من الأعاجم ، قال ما رأيت للذين قرأ عليهم النبي الإسلام من الجن شبها أدنى من هؤلاء " وفي رواية أخرى "لما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزط وهم قوم طوال سود وحجام فقال أظهروا فقيل له إن هؤلاء قوم من الزط فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى النبي "(11)، وأقرب مثلا إلى ذلك أيضا مارواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم"حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر (12) وعن بن عباس في قوله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)(13) " قال اليهود , وفي ذات الآية : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) قالوا الأعاجم ، وفي قوله تعالى(َوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)قال هم الأعاجم ، وقال مجاهد حببت إليهم الخطيئة طول العمر " (14) ، وبلغ من قسوة قلوبهم وجفوتهم أن قال عمر بن الخطاب " إياكم ومواطنة الأعاجم وأن تدخلوا عليهم في بيعهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص من نشأ في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة (15)وسيلي إن شاء الله بعضا من منهيات الرسول عن التشبه بهم
سابعا: - الصحابة ( محمد المعلم ) ------------------------------ أما الصحابة فكانوا المعية المؤيدة والمعاونة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان أكثرهم من العرب وبعضهم من الأعاجم والجنسيات المختلفة كالفرس والروم والحبش ، فتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل هذه الأصناف والأنماط بميولهم المختلفة ونزعاتهم وطباعهم وأذواقهم المتباينة , وكان هو صلى الله عليه وسلم قائدهم ومعلمهم ومرجعهم فى كل صغيرة وكبيرة وفى كل شؤون حياتهم ، وعلمهم كل شيء وكأنهم كانوا لا يعلمون أي شيء حتى الخراء ، فروى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان الفارسي قال : قال بعض المشركين وهم يستهزئون بي إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراء قال فقلت له نعم أمرنا ألا نستقبل القبلة ولا نستنجي بإيماننا ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع أو عظم "(16) وكان أول ما علمهم إياه هو صبغهم بصبغة الإسلام وتنفيرهم من كل ما يمت بصلة الى الجاهلية ، فمنع أن يرث المسلم الكافر فقال عن أسامة بن زيد " لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم "(17) ومنع أن يتشبهوا بالمشركين فى أي شئ حتى تسريحة الشعر أو الشارب أو اللحية ومن ذلك قوله عن عبد الله بن عمر "خالفوا المشركين حفوا الشوارب وأعفوا اللحى " وفي رواية عن أبي هريرة "جزوا الشارب وأرخوا اللحية وخالفوا المجوس (18) , وحدث سليمان بن مروان العبدي عن إبراهيم بن أبي يحي عن عثيم بن كليب بن الصلت عن أبيه عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي : " احلق عنك شعر الكفر " (19) ونهر أحد الصحابة كان جالسا واضعا يده خلف ظهره ومتكىء على إلية يده وقال له " أتقعد قعدة المغضوب عليهم " روي ذلك عن عمرو بن الشريك بن السويد عن أبيه (20) كما نهى عن التشبه بالأعاجم فقال " لا تقوموا ثم رأسي كما تقوم الأعاجم ثم رءوس أكاسرتها (21) وعن أبي أمامة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا " (22) كما نهى عن تقبيل اليد وقال " إنه من فعل الأعاجم ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم " فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا رسول الله ، فأخذ يده ليقبلها فجذبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " مه إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها وإني لست بملك وإنما أنا رجل منكم "(23) ، وعن البراء بن عازب قال "لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت يا رسول الله أن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم فقال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما(24) وايضا نهى صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرجل أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم أو يجعل على منكبه حريرا كالأعاجم (25) ، وغير أسماء كثيرة من أسماءهم وأسماء شعبهم ومدنهم وأولادهم تناسبا مع الإسلام ، وغير بعض العادات التى كانت سائدة فى الفترة السابقة على الإسـلام بما لاتتفق مع هذا الدين القويم ، ومن ذلك أن بن عباس استأذنه فى ذبح العتيرة (26) فقال له " أعتر كعتر الجاهلية ولكن من أحب منكم أن يذبح لله فيأكل ويتصدق فليفعل "(27) ، وكان أشد مايخشاه عليهم أن يتأسوا أو يتعلموا أي شيء غير الأسلام , وكان يعمل كل طاقته فى سبيل ذلك ما وسعه الجهد والمجاهدة , إلى الحد الذي جعله يغضب على عمر بن الخطاب عندما رأه ممسكا بصحيفة من آدم فيها بعض من أقاويل التوراة فنادى الى الصلاة جامعة فنفر الأنصار (28) فقال لهم فيما قال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية " فقال عمر رضينا بالله ربا وبمحمدا رسولا وبالإسلام دينا (29) وبالجملة علمهم كافة أمور دينهم وجعل من أمور دينهم دينا وعبادة فخلطوا الدين بالدنيا في القربى إلى الله وجعلوا الأخيرة مطية للأولى ، قال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علم ، (30) ------------------------------------ (1)الكهف 6 (2)صحيح مسلم 2584 (3) التوبة 101 (4) سيرة بن هشام (5) التوبة 61 (6) الأحزاب 12 (7) التوبة 65 (8) الأحزاب من الآية 13 (9) المنافقون 8 وله مواقف أخرى كثيرة سيئة منها موقفه في حادثة الأفك ، وموقفه قبيل غزوة أحد ، ووساطته ليهود بني قريظة ( وفي الأخيرة انظر تفسير بن كثير لسورة النساء ج الثاني (10) التوبة 97 (11) الحجرات 14 (12) التوبة 98 (13) التوبة 90 (14) الفتح من الآية 11 15) البخاري 4239 (16) موطأ مالك 1702 (17) صحيح مسلم 350 (18) سنن الترمزي 2478 (19) بن خزيمة 1669 (20) البخاري 135 (21)صحيح مسلم 550 وبن خزيمة8129 (22) سنن البيهقي الكبرى4033 (23) الحجرات الآية 2 (24) الحجرات الآية 4 (25) الأحزاب 53 (26)النور:63 (27) النساء:59 (28) المجادلة 12 (29) المائدة من الآية 82 (30) آل عمران 182 وما بعدها (31) البقرة من الآية 89 (32) المائدة من الآية 82 وما بعدها --------------------------------------------------- (1) صحيح مسلم 1468 (2) رواه الطبراني و قال صاحب الزوائد رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح (3) قال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه المستدرك 2761 (4) المسد : 5 (5) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت ثم لما نزلت تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لن تراني فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني بنت سيدها ( قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 3376) (6) في الزوائد رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف (7) جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة فقالت إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة وكيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر قل لهن ولا يسرقن قالت هند والله إني لأصيب من أبى سفيان قلح وما أدري أيحلهن لي أم لا قال أبو سفيان ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأتته فأخذت بيده فعاذت به فقال أنت هند فقالت عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفسير الطبري جزء 28 ) (8) مختار الصحاح (9) الجامع لمعمر بن راشد الازدي (10) قال الحاكم في المستدرك الجزء الرابع هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (11)الزُّطُّ جيل من الناس الواحد زُطِّيٌّ هكذا في مختار الصحاح أما في النهاية في غريب الحديث فالزُّطّ هم جِنْس من السُّودان والهُنُود ، ومثل ذلك جاء في لسان العرب وأضيف إليه الزُّطُّ السَّبابِجةُ قوم من السِّنْدِ بالبصرة وراجع الطبري ج 26 ص 31 ، 32 كما ذكر هذه الرواية الترمزي 2861 وغيره حيث ضعف يعضهم هذهالرواية مثل بن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (11) صحيح البخاري 3395 (12) البقرة: من الآية96 (13) ذكر الحاكم هذا القول وعقب اتفق الشيخان على سند تفسير الصحابي وهذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ، المستدرك ج 2 (14) ابن كثير ج1 ص129 (15) مسند بن أبي شيبة 9387 (16) مسند أحمد 23753 (17) صحيح مسلم 1614 (18) صحيح مسلم 259 ,260 (19)سنن أبي داود وأحمد وغيرهما وجاء بالمستدرك للحاكم والجامع الكبير للطبراني (20) أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثيرج 3 (21) ذكر هذا الحديث القرطبي في الجزء التاسع تفسير سورة يوسف ورفع أبويه على العرش (22) سنن أبي داود 5230 وأيضا مصنف بن أبي شيبة 25581 (23) شعب الإيمان للبيهقي 6244 (24)تفسير القرطبي جزء 9 ص 266 (25) معتصر المختصر ليوسف أبو المحاسن (26) شاة تذبح في رجب (27) هكذا في كنز العمال وأورده السيوطي في الجامع الكبير (28) نفر الأنصار استعدوا للحرب ، (29) حسنه الألباني في كتاب السنة ، والتهوك هو التحير والتردد (30) المعجم الكبير للطبراني 1647 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:38 am | |
| ثانيا : الصدق والأمانة في التبليغ ------------------------- لم يكن من قبيل المصادفة أيضا أن يعرف محمد بن عبد الله قبل البعثة بالصادق الآمين وأن يكون الصدق والأمانة بعد بعثته هما أجل خصائصه النبوية . لأن إرادة الله لاتعرف المصادفة ولاتعرف العشوائية وكل شيء بقدر , ومحال أن يقع فى ملكه مالا يعلمه قبل وقوعه , وسوف يأتي معنى الصدق والأمانة والفروع الأخلاقية المترتبة عليهما في باب الأخلاق إن شاء الله - . ولا غرو ولاعجب أن تجد رجلا أو أكثر صادقا أو أمينا ، ولكن أن يعرف بهما ويشتهر ويسمى بالصادق الامين ، فهذا هو المعيار الذى نعول عليه ونستند اليه ، خاصة أن العرب لم تكن لتطلق صفة على أحد أو لقبا إلا كان جزءا من شخصيته وبضعة من ذاته ، فما اشتهر حاتم الطائي بالكرم لأنه كان الأوحد الكريم ، فالكـرم أحـدى الصفات العربية الشهيرة ولكن لأنه بالغ فى الكرم الى الحد الذي انفرد به وحده وأصبح الكرم جزء منه لاينفصل عنه ، فإذا ذكر الكرم ذكر حاتم الطائي ، وكان العرب جميعا عامة والمحاربين خاصة معروفين بالشجاعة والقوة والإقدام ، ولكن أن يعرف بينهم رجل أسمه عمرو بن ود بشدة البأس والشجاعة حتى أنه يدعو المسلمين الى المبارزة فيحجمون جميعا ، فقد انطلق هذا الرجل في وصف الشجاعة إلى الدرجة الأسمى ، فإذا قام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه ثلاث مرات ورسول الله يحذره إشفاقا عليه لصغر سنه ويقول له أنه عمرو بن عبد ود فيهزمه علي ويقتله (1) فقد سما على في الشجاعة سموا أعلى وأجل ، فإذا قال علي رضى الله عنه كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه (2) فقد احتوى صلى الله عليه وسلم الشجاعة جميعا وصارهو الشجاعة كما ينبغى أن تكون لازيادة عليها ولانقصان ، وبهذا المفهوم يكون الحديث عن الصدق والأمانة وهما أهم عاملين وأجل خاصتين لضمان وصول الرسالة الى العالمين ، وكل أمر يمكن معالجته حتى ولو احتسب خطأ فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاتبه من أجله ربه , إلا الكذب فى نقل الرسالة أو عدم الأمانة في أدائها . قال تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (3) وحتى تصل الرسالة فكانت العصمة من الله المانعة لرسوله من كل شر يحول بينه وبين الرسالة ، ومن هنا وهنا فقط كان عتاب الله الأشد له إلى الحد الذي توعده فيه بالعذاب الاليم فقال سبحانه (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) (4) ، وقال سبحانه (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ) (5) ومن قبل هذه الآية يقول سبحانه عن الكافرين ( لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ) (6) فتأمل نهاية الآيتين تجد أن الوعيد فيهما واحد ، وقال تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)(7) وهو الدرس الذى واعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (8)لذا كان صلى الله عليه وسلم صادقا على مراد الله فى تبليغ الرسالة وكان أمينا على مراده أيضا فى أدائها , وحسبه وحسبنا أن الله تعالى وحده هو الرقيب على منهجه وليس أحد غيره , وذلك ماضمن له الحفظ والتمكين فقال ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(9) فما كان أحد من قومه صلى الله عليه وسلم أو ممن حوله أو من أهل الكتاب يعلم مضمون الشريعة الإسلامية أو محتواها أو يعلم كلمات القراءن وآياته .فما نزل كان جديدا على الأسماع جديدا على الأبصار جديدا على القلوب . وكان أول من علمه من قبل الله تعالى جبريل عليه السلام ومن أراده سبحانه من الملائكه واول من علمه من البشر محمد بن عبد الله , فكان لزاما إذن أن تكون الرقابة الالهية صارمة وكان لزاما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمينا عليها كما كان جبريل عليه السلام أمينا عليها : ثم هذه بعض الشواهد والدلالات على صدقه وأمانتة كرسول : -------------------------------- 1-قال له عمه ابو طالب الموجود صلى الله عليه وسلم فى منعته إن قومك جاءوني وقالوا لى كذا - "أقصد مقالتهم إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين فأبقى على نفسك ولاتحملني من الأمر مالا أطيق . فظن رسول الله أن عمه خاذله ورغم ذلك كان جوابه الصارم فقال " يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يميني والقمر فى يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ماتركته "وجاءوه يعرضون عليه المال والسؤدد والشرف فقالوا له إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا فجعلناك أكثرنا مالا , وإن كنت إنما تريد بما جئت به شرفا سودناك علينا حتى لانقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى نبرئك ,فقال صلى الله عليه وسلم ما أدري ما تقولون ؟ ما جئت ما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا و الآخرة ، و إن تردوا علي أصبر على أمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم (10) لم يتردد صلى الله عليه وسلم ولم يهادن ولم يجامل ولم ينافق ولم يخشى ولم يفكر ، ولو فعل لأنهزم أمامهم وانهارت حجته وسقطت دعوته , فاجتمعوا وأصدروا قرارهم بقتله وأخبره الوحي بذلك فلم تلن قناته ولم يهتز بنيانه فيقول له أبو بكر وهما وحيدين فى غار موحشة وقد دنا منهما المشركين لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا , فيرد عليه بقلب محتواه الصدق واليقين ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟(11) فينزل فى ذلك قرآنا فيقول (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (12) 2-كسفت الشمس أثناء دفنه ابنه إبراهيم فتحدث الناس بمشاركة الشمس حزن رسول الله فكسفت , فلم تفته الأمانة ولم ينسه الصدق في هذا الموقف الجليل وكان حسبه أن يصمت حتى ينقضى الموقف فيشرح لهم فقال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد او حياته "(13) وفى عرسه بعائشة رضى الله عنها قدمت مشروبا لبعض من صويحباتها فاعتذرن بحجة الشبع فلم يفته ذلك فقال " لاتجمعن جوعا وكذبا " (14) 3- أقبل عليه عامر بن طفيل فى المسجد وأشرف الناس لمقبله وكانوا يتمنون إسلامه فقال لرسول الله . يا محمد مالي إن أسلمت ؟ قال " لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم " قال أتجعل لى الأمر من بعدك ؟ قال " إن الأمر لله يجعله حيث يشاء " قال افتجعلنى على الوبر وأنت على المدر ؟ قال " لا " قال فما تجعل لى قال " اجعل لك أعنة الخيل تغزو فى سبيل الله ، قال أو ليس لى أعنة الخيل اليوم ؟ (15) ولم يسلم المأفون لأنه كان يدبر مؤامرة لقتله رسول الله مع آخر , فلم يقل له رسول الله إلا الصدق وإلا الحقيقة بكل تفاصيلها وبكل مراحلها لا تنقص ولاتزيد فلم يسوفه ولم يرجئه ولم يعده رغم رغبته فى إسلامه ,لأنه الأمين الذي يرغب فى إسلام الأمة كلها ، واتخذ فى سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة حتى أنه غضب غضبا شديدا على أحد صحابته وهو اسامة بن زيد لقتله مشرك فى أحدى الغزوات شهد خوفا من السيف (16) ، لم يتهاون أو ينسى ولو للحظة هذه الأمانة حتى وهو يعاني سكرات الموت , حيث كانت أخر كلماته " الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(17) ------------------------------ (1) عيون الأثر الجزء الثاني وباتفاق السير النبوية وانظر المستدرك للحاكم 4326 (2) نفس المصدر (3) المائدة 67 (4) الإسراء 73 (5) الرعد 37 (6) الإسراء 34 (7) الحاقة 46 (8) يونس 15 (9) الحجر 9 (10)السيرة لابن هشام ج أول بتصرف (11) البخاري باب فضائل الصحابة (12) التوبة 40 (13) متفق عليه (14) مسند أحمد 27511 (15) تفسير القرطبي لسورة الرعد (16) تفاصيل القصة بمسلم 96 باب من قال لا إله إلا الله (17) مسلم 530 باب النهي عن بناء المساجد على القبور
ثالثا :- العبودية الحقة ---------------- على الرغم من هذه الأعباء الجسام التي تحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده والتي ينوء بحملها أولي القوة والعزم من الرجال ، وعلى الرغم من هذه الصعاب والتحديات التي واجهها وما واجهت أحد بمثل ذلك ، وعلى الرغم من هذه الأعداد الجمة من البشر مابين أجناس مختلفة ومشارب متباينة وطباع متفاوتة ، وما بين بعيد يتجهمه وعدو يترصده وشقي يتربصه , وأذن تسمعه وعين تنظره وقلوب ترقبه ، وعلى الرغم من شغله بالدعوة والرسالة وكفاحه , مابين حروب مع الأعداء ولقاءات مع الوفود , وعرض على القبائل ورسائل إلى الملوك ، وعلى الرغم من معاناته وآلامه , مابين يتم وغربة , وعيلة وزهد , وحصار وقطيعة وإيذاء وسخرية , وهجرة وفرار , وعودة واستقرار , وموت عزيز لديه زوجة أو ولد أو صاحب أو حبيب . وعلى الرغم من شغله الدائم وفكره المستمر وهمه المتواصل , مابين سؤال وجواب وتعليم وتعلم وتهذيب وتربية , وهم يشغله ومصير أمة يؤرقه , ونار رآها فأقضت مضجعه وأكثرت دمعته وأقلت ضحكته ، وعلى الرغم من ذلك كله وغيره مما لاتسعه الأقلام ولا يدركه الإبداع , كان الأمر الإلهي المباشر له صلى الله عليه وسلم (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(1) أي حتى الموت وما بعده (2) ، فلبى الأمين أمر ربه فعبد الله حق العبودية وشكره حق الشكر وذكره حق الذكر . لبى بكل حب ورضاء وبكل شوق وحنين , لذا جعلت قرة عينه وراحته في الصلاة . ولنقرأ بعض أوامر الله سبحانه وتعالى له في هذا الصدد وسيكون في ذلك الغناء عن الإضافة أو المزيد ، قال تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (3)وقال (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (4) وقال (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)(5) وقال (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا "(6)وقال ( إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)(7)وقال(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(8) وقال ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (9) وقال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(10)
وفي بعض الآثار النبوية : ----------------- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ،" فقال أفلا أكون عبدا شكورا "(11) وعنها أيضا أنه إذا دخل العشر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله ، وعند مسلم عن أبى عبد الله حذيفة بن اليمان قال " صليت مع النبي ذات ليلة فافتتح بالبقرة فقلت يركع عند المائة , ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى . فقلت يركع بها ثم افتتح بالنساء , فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها , يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ يتعوذ , ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه كنحو من قيامه , ثم قال سمع الله لمن حمد ربنا لك الحمد فقام قياما طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه " (12) , وعن بن مسعود قال صليت مع النبي ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء هممت أن أجلس أو ادعه " (13) ، وعن أبي إسحاق قال سمعت عاصم بن ضمرة يقول سألنا عليا عن صلاة رسول الله من النهار فقال إنكم لا تطيقون ذلك فقلنا من أطاق ذلك صلى فقال كان إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها عند العصر صلى ركعتين وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها عند الظهر صلى أربعا وبعدها ركعتين وقبل العصر اربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين(14) والأحاديث والأخبار في هذا الباب جد عظيمة , خلاصتها أن يومه كله كان عبادة من صلاة وصيام وشكر وذكر وقيام وصوم وصدقة وزكاة وبر وصلة رحم وتعليم وتعلم فريضة أو نافلة وكل ما أمر به المسلمون كان يؤده وكل مانهاهم عنه كان ينتهه ، وكأن عبادته لم تكن له ولكنها كانت دعاءا ومناشدة لربه , وكان يسمع لصدره وهو يصلي أزيز كأزيز المرجل (15) فعن عبد الله بن عمرو قال " انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله فقام رسول الله يصلي حتى لم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكي ويقول رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم رب ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك فلما أتم الركعتين انجلت الشمس فقام فحمد الله " (16) --------------------------------- (1)الحجر 99 (2) بن تيميه مجموعة الفتاوي ج 8 (3) لإسراء 78 (4) هود 114 (5) الإسراء 79 (6) المزمل 1 وما بعدها (7) المزمل من 20 (8) الحجر 98 (9) طه من الآية 130 (10) الأحزاب 1 (11)صحيح البخاري باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تتورم قدماه وما بعدها ، وقال بن القيم في عدة الصابرين الجزء الأول الشكر هو الغاية من خلق الإنسان وهو الغاية التى خلق الله عبيده لأجلها وذلك استنادا إلى قوله تعالى " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون " النحل (12) صحيح مسلم باب استحباب تطويل القراءة والنسائي ومسند أحمد ، (13) مسلم 773 (14) الشمائل المحمدية للترمذي باب عبادة رسول الله (15) بن خزيمة 900 (16) المصدر السابق 901 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:39 am | |
| الفصل الرابع من الباب الأول ( النبوة ) صلاحيته صلى الله عليه وسلم للرسالة
صلاحيته صلى الله عليه وسلم للرسالة --------------------------------------------- رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البشري الأوحد الذي كان مؤهلا لحمل الرسالة والنبوة الخاتمة , وللتدليل على ذلك نبحث فيمن كان يصلح غيرة لهذه المهمة , ونرى هل نجانب الحقيقية عندما نقرر كمسلمين أنه هو وحده الوحيد الأوحد الأصلح لحمل هذه الرسالة ، وأنه هو وهو فقط الذي بشرت به الكتب السماوية أم لا ؟ ولكن يجب بداية ولكي ننظم طريقة هذا البحث الغير دؤوب أن نحدد سبيلين على هديهما يكون البحث : الأول : أن البحث سيكون فى إطار بعض الشروط العامة التي ذكرناها سلفا ..وهى المكان والزمان واللغة والشريعة ، ومن ثم يدور البحث في هذه الأطر" مكة باعتبارها تمثل شرط المكان وعام البعثة باعتباره يمثل شرط الزمان والمتكلمين بالعربية وعرب مكة لانطباق شرط اللغة عليهم , وبالتالي يستبعد من هم خارج مكة لانتفاءهم لشرط المكان ، ويستبعد غير المتكلمين باللغة العربية وغير العرب وإن كانوا داخل مكة كما يستبعد أهل الكتاب لأنهم كانوا أصحاب ديانة ، بما يخالف الشرط الرابع من معايير الاصطفاء الخاص بالرسالة أوالمنهج أوالشريعة ، لإنهم لما كانوا على دين سماوي وشريعة ومنهاج معلوم ، لزم أن تكون الرسالة الخاتمة غير رسالتهم والمنهج غير منهجهم و الشريعة غير شريعتهم ، ومن ثم فكان من الطبيعي أن يبعث الرسول الخاتم من غيرهم والثاني : أن البحث سيدور أيضا في اطار الشروط والمعايير الخاصة بالنبي الخاتم مثل الاسم والصفة والمنعة والأمية وعدم بقاء ولد له من بعده ، ومن ثم نقر بحقيقة لاحاجة للتدليل عليها هي أنهم جميعا- أي من هم دونه صلى الله عليه وسلم - افتقدوا الشرط الأول والأجل وهو الاسم والصفة ، وإذا أخذنا فى الاعتبار الشرط الخاص بالا يعقب من صلبه ولد فقد افتقدوا هذا الشرط أيضا . كما افتقدوا جميع خصائصه وصفاته التي ذكرنا طرفا منها ما سبق مثل : التحمل بجميع أنواعه والصدق والأمانة والعبودية الحقة . وبالتالي سنطابق الشروط الأخرى ونهتدي بها لنصل معا إلى الحقيقة ، والذين سوف يدور حولهم البحث هم من الأصناف الأتية :- عظماء مكة ، الحنفاء ، الصحابة فعظماء مكة وأشرافها حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله اختاره عليهم , والحنفاء كانوا على الملة السمحاء ملة إبراهيم عليه السلام (1) , ولكنهم لم يكونوا يدينون بدين معين أو منهج وشريعة محددة ، والصحابة هو خير البشر قاطبة بعد رسول الله ، فلما لا يكون واحد من هؤلاء جميعا :
أولا – أشراف مكة وعظمائها :- ---------------------------------- قال الله تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (2) لم يكن رفض مشركي مكة إتباع محمد إلا لأن النبوة لم تنزل على رجل من عظمائهم وأغنيائهم من ناحية . ولأنها نزلت في بني هاشم دونهم من ناحية أخرى ، وهوما عبر عنه أبو جهل فيما أخرجه البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال " إن أول يوم رأيت فيه رسول الله أنى أمشى أنا وأبو جهل فى بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله فقال لأبو جهل " هلم إلى الله ورسوله " فقال له أبو جهل يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا ؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت ؟ قد شهدنا فوالله لو أنى أعلم أن ما تقول حق لأتبعتك " , ثم اقبل علي فقال " والله إنى لأعلم أن مايقوله حق " ولكن يمنعني أن بني قصي قالوا " فينا الحجابة فقلنا نعم , ثم قالوا فينا السقاية فقلنا نعم , ثم قالوا فينا الندرة فقلنا نعم , ثم قالوا فينا اللواء فقلنا نعم , ثم أطعموا فأطعمنا وسقوا فسقينا حتى إذا تحاكت الركب قالوا منا نبي , والله لايكون ذلك "(3) وهو قول يكشف عن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما لقبه بأبو جهل ، وذلك لأنه وضع النبوة فى مصاف السيادة والريادة الدنيوية حتى تصور أنها من صنيع البشر وتنظيمهم , وساير منهجه هذا السادة فى قريش فأخذهم العجب فى بعث محمد دونهم فقالوا فيما قالوا (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فرد الله عليهم (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (4) إذ ليس لهم من الأمر شيء لأنه لا يتعلق بشئون حياتهم الدنيا التى لهم تنظيمها وفق تفاوت القوى والموازين ، فيجعلونها طبقات سادة وأرقاء وأغنياء وفقراء وأقوياء وضعفاء إنما يتعلق الأمر بشأن من شئون السماء وهبة من الله واصطفاء ، وحتى نكون منصفين نجاريهم فى زعمهم ونناقشهم بالحجة ونرى هل توافرت شرائط النبوة فى أحد عظمائهم ؟ وهل كان يصلح أحدهم هذا لحمل أمانة الرسالة وتولي شئونها وقيادة البشرية كلها لأخراجها من الظلمات الى النور ؟
1-أبو مسعود عمر بن عمير الثقفى سيد ثقيف ؟ -------------------------------------------- نسب إلى الوليد بن المغيرة قوله أينزل على محمد وأترك وأن كبير قريش وسيدها ويترك أبو مسعود عمر بن عمير سيد ثقيف . ونحن عظيما القريتين ، أما الأخير فقد ورد عنه أنه عرض على قريش أن ينيبوه إلى رسول الله عله يرده عن دعواه فقال لهم " أي قوم ألست بالوالد ؟ قالوا بلى , قال ألستم بالولد ؟ قالوا بلى قال فهل تتهموني ؟ قالوا لا , قال ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ فلما أبوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا بلى . قال فدعوني آتيه , قالوا فأته فاتاه فقال له أي محمد أرابت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت أحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ ( يقصد أنك بهذا تجتاح قومك وتستأصلهم ولم يفعل ذلك غيرك من العرب ) وإني لا أرى وجوها ولكنى أرى أشوابا من الناس خليق أن يفروك ويدعوك . ( يقصد أن من معه أخلاطا سيفروا منه ويخذلوه إن أشتد الأمر ) . فقال ابو بكر امصص بظر اللات (كلمة تهكم والبظر عضو الأنثى) أنحن نفر منه وندعه ؟ فقال من هذا ؟ قال أبو بكر قال أما لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . ( يقصد فضلا لأبي بكر ) وكان المذكور كلما كلم رسول الله وضع يده على لحية رسول الله فيضربه المغيرة بن شعبه على يده بمؤخرة سيفه ويقول له أخر يدك عن رسول الله . فرفع عروة رأسه وقال من الرجل قالوا المغيرة بن شعبة . فقال أي غُدر ألست أسعى فى غدرتك ؟( وكان المغيرة قد قتل منهم قتيلا فى جاهليته ثم أسلم ) . فقال رسول الله " أما الاسلام فأقبل , وأما المال فلست منه في شيء " فعاد عروة الى قومه وقال لهم أي قوم والله لقد وفدت على الملوك قيصر وكسرى وما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحابُ محمدٍ محمد , إنه إن تنخم نخامة وقعت فى كف رجل فدلك بها وجهه وإذا أمر ابتدروا أمره , وإذا توضأ تقاتلوا على وضوئه , وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده , وما يحدون النظر إليه تعظيما , وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها . (5) وأخرج الطبرانى عن عروة بن الزبير قال"لما أنشأ الناس الحج سنة تسع قدم عروة بن مسعود على رسول الله وسأله أن يرجع الى قومه بالإسلام فقال له رسول الله إنهم قاتلوك فقال له يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم ، لو وجدوني نائما ما أيقظونى,فرجع عروة الى قومه فدعاهم الى الإسلام فقتلوه وأوصى بأن يدفن مع الشهداء"(6) انتهى ما جاء من ذكر عنه ,وبمجرد النظر يتبين لنا سعة أفقه وسلامة قلبه وعقله وعلى الرغم من ذلك فإن عظمته هى التى حالت بينه وبين النبوة , لأن هذه المنزلة لم يكن ينالها عربي إلا إذا كان ثريا شريفا فى قومه ذو نفوذ واسع وسلطة قوية وكلمة مسموعة بينهم وبنين كثير ومال وفير بالإضافة الى سن كبير لاتقل بحال عن الستين . يدل على ذلك كلماته التي قدم بها نفسه لأهل مكة ليقبلوا وفادته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبدو أنه كان يعاني من ضعف في بصره لسؤاله عن محدثه على الرغم من قربه منه كأبي بكر والمغيرة ،وكل هذه موانع تحول بينه وبين النبوة ، ناهيك عن أنه كان مقدر له الموت قبل أن يكتمل الدين وتنتشر الدعوى .
2- الوليد بن المغيرة . ------------------------- كان الوليد بن المغيرة من أشراف قريش وأسنها وأكثرها حكمة وروية ورأي . وقد طلب منه أئمة الكفر أن يقول فى محمد قولا يتفقون عليه ويتحدون خلفه . فكانوا كلما قالوا قولا رده عليهم لعدم اقتناعه به , فقالوا نقول كاهن فقال ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولاسجعه ,قالوا نقول مجنون قال وما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولاتخالجه ولاوسوسته ,فقالوا نقول شاعر قال ما هو بالشعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريظه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر , فقالوا فما نقول قال والله " إن لقوله حلاوة . وإن أصله لعذق . وإن لفرعه جناه " ثم فكر وقدر وأقبل وأدبر فقال "قولوا أنه سحر يؤثر " فأنزل الله تعالى فيه "ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً " إلى قوله " سَأُصْلِيهِ سَقَرَ " (7) (8) وتدل أقواله على أنه ذو بصيرة وحكمة وسعة افق وفهم .وقال عنه ابنه خالد بن الوليد كنت أعلم من أبى رأيا وحلما وفضلا ، وتدل كلمات الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليه من مال وفير وبنين كثير وشرف فى قومه وعز , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطمع فى إسلامه , ويقال أنه هو الذي كان يكلمه عندما جاءه عبد الله بن أم مكتوم فعاتبه فيه ربه , ثم انه كان يعرف للبيت حرمة وكان يكسو الكعبة وحده عاما وتكسوها قريشا عاما أخر وسمي لذلك بالعدل لأنه يعدل قريشا فى إنفاقها , وعندما أعيد بناء الكعبة بعد أن أغرقتها السيول قبل البعثة نادى " يا معشر قريش لاتدخلوا فى بنائها إلا طيب ولاتدخلوا فيه مهر بغي ولا زنا و لا مظلمة ، وحرم كذلك الخمر على نفسه وعلى أبنائه وضرب إبنه هشام على شربها .وعلى الرغم من كل هذا لم يكن يصلح هذا الرجل للنبوة ، لأنه افتقد كل شرائطها فمن الناحية الأخلاقية مثلا كان ذا صلف وغرور ومبذرا يتلف ماله للرياء والمفاخرة ويحب ذلك , فكان ينهي أن توقد نار للحجيج فى منى الا ناره , وكان على إنفاقه وبذخه وحبه للرياء والمفاخرة لايطعم المسكين ولا يحض على ذلك , ويروى انه نزل فيه قول الله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (9) وكان أيضا مرابيا شديد التعامل بالربا ومات وله من الربا على قبائل مكة وأرياضها ديون تحسب بالالاف ، وكان مختالا فرحا فخورا حتى روى انه مات من جراء أسبلة ، أي بسبب سيره فى ثوب يجره فى خيلاء فتعلق بكعبه ريش نبل فمات به ، كما كان ظالما حتى عند موته ، فعندما جمع أولاده وأوصاهم قائلا " دمي فى خزاعة فلا نطلقه , وأردف وإنى لأعلم أنهم منه براء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم " كما أوصى بأن يأخذوا رباه فلا يدعوه ، ومن الناحية العقلية وعلى الرغم مما قدمنا له من سعة أفق وروية وحكمة إلا أنه لم يكن سالم العقل كامله ,فقد غيبته حكمته عن الدخول فى الإسلام واتباع محمد,ولو كان دخل فيه لكان له شأن ولأدرجناه تحت بند الصحابة فى البند الذي سيأتي بعد
3- أمية بن أبي الصلت ---------------------------- أورد الأمام ابن القيم قصته فى هداية الحيارى وانقل عنه ما موجزه " أن أمية كان يلتمس الدين ويطمع فى النبوة وقد أخبره راهب بكنيسة أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات مضت منها خمس وبقيت واحدة , فطمع أن يكون هو وكان الراهب قال له حين رآه انك لمتبوع فمن أين يأتيك رإيك ؟ فقال من شقي الأيسر , فقال له أي الثياب أحب إليه أن تلقاه فيها ؟ فقال السواد , فقال الراهب كدت أن تكون نبي العرب ولست به .هذا خاطر من الجن وليس بملك , وإن نبي العرب صاحب هذا الامر يأتيه الملك من شقه الأيمن وأحب الثياب إليه أن يلقاه فيها البياض . ثم ذكر بن القيم قصة هي أقرب إلى الرؤيا منها إلى الواقع . دون أن يشير إلى أنها رؤيا , وهي إن صحت فإنها تؤكد ما سبق أن قررناه من أن حادثة شق الصدر هي بدورها رؤيا على الحقيقة , ولست أدري كيف لم يشير إلى ذلك ابن القيم وهو من هو في عداد الصفوة من العلماء ولا يعتبر هذه القصة رؤيا أو مناما , باعتبارها على ما سنرى مخالفة لسنة إلهية كونية ، خاصة وأنها لا تمثل آية يمكن الاحتجاج بها أو التعويل عليها ، وليس صاحبها بالذي تناله مثل هذه المعجزة أو هذه الكرامة على أقل تقدير . " فقال أدركه النوم عند أخت له فرأت طائرين انشق سقف بيتها عنهما فنزل أحدهما على صدره ووقف الاخر مكانه , فشق الذي وقع على صدره صدره وأخرج قلبه فسأله الأخر هل وعى؟ قال نعم , فسأله هل قبل ؟ قال لا , فهما أن ينصرفا فنادهما أمية قائلا لبيكما لبيكما ها أنا لديكما لامال لي يغنيني ولا عشيرة تحميني . فعادا وكررا فعلتهما وسؤالهما وكانت نفس الإجابة , فهما أن ينصرفا فناداهما : لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما محفوف بالنعم محوط بالذنب , فعادا وهما أن ينصرفا فقال لهما : لبيكما لبيكما ها أنا لديكما " إن تغفر اللهم تغفر جما ، وأي عبد لك لا ألما " ثم انصرفا وانطبق السقف فأسرعت اليه أخته تسأله عن حاله فقال لها حرارة أجدها فى صدرى . ثم أنشد شعرا فقال . " ليتنى كنت قبل ماقد بدا لى , فى تلال الجبال أرعى الوعولا " " اجعل الموت نصب عينيك و , احذر غولة الدهر إن للدهر غولا الثابت من القصة أن شيطان يتلبس أمية ويوهمه وأن قلبه لم يحتمل أعباء النبوة وتكاليفها رغم أنه وعى وعقل وعلم , وكأن الطائرين ملكين أرادا اختباره فنظرا فى قلبه وتبين لهما فشله , ثم أنه يكذب حيث قرر أول مرة أنه لا مال يغنيه ولا عشيرة تحميه , وكأنه على علم بشروط النبوة , فلم رأى انصرافهما عدل عن أقواله وقال محفوف بالنعم محوط بالذنب . وأكد ذلك فى الأخيرة ، إضافة الى انه يقول الشعر وهى خله غير مطلوبة فى نبي القرآن المنتظر ، ولمكانة هذا الرجل روى مسلم عن عمر بن الشريد قال ردفت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال هل معك من شعر أمية قلت نعم ، قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت، فقال صلى الله عليه وسلم لقد كاد أن يسلم في شعره (10) وفي رواية من حديث بن مهدي قال صلى الله عليه وسلم " لقد كاد يسلم في شعره "(11)
4- أما عتبة بن ربيعة --------------------------------- سأل أمية بن أبي الصلت سفيان بن حرب عن عتبة بن ربيعة " أيجتنب المحارم والمظالم ؟ فقال له إي والله , فسأله أو يصل الرحم ويأمر بصلتها ؟ فقال نعم . أكريم الطرفين وسط العشيرة ؟ فقال نعم , هل تعلم قريش أشرف منه ؟ فقال له لا , فقال أمحوج هو؟ فقال كلا بل ذو مال كثير , فسأله كم أتى له من السنين ؟ قال هو إبن سبعين أو قد قاربها . فقال أمية ازرى به السن والشرف .. (12) قال القرطبي عن مقاتل بن سليمان كان عتبة يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر(13) وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال اجتمعت قريش يوما فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة (14) فأتاه فقال يا محمد أنت خير أم عبد الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفرغت " قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب حتى بلغ فإن اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فقال له عتبة حسبك حسبك ما هذا فرجع عتبة إلى قريش فقالوا ما وراءك فقال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه إلا قد كلمته قالوا فهل أجابك قال نعم لا والذي نصبها بنبيه ما فهمت شيئا مما أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قالوا ويلك يكلمك رجل بالعربية ولا تدري ما قال قال لا والله ما فهمت شيئا مما ذكر الصاعقة (15) وتلمح من قصة هذا الرجل أنه على الرغم من أنه كان يصل الرحم ويأمر بها ويجتنب المحارم والمظالم وكريم ووسط في قومه إلا أن سنه وشرفه منعاه من النبوة ، وهذا هو قول أمية أزرى به السن والشرف ، بالإضافة إلى عدم سلامة عقله لضلاله عن الحق والحقيقة وبقائه على الشرك وعبادة الأوثان ، بمعنى أنه لو كان سليم العقل والفؤاد لكان الأولى به أن يرشده عقله ويحثه فؤاده على دخول الإسلام ، أما وإذ لم يفعل فقد دل ذلك على حمقه وضعف بصيرته ، إضافة إلى علمه وحنكته وخبرته بالشعر والكهانة والسحر , وكلها خلال لا ينبغي تواجدها بالنبي الخاتم فضلا عن سائر الأنبياء --------------------------------------- (1) نقل الطبري عن أبو جعفر قوله " الحنيف عندي هو الاستقامة على دين إبراهيم واتباعه على ملته وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله- عن إبراهيم عليه السلام – (ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين)ولو كانت هي الختان لوجب أن يكون اليهود حنفاء وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ) فقد صح إذا أن الحنيفية ليست الختان وحده ولا حج البيت وحده ولكنه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملة إبراهيم واتباعه عليها والائتمام به فيها ، فسمي الحنيف من الناس حنيفا باتباعه ملته واستقامته على هديه ومنهاجه وسمي الضال عن ملته بسائر أسماء الملل فقيل زفر ونصراني ومجوسي وغير ذلك من صنوف الملل ، أ هـ بتصرف ج 1 /465 (2) الزخرف 31 (3) حياة الصحابة للكاندهلوي ومصنف بن أبي شيبة 35829 (4) الزخرف 32 (5) صحيح البخاري باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 2581 (6) قال الهيثمي رواه الطبراني وروى عن الزهري نحوه وكلاهما مرسل وإسنادهما حسن (7) المدثر 11 وما بعدها (8) سيرة بن هشام (9) اقرأ 5 , 6 (10) مسلم 2255 (11) مسلم 2255 (12) هداية الحيارى ابن القيم قصة عتبة (13) تفسير القرطبي جزء 12 (14) بن كثير ج4 تفسير فصلت وقال رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده 1818 عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده و البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح (15) قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 3002 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:40 am | |
| الحنفاء ---------------- الحنفاء هم طائفة من الناس علموا من الكتب السماوية باطلاعهم وترحالهم بديــن إبراهيم عليه السلام فدانوا بهذا الدين وآمنوا به وفضلوه على الأديان الأخرى ، ومن هؤلاء الحنفاء أربعة ذكرهم بن هشام فى سيرته واشتهروا بين كتاب السيرة وهم ورقة بن نوفل ، عبيد الله بن جحش ، عثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نوفيل ، وكانوا قد اجتمعوا فى عيد لقريش وخلصوا نجيا وتعاهدوا على كتمان أمرهم وقال بعضهم لبعض " تعلمون والله أن قومكم ليسوا على شيء ولقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع . يا قوم التمسوا لأنفسكم " فتفرقوا فى البلدان يلتمسون الحنفية دين إبراهيم عليه السلام . 1- أما ورقة بن نوفل فاستحكم فى النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما من أهل الكتاب فصار إذن من أهل الكتاب وعلى دين النصرانية فضلا عن سنه الطاعن فى زمن البعثة النبوية . ويخرج من ثم عن دائرة بحثنا ، 2- أما عبيد الله بن جحش فأقام على ما عليه من الالتباس حتى أسلم وهاجر مع زوجته أم حبيبة بنت إبى سفيان وأم المؤمنين بعده مسلما ثم تنصر بالحبشة وطلق زوجته وهلك هناك نصرانيا . فلم يكن إذن ليصلح للنبوة لاضطراب عقيدته وضعف إيمانه وتقلب قلبه وعدم ثباته على الحق ومرض عقله الذي أورده التهلكة بردته . 3- وعثمان بن الحويرث قدم على قيصر روما وتنصر هو الأخر ولم يدخل الإسلام ومات نصرانيا مما يصير حاله كحال سابقه 4- ولم يبقى إلا زيد بن عمرو بن نوفيل الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث أمة وحده (1) , قال بن اسحاق " أما زيد فوقف ولم يدخل فى يهودية أو نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميته والدم والذبائح لغير الله ونهى عن قتل المؤودة وقال أعبد دين إبراهيم وبادى قومه بعيب ماهم عليه " إلا أنه على الرغم من ذلك يفتقد كثيرا من شروط الصلاحية ومنها إطلاعه على الكتب السماوية وقراءتها , وعلمه الذي يتنافى مع الأمية , بالإضافة الى سنه الطاعن واستيفاءه الأجل قبل البعثة , كما لم يعرف له منعة أو عشيرة تحميه ---------------------------------- (1) قال ذلك القرطبي في تفسيره الجزء الثاني وبرر ذلك لأنه لم يشرك في دينه بالله الصحابة ------------------------ الصحابة هو مصطلح يطلق على الجيل الأول الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه وتعلم منه , وهم جماعة فاضلة لها مكانتها التي ما يتنبغى أن تكون لغيرهم ويليهم فى ذات المكانة بقليل من تفاوت التابعين لهم بإحسان بشرط التبيعية والاقتداء بهم مصداقا لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (1) وقد دلت الآيات والأحاديث الكثيرة علي هذه القدسية وهذه المكانة وحسبهم أنهم اختيار الله تعالى لصحبة نبيه , فقال عليه الصلاة والسلام " إن الله اختارني واختار لى أصحابي فجعل منهم وزراء وأختانا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "(2) ومن أقوال الأئمة والعلماء بشأنهم قول الأمام الحافظ بن حجر العسقلانى فى شرح نخبة الفكر " الصحابة كلهم عدول ، والعدل ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة " ، وقال بن عابدين فى شرح الفتاوى الصغيرة " العدل هو من يجتنب الكبائر كلها حتى ولو ارتكب كبيرة تسقط عنه العدل " يقصد أنهم الموصفون باجتناب الكبائر حتى ولو وقع أحدهم فى كبيرة ، وقال الأمام بن الصلاح فى علوم الحديث " للصحابة بأسرهم خصيصة وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم فذلك أمر مفرغ منه لكونهم على الإطلاق عدول بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة . وقال الحافظ بن عبد بر فى مقدمة الاستيعاب هم خير القرون وخير الأمم , الأمة الهداة والعباقرة التقاة نور الظُلم وأسطاع الحكم " وقال الأمام أحمد فى رواية له نقلها الأصطخرى ." لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من إساءتهم ولا أن يطعن على أحد منهم بعيب او بنقص ومن فعل ذلك وجب تأديبه " وقال النووى " الصحابة كلهم عدول من لابس الفتنة او لا " . (أ هـ ) (3) وعلى الرغم من كل ذلك وغيره فهل كان يصلح أحد منهم للنبوة ؟ سنرى وسنكتفي هنا بالأربعة الاول بوصفهم الخلفاء الراشدون من بعده صلى الله عليه وسلم الذين تولوا قيادة الإسلام ورفع رايته وهم : ابو بكر الصديق , الفاروق عمر بن الخطاب , ذو النورين عثمان بن عفان , الأمام علي بن ابى طالب . -------------------------------- (1) التوبة 100 (2) الترمذي وغيره (3) مقام الصحابة وعلم التاريخ للعالم الهندي محمد شفيع ترجمة د/ سمير عبد الحميد 1- عمر بن الخطاب : -------------------------------------- كلنا يعرف لعمر بن الخطاب قدره , ويعد إسلامه فتحا لايقل فى عظمته عن فتح مكة يقول عبد الله بن مسعود " مازلنا أعزة منذ أن أسلم عمر , كان إسلامه فتحا . وكانت هجرته نصرا , وكانت إمارته رحمة , لقد رأيت ما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر " وهو أمنية ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسمى من قبله بالفاروق ، ولن يكون الحديث عنه رضى الله عنه قبل الإسلام حيث عرف بتعصبه لدين قومه وعبادته لأصنامهم ، كما كان معروفا بشدته وفظاظة قلبه ومعاقرته الخمر ووئده بناته ولكنى سأتخير موقفا له بعد الإسلام وهو على بساطته إلا أنه يؤدي للمطلوب . زيد بن سعنة حبر يهودى جاء في قصة إسلامه قوله " ما من علامة من علامات النبوة إلا وقد عرفتها فى وجه محمد بن عبد الله إلا اثنتين لم اخبر بهما . وهما أن يسبق حلمه غضبه ولا تزيده شدة الجهل عليه الا حلما " , فجاء زيد رسول الله وأخبره أن سنة وجدبا أصابت نفرا من قريته اسلموا حديثا ويخشى ردتهم من جراء هذه الردة وطلب منه أن يرسل معه شيء يغيثهم به , فباعه رسول الله على أجل وقال له إعدل عليهم وأغثهم , فلما كان محل الأجل بيومين أو ثلاث خرج رسول الله في بعض من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب فأتاه زيد بن سعنه وأخذ بمجامع قيمصه وردائه ونظر إليه بوجه غليظ وقال له " يا محمد آلا تقضيني حقي ؟ فوالله ما علمتم بنى عبد المطلب إلا مطلا , ولقد كان لى بمخالطتكم علم " ، ويقول زيد " ونظرت إلى عمر فإذا عيناه تدور فى رأسه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره وقال لى " ويحك يا عدو الله أتقول لرسول الله ما اسمع وتصنع به ما أرى والله لولا ما أخشى فوته لضربت عنقك "ورسول الله – والكلام لم يزل لزيد – ينظر إليه فى سكون وتؤده فقال " يا عمر أنا وهو كنا أحوج الى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن الطلب اذهب فأعطه حقه وزده عشرون صاعا مكان ما رعته ." (1) والأمر الذي لاشك فيه أن موقف عمر كصحابي يحسب له فى مواقف العظمة عنده ولكنه لم يكن ليحسب له لو كان نبيا , لأن الحبر اليهودي وضع النبوة الخاتمة فى مجال الاختبار بما عنده من علم وبشارة ولو لم يكن محمد بن عبد الله هو هذا النبي لفشل عمر لو كان هو النبي , وشبيه ذلك موقفه ساعة أن فتح رسول الله مكة فتمنى الانتقام من أهلها وقال الآن أمكن الله منهم لأرينهم ما صنعوا(2) 2- عثمان بن عفان ------------------------------ ذو النورين الحيي أكرم الحفدة وأوصل البررة وأصبر الغزاة , الهجاد بالاسحار صاحب الجيش والبئر. هل كان يصلح رضى الله عنه للنبوة ؟, لا لم يكن يصلح لها . ولن أتعرض له قبل الإسلام أيضا, ولا للأخطاء التي نسبها اليه الثوار بعد توليه الخلافة وقتل بسببها , ولكن لننظر بعين الحق والحياد فى ما نسب إليه بالإجماع وبلا خلاف من واحد فراره يوم أحد . أخرج البخارى من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب قال " جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال أيكم الشيخ ، قالوا عبد الله بن عمر ، قال يابن عمر إنى سائلك عن شيء فحدثني عنه ، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال نعم قال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد ؟ قال اللهم نعم ، قال تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ؟ قال اللهم نعم ، فقال الرجل الله أكبر , قال بن عمر تعالى أبين لك . أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه وغفر له , وأما تغيبه يوم بدر فإنه كان تحت بنت رسول الله وكانت مريضة فقال له رسول الله إن لك أجر ممن شهد بدرا وسهما – وماتت رضي الله عنها فى مرضها هذا – وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه . فبعث رسول الله عثمان الى مكة , ثم مد يده اليمنى صلى الله عليه وسلم فضرب بها على يده اليسرى وقال هذه لعثمان ثم قال بن عمر للرجل اذهب بها الان معك "(3) والشاهد فراره يوم أحد وليس الأمر في حاجة إلى المقارنة بين موقف النبي يوم أحد وموقف عثمان بن عفان ذات اليوم ، وقال بن حزم الأندلسي في جوامع السيرة النبوية : " وانهزم – ربما يقصد فر – قوم من المسلمين فبلغ بعضهم إلى الجلعب دون الأعوص – مكانين قرب أحد – منهم عثمان بن عفان ، وعثمان بن عبيد الأنصاري ، غفر الله عز وجل ذلك لهم ونزل القرآن بالعفو عنهم في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (4) 3-علي بن أبى طالب . ---------------------------- ما اختلفت الأمة على صحابي مثلما اختلفت على علي رضى الله عنه وكرم وجـهـه ووجه كل الصحابة الذين اكتحلت أعينهم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه , وكان هو تنبأ بذلك فقال " ليحبني أقوام حتى يدخلوا النار في وسيبغضني أقوام حتى يدخلوا النار في" وقال "يهلك في رجلان مفرط بما ليس في ومبغض يحمله شنآنى على أن يبهتني بما ليس في" (5) (6) ولاشك أن مرد ذلك لكونه من آل اليت , ولملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمه منه ولأنه أول من أسلم , ولما اتصف به من الشجاعة والقوة والتورع عن البغي والورع والزهد والحلم والصفح والعدل وغير ذلك من صفات جليلة , إضافة الى علمه الجم وبلاغته وفصاحته , وأيضا وأهم من ذلك كله كثرة أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن مدى حبه له حتى أورد بن حجر فى صواعقه أربعين حديثا فى وصفه , مثل قوله عليه الصلاة والسلام " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(7)" وقوله " من كنت مولاه فعلى مولاه " (8) فرفعته قلة إلى مرتبة الإلوهيه وهم السبأيين واعتبرته قلة من المارقين وهم الخوارج والذي يهمنا عنه هو مدى صلاحيته رضي الله عنه للنبوة من عدمه , وهو بداية لا يصلح لفقده أهم شرط من شرائطها الخاصة بالنبي الخاتم , ألا وهو السن , إذ كانت سنه وقت نزول الوحي العاشرة يقل عنها قليلا أو يزيد .. وقد علمنا فيما سبق أن كل شيء خلقه الله إنما خلقه وأنزله بقدر وبحكمة تناسب الزمان والمكان وتحقق مصلحة البشرية كلها خاصة فى المجال الذي نحن بصدده , وقلنا أن السن التي يبعث فيها الأنبياء غالبا هي الأربعين ووصف الله سبحانه وتعالى هذه السن بسن الأشد أي سن القوة والأهلية , حتى ولو كان هناك استثناءا – على الفرض بنبوة يحي أو عيسى صغارا عن هذه السن - ومن ثم يصير القول الذي قال به بعض فدام الشيعة وأغبيائها بخطأ جبريل في النزول بالرسالة حيث كان المقصود بها عليا قول واضح فيه الحمق والفساد غني عن الرد عليه ولو مؤقتا (9) ، هذا ومن ناحية أخرى فقد دلت مواقف التاريخ على عدم صلاحيته رضى الله عنه لها , وسأبتعد أيضا عن مواقف التاريخ الشائكة التي أعقبت موت عثمان بن عفان وسأتخير موقفين بسيطين أيضا يقربان المعنى ويدلان على المقصود . الأول فى حادثة الإفك الغراء كان صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة فكان مما سجله التاريخ لعلي قوله فى الفاظ وروايات مختلفة ذات مدلول واحد " النساء غيرها كثير " بما يفهم منه إمكان تطليقها رضي الله عنها أو البناء بغيرها حسما للشك الذي يعتمل فى قلب رسول الله صلى اله عليه وسلم . ولعل هذه المقولة أحد أسباب الفتنة التي اُبتلى بها المسلمين والتي كانت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أحد أطرافها فى مواجهة على بن أبى طالب رضى الله عنه .(10) , فلو كان علىًّ هو النبي حالئذ لطلق زوجته من فوره بالبناء على الشك ، وسيكون حينئذ الموقف فى غاية السوء بالنسبة له بعد نزول براءتها من فوق السماوات السبع , إذ سيكون حينئذ اقترف ظلما يترك أيما أثر على المسلمين والمشركين على حد سواء وسيجد الأعداء مدخلا للنيل من الإسلام ونبيه الثاني أخرجه الحاكم فى المستدرك عن عبد الله بن عكرمة قال ما موجزه أنه لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام وعبد الله بن أبى ربيعة على أم هانئ بنت أبى طالب شقيقة على رضى الله عنهما , واستجارا بها وكانا على شركهما ولم يسلما فخافا انتقام رسول الله منهما فأجارتهما , فدخل عليهما عليا وأراد أن يقتلهما فتفلتت أم هانئ عليهما واعتنقتهما ، وقالت له " تصنع بي هكذا من دون الناس فلتبدأ بي قبلهما " فنهرها وقال أتجيرين مشركين ؟ وخرج فأتت رسول الله وروت له ما كان فقال لها رسول الله " ماكان له ذلك قد أجرنا من أجرتى وأمنا من أمنت "، ثم يقول الحارث بعد ذلك جعلت استحي أن يراني رسول الله وأذكر رؤيته اياي في كل موضع مع المشركين واذكر بره ورحمته بى فجئته وشهدت بالحق وأسلمت .أولو كان على هو النبي لأجارهما وغيرهما كما فعل رسول الله وكان ذلك سببا في إسلامهما كلا ما يصنعها ولا يفعلها إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام ------------------------------------------- (1) تفاصيل الرواية عند بن حبان 288 وذكرها صاحب المستدرك تحت عنوان اسلام زيد بن سعنه 6547 (2) الطبقات الكبرى لابن (3) صحيح البخاري 3495 (4) آل عمران:155 (5) عبقرية الإمام للعقاد (6) مسلم 2404 باب فضائل علي (7) قال الحاكم في المستدرك صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حديث حسن صحيح (8) ذكر بن حيان هذا الحديث بالتفصيل تحت عنوان ذكر صلى الله عليه وسلم بالولاية لمن ولي عليا والمعادة لمن عاداه 693 (9) أقصد بذلك الإشارة إلى الجزء الثالث الذي سوف يصدر من هذا البحث متضمنا فيما سوف يتضمنه الرد على منكري النبوات والمعجزات عامة ونبوة محمد ومعجزاته خاصة . (10) إشارة إلى موقعة الجمل | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:41 am | |
| المقارنة : ----------------- ولعل قائل يقول لعل موقف الصحابي سيختلف عند كونه نبيا عنه إذا كان صحابيا وأقول كلا. فالصفات الذاتية لا ترتبط بالحدث فتتغير بتغيره وإن تأثرت به . وإلا عد ذلك تميعا فى الشخصية وتذبذبا ودربا من دروب النفاق المقيت ، وهو مالم يتصف به هؤلاء الصحابة الأجلاء فى أي مرحلة من مراحل حياتهم إن لم يكن قبل الإسلام فبعده ، فالأحداث والمواقف لم تصنعهم ولم تحدد مسلكهم . إنما المبادىء والقيم المتوطنة فى وجدانهم هى التى صنعتهم وهى التى أهلتهم لصحبة نبيه والتعلم منه والتأسى به وحمل لواء الدعوة من بعده , ومن ثم طوعوا الأحداث وفق شخصيتهم , لأن تصرفات كلا منهم نبعت من ذاته ومن محتوى ضميره وخلجات قلبه وما كانت لتتغير بتغير الزمن أو المكان أو الأحداث أو المنصب ، يقول بن مسعود في بعض كلمة مأثورة عنه "ونظر الله الى أصحابه فوجدهم أطهر القلوب فاختارهم لصحبة نبيه "فعمر هو عمر ، أول إسلامه كأخره ، لم يتورع ولم يتردد عندما قال رسول الله صلى الله علي وسلم وهو فى سكرات موته " هلم كتابا لا تضلون به بعدى " أن يقول حسبنا كتاب الله " (1) ، وعندما كان يصارع المرض من ضربة قاتله لم يزد على أن قال " لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به اليوم من هول المطلع (2) وأبو بكر خير متبع لرسول الله لم يفرط فى تبعيته عقيب موته صلى الله عليه وسلم إلى أن مات ، وقال "والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه " (3) وهذا هو المستوى الذي سما به رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصاف البشر جميعا وأخصهم الصحابة , وهذا هو المستوى الذي سموا هم به على غيرهم من البشر دون الأنبياء , فتشرفوا بصحبته صلى الله عليه وسلم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فقضوا نحبهم وما بدلوا تبديلا ، وندرك عندئذ الفارق الأدق بين محمد وصحابته , فهو كان جدير بالنبوة لأن صفاته وأخلاقه هي التي أهلته لذلك ، وهم كانوا جديرين بالصحبة لأن صفاتهم وأخلاقهم هي التي أهلتهم لذلك ، هو كان جديرا بتلقي الوحي من الله تعالى ، وهم كانوا جديرين بتلقي القرآن وتعاليم السماء منه صلى الله عليه وسلم ، هو كان جديرا بالصلة المباشرة بالله تعالى ، وهم كانوا جديرين بالصلة به صلى الله عليه وسلم ، وبهذا المعيار الأدق تكون التفرقة بينه صلى الله عليه وسلم وبين من هو دونه من البشر حتى وإن كانوا خير البشر سوى الأنبياء فلقد كان رسول الله مفطورا على الأخلاق الكريمة الكاملة المتكاملة منذ نعومة أظافره وباكورة عمره , وظل على ذلك حتى شب وبلغ أشده إلى أن أكرمه الله واصطفاه بالنبوة , فزانته النبوة وزانها وأكرمته وأكرمها وصانته وصانها , بينما بلغ الصحابة الكرام ما بلغوا بتعاليم الإسلام وبتعاليم نبي الإسلام وبنور القرآن ونور سنة الموحى إليه بالقرآن ، كان أكثرهم في ضلالة الكفر منغمس ولم يكن محمد كذلك , فساهم بذلك في هدايتهم إلى الإسلام والإيمان فصاروا هداة مهدين .. وكانوا في ظلمات الشرك تائهون ولم يكن محمد كذلك فأخرجهم من الظلام إلى النور فصاروا نجوما وقمرا منيرا ..وكانوا للأصنام يعبدون ولم يكن محمد كذلك فدلهم إلى المعبود الحق فعبدوه فصاروا خير من عبدوا وخير من اتقوا .. وكانوا في الجهل والجاهلية أمة ولم يكن محمد كذلك فعلمهم وزكاهم فصاروا علماء الإسلام وحماته وسدنته . وكانوا أقواما وقبائل وفرقا شتى لا تجمعهم حضارة ولا تميزهم قيم ولا يسوسهم قائد ، حال كان محمد بن عبد الله نسيجا منفردا وفردا متميزا وفكرا ساميا وقلبا سالما وعقلا منيرا , فجمعهم ووحد كلمتهم وآخى بينهم وبدد عصبيتهم وآلان قلوبهم ونقى عقولهم وأكثرهم من قلة وأغناهم من عيلة ورفعهم من سفول وأعلى من شأنهم بين الأمم فحكموا العالم وقادوا الدنيا ودانت لهم الأرض .. ولولاه ما تحقق لهم ذلك ولظلوا في مجاهل التاريخ وغياهبه , دينهم اللات والعزى ومناة وهبل ومعبودهم الحجر والصنم وشريعتهم الغاب , وحاضرهم البدوي هو ماضيهم ومستقبلهم ، فلم يكن من الملائم إذن عقد ثمة مقارنة بين موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبين موقف لأحد صحابته دون النظر إلى اختلاف صفة وشخص كلا منهما , كمن يقارن بين تصرفه صلى الله عليه وسلم في هجرته عندما هاجر سرا وتصرف عمر عندما هاجر جهرا بالصورة المعلومة لدى الجميع . والمقارنة بين هذين الموقفين أو المبدأ في حد ذاته ليس عيبا أو جهلا , شريطة أن تعتمد على أسس موضوعية وشخصية متكاملة غير مجزئة , بما يعنى أننا إذا أردنا أن نقارن بين موقف لنبي وموقف لصحابي مشابه له أو موقفين متشابهين لنبيين أو لصحابيين , فلا يصح أن نقارن بين هذين الموقفين كحدثين منفصلين عن شخصية صاحب كل موقف منهما , ولكن نربط بين الشخصية والحدث ارتباطا لا يقبل التجزئة ولا يقبل الانفصال , مع مراعاة عوامل الزمان والمكان والظروف التى أحاطت بالموقف محل المقارنة , مثلما فاضل بن القيم بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما فقال" التفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص ؛ لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة , وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدّت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وذلك اختصاص لم يشركها فيه لغير أخواتها وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء العالمين أو الأمة ، وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل ، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يُفصِّل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق ،وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضِّله تكلم بالجهل والظلم (4) ومن ثم فإن المقارنة بين الطريقة التي هاجر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك التي هاجر بها عمر بن الخطاب ينبغي معها الأخذ في الأعتبار هذا التفصيل وهذه العوامل وأهمهــا شخصية كلا منهما ، وإذ علمنا في بعض ما قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ طفولته شخصية سوية خلقة وخلقا وعقلا وفؤادا , اجتمعت فيها كل خصال الخير كاملة غير منقوصة وانتفت عنها كل خصال الشر كاملة غير منقوصة وعلمنا أيضا فيما قدمنا أن الصحابة بما فيهم الأقطاب ومنهم عمر بن الخطاب تعلموا في هذه المدرسة المحمدية كل شيء وكأنهم كانوا لا يعرفون أي شيء فأن ذلك يكفي ويقدم بذاته دليلا على عدم جواز المقارنة البته ، ولست بهذه المداخلة أعني الإجابة عن أوجه الاختلاف بين هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم و هجرة عمر رضي الله عنه بقدر مايعنيني المقام الكشف بهذه المقارنة عن مدى القصور في الفهم الذي نتاول به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ الإجابة انسياق مع هؤلاء الذين اجتهدوا لإثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أقل شجاعة من عمر بن الخطاب عندما هاجر الأخير جهرا , وهو اجتهاد غير محمود يكشف عن مدى البساطة التي لم نزل نتعامل بها مع خير خلق الله تعالى على الإطلاق فلم نوفيها حقها ولم نرفع بعد من قدرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نعرفه أو بما يجب أن نعرفه عنه أشجع وأعدل وأصوب من عمر بن الخطاب بما عرفناه ووعيناه عن عمر جيدا ، وهو كذلك أذكى من سلمان الفارسي عندما أشار عليه بحفر الخندق(5) ومن الحباب بن المنذر عندما أشار عليه بالنزول قرب ماء بدر (6) وبالمثل جميع الصحابة وفي جميع المواقف . لذلك فإن القول بأن عمر بن الخطاب كان من آحاد الناس لذا هاجر جهرا . وكان رسول الله نبي ورسول وأمة في ذاته لذا هاجر سرا حفاظا على حياته من أجل النبوة قول صحيح ولكنه يدل على عدم دقة ، إذ لو كان الأمر كذلك لما اشترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي غزوة من غزواته , ولما قادها بنفسه خاصة قبل نزول الوحي بالعصمة , لكونه كان معرضا في هذا الوقت للقتل وهو المستهدف والمراد في كل المعارك التي خاضها المشركون واليهود ضده ، ولكن الأمر أجل من ذلك وأعظم ، فسنة الله تعالى في كونه هي الأخذ بالأسباب . حتى إذا عجزت هذه الأسباب تدخلت الإرادة الإلهية لإتمام أمره ومراده الذي يجب حتما أن يكون , لذا عمي المشركون عن رؤيته صلى الله عليه وسلم خارجا من داره تاركا علي خلفه على فراشه , وعموا عنه أيضا و معه صديقه داخل الغار , وساخت قدم فرس سراقة داخل الرمال , فكانت هجرته صلى الله عليه وسلم سرا من هذا المنطلق منطلق الأخذ بالأسباب تنفيذا لأمر الله تعالى ووحيه له بذلك ، ولست أدري لماذا اعتبر عمر رضي الله عنه شجاعا وهو فعلا كذلك عندما هاجر على هذا النحو خاصة وأن أحدا لم يضطره الى ذلك ؟ ولما لا يكون ذلك تهورا واندفاعا أو توظيفا غير محمود العواقب للشجاعة ؟ وماذا لو كانت تكالبت عليه جنود الشر خلف الوادي الذي طلب أن يلقاه خلفه من أراد أن تثكله أمه ؟ لما عرف عمر ولما ذكر في التاريخ كأعظم الصحابة وأجلهم , وهو إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالهجرة سرا كسائر من هاجروا خاصة وأن في ذلك حفاظا على سرية الهجرة تحقيقا لأهدافها المرجوة , فخالف أمره وهاجر جهرا وهذا محال قطعا , وإما أنه اختار وحده الهجرة بهذه الطريقة فهذا اختياره دون سائر الصحابة, ومنهم من هو مثله في القوة والشجاعة والمنعة والبأس إن لم يكن أشد كحمزة بن عبد المطلب , بل إني اعتبر صهيب الرومي(7) وأبو سلمة الأسدي(8) لا يقلان عنه شجاعة وقوة وإقداما حين ضحيا بأموالهما وأولادهما وأزواجهما في سبيل الهجرة ---------------------------------- (1) الرواية كما جاءت في صحيح مسلم 1637 عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال ثم لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا قال عبيد الله فكان بن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (2) بن حبان 6905 (3) صحيح مسلم 20 (4) بدائع الفوائد " ( 3 / 682 ، 68) (5) القصة بتفسير القرطبي لسورة الأحزاب آية 8 (6) القصة بتفسير القرطبي لسورة الأنفال آية 11 (7) انظر قصته في مسند بن حبان 7082 (8) هو أول من هاجر انظر فتح الباري 3685
4- أبو بكر الصديق ------------------------- فلم يبقى إذن إلا هو رضى الله عنه وقد أرجئتة إلى أخر لأني لم أجد فى جعبتي ما يحول بينه وبين النبوة إلا أمور سلختها عنوة وتحاملا من سيرته وقد بلغ من كماله رضي الله عنه أن ابن الدغنة سيد قومه لما رد إليه جواره بمكة وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث فتواردا فيهما على نعت واحد من غير أن يتواطأ على ذلك " خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهوسيد القارة فقال له أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فإريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي فقال ابن الدغنة مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع "(3)وهذه الأمور هي : التعليم :- كان أبو بكر متعلما وهو واحد من السبعة عشر الذين عرفت بهم قريش تعلموا ودرسوا وأحسنوا القراءة والكتابة وإن كان التعليم تميزا يرفع من قدر صاحبه إلا انه بالنسبة للنبوة أكبر موانعها .. فالأمية هي الشرط الأهم الذي حاج الله تعالى به كفار قريش ومشريكها ودمغهم بهذه الحجة , فكان من العجب العجاب أن يأتهم رجل أمي بمثل ما أتى . الحدة :- عرف أبو بكر بأنه عصبي المزاج وقد ضربت بعض الأقاويل فى هذا الصدد من قبل . وقد ندم رضي الله عنه عندما غالبته حدته فى قذف الفجاءة بن إياس بن عبد ياليل في النار جزاء ما قدمت يداه من ردته وترويع المسلمين (1) لأن القتل بالنار عقاب بغيض عند العرب عامة والصحابة بصفة خاصة . لذا غضب الصحابة على علي بن أبى طالب عندما أحرق أو هم بإحراق عبد الله بن سبأ (2) ، وضربت مثلا عندما غالبت الحدة صبره رضي الله عنه وأرضاه حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان ذلك عليه عندما وقع فيه رجل فاذاه فصمت عنه حتى الثالثة فانتصر منه . وقال ربيعة الاسلمي جرى بيني وبين أبو بكر كلام فقال لى كلمة كرهتها وندم "(3) وخبر أبو بكر مع فنحاص اليهودي معروف وفيه " دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له أشيع فقال أبو بكر لفنحاص ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، فقال فنحاص لأبي بكر والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير ومـا نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا ، كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا . فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا ، وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك ، أي عدو الله ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما ، إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال وضربت وجهه ، فنزل قوله تعالى "(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (4) ، (5) والحدة على هذا النحو زادت أو قلت مانع عظيم الشأن بالنسبة للنبي الخاتم . الخلقة : كان رضي الله عنه دقيق البنية ضعيف اللحم صغير التركيب وكان ناتئ الجبهة غائر العينين معروق الوجه نحيفا دقيق الساقين وقيل أنه كان أجنأ – أي منحني القامة – (6) وهى عيوب شكلية بالنسبة للنبي الخاتم المبعوث الى الناس كافة .بما كان سيكون معه مثارا للسخرية واستهزاء المشركين به . والسلامة الشكلية أو الاعتدال الشكلي عامل مهم وشرط أساسي تحاشيا للسخرية بالنبى والاستهزاء به . لذا سخر بعض الصحابة من عبد الله بن مسعود عندما رأوا دقة قدمه فقال لهم رسول الله " إنه أثقل عند الله من جبل أحد " (7) .
------------------------------------------ (1) مصنف عبد الرازق باب من هاجر إلى الحبشة 9743 (2) عبقرية الصديق للعقاد (3) مختلف الحديث لابن قتيبة ج أول ص73 (4) العبقرية للعقاد (5) آل عمران 186 (6) انظر تفسير الطبري للآية الجزء الرابع (7) عبقرية الصديق للعقاد (8) تفسير ابن كثير ج2 مناقب عبد الله بن مسعود | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:41 am | |
| الباب الثاني الأخلاق
الفصل الأول استقلالية رسول الله
القارئ للسيرة النبوية بقليل من الدقة والتأمل سيجد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالية في رؤيته للأمور وفي قراراته التي يتخذها وفي أقواله وفي أفعاله ، وهي استقلالية يتميز بها ويختلف عن غيره من البشر سواء أولئك الذين عاصروه أو ممن جاءوا بعدهم أو من كانوا قبلهم أيضا ، فأما الذين عاصروه فهم الصحابة وهم خير البشر وأفضل خلق الله بعد الأنبياء باتفاق جميع العلماء وعلى ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ودلت عليه الوقائع والحقائق ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عمران بن حصين " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " (1) . ويقول بن القيم " صار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله سوى الأنبياء وصار أفضل الناس من بعدهم من اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم إلى يوم القيامة من العرب والعجم " (2) وأما الذين كانوا قبلهم فأقصد بهم أولئك الذين اتبعوا أنبيائهم وآمنوا بربهم ، إلا أن هؤلاء لم يكونوا لأنبيائهم ولدينهم كما كان الصحابة لله ولرسوله ، لذا كان الصحابة أفضل منهم ، ويستثنى بطبيعة الحال من البشر محل كلامنا أهل الكفر والضلال في جميع العصور والدهور سواء من عندهم كتاب سماوي أو من لا يدينون بدين مطلقا أو غيرهم . وسواء قبل الإسلام أو بعده " لأن دين الإسلام هو الناسخ ، وهو كالصلاة إلى الكعبة الناسخة للصلاة إلى بيت المقدس فمن تمسك بالمنسوخ فليس على دين الأنبياء . لهذا كفرت اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع منسوخ . والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله ومحمد الخاتم . لذا على جميع الخلق اتباعه "(3) ومن ثم ينفرد صلى الله عليه وسلم بهذه الاستقلالية الفذة دون البشر جميعا أولهم وآخرهم .. وهي استقلالية متميزة لا تنم عن شخصية ديكتاتورية ترى فى رأيها الصواب وإن اتخذت الشورى مبدأ لها ، ولا عن شخصية أنانية تعتز برأيها وتعشقـه . إنما مردها انفراده صلى الله عليه وسلم فى الخلق والاستواء الفطري والعقلي والقلبي ، لذا كان ما يراه لم يكن يراه غيره ، وما كان يقرره لم يكن يقرره غيره ، وما وقر فى قلبه واحتواه ضميره ما وقر فى قلب غيره أو ضميره . فما هي مظاهر هذه الاستقلالية وما هي أسبابها ؟ وللإجابة على هذا السؤال نفرق بين مرحلتين . ما قبل البعثة وما بعدها ---------------------------------- مرحلة ما قبل البعثة ، الصدق والأمانة : ----------------------------------------------- اجمعت كتب السيرة والتاريخ على جميع المستويات . أن محمد بن عبد الله كان دمث الخلق مشهود له بطهارة القلب ورجحان العقل ، ووصف بين الناس فى هذه المرحلــة بالصادق الأمين ، وهما خلتان تجمعان كل صفات الخير وتنفيان كل صفات الشر ، فالصادق لا يكذب ولا يغتاب ولا يمشى بين الناس بالنميمة ولا يقول فحشا ولا يسب ولا يشتم ولا يحسد ولا يبغض ولا يحقد… الخ , وينفى الصدق عنه النفاق والرياء والوصولية والانتهازية والأنانية والتدخل فيما لا يعنيه والغضب والتهور والمراء والجدل والثرثرة والتملق والهجاء والشعر والكهانة والدجل والسحر والشعوذة والتنبؤ …الخ ، والأمين لا يغدر ولا يخون ولا يسرق ولا يرتشي ولا يرشي ولا يأكل سحتا ولا يتعامل بالربا ولا يطمع إلى ما عند غيره ولا يتجسس ولا يتحسس ولايتصنت لأن كل خلة من هذه الخلال تتعارض مع الأمانة …الخ ، وهو مع كل تنزهه عن هذه المنهيات كان لابد أن يتحلى بكل الصفات الحميدة . فالصادق شجاع ونبيل وذو مروءة ، والمروءة صفة لا تنفك عن الصدق لمساعدة المحتاج ومد يد العون له ، والصادق عف اللسان لا تخرج من شفتيه كلمات الفحش والسوء ، والصادق صبور لأن قائل الحق لابد أن يكون صبورا وقورا رزينا متزنا ذا جلد دقيقا في أقواله دقيقا في أفعاله … الخ والصادق يكون بارا بمن حوله واصلا لرحمه رحيما بمن هو دونه مجلا لمن يكبره .. ونتذكر هنا قوله صلى الله عليه وسلم فى جزء من حديثه الذي قال فيه : " الصدق يهدى الى البر ، والكذب يهدى الى الفجور " (4) فإذا كان الفجور هو أعلى درجات الفسق والرذيلة ، حيث لا يتورع المرء عنده من ارتكاب كافة المحرمات وإن اجتنب بعض الكبائر العظام كالسحر والقتل والشرك بل لعل الفجور الذي منشأه الكذب يقوده إليها ، فأن الصدق على العكس من ذلك تماما يهدى إلى البر الذي هو أعلى درجات الورع والعفة والخلق الحسن ، والأمين نزيه العين والسمع وسائر الجوارح ، لأن الأمانة لا تقتصر على المال وإنما تشمل العرض والشرف ، فلا تنظر عينه الى مالا يحل له ولا يتسمع مالا ينبغي سماعه. فإذا كان أمينا في سمعه وفى بصره ويأتمنه الناس على أموالهم وأعراضهم فهو إذن لا يزنى ولايهتك عرضا بأدنى درجات هاتين الفاحشتين أو أعلاهما ، وهو يتمتع بالحياء كله ويدرأ عن نفسه الشبهات كلها . والصادق الأمين متواضعا يمشى بين الناس الهوينى بغير كبر أو غرور أو اختيال ، إذا دعي أجاب وإذا أهدى قبل وإذا سئل أعطى وإذا وعد أوفى وإذا عمل أتقن . كل هذا وغيره هو الذي جعل السيدة خديجة بنت خويلد التي كانت تسمى بالطاهرة فى الجاهلية والإسلام تسعى الى الزواج منه وقد خطبها قبله كثير من العظماء فرفضت وكانت معروفة بالحزم والجد وفعل الخير وهى أوسط قريش نسبا وأكثرهم مالا ، فاسمع إليها وهى تخطب محمد فتقول له : " يا بن عم إني رغبت فيك لقرابتك وسطتك فى قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك " وتصفه فى موضع أخر عندما أخبرها بنزول الوحي عليه فتقول " إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر " (5) ويقول أبو طالب عندما طلب يدها من أعمامها بنو أسد يقول " ثم إن بن أخي محمد بن عبد الله من لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا ، فإن كان فى المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة , ومحمد من قد عرفتم " ، فيرد عليه ورقة بن نوفل بن أسد " نحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك لاتنكر العشيرة فضلكم ولايرد شرفكم "(6) ويقول له أبو جهل فى أول بعثته صلى الله عليه وسلم تأثرا بما علمه عنه قبل البعثه " اذهب أبا القاسم فما كنت جهولا " (7)، ويقول للمغيرة بن شعبة في واقعة أخرى : " إني لأعلم أن ما يقوله حق " ويتحير الوليد بن المغيرة فى نسبة نقيصة له فينفى عنه الكهانة والشعر والكذب فلم يجد إلا أن يرضي غرور قومه فيقول " ساحر "(8)، ويتمنى أبو سفيان أن ينسب إليه زلة في مواجهة عظيم الروم فلم يجد (9) ويسمع أمية بن خلف أن رسول الله قاتله فيصيبه الهلع ويرتعد ويمكث فى بيته خائفا لا من بطش محمد به وترقبه لقتله ولكن لعلمه أنه صلى الله عليه وسلم لا يكذب وأنه إن قال صدق ولابد أنه مادام قال أنه سيقتله فهو قاتله . وما أسرع الإيمان بأبو بكر وتصديقه لرسول الله إلا من علمه بصدقه المطلق قبل نبوته . ورجل بكل هذه الصفات لابد أن يكون راجح العقل قوى الحجة سريع البديهة فطن ذكي لبيب ، وإلا ما ارتضى سادة قريش وكبرائها أن يكون لهم حكما عند اختلافـهم على وضع الحجر الأسود وقد أثبت رجحان عقله وذكائه في هذه الواقعة(10) وحسم بذلك جدلا ونقاشا ربما لم تكن لتحمد عواقبه لو تطور دون هذا الحل الذي وفقه الله تعالى إليه ، الأمر الذي نقطع به أن محمد بن عبد الله كان مستقلا فى سماته الخلقية فى هذه المرحلة ، وحسبنا في هذه المرحلة قوله صلى الله عليه وسلم " ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر ,كلتاهما يعصمني الله منهما " (11) ] -------------------------------- --------------- (1) صحيح مسلم 2535 باب فضل الصحابة (2) فصل في فضل العرب لابن القيم (3)مجموعة الفتاوى لابن تيميه الجزء الخامس والثلاثون (4) صحيح البخاري 5743 (5) صحيح البخاري باب بدء الوحي 4670 (6) السيرة الهشامية (7) نفس المصدر (8)بن حبان 6567 (9) حياة الصحابة الكاندهلوي جزء أول (10) صحيح البخاري 6 بدء الوحي (11) انظر الأحاديث المختارة للمقدسي 439 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:42 am | |
| عوامل استقلالية هذه المرحلة .--------------------------------- استمد محمد هذه الا ستقلالية قبل البعثة من فطرته الخلقية التي جبل عليها وبعض من عوامل البيئة والوراثة وأمور ينفرد هو ذاته بها ، فمن المعروف أن الإنسان يولد على الفطرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يولد الإنسان على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه .." (1) والفطرة هنا هي ما جبل عليه الإنسان من حب الخير وبغض الشر ، وهى الخلقة التي يكون عليها كل مولود أول خلقه وهى الطبيعة السليمة التي لم تشب بعيب , وفى اصطلاح الفلاسفة هي الاستعداد لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل .. وقد يصطدم الإنسان فى مراحل حياته الأولى بواقع يضاد هذه الفطرة , فيقوى عنده نازع الشر ويفتر نازع الخير أو العكس , وهـو المعبر عنه بالبيئة التي تؤثر تأثيرا سلبيا أو إيجابيا فعالا , بالإضافة إلى عامل الوراثة ، ثم إذا بلغ أهليته وأشده كان بالخيار والقوة ما يستطيع به أن يحول بينه وبين تأثير هذه العوامل فيه , إلا أن إرادة الإنسان لم تـزل ضعيفة في هذه الفترة تقوى مع مرور السنون والأعوام واكتساب الخبرات .
الفطرة والطفولة -------------------- فبالنسبة لرسول الله فقد كانت فطرته بالغة السلامة والاستواء ، فلم يرو أي أثر أو خـبر عن طفولته صلى الله عليه وسلم يكشف عن أنها كانت غير سوية في تصرفاتها أو أحوالها ، بل روي أنه كان يتسم بالجد والرزانة في هذه المرحلة حتى أنه سافر صبيا في تجارة جده عبد المطلب ، وروي أنه كان يجلس مع كبار القوم في مجالسهم ،وكانت عناية الله تعالى له في هذه الفترة عناية توفيق , عناية مشيئة إلهية تريد بهذا المعتنى به مرادا لابد أن يتحقق , عناية علم بصلاحية هذا الإنسان لما يريده الله تعالى منه , وبالجملة عناية تدخل إلهي مباشر يحول بين أي عارض يمكن أن يحول بين مشيئة الله وعلمه وبين مراده الذي سيكون ولابد أن يكون ، يقول محمد بن إسحاق: شبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من أدناس الجاهلية ، لما يريد من كرامته ورسالته ، وكان صلى الله عليه وسلم يحدّث عما كان الله يحفظه به في صغره من أمر الجاهلية ، فيروى البخاري ومسلم " لما شب صلى الله عليه وسلم وبُنيت الكعبة، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة مع أشراف قريش لبنائها فقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة ففعل فخرّ إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال إزاري فشدَّ عليه إزاره وقال " إني نُهيت أن أمشي عُريانا "(2) وكان صلى الله عليه وسلم قول أيضا " ما هممت بشيء مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين عصمني الله فيهما قلت ليلة لفتىً من قريش أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما تسمر الفتيان قال: نعم قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة، فسمعت غناءً وعزفاً وصوت دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا ؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة فجلست لذلك، فضرب الله على أذني فنمت، فما أيقظني إلا مسُ الشمس، فرجعت إلى صاحبيثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك، فنمت فو الله ما هممت بعدهما بشيء من ذلك حتى أكرمني الله " (3) قال ذلك وهو صبى لم يبلغ بعد الحلم ولم يبلغ أشده , ولكنه أدرك وهو فى هذه السن الباكرة أن ما هم به ذنب ، وما هو في عرف غيره من الصغار والكبار على السواء بذنب ، أدرك أن هذا النعاس الذي ألم به أمر ذي بال فاستلهم منه الحقيقة فعمل بها ولها ولم يهم بعدها بإثم ، " وعاش صلى الله عليه وسلم طفولته ولم يكن له مؤدب ظاهر يعتني بتـثقيفه ، أو مربّ معروف يتولى تهذيبه ، إلا سلامة الفطرة ، وسموّ الغريزة ، وطهارة القلب ولم يكن صلى الله عليه وسلم في نشأته جارياً على المألوف في الصبيان ، من تأثر عقولهم ونفوسهم بما يرون ويسمعون ويحسون في بيئتهم ، فنشأ على أكمل ما تتحلى به النفوس من جميل الصفات، وحميد الخصال،"(4)
البيئة والوراثة . ------------------------ يقول العقاد فى عبقريته " قبيلة في تلك الأمة لها شعبتان .. الثانية من أصحاب التقوى والسماحة والتوسط بين مقام القوي الذي يجور ويطغى ومقام الضعيف الذي يحتمل الأذى فيصبر وبيت من تلك الشعبة الوسطى له كرم النسب العريق وليس له لؤم الثروة الجامحة والكبرياء الجانحة والقسوة ذاكم هو بيت عبد المطلب ورأس هذا البيت هو عبد المطلب رجل قوى الخلق قوى الإيمان . "(5) فكانت هذه البيئة بهذا الوصف هي البيئة التي نبت فيها محمد وترعرع بين ربوعها وورث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه نزولا إلي سالف أجداده عظيم الصفات وجليلها وهو القائل عن نفسه في صحيح مسلم عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم (6) وقال من حديث بن عباس رضى الله عنه "لم يزل الله عز وجل ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة صفيا مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت خيرهما(7) " فنسبه صلى الله عليه وسلم أشرف الأنساب ، وسببه إلى الله سبحانه باصطفائه إياه واختياره له أفضل الأسباب، وبيته فى قريش أوسط بيوتها الحرمية، وأعرق معادنها الكرمية ، لم تخل قط مكة من سيد منهم أو سادات، يكونون خير جيلهم ورؤساء قبيلهم، حتى إذا درجوا سما قسماؤهم فى المجد الصميم، وشركاؤهم فى النسب الكريم إلى ذلك المقام ، فعرجوا فصحبوا على ذلك الزمان . لواؤهم على من ناوأهم منصور، وسؤدد البطحاء عليهم مقصور، والعيون إليهم أية سلكوا صور ، ثم أتى الوادى فطم على القرى ، وشد الله أركان مجدهم العريق العتيق بهذا النبى الأمى ، فاحتازوا المجد عن آخره ، وفازوا من شرف الدين والدنيا بما تعجز ألسنة البلغاء عن أدنى مفاخره." (8) " فهذا هاشم بن عبد مناف المسمى بذلك لكرمه المفرط ويده التي لم تنكر ، فقيل هشم الثريد وأطعم الناس فسمى هاشما ، وهو الذي جمع كل قريش على رحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارة , وكان يقسم ربح الغني بينه وبين الفقير حتى صار فقيرهم كغنيهم ، فجاء الإسلام وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على هذا فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش . وهذا عبد المطلب أجل قومه قدرا وأعظمهم خطرا وأعلاهم نسبا وأكرمهم حسبا وكان يعرف فيه هيبة الملك. وعنه قال الزبير : " ومكارم عبد المطلب أكثر من أن أحيط بها " ، كان سيد قريش غير مدافع نفسًا وأبا وبيتًا وجمالاً وبهاءً وفعالاً وكمالاً ، فصلى الله على المنتخب من ذريته ، المخصوص بأولية الفخر وآخريته ، وعلى آله الأكرمين وعترته وسلم تسليمًا " . وأبوه – عبد الله- "بضعة من عالم الغيب أرسلت الى هذه الدنيا لتعقب فيها نبيا دون أن تراه إنسان من طينة الشهداء يتجه إليه القلب الإنساني بكل ما فيه من حب وحنو ورحمة .وأحبه قومه وعظم خطره فيهم (9) ويقول عنه الزبير أيضا " كان عبد الله أحسن رجل رئى فى قريش قط " (10)
معدنه ---------------- ولكن لم تكن تكفي هذه العوامل لتمييز استقلاليته صلى الله عليه وسلم إذ كلها عوامل قد يشترك معه فيها غيره ليبقى عامل آخر يخصه هو وحده , هذا العامل هو المعدن المتوطن فى وجدانه صلى الله عليه وسلم هو اليقين الساكن فى فؤاده والنور الذي توهج فى أعماقه ، الذي جعله يميز الخبيث من الطيب والقبيح من الحسن والباطل من الحق ، فيتمسك بالطيب والحسن والحق ويعمل بهم ويتخذهم سبيله ، دون أن يأمره بذلك دين أو عقيدة ودون أن يحضه على ذلك إنسان ، فلم يله مع اللاهين ولم يسفه مع السافهين أو يخوض مع الخائضين ، لم يجار الصبية والشباب فى لهوهم وعبثهم لما وجد فى ذلك حمقا وجهالة , ولم يعاقر خمرا أو ميسرا لما وجد فيهما دنية ومذلة ، ولم يسجد لأصنام قومه ولم يحلف باللات والعزى لما وجدها أصنام لا تضر ولا تنفع , عمل برعي الغنم ولم يزل صغيرا ، اشترك في حلف الفضول ولم يزل شابا يافعا , سافر للتجارة وسنه اثنا عشر عاما . كان على دين الحمُس , وكان يتحنث وحده فى غار يقضي في الليالي ذوات العدد يختلي فيه متأملا سائلا باحثا عن الحقيقة . وهكذا وصفته كتب السيرة فى مرحلة حياته قبل البعثة فقالت : " كان أفضل قومه مرءوة وأحسنهم خلقا وأعزهم جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حديثا وألينهم عريكة وأعظمهم نفسا وأكرمهم خيرا وأبرهم محلا وأوفاهم عهدا وآمنهم أمانة وأوصلهم رحما وأشدهم تواضعا وأنقاهم سريرة . وكان أسلم الناس قلبا وأطهرهم ثوبا وأزكاهم عقلا . ويصفه بن تيمية فيقول " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكمل الناس تربية ونشأة ، لم يزل معروفا بالصدق والبر ومكارم الأخلاق والعدل وترك الفواحش ، والظلم وكل وصف مذموم ، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة ، ومن آمن به ومن كفر بعد النبوة، ولا يعرف له شيء يعاب به؛ لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أخلاقه ولاجرت عليه كذبة قط، ولا ظلم ولا فاحشة. " وبهذا المعدن اهتدى صلى الله عليه وسلم إلى الحقيقة ولكنه لم يكن يدري كنهها ولم يدري الطريق إليها , فذلك قوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (11) شأنه في ذلك شأن ممن سموا بالحنفاء في عهده إلا أنه كان يفرق عنهم في أميته التي حالت بينه وبين العلم والتعلم فلم يقرأ كتابا ولم يطلع على عهد قديم أو جديد ولم يعرف زبورا أو مزمورا ولم يتخلف إلى أحد ينهل من علمه ، إلا أن ذلك لم يفتر من إرادة الخير لديه فظلت تقوى حتى صارت إرادة مطلقة في حد الإطلاق والقدرات البشرية لا تعرف شرا ولا تعرف منكرا , فكان باعث الخير لديه ينبع من داخله ومن جوهره دون تعلم ودون وحي .
----------------------------------------------------- (1) رواه ابن الأثير ورواه الحاكم عن علي ابن أبي طالب ورواه الطبراني من حديث عمار بن ياسر (2) مسلم 2658 (3) ذكره بن حجر في فتح الباري تحت عنوان كراهية التعري في الصلاة (4) ذكره الذهبي والسيوطي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وضعفه الألباني (5) أعلام النبوة الماوردي (7) عبقرية محمد (13) صحيح مسلم 2276 وبن حبان 6242 (8) زاد الميعاد وسيرة بن إسحاق (9) الاكتفا في المغازي (10) عبقرية محمد (11) الضحى: 7 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:43 am | |
| الوحي ----------------------- الوحي وسيلة إلى غاية------------------------ ينقسم الوحي الى قسمين : القسم الأول وحي للمخلوقات جميعا بما فيهم البشر ويدخل في هؤلاء البشر الأنبياء ولكن قبل بعثتهم ، والقسم الثاني : الوحي المتعلق بالرسالة والرسل وهذا القسم سبق الحديث عنه في الخصائص النبوية المحمدية . أما بالنسبة للقسم الأول فقد عرفه بعض العلماء بالإلهام الإلهي وعرفه البعض الأخــر بالإعلام بخفاء إلا أن كلاهما جعل هذين التعريفين قسما واحدا وخلطهما بوحي الرسل ، بينما انفرد بن خلدون بتعريف خاص به أرى أنه مستمد من غير دليل شرعي أو عقلي ألا وهو أن الوحي " انسلاخ الأنبياء من البشرية جملة جسمانيتها وروحانيتها إلى الملائكة من الأفق الأعلى ليصير النبي في لمحة من اللمحات ملكاً بالفعل "(1) وللمزيد يمكن القول أن الوحي هو أحد الوسائل التي يستخدمها الله سبحانه وتعالى لتحقيق مرادا له ينبغى أن يكون أخذا بسنته جلا وعلا فى الأخذ بالأسباب . وذلك بأمر مباشر منه للموحى إليه يُجبر خلاله على تنفيذ هذا الأمر بإرادته أو بغير إرادته ، وهذا الوحي لجميع مخلوقاته سبحانه وتعالى ، وللبشر أيضا بما فيهم الأنبياء ولكن قبل أن يبعث إليهم لكونهم حينئذ من سائر البشر , أما بعد تكليفهم بالرسالة أو النبوة فيصير الوحي إليهم وحي من نوع خاص يختلف عن الوحي محل هذا القسم ، ويستثنى من هذه المخلوقات التي يوحي إليها الله تعالى المشركين والشياطين . إذ لم يثبت وحي الله تعالى للشياطين إنما ثبت أنهم يوحي بعضهم إلي بعض ويوحون هم إلي أوليائهم ، قال تعالى (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون)(2) ، وقال (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (3)، كما لم يثبت فى الكتاب والسنة وفى الكتب السماوية السالفة أو على ما يستدل به من أي مصدر من المصادر وحيه سبحانه وتعالى للمشركين في أي عهد من العهود البائدة أو المتقدمة ، إذ لا يستخدمهم تجلت قدرته فى تحقيق مراده , إنما يوحي إلى الصالحين والأتقياء والأولياء بوصفهم الأجدر والأحق بهذا التلقي وبتحقيق هذا المراد الذي يبتغيه الله . فأوحى الله الى السماوات فقال (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) (4) وأوحى الى الارض فقال (يَوْمَئِذ ٍ تُحَدِّث ُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (5) وأوحى الى الملائكة فقال (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (6)وأوحى الى النحل فقال (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً )(7) وأوحى الى أم موسى فقال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (8) وأوحى الى يوسف طفلا فقال (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (9)وأوحى الى الحواريين (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي)(10) --------------------------- (1) تاريخ بن خلدون الجزء الأول (2) الأنعام من الآية 121 (3) الأنعام 11 (4) فصلت من الآية 12 (5) الزلزلة 4 , 5 (6) الأنفال 12 (7) النحل من الآية 68 (8) القصص من الآية 7 (9) يوسف 15 (10) المائدة111
وتلمح من هذه الآيات أن لكل وحي غاية وهدف . فالوحي إلى السماء مثلا كان جزء من الخلق وتدبير الله لكونه إذ أمر الله كل سماء بما ينبغى أن يكون فيها من ملائكة ونجوم وشموس وكواكب وأقمار ونيازك وشهب وغيره . قال تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (1) ووحيه إلى الأرض إيذانا بيوم القيامة لتخرج ما فى بطنها من أجداث وجيف . ووحيه إلى الملائكة فى الآية المشار إليها لتثبيت الذين أمنوا .. يقول تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (2) وذلك بمناسبة موقعة الأحزاب ووحيه إلى النحل بأن تتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر والعروش بقصد الاستفادة بأكبر عدد ممكن من البيئات المختلفة وبما فيها من متنوع النباتات حتى تنوع ذلك الشراب المختلف الألوان الذي يخرج من بطونها فيه شفاء للناس ، بخلاف العديد من الحشرات بصفة خاصة والحيوانات بصفة عامة التي حدد الله بيئة لها لا تستطيع الخروج عنها وإلا هلكت ، كما تلتقط الشغالات مادة صمغية من أماكن محددة من الأشجار ثم تضع الصمغ فى الشقوق والثقوب الموجودة فى بيوت النحل لمنع تسرب الحشرات إليها(3) ووحيه إلى أم موسى عليه السلام لتلقه باليم فيلتقطه عدوه فيربى في قصره ويترعرع فى رعايته فينجو من الذبح والقتل الذي أعمله فرعون فى الأطفال ، قال تعالى (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (4) ، ووحيه إلى يوسف عليه السلام طفلا لينبئنهم بأمرهم الذي فعلوه بإلقائه في غيابت الجب كعلامة من علامات النبوة ، فقال تعالى (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (5) ، ووحيه تعالى للحواريين ليؤمنوا بعيسى عليه السلام ويساهموا فى نشر دعوته بعد رفعه الى السماء ، وهو ما يفهم منه أن الوحي أمر الهي مباشر لتحقيق مرادا له سبحانه وتعالى لابد أن يتحقق وليس بوسع أي مخلوق - وأقصد قطعا الأنس أو الجن لأن ما سواهما مفطور على الطاعة والانقياد - أن يحول دون ذلك ------------------------------- (1) فصلت 11, 12 (2) الأنفال 12 (3) جريدة الأهرام الإشارات الكونية للقرآن د/ زغلول النجار العدد الخاص بآية النحل المشار إليها نقلا عن عالم متخصص . (4)طه 38, 39 (5) يوسف 90
بعض الحكمة من بعض الأحداث ---------------------------------- ومن هنا يمكن أن ندرك بعض الحكمة والمعنى من بعض الأحداث والمعجزات التي حدثت فى قرون خلت،ومن ذلك على سبيل المثال :- 1-عندما أراد قوم إبراهيم عليه السلام أن يحرقوه ، أوحى الله تعالى إلي النار وأمرها أن تكون بردا وسلاما عليه فقال (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (1) لماذا لأن دوره كنبي ورسول ومن نسله سيكون سلالة من الأنبياء لم ينقضي بعد ، فكان لابد من تدخل إلهي مباشر لوقف هذه المحرقة ، وكان الوحي والأمر الإلهي المباشر للنار هو أنسب الطرق ، فلم تكن الأمطار مثلا تجدي إذ أنها لن تحول بينهم وبين إعادة الكرة 2- وأيضا كما فعل الله تعالى عندما أنقذ عيسى عليه السلام من القتل والصلب فرفعه إليه مباشرة فقال ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُم)(2) ،وذلك ليكذب الأسطورة الزائفة التي قامت عليها الديانة المسيحية المعاصرة بإلوهية المسيح عليه السلام والتي تعتمد على أن المسيح نور من نور وإله من إله نزل من السماء وتجسد ثم خرج فى صورة بشرية ليفدي ذرية آدم المأسورين بحكم الموت الأبدي ليحول موتهم لحياة أبدية فى سماء رب البشرية (3) فيصفع ويقتل ويصلب ثم يدفن ثم يقوم ، بينما أعمل بنى إسرائيل القتل في جلة أنبيائهم ورسلهم ، قال تعالى (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(4) فهل فضل الله إبراهيم وعيسى على كثير من أنبياء بنى إسرائيل فأنقذهما من القتل وترك الآخرون ؟ كلا وحاشاه ذلك سبحانه وتعالى ، إنما هي أدوار ومهام ، وأهداف وغايات ، فإذا انتهى دور النبي وتحققت الغاية من بعثته وحان أجله ومنيته قضي هذا الأجل أيا كانت وسيلته بالموت أو القتل ، حتى ولو كان محمد خاتم الأنبياء والرسل وخير البشر كلهم ،فذلك قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (5) 3-وكذلك أوحى الله تعالى إلى حوت يونس عليه السلام ألا يأكله رغم أنه مكث فى بطنه ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك حسبما اختلف العلماء (6) لأن دوره كنبي لم يكن انقضى وكان لزاما أن يستكمل رسالته فقال تعالى (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (7) وعن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال : سمعت أبا هريرة يقول " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما أرأد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن أخذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً " (8) ------------------------------------- (1) الأنبياء 69 (2) النساء 157 (3) أدلة وبراهين على ألوهية المسيح لفكتوريا إبراهيم حنا نشر حديثا (4) البقرة 91 (5) آل عمران من 144الآية (6) قال بن كثير في قصص الأنبياء في قصة يونس عليه السلام اختلف العلماء في مقدار لبثه في بطنه ، فقال مجاهد عن الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية ، وقال قتادة : فمكث فيه ثلاثاً ، وقال جعفر الصادق : سبعة أيام وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك : مكث في جوفة أربعين يوماً، (7) الصافات 143 وما بعدها (8) رواه ابن جرير في تفسيره والبزار في مسنده من حديث محمد بن إسحاق وكذا قال به بن كثير في قصص الأنبياء من قصة يونس عليه السلام
4 -وعلى نفس هذا النمط من التفكير أقول أوحى الله تعالى إلى الهدهد أن يطوي الأرض حتى يقع على قوم يعبدون الشمس من دون الله فيأتي سليمان عليه السلام الذي وهبه الله ملكا ما وهبه أحد بعده من العالمين فيحطه بما لم يحط به علما فيقضى الله أمرا كان مفعولا فيدخلوا فى دين نبي الله سليمان الإسلام ,قال تعالى (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ …الآيات)(1) وليعرف الإنسان أن مخلوقات أخر سواه توحد الله وتعبده . 5- وأوحى الله تعالى إلى فيل أبرهة أن يبرك ولا يقترب من الكعبة ليهدمها لأن دورها المعدة له لم يأتي بعد ، فأي قوة تلك التي تمنع هذا الدور الذي أعده الله ، فلما لم يعي أبرهة الدرس تطور التدخل الإلهي بصورة أكبر بإرسال الطير الأبابيل ، قال تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) (2) مثلما أوحى الله لناقة رسول الله ألا تدخل مكة عام الحديبية لأنه العام الذي لم يؤذن فيه بفتح مكة فبركت ، وقال الصحابة وقتها خلأت القصواء (3) فقال صلى الله عليه وسلم : " بل حبسها حابس الفيل "(4) 6- وأيضا أوحى تعالى إلى الملائكة بنصرة المسلمين فى غزوة بدر لأن هزيمة المسلمين فى هذا الوقت كانت تعنى القضاء على الإسلام فى مهده ، وهو ماتنبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا ربه : " اللهم إلا تهلك هذه العصابة لن تعبد فى هذه الأرض أبدا " (5) قال تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)(2) ، بينما لم يحدث هذا المدد فى غزوة أحد مثلا لأن هزيمة المسلمين وقتئذ كانت لا تعني هزيمة الإسلام كله أو القضاء عليه .. أقول كل هذا على الرغم من وجود عوامل وحكم أخرى تخص الحدث ذاته بعضها معلوم وبعضها لا يعلمه إلا الله ، كمزيد من الدروس والعبر عن هزيمة أحد , وليدخل الناس في دين الله إذا ما رأوا معجزة إبراهيم عليه السلام . هذا ومن ناحية أخرى فأن الله لا يوحي بشر لا لأن الشر لا يصدر عنه سبحانه وتعالى ، فهو القائل ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(6) إنما لأن الوحي بالشر تحريضا على فعله وحاشه تعالى ذلك: إنما يصدر الوحي بالشر من الأنس والجن ، قال تعالى ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم)(7) وقال (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً )(8) كما أن الوحي لا يكون إلا لتحقيق منفعة عامة ومصلحة للبشر -------------------------- (1) النمل 20 وما بعدها (2) سورة الفيل 2:1 (3) القصواء إسم ناقة الرسول (4) حياة الصحابة للكاندهلوي ج أول (5)الرواية بالتفصيل رواها الطبري في تفسيرالأنفال بالجزء التاسع (6) الأنفال 9 (7) الأنبياء من الآية 35 (8) الأنعام من الآية 121 (9) الأنعام من الآية 112
وفى هذا الإطار ينبغي التفرقة بين الوحي وبين الأمور الآتية : -------------------------------- 1- التيسير أو التوفيق ، المشار إليهما فى قول الله تعالى وبعض الآيات المماثلة ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (1) وقوله ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا)(2) ، فهما بهذا المعنى منفعة خاصة تعود على صاحبها وليست وحيا ، لأن الأخير يحقق منفعة عامة اقتضت التدخل الإلهي المباشر ، بالاضافة إلى أن الوحي وسيلة لله سبحانه وتعالى يحقق بها مرادا له في خلقه أما التوفيق فجزاء على فعل , والوحي قد يكون لحظة أو برهة أو ومضة نور ، أما التيسير والتوفيق فمعية من الله تلازم صاحبها ،كما أن الوحي ليس في كل الأحوال تمييزا للموحى إليه ، بينما التيسير والتوفيق تمييزا للموفق لعلة فيه 2- التصرفات الأخلاقية ، هي التي تنبع من أخلاق الشخص الفطرية أو المكتسبة ، فإذا تصرف تصرفا نابعا من أخلاقه عد ذلك تصرفا أخلاقيا لاوحى فيه ، كمحاولة شخص إنقاذ أخر يشرف على الهلاك فاندفاعه لهذه المحاولة ليست وحيا إنما انطلاقة أخلاقية تدل على شيمة فيه هي الشجاعة أو النبل أو المرءوة ، وكمن يفرج عن مكروب فى ساعة ضيق قد يكون هلاكه فيها فذلك من صفة الكرم المتخلق به 4- التصرفات العقلية وهى الدالة على عبقرية الشخص أو سعة أفقه أو توقد ذهنه أو ألمعيته أو ثقافته أو نضوجه العلمي أو ذكائه ، كمن يتصرف تصرفا عاقلا يدل على حكمة وروية فلا وحي حينئذ 5- التصرفات الغريزية وهى التي مردها الى الغريزة كالأكل والشرب والجماع والرضاعة لاوحى فيها واستدراكا أقول أن وحي الله تعالى لأم موسى عليه السلام المذكور في قوله سبحانه : وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم (3) لا ينصرف الى الرضاعة إنما ينصرف إلى الإلقاء فى اليم عقيب تغذيته بالرضاعة ، أو أن الوحي بالرضاعة جاء فى هذه الحالة خاصا كمرحلة سابقة على الإلقاء . بمعنى أن الأمر ليس للرضاعة ولكن للالقاء ، أذ الرضاعة لا وحي فيها باعتبارها تصرف غريزي . قال الطبري في تفسير الآية " حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن أبي بكر بن عبد الله قال لم يقل لها إذا ولدتيه فألقيه في اليم إنما قال لها أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم بذلك أمرت وقال آخرون بل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادتها إياه وبعد رضاعها " 6- الفراسة . هي درب من دروب الذكاء وفطنة المتفرس وتخص المتفرس وحده وعرفها الرازي بأنها الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأحوال الباطنة ، وجاء فى المعجم الوسيط أنها المهارة فى التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها , ومن الفراسة قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (4) وقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي سعيد الخدري " اتقوا فراسة المؤمن فأنه يرى بنور الله" (5) فالمتفرس تنطلق فراسته من ذاته بلا وحي ----------------------------- (1) الليل 5 وما بعدها (2) الطلاق 2 (3) القصص 7 (4) الحجر 75 (5)سنن الترمذي 3127 وكذا المعجم الكبير للطبراني وجاء أيضا بفتح الباري وكلاهما عن أبي أمامة .
إذن فالوحي غايته تحقيق مرادا لله سبحانه وتعالى لابد أن يكون ، وأمر الله سبحانه وتعالى ومراده الأكيد الذي لا بد أن يتحقق هو منهجه الذي أختاره لخلقه ليعبدوه به ألا وهو الدين ، والدين كما سيتبين لنا مر بمراحل زمانية متعاقبة ظل يكتمل فيها حقبة بعد حقبة ودين بعـد دين ونبي بعد نبي حتى اكتمل بدين الإسلام الخاتم هذا المنهج الذي أختاره الله قدر له منـذ الأزل أن يكون وبكيفية معينة وما كان فى مقدور أي خلق من خلقه أن يحول دون ذلك
الوحي ومحمد ---------------------- وبإنزال ما تقدم على محمد بن عبد الله قبل البعثة يمكن القول بأن محمدا كان واحدا من البشر الصالحين , وكان الوحي هدفا بالنسبة له لتحقيق مرادا لله سبحانه وتعالى ولمنهجه الذي لابد أن يكون , شأنه في ذلك صلى الله عليه وسلم شأن غيره من الصالحين المؤهلين لتلقي لهذا الوحي ، بما يعنى من وجه أخر أن تصرفاته صلى الله عليه وسلم وقتئذ كانت تنبع من أخلاقه وعقله وغريزته وفراسته وتيسير الله له ، أما الوحي فليس له إلا هذا الدور الذي ذكرته زواجه من خديجة فقبول زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد رضى الله عنها مثلا كان وحيا, إذ بالنظر إلى هذا الزواج من المنظور العادي نجد أنه زواج غير متكافئ ، فسنه صلى الله عليه وسلم أثناءه خمس وعشرون سنة بينما كان عمر خديجة رضى الله عنها أربعون عاما , وكانت هي من أشراف قريش وسيداتها الأثرياء ذوات الحزم والشرف وكان هو واحد من فتيان قريش البسطاء الأقرب الى الفقر منه الى الغنى , وكانت هى سيدته وهو أجير عندها , وكانت هى أرملة تعول أولادا وبناتا بينما كان هو فى ريعان الشباب وطراوته ولم يسبق له الزواج وكانت كل أبكار قريش وجميلاتها يتمنين وده لا لأخلاقه المعهودة فحسب وإنما لوسامته واستقامة خلقته واعتدالها وقد أورد مسلم في صحيحه عدة أحاديث في خلقته وجماله صلى الله عليها وسلم . منها مثالا : حدثنا ,, شعبة قال سمعت أبا إسحاق قال سمعت البراء يقول ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى شحمة اليسرى عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم ، وحدثنا ,عن البراء قال ثم ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالطويل ولا بالقصير قال أبو كريب له شعر حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا إسحاق بن منصور عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير . (1) فضلا عن أنه صلى الله عليه وسلم لم يسعى إلى الزواج بها أنما هي التي طلبت وعرضت وصرحت فالطبيعي والفطري ووفقا لعادات العرب وعرفهم ألا يقبل محمدا هذا الزواج أو يدع لنفسه فرصة يفكر فيها ويتروى ، إلا أن الله أوحى إليه ليتمه ليقضى أمرا كان مفعولا فتكون خديجة نعم السند له والمعين فكانت أول من آمنت به وأعانته بمالها وواسته وساعدته ومنعت عنه وكان موتها رضى الله عنها أشد ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .بينما كان موقفه صلى الله عليه وسلم حيال أحد أعمامه الذي كان يشكو العيلة والفاقة فأخذ أحد أولاده ليعينه تصرفا أخلاقيا بحتا ينبع من ذاته صلى الله عليه وسلم . واختلائه بغار حراء صلى الله عليه وسلم كان وحيا هداه الله إليه ليقضي أمرا كان مفعولا فيتنزل عليه جبريل بالرسالة . وقول عائشة رضى الله عنها فيما أورده بن هشام فى سيرته نقلا عن بن إسحاق : " حبب الله تعالى إليه الخلوة فلم يكن شيئا أحب إليه من أن يخلو وحده " لا يمنع من أن تكون بداية الخلوة وحي صار بعد ذلك تعلقا وحبا . بينما كان عدم سجوده لأصنام قومه واتباع دينهم تصرفا عقليا ينبع من ذاته صلى الله عليه وسلم وليس وحيا ، وكذا حسن تصرفه بخصوص حجر الكعبة . وأنتهي من ذلك الى أن تصرفات محمد بن عبد الله كانت من منطلق ذاتي بحت وما كان الوحي إلا تدخلا إلهيا ليقضى سبحانه وتعالى أمرا كان مفعولا شأنه شأن كافة المخلوقات الموحى إليها , بما يعني من وجه صريح أن أكثر تصرفاته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لم تكن وحيا ولكنها كانت تصرفات شكلتها عوامل فطرية وبيئية ووراثية وذاتية . --------------- (1) صحيح مسلم باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجها وذلك في الجزء الرابع | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:45 am | |
| حادثة شق البطن ------------------- حديث شق الصدر جاء بأسانيد صحيحة ، فقد أخرجه البخاري في صحيحه ، والإمام أحمد في مسنده، وابن اسحاق في السيرة ، ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة ، وابن سعد في طبقات الصحابة ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ بن حجر بعد أن عرض لذكر الروايات الدالة على شق الصدر وتكرره " وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة ، مما يجب التسليم به دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة الإلهية ، فلا يستحيل شيء من ذلك ، إن نفي المعجزات الحسية الثابتة بالنقل الصحيح، إنما هو في الحقيقة خضوع وانصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية ، وسير الأنبياء ووقائع حياتهم وخصائصهم وروابطهم لا توزن بميزان الفكر المادي وحده " ( أ هـ ) إلا أن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات عليها باعتبار أن ابن حزم أثبت الواقعة بثبوت القدرة الإلهية وهو ما لا ينكر ولكنه لا يصلح بذاته سندا ، لأن طلاقة القدرة الإلهية من المسلمات ، بينما تنصب الملاحظات على حصول الواقعة يقظة أم مناما . (1)- اختلاف زمن حدوث الواقعة : فمن رواية بأنها حدثت له صلى الله عليه وسلم وهو طفل في زمن الرضاع ومن رواية بأنها كانت في سن العاشرة , وأخرى بأنها كانت في سن العشرين , وفي بعض الروايات الأخرى أنها كانت قبل إسرائه ومعراجه , وتزعم بعض الروايات بحدوثها مرتين . (2)- اختلاف المكان الذي حدثت فيه الحادثة مابين ذروة الجبل وشفير الوادي ، وأشهر الروايات تقرر أنها كانت بالمسجد الحرام بمكة وبعضها يقرر بحدوثها في قبيلة بني سعد بن بكر عند حليمة السعدية , (3)- الاختلاف في مسمى الشق ذاته وطبيعته مابين تسمية للحادثة بشق البطن وتسمية لها بشق الصدر ومن رواية تحدد المسافة من الصدر إلى البطن وأخرى تجعلها من البطن إلى العانة (4)- الاختلاف في المادة التي أخرجها الملكان أو أخرجتها الملائكة مابين علقة سوداء ومابين مضغة ومابين شيء مجهول لا يدري رسول الله كنهه , ورواية تقول بأنها مغمز الشيطان , وتصف بعض الروايات المادة بأن الملك طرحها , وتقرر أخرى بأنه غسلها ثم أعادها مكانها . (5)- الاختلاف في الخاتم الذي ختم به الملائكة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانه من رواية تقول أنه خاتم من نور , ورواية تقرر بأنه خاتم فقط دون وصف له ، وتحدد بعض الروايات بأن مكان الختم كان بالقلب , وتحدد بعضها مكانه بالكتف وأخرى بالظهر , وتقول رواية بأنه خاتم النبوة . (6)- الاختلاف في عدد من طلبت الملائكة وزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إذ تقول بعض الروايات أن أحد الملائكة قال للأخر زنه برجل من أمته , ثم زنه بعشرة , ثم زنه بإلف , فوزنوه فزانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له تنحى فوالله لو وزنته بأمته كلها لأرجحهم , وتقول رواية أخرى زنه بمائة ثم زنه بإثم زنه بمائة ألف , فضلا عن استحالة الوزن لأنه لم يزل طفلا ولم تكن أمته قد تكونت أو تشكلت بعد , (7)- اختلاف مقالة الأطفال في الروايات ومقالة السيدة حليمة السعدية في روايتها للحادثة ففي " الاكتفا " تروي حليمة السعدية فتقول " فوالله إنه بعد مقدمه به بشهر إذ أتى أخوه يشتد فقال لي ولأبيه " ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه " وفي تاريخ الطبري قالوا ( أي الأطفال ) " ما إربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا . هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب , فماذا يدر عليكم قتله وماذا تصيبون من ذلك ولكن إن كنتم لابد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ودعوا هذا الغلام " مع ملاحظة أن الأطفال " أتراب رسول الله " المتكلمين بهذا الكلام البليغ الفصيح البين كانوا في سن مابين الرابعة والخامسة من العمر حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ظئره حليمة السعدية , بل تقرر بعض كتب السيرة أنها أخذته وعمره عامان ولم يلبث عندها مدة طويلة ، وفي رواية ثالثة قول حليمة أن نفرا من الحبشة نصارى رأوا محمدا معها حين رجعت به بعد فطامه , فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه , ثم قالوا أنا سنأخذه فنذهب به إلى ملـكنا وبلدنا, فإن هذا غلام له شأن نحن نعرف أمره , فلم تكد تتفلت منهم " ، واختلافات أخرى كثيرة يضيق المقام بذكرها كالاختلاف في عدد الملائكة وأسمائهم و الاختلاف في الطست وفي الماء الذي غسل به رسول الله والاختلاف في طبيعة الاضطجاع والاختلاف في الرواة . (8)- عند البخاري كانت الملائكة التي جاءت لتشقه مكلفة من قبل ربها تجهله ولا تعرفه صلى الله عليه وسلم من بين أترابه , حيث يسأل أولهم أحدهم قائلا أيهم ؟- أي الأشخاص هو - فيرد عليه الأخر قائلا " أوسطهم " (9)- في ذات رواية البخاري – رحمه الله تعالى – ترتبط الحادثة بالإسراء والمعراج حيث يعقبها الإسراء والمعراج مباشرة وكأنه كان تمهدة له بينما حكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في بعض المصادر لا يكشف عن هذا الارتباط حيث كان إجابة عن سؤال سئل إياه صلى الله عليه وسلم عن أول ما رآه من النبوة . (10)- الأسباب التي يأخذ بها الله سبحانه وتعالى ويدبر بها خلقه ليس من بينها ما يخالف العقل حتى وإن دخل في طور المعجزة , فعندما أسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه وعرج به إلى السماوات العلا يقظة لا مناما وروحا وجسدا وحقيقة وواقعا , كانت الأسباب والنتائج التي تضمنتها الحادثة مقبولة ولا ينكرها العقل على الرغم ما بها من معجزات , علما بأن مما لا ينكره العقل حدوده وقدراته التي يستطيع أن يدرك بها ما أهله الله تعالى لإدراكه ، وما عدا هذه الحدود مما لا يدركها هذا العقل فهو أيضا لا ينكرها ، كالغيبيات لا يدركها العقل ولكنه لا أيضا ينكرها بما يعني أن من المقبول عقلا أن يكون لهذا العقل حدودا لا يتعداها فيؤمن بما يدركه بهذه الحدود ، ويؤمن أيضا بما لا يستطيع أن يدركه لأنه فوق حدوده (11)- كل الأنبياء كانوا بالضرورة والقوة ولزوم الرسالة من أطهر البشر وأسلمهم قلوبا ورغم ذلك ما حدثت لهم هذه العملية . (12)- إزالة مغمز الشيطان أو حظه من قلبه صلى الله عليه وسلم يتنافى ماعلم من سياق بعض الآيات والأحاديث النبوية من أنه لكل إنسان شيطان يوسوس له ويزين له بما فيهم محمد خير الخلق وأطهرهم , قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (1) وقوله أيضا " (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة " ليس أحد إلا ومعه شيطانه " قالت ومعك قال " ومعي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم "(3) وتأمل كلمة أعانني تلمح فيها المجاهدة (13)- أن الأمر يبدو وفق هذه الروايات تصحيحا لخطأ أو تداركا له أو , وجلا الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا , فما دامت الواقعة حدثت له صلى الله عليه وسلم وهو صغير لم يزل ولم يكلف بعد وما دام الأمر يتعلق بإزالة السوء من قلبه أو حظ الشيطان منه , فكان الآولى ألا يخلق بهذا النصيب أو الحظ الشيطاني منه بداءة , وإذا تمت في الأولي فما الحاجة إلى أخرى ؟ . (14)-إزالة موطن الشر من قلب رسول الله صلى اله عليه وسلم يجرده من بشريته المفطورة كباقي البشر على احتواء النقيضين " الخير والشر " إلا بتفوقه صلى الله عليه وسلم على سائر هؤلاء البشر في كبح جماح شره ووئد هذا الشر في مهده بحيث لم يكبر معه ولم ينمو وإنما بقي في سويداء القلب ضئيلا مخنسا لا دور له في حياته ، (15)- إن إزالة موطن الشر أو الشيطان بهذه الطريقة المادية يعطي حجة لمشركي قريش في إبائهم اتباع محمد لعدم تميزه عليهم إلا بعوامل خارجة عن إرادته وإرادتهم هي التي صنعته ووصفتهبما وصف به (16)- إن أحدا من سكان مكة أو ما حولها تحدث بهذه الواقعة قبل إعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بعد البعثة , وما هي بالحدث الذي يمكن تجاهله أو إخفائه أو كتمانه لعلانية حدوثه وغرابته , في الوقت الذي لا تجد فيه حدثا غريبا إلا واشتهر بين القبائل العربية كقصة الذبيح الثاني عبد الله أبو الرسول أو قصة بئر زمزم أو قصة ابرهة والفيل . (17)- تطهير القلب المحمدي لم يكن بحاجة إلى عملية جراحية لإزالة مابه من علقة سوداء أو مضغة , أو لغسله وتطهيره ووضع السكينة والرحمة مكان ما أزيل منه , لا لاستحالة القدرة الإلهية على ذلك ، ولكن لأن طهارة هذا القلب حدثت بعوامل أخرى هي التي تحدثنا عن بعضها في هذا الفصل وما سيلي من حديث آخر عنها (18)- يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين: إننا نلاحظ في ذلك الخبر أمرين, أولهما أنه غسله بماء من زمزم, وأن الواقعة إن صحت كانت في البادية في مكان ناء عن زمزم ,وإذا كان من ماء مع جبريل فمن أين عُلم أنه من زمزم ؟.. وثانيهما أنه ذكر أنه كان يري أثر المخيط في صدره عليه السلام,فإذا صحت الواقعة فإن المعقول أنه عمل ملك, والملك لا يكون لعمله أثر محسوس, ونحن نري أن الأخبار بالنسبة لشق الصدر لا تخلو من اضطرب, وعلي فرض أنها صحيحة, لانقول إنها غير مقبولة, بل إننا نقبلها إن صحت, ولكن الاضطراب في خبرها يجعلنا نقف غير رادين ولا مصدقين, ومهما يكن الأمر في قصة شق الصدر فإن الغلام الطاهر كانت تحوطه أمور خارقة للعادة . (19)- وأفترض صاحب الروض الآنف سؤالا حتميا فكان جوابه عليه امتدادا للصورة اللامعقولة التي بدأت بها الرواية وانتهت فقال ، فإن قيل وكيف يكون الإيمان والحكمة في طست من ذهب والإيمان عرض والأعراض لا يوصف بها إلا محلها الذي تقوم به ولا يجوز فيه الانتقال ، لأن الانتقال من صفة الأجسام لا من صفة الأعراض قلنا : إنما عبر في المرة الأولى بالصورة التي رآها ، لأنه في هذه المرة كان طفلا فقال عما وجده في الطست بالثلج والبرد وفي المرة الثانية عبر عما كان في الطست بالحكمة والإيمان ، فكان لفظه في الحديثين على حسب اعتقاده في المقامين مناسبا مناسبة الذهب للمعنى المقصود .فكان تأويل ما أفرغ في قلبه حكمة وإيمانا،! فإن نظرت إلى لفظ الذهب فمطابق للإذهاب فإن الله أراد أن يذهب عنه الرجس ويطهره تطهيرا وإن نظرت إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى شيء وأصفاه يقال في المثل أنقى من الذهب ثم قال "والحكمة في خاتم النبوة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه حكمة ويقينا ،ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا ،وأما وضعه عند نغض كتفه فلأنه معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم " أهـ (20)- اتخذ بعض الكافرين من هذه الحادثة دلالة على ميلاد الإنسان بطبيعة إنسانية ساقطة هي طبيعية الميل الغريزي إلى المعصية بما في ذلك رسول الإسلام الذي أقتضى الأمر تدخل جراحي إلهي يزيل عنه هذه الطبيعة الميالة إلى المعصية والآمرة بالسوء , وهو ما يتعارض بالتالي مع قوله صلى الله عليه وسلم يولد الإنسان على الفطرة , وقول سائر علماء المسلمين بنقاء الفطرة الإنسانية حتى يغلب عليها أي القوتين الشر أو الخير . وإزاء ما تقدم أرى أن الأقرب إلى الحقيقة أن الواقعة رؤية , والرؤية بالنسبة للأنبياء تختلف عنها بالنبسة لغيرهم من البشر لكونها طريق من طرق الوحي والتبليغ الإلهي . خاصة وأن رواية البخاري تفيد أن الواقعة كانت نوما
------------------- (1) الحج 52 (2) فصلت 36 (3) بن حبان 6416 عن شريك بن طارق | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:46 am | |
| المرحلة الثانية ------------------------ أما المرحلة التي كانت عقيب البعثة فهي التي كان مهيئا فيها تماما لتلقى الوحي فلم يزده ذلك إلا حسن خلق وتأدب وسمو ورفعة وبر وإحسان حيث أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلمه ما لم يكن يعلم وزكاه واواه من يتم وأغناه من عيلة وهداه من ضالة وشرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وكلأته عينه وحفظته وعصمه واجتباه بالحكمة والعلم ونور اليقين وتخلق هو بخلق القرآن الكريم فصار قرآنا يمشي على الأرض وتخـلق بخلق الأنبياء القويم فجمع سائر أخلاقهم الحسنة . وآيات القرآن والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم والعلماء والفقهاء والحكماء ، وأيضا كثير من المنصفين من المستشرقين والباحثين في كل زمان ومكان ، أجمعوا بغير شذوذ من واحد على سمو خلقه ورفعة قدره وسلامة قلبه ، وهو ما سيكون لنا معه وقفة متأنية فيما سيلي إن شاء الله . ولأن هذه المرحلة هي الأهم وهي الأعظم في تاريخ الإنسانية ، حيث تغير بها وجه الأرض وانتقل الناس فيها من الظلمات إلى النور ومن الشك إلى اليقين ومن عبادة الناس إلى عبادة رب الناس ، فسوف استعرض فيها بعضا من مواقفه صلى الله عليه وسلم لتكون خير دليل على تميزه وانفراده في قراراته ورؤاه . وسأحاول أن اتبع طريقة ريما تكون جديدة وهي الوقوف عند نتيجة الحدث أو الموقف لأتناوله بطريقة عكسية , وذلك بسؤال يقوم على الافتراض والتخيل , وهو ماذا لو كانت النتيجة التي انتهى إليها الحدث أو الموقف بخلاف تلك المعلومة لدينا ؟ وبمعنى آخر ماذا لو كان الذي كتب في التاريخ وسطرته كتب السيرة غير ما كتب ومادون ؟ وسنجد أن أحدا لن يلتفت ولن ينتبه إلى الفارق بين النتيجتين . لندرك عندئذ أن تصرفاته وقراراته عليه الصلاة والسلام كانت تنبع من ذات متفردة . ذات لا تعرف إلا الحق مهما كانت عواقبه ومهما كانت أثاره , هذه الذات هي ذات محمد رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين 1- قصة الأراشي --------------------------- قال بن إسحاق : حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبى سفيان الثقفي وكان واعية قال قدم رجل من أراش يقال له الأراشى لإبل ابتاعها منه أبو جهل فمطله ثمنها. فأقبل الأراشى حتى وقف على ناد من قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى ناحية من المسجد جالس . فقال يا معشر قريش من يؤدينى (1) على أبى الحكم بن هشام فأني رجل غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي ، فقال له أهل ذلك المجلس أترى ذلك الرجل الجالس ؟ – يريدون رسول الله والهزء به لما يعلمون ما بينه وبين أبو جهل من عداوة – اذهب إليه فأنه يؤدي لك ، فأتاه فقال له يا عبد الله إن آبا الحكم ابن هشام قد غلبني على حق لي قبله وأنا غريب ابن سبيل وقد سألت هؤلاء فأشاروا لى بك، فانطلق معه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قام معه اتبعوه ليروا مايكون .فضرب رسول الله باب أبو جهل فقال من داخله من هذا ؟ ، فقال " أنا محمد فاخرج إلي "، فخرج وما فيى وجهه من رائحة قد انتقع لونه , فقال " أعط هذا الرجل حقه " فقال نعم أفعل , فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه , ثم أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للأراشى الحق بشأنك , فأقبل الأراشى حتى وقف على باب الناد وقال جزاه الله خيرا والله أخذ لي حقي ، وما لبث أبو جهل أن جاء فقالوا له ويلك مالك ؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ، فقال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب على بابي وسمعت صوته فملئت منه رعبا فخرجت إليه وإن فوق رأسه لفحل من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ولو أبيت لقتلني (2) والسؤال ماذا لو لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجل أو اعتذر له ؟ إن الطبيعي والعقلي في مثل موقفه صلى الله عليه وسلم من الضعف والهوان والبعثة لم تزل في مهدها ألا يقوم ولو أن أحد غيره لما فعل ما فعل ، ولو كتب التاريخ أنه صلى الله عليه وسلم اعتذر للرجل أو لم يقم معه لما لامه أحد ، ولدافع عن موقفه هذا وقتئذ المسلمون جميعا ، ولوجدوا لذلك أكثر من مبرر أقله تجنب رسول الله الحرج خاصة وأنه يعلم أن قريشا تريد الاستهزاء به ، وتأكد علمه بهذا عندما أخبره الرجل أنهم هم الذين دلوه عليه وهو غريب وعابر سبيل . والتفسير الذي انتهي إليه بن إسحاق فى روايته بأن أبو جهل رأى فحلا فوق رأس رسول الله تفسير فيه نظر ، حيث قيل هذا المبرر فى أكثر من موضع قبل أو بعد ذلك ، ومن ذلك مارواه الماوردي في معجزات من " أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة ، وكان فيهم شاعر القوم فحضهم على قتل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وقال هل محمد إلا رجل واحد وهل بنو هاشم إلا قبيلة من قبائل قريش فليس منكم من يزهد في الحياة فيقتل محمداً ويريح قومه ؟ ، فقال أبو جهل ما محمد بأقوى من رجل منا وإني أقوم إليه فأشدخ رأسه بحجر ، فإن قتلت أرحت قومي ، وإن بقيت فذاك الذي أوثره ، وعلى ذلك خرجوا فلما اجتمعوا في الحطيم خرج عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقام يصلي فنظروا إليه يطيل الركوع و السجود ،فقال أبو جهل فإني أقوم فأريحكم منه . فأخذ مهراشاً عظيماً ودنا من رسول الله وهو ساجد ، لايلتفت ولا يهابه وهو يراه فلما دنا منه ارتعد ، وأرسل الحجر على رجله فرجع وقد شدخت أصابعه و هو يرتعد وقد دوخت أوداجه . ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ساجد فقال أبو جهل لأصحابه خذوني إليكم فالتزموه وقد غشي عليه ساعة ، فلما أفاق قال له أصحابه ما الذي أصابك ؟ قال : لما دنوت منه أقبل علي من رأسه فحل فاغر فاه فحمل علي أسنانه فلم أتمالك ، وإني أرى محمداً محجوباً . (3) ، أو ربما برر أبو جهل – وهو الكذوب لا محالة - خوفه بهذا الفحل , وإلا فلماذا لم يرى هذا الفحل عندما سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجه فاقتص له حمزة بن عبد المطلب وكان ذلك سببا في إسلام حمزة، ولماذا لم يرى هذا الفحل من القوا فوق رأسه الشريف القاذورات وهو ساجد يصلى ، فالتفسير الصحيح إذن هو هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي استولت على قلب هذا الجاهل ، والهيبة أحد الجوانب المهملة عن شخصيته صلى الله عليه وسلم التي لم يتناولها كثيرون شأنها شأن الذكاء والفراسة وسرعة البديهة . 2- رد الأمانات -------------------------- من المعلوم بيقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر عليا رضى الله عنه أثناء الهجرة ليرد الودائع والأمانات التي استودعها عنده المشركون الذين ظلوا على شركهم وظلوا أيضا محتفظين عنده بأماناتهم ، إذ لم يكن أحد بمكة يخشى عنده شيء استودعه ، فماذا لو لم يرد رسول الله هذه الأمانات للمشركين وأخذها معه فى هجرته لتكون عونا له وللمسلمين وهم في أمس الحاجة إلى المال ؟خاصة وأن هؤلاء المودع عنده مالهم هم الكفار والمشركين الذين آذوا المسلمين أيما إيذاء وطردوهم من أرضهم واستولوا على أموالهم وأولادهم وأزواجهم وأمتعتهم وأذاقوهم صنوف العذاب والذل والهوان وحاصروهم وقاتلوهم وأجبروهم على ترك أوطانهم ودياره ، أو لم تكن غزوة بدر الكبرى أصلا منشأها الاستيلاء على أموال المشركين ؟ وإن كان استيلاء ليس بمفهوم السلب والنهب وقطع الطريق وإنما بمفهوم استعادة مال سبق أن انتهبه المشركين ظلما . " سمع النبي أن سفيان بن حرب أقبل فى عير له من الشام وتجارة عظيمة فيها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم (4) وعن كعب ابن مالك قال "ما تخلفت عن رسول الله فى غزوة غزاها قط غير أنى تخلفت عنه فى غزوة بدر , وكانت غزوة لم يعاتب الله ورسوله فيها أحد تخلف عنها . وذلك إنما لأن رسول الله إنما أراد عير قريش فجمع الله بينه وبين عدوه من غير ميعاد. (5) وليس ذلك توقفا عند هذه الغزوة التي كانت بوحي من الله وإذن بالقتال . إنما أتخذها قياسا على أن الحق سيكون معه صلى الله عليه وسلم لو كان أخذ الأموال المودعة عنده ، فلماذا إذن لم يأخذها رسول الله ؟ ولماذا لم تشغله أحداث الهجرة الجسام عن ردها ولماذا لم يستشر صحابته العدول في ذلك ؟ ولماذا لم يأخذها ولو على سبيل التأقيت ثم يردها خاصة وأن أحدا لم يطلبها منه ؟ وماذا لو كتب التاريخ أنه أخذها تحت هذا المسمى أو ذاك ؟ لا ضير ولا ضرر ولا عيب ولا مأخذ . 3 - شراء إحدى الراحلتين : -------------------------------------- جاء أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم براحلتين للهجرة ليختار أفضلهما وقال اركب فداك أبى وأمي ، فقال له رسول الله " لا أركب بعيرا ليس لى "، قال أبو بكر فهي لك يا رسول الله . قال " لا إلا أن أبتاعها منك "(6) ، وأمام إصراره رضخ أبو بكر وأخذ الثمن .. فماذا عليك يا رسول الله لو ركبت وأبو بكر يهب لك الراحلة ؟ ماذا عليك لو ركبت حتى وصلتما إلى المدينة المنورة ثم تكلتما فى الثمن ؟ ماذا لو كتب التاريخ هذا أو ذاك ؟. لاشيء 4- فاطمة والخادم : ------------------------ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها خميلة ووسادة حشوها ليف ورحاءين وسقاء وجرتين . فقال علي قد جاء الله آباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فآتت آباها فاستحيت أن تسأله ورجعت . ثم عادت إليه ثانية ومعها علي ، فقال على " والله لقد سنوت (7) حتى قد اشتكيت صدري ، وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي (8) وقد جاء الله بسبي وسعه فاختدمنا (9) فأبى عليه الصلاة والسلام دون أن يبدي سببا وفي رواية أنه قال " لا أعطيكما وادع أهل الصفة تطوى بطونهم " فرجعا ، فأتاهما النبي وقد دخل في قطيفة لهما إذا غطت وجهيهما كشف قدميهما وإذا غطيا قدميهما تكشفت رأسهما فثارا – أي قاما حياءا – فقال لهما " مكانكما وأبدلهما ذكرا دبر كل صلاة خير مما سألاه (10) ، إلا أن ذلك لا يمنع من السؤال ماذا لو منحهما الخادم ؟ وماذا لو كان الذي علمناه من سيرته أنه أعطاهما خادما ؟ أينقص ذلك من قدره أو قدرهما أو يعيبهما ؟ كلا . 5 - مفاتيح الكعبة : --------------------------- عندما فتح الله سبحانه وتعالى على نبيه مكة المكرمة طلب رسول الله مفاتيح الكعبة وكانت وقتئذ مع بنوعبد الدار آل طلحة , وكان معظمهم لم يزل على الشرك ولم يدخل الإسلام منهم إلا قليل , ومن بين هؤلاء الذين دخلوا الإسلام حديثا قبيل فتح مكة عثمان بن ابى طلحة رضى الله عنه فطلب منه رسول الله المفاتيح . فذهب من فوره يحضرها فوجدها مع أمه " سلافة بنت سعيد " ,فأبت أن تعطيه إياها فجاهد معها وهى على إبائها. - لما فى ذلك من شرف معروف لدى العرب- حتى وضعت المفاتيح فى حجزها فلم يجد طلحة إلا أن يستل السيف عليها مهددا بالقتل فأعطتها له مرغمة , وكان القلق في هذا الوقت قد بدا على رسول الله حتى تحدر العرق منه مثل الجمان وهو يقول ما يحبسه . إلى أن جاء وأعطاه المفاتيح ، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من مهمته داخل الكعبة خرج وبيده المفاتيح . فتطلع إليها الصحابة ومد معظمهم عنقه لينال أحدهم هذا الشرف العربي التليد . وقال على رضي الله عنه لرسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، ولكن رسول الله سأل عن عثمان فجاءه ومثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره رسول الله بموقف كان بينهما فى بداية البعثة ، وهو أن عثمان هذا كان قد فتح الكعبة وقت أن كانت المفاتيح معه فأراد رسول الله أن يدخلها فأبى طلحة وأغلظ له فقال له صلى الله عليه وسلم " لعلها تكون بيدي يوما ما يا عثمان " فقال له عثمان " إذا هلكت قريش يومئذ وذلت ، فقال له رسول الله " بل عمرت وعزت يومئذ " فتذكر عثمان هذا الموقف فتملكه الخجل وقال لرسول الله أو مازلت تذكر ذلك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم بصوت مسموع "يوم بر ووفاء خذوها آل طلحة خالدة تالدة لا ينزعنها منكم إلا ظالم (11) والسؤال الآن ماذا لو انه صلى الله عليه وسلم أخذ المفاتيح لنفسه بصفته الرسول والقائد والأمام ؟ وماذا لو أعطاها أحد من صحابته وهم الذين سألوه إياها حتى انه أراد أن يهون عليهم فقال لهم أعطيكم من المناصب ما يكلفكم مالا ولا أعطيكم ما تأخذون عليه مالا (12) ، ماذا لو كان الذى سجله التاريخ أنه استرد المفاتيح لتعود إلى المسلمين باعتبار الكعبة قبلتهم و البيت الذي يحجون إليه ، وليس من الطبيعى أن تكون مع المشركين خاصة أل طلحة المعروف دورهم البارز فى العداء للمسلمين وعلى وجه الخصوص إبان غزوة أحد . لن يتوقف أحد ولن يعد ذلك مأخذا على رسول الله بل من مآثره . 6- اذهبوا فأنتم الطلقاء : ------------------------------- ثم ما هذه المقولة التى حفظتها الإنسانية وعفى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشركي مكة وكفارها وتاريخهم الأسود الملطخ بالإيذاء والشر والحصار والطرد والحروب والمؤامرات وهي"اذهبوا فأنتم الطلقاء"(13) أي فاتح عرفته البشرية لم ينتقم ممن طردوه وأتباعه أن لم يكن بالسجن والقتل والتعذيب فهي صفات لا يتصف بها الأنبياء فعلى أقل تقدير بعقد المحاكمات أو المحاسبة والمسائلة او التعزير .فشيئا من هذا لم يحدث وأجزم لو أن قلوب البشر كلها اجتمعت حينئذ على موقف تتحد فيه آرائهم وتتفق راضية إزاء هؤلاء المشركين لكان الخيار الأمثل هو تخييرهم بين الدخول فى الإسلام أو العفو ، وكان من الممكن أن يلتهبها رسول الله فرصة ويخيرهم هذا الخيار العادل ، خاصة وأن اغلب هؤلاء الذين فتحت عليهم مكة هم صناديد قريش وأكابرها ممن قضى رسول الله ثلاثة عشر سنة يجاهد داعيا إياهم الدخول فى الإسلام . وعاتبه ربه أكثر من عتاب لتكليفه نفسه فوق ما يحتمل لترغيبهم ورغبته فى إسلامهم , ألا انه لم يفعل شيئا من ذلك بل التمس لهم فرص العفو لا عند دخول مكة فحسب ولكن قبل وبعد ذلك ، " أخرج الطبرانى عن عروة رضى الله عنه قال العباس يا رسول الله إني أحب أن تأذن لى أن آتى قومي فأنذرهم ما نزل وأدعوهم الى الله ورسوله فأذن له ، فقال العباس علمني كيف أقول لهم . بين لى من ذلك أمانا يطمئنون إليه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل لهم من شهد أن لااله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو آمن ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن،فقال العباس إن آبا سفيان ابن عمنا وأحب أن يرجع معي فلو اختصصته بمعروف فقال صلى الله عليه وسلم "ومن دخل دار أبو سفيان فهو آمن "(14) إلى أن دخل رسول الله مكة فى أبهى مظاهر النصر والعزة والكرامة مؤيدا بنصر الله والفتح المبين تحت رايات عشرة آلاف من خيرة أجناد الارض على مر العصور فكان أول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطلعت إليه القلوب والأبصار بعضها فى وجل وخوف ورعب وبعضها فى أمان وسلام وكرامة أن امسك بعضدي باب الكعبة فقال فيما قال" ما تظنون آني فاعل بكم ". فكأنهم وجدوا طوق الأمان ينتشلهم من الرعب والفزع فقالوا خيرا.. أخ كريم وأبن أخ كريم وقد قدرت فقال " اذهبوا فأنتم الطلقاء " قال البيهقى" فكأنما نشروا من القبور فدخلوا فى دين الله أفواجا " (15) ، فلماذا إذن لم يحاسبهم رسول الله وقد تصور الجميع ذلك مسلمين وكفار . حتى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه " قد أمكن الله منهم لأعرفنهم بما صنعوا . "(16)، أي أن عمر بن الخطاب كالبشر مهما علت رتبته فى الإيمان ودرجته فى الإسلام ومهما صفت سريرته قد تأججت فى قلبه الرغبة الفطرية فى الانتقام فلما سمع مقالة الرسول قال " افتضحت حياء من رسول الله أن يكون سمع ما بدر منى (17)وهؤلاء هم بعض أئمة قريش يفرون خارج مكة بأرواحهم خشية انتقام رسول الله . . نذكر منهم . صفوان بن أمية . حويطب بن عبد العزى . النضر بن الحارث . عكرمة بن أبي جهل . ولنضرب مثلا بالأول ، ------------------------------ عن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما " لما كان يوم الفتح هرب صفوان بن أمية حتى أتى الشعب فجاءه ذات يوم عمير بن وهب فظن صفوان أن عميرا يريد قتله - وكان كلاهما اتفقا على قتل رسول الله وفشلت خطتهما لما علم رسول الله بوحي من الله ما دار بينهما - فقال له صفوان ما كفاك ما صنعت بى حملتني دينك وعيالك ثم جئت تريد قتلى.قال آبا وهب جئتك من عند رسول الله وقد أمنك ودعاك أن تدخل في الإسلام وإلا سيرك شهرين(18)وكان عمير قد استأمن لصفوان عند رسول الله فأمنه رسول الله - فقال صفوان لا والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها فعاد عمير لرسول الله وأخبره فأعطاه رسول الله عمامته وعاد لصفوان . فرجع صفوان حتى انتهى الى رسول الله فقال له يا محمد أن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فأن رضيت وإلا سيرتني شهرين . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " انزل آبا وهب " فقال الأخير لا والله حتى تبين لى فقال رسول الله " بل لك تسير أربعة أشهر فنزل . وخرج رسول الله قبل هوازن ومعه صفوان وهو كافر وأرسل إليه يستعيره سلاحه فأعاره سلاحه - مائة درع بأداتها - إلا انه سأله أطوعا أم كرها ؟ فقال رسول الله "بل عارية رادة فحملها إلى حنين " فبينا رسول الله يسير في الغنائم وجد صفوان ينظر إلى شعب ملاء نعما وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله يرمقه فقال له " آبا وهب أيعجبك هذا الشعب قال نعم قال " هو لك " فقال صفوان ما تطيب نفس بهذا إلا نفس نبي وشهد وأسلم مكانه (19) الإجابة أذن كسابقتها لن يتغير فى الأمر شئ ولن يحاسب التاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم 7 - عبد الله بن أبي سرح ----------------------------------- كان من كتاب الوحي ثم ارتد وصار إلى قريش يحدثهم الكذب ويقول إني كنت أصرف محمدا حيث أريد , وفيه نزل "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ )(20) فلما كان يوم الفتح أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فنذر عباد بن بشر الأنصاري أن يقتله , فلما ضاقت الأرض بهذا المهدر دمه لجأ إلى عثمان بن عفان أخوه من الرضاعة ، فغيبه عثمان ثم خرج به بعد اطمئنان ، ثم استأذن عثمان رسول الله في العفو عن بن أبي سرح , فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظل به عثمان ورسول الله ساكت ينظر إلى عباد بن بشر ينتظر أن يفي بنذره ، والأخير واقف ويده على قائمة سيفه ينتظر أمر رسول الله له ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبسط عبد الله بن أبي سرح يده يبايع رسول الله فبايعه .ثم قال رسول الله بعد ذلك " أعرضت عنه مرارا ليقوم أحدكم إليه ليقتله "(21) وفي رواية " أليس منكم رجل رشيد يقوم فيضرب عنقه " (22)وفي أخرى " ما صمت إلا ليقوم إليه أحدكم فيقتله " (23) فقال عباد بن بشر كنت أومأ إلي بعينك يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم " ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين"(24) وهنا ينطلق السؤال مرة أخرى وليست بأخيرة , ماذا لو كان الذي علمناه أن رسول الله أومأ فعلا بعينه لهذا الصحابي ؟ لم يكن ليتغير شيء ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هو المبعوث من قبل ربه والموحى إليه وهو القائد والمعلم والمشرع والحاكم وهو الذي أهدر دم هذا المرتد الذي افترى عليه الكذب وادعى أنه يوحى إليه ولم يوحي إليه الله بشيء . وهو المنوط به إقامة الحد أو تكليف أحد من أتباعه بذلك , وطريقة التنفيذ تكون بأي طريقة تلائم الموقف بالقول أو بالفعل أو بالإشارة , والإشارة قد تكون باليد أو بالإيماءة أو بأي حركة أو سكنة يفهم منها وجوب التنفيذ , فلا ضير إذن لو كان فعل ذلك ولن يكون ذلك مأخذا عليه بأي حال من الأحوال . خاصة وأن الذي ستناله هذه الايماءة كافر مرتد افترى على الله ورسوله كذبا . 8 - عبد الله بن أبي بن سلول . -------------------------------------- أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي فقال له أعطني قميصك أكفنه فيه .وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه وقال آذني أصلي عليه(25) " فلما أراد أن يصلي جذبه عمر وقال له أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ؟ فقال رسول الله " أنا بين خيارين إذ قال (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(26) فصلى عليهم فنزلت (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (27) وعند أحمد عن عمر قال عمر " يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا قال - ورسول الله يبتسم - حتى إذا أكثرت عليه قال " أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت قد قيل لي " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم " لو أني أعلم أني لو زدت عن السبعين غفر له لزدت ثم صلى عليه فنزلت (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)فما صلى رسول الله بعدها على منافق " (28) إذن فعبد الله بن أبي كان معلوم النفاق للكافة وعرف برأس المنافقين وأنه عدو لله ورسوله ، وأنه بالبناء على ذلك في الدرك الأسفل من النار حسب وعيد الله للمنافقين ، وأن مقتضى التخيير في الآية هو ألا يستغفر صلى الله عليه وسلم وبالتالي لا يصلي عليهم وقد فهم ذلك رسول الله وعلمه جيدا . إلا أنه استخدم فطنته ورحمته في التخيير وصلى على المنافق مادام لا يوجد نص صريح يحرم عليه ذلك من ربه ، حتى إذا نزل التصريح امتنع رسول الله عن الاستغفار لهم والصلاة عليهم أو الإقامة على قبورهم , ولو أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلي عليه لكان معه الحجة والمبرر الذين أرادهما عمر وأيده الله تعالى عليهما وهو أن الله تعالى نهاه عن الاستغفار للمنافقين بالتخيير وبالتالي عن الصلاة عليهم , ولو أن التاريخ كتب أن رسول الله اعتذر لأبنه عن عدم الصلاة عليه لما توقف أحد وتسائل لماذا لم يختار صلى الله عليه وسلم الاستغفار له ؟ ولماذا لم يصلي عليه مادام النهي لم يتحصل بعد 9- بيعة النساء ---------------------- عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (29) وقالت رضي الله عنها وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها(30) وعن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيما استطعتن وأطعتن " قالت " فقلت الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة " (31)وتحت عنوان بيان صفة بيعة النساء وبيعة من كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح قال الإسفرائييني عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت "ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك"(32) وكذا أفرده مالك في الموطأ عن الزهري لفظ " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا اخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك " وفسر النووي هذا الاستثناء بقوله " وتقدير الكلام ما مس يد امرأة قط ولكن يأخذ عليها البيعة ثم يقول لها اذهبي الخ " و أخرج إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أسماء بنت يزيد مرفوعا إني لا أصافح النساء (33) وعن عائشة أيضا أن امرأة مدت يدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فقبض يده فقالت يا رسول الله مددت يدي إليك بكتاب فلم تأخذه قال " إني لم أدر أيد امرأة هي أم يد رجل قالت بل يد امرأة قال لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء كراهية ريح الحناء " (34) الذي لا شك فيه أن مصافحة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في أي مرحلة من مراحل حياته النبوية ستكون سنة لها حجيتها وذريعة لمصافحة النساء ولمس أيديهن ولن يكن للنهي عن مس النساء أثر بليغ حالئذ . ولكن المأخوذ من واقعة البيعة هذه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصافح النسوة اللائى جئن لمبايعته من منطلق النهي عن مصافحتهن وإلا لقال صلى الله عليه وسلم إني نهيت عن ذلك , ولكن الواضح أن ذلك خلق تخلق به صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وقبل أن يوحى إليه ، وآية ذلك قوله إني لا أصافح النساء , وهي قولة تأخذ على اطلاقها الزماني والمكاني وتحت أي ظرف من الظروف ، وفي موضع آخر قول عائشة : " ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط " بما يدل ذلك دلالة قاطعة على استقلاليته وتفرده وتميزه صلى الله عليه وسلم عن سائر الخلق , حيث لم يثبت ذلك عن غيره في الأولين أو الآخيرين , علما بأنه لو كان فعل ذلك لعد ذلك استثناءا وخصوصية له على أقل تقدير حتى يتناسب مع نهيه عن ذلك , وسنرى بعد إن شاء الله أن من بعض فضائله وخصوصياته صلى الله عليه وسلم حرمته على النساء وحرمة النساء عليه وجواز اختلائهن به , فلن يكون ثمة ما يمنع أن تكون من خصائصه مصافحتهن أو ملامسة أيديهن ، أو ربما لو كان فعل لجاءه النهي بعد ذلك فيكون ذلك النهي ناسخا وحكما له حجيته والعمل به . ثم لنتوقف عند هذه اللقطة الفريدة عندما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن يد المرأة التي مدت يدها من وراء حجاب لتناوله كتابا . ففيها أنه صلى الله عليه وسلم شك في هذه اليد أهي يد رجل أم يد امرأة , وشكه هذا محمول على احتمالين أحدهما – وهو الاحتمال الأدنى – أنها يد امرأة ، لأن احتمال أن تكون يد المرأة أشبه بيد الرجل أقرب من احتمال أن تكون يد الرجل أشبه بيد المرأة ، وقد أخذ بالاحتمال الأدنى , وما كان عليه من غضاضة إن هو أخذ بالاحتمال الآخر وأخذ منها الكتاب ، خاصة وأن الأمر لن يعدو ذلك ولن يمتد إلى الملامسة أو حتى المصافحة وهو بذلك لا يضع أساسا لبرأة المرء لدينه باتقاء الشبهات فحسب إنما يجسد شخصيته المستقلة أروع تجسيد ويعبر عن هذه الشخصية أروع تعبير بغير مبالغة وبغير تكلف وبكل ما تحتويه النفس البشرية من فطرة سوية سليمة غير مشوبة بعيب أو تردد . 10 - أعرابي يبول ------------------------------- عن أنس بن مالك قال دخل أعرابي المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته ثم قام إلى ناحية المسجد فبال قال فصاح به الناس فصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ ثم دعا بذنوب من ماء فصبه على بول الأعرابي (35) وبرواية أخرى عن أنس بن مالك أيضا قال بينما نحن في المسجد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مه مه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزرموه دعوه " فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشنه عليه (36) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " (37) ، وفي سنن البيهقي قوله رواه البخاري في الصحيح عن الحجبي ورواه مسلم عن قتيبة كلاهما عن حماد بن زيد ، وفي مسند الشافعي قال النبي علموا ويسروا ولا تعسروا (38) لقد انطلق الصحابة رضي الله تعالى عنهم من منطلق دعاهم إلى موقفهم الذي اتخذوه من هذا الأعرابي الجلف وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من منطلق آخر دعاه إلى موقفه الذي اتخذه تجاه ذات الرجل ، أما منطلقهم فهو منطلق النفس البشرية بأسرها حين يعرض أمامها تصرف مثل تصرف هذا الرجل الذي بال في بيت من بيوت الله أمام الناس وفي مكان أعد للعبادة والذكر والصلاة وتغشاه الملائكة فضلا عن خير البرية محمد وصحبه , أما منطلقه هو صلى الله عليه وسلم فمنطلق ذاته المتفردة المستقلة لم تمكنهم فطرتهم السوية من الصبر على الرجل حتى يقضي حاجته ، بينما مكنت فطرة رسول الله نفسه من الصبر , ولم يتمالكوا فصاحوا وهموا بالرجل وأرادوا أن يقعوا فيه ، بينما تمالك هو وهو فقط الذي يمكنه أن يتمالك , نبع تصرفهم إذن من تلقائية محضة ونبع تصرفه صلى الله عليه وسلم أيضا بتلقائية محضة ، ولكن كان الفارق بين التصرفين هو الفارق بين الناس جميعا وبينه صلى الله عليه وسلم , ------------------------------------ (1) يرد لي حقي (2) سيرة بن هشام (3) أعلام النبوة للماوردي باب معجزات عصمته صلى الله عليه وسلم (4) ذكره الطبري في تفسيره وتاريخه وقال رواه عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس وكذا بن كثير نقلا عن ابن اسحاق وغيرهما (5) مسند اسحاق بن راهوية الحنظلي ورواه الطبري في الرياض النضرة عن ابن اسحاق والطبري في التاريخ (6) تاريخ الإسلام للذهبي غزوة بدر (7) سنوت : أخرجت الماء بالدلو من البئر (8)مجلت يدي: ورمت وظهر تخن جلدها (9) اتخذتما خادما (10) قال الإمام أحمد في الأحاديث المختارة اسناده صحيح (11) السيرة النبوية لابن هشام (12) حياة الصحابة للكاندهلوي (13)سنن البيهقي 18055 والسيوطي في الجامع الصغير باب الشمائل وجاء في نيل الأوطار للشوكاني والطبري في التاريخ , بينما قال الألباني هذا الحديث على شهرته ليس له إسناد ثابت، و هو عند ابن هشام معضل وضعفه الحافظ العراقي (14)صحيح مسلم 1780 باب فتح مكة (15) سنن البيهقي الكبرى (16) حياة الصحابة للكاندهلوي (17)المصدر السابق (18) أي أجلك (19) حياة الصحابة (20) الأنعام من الآية 93 (21) رجال نزل فيهم قرآن (22) القرطبي في تفسير الآية السابقة وفي كتاب عون المعبود لأبو الطيب نقلا عن أسد الغابة (23) نفس المصادر السابقة (24) قال صاحب المستدرك صحيح على شرط الشيخين وقاله القرطبي في التفسير وأيضا في سنن البيهقي وأبي داود (25) صحيح البخاري باب الكفن في قميص 1210 (26) التوبة 80 (27) التوبة 84 (28) رجال نزل فيهم القرآن بتصرف (29) الممتحنة:12 (30)صحيح البخاري 6788 (31) موارد الظمآن للهيثمي أبو الحسن (32) مسند أبي عوانه للأسفرائيني (33) فتح الباري لابن حجر ج 13 (34) السنن الكبرى للنسائي ج5 /9364 (35) مسند أبي عوانة للأسرافييني 565 (36) نفس المصدر (37)قال المنذري صاحب الترغيب والترهيب رواه البخاري (38) مسندالشافعي | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:48 am | |
| الفصل الثاني منظومة الكمال
تخطيه الكمال غاية ما توصل إليه الفكر الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل أي الذي اكتملت فيه كل صفات الخير وانتفت عنه كل صفات الشر وبلغت الصفات الخيرية فيه حدها الأقصى , يقول الغزالي : أمهات محاسن الأخلاق هي الحكمة والشجاعة والعفة والاعتدال وغيرها فروع ولم يبلغ كمال الاعتدال فيها إلا رسول الله (1) وعلى وجاهة هذا التوصل وهذا الفكر إلا أنه لم يزل غير وافيا , لأن الكمال على هذا النحو أمر غير بعيد المنال عن غيره صلى الله عليه وسلم وإلا ماكان الله سبحانه وتعالى طلبه من المسلم وحثه عليه ، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي كفل الخير المطلق أي الخير الكامل الشامل المبرأ من الأثرة (2) ، ومما يقرب هذا المعنى ما جاء في البخاري عن أبي موسى الأشعري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد ى سائر الطعام )(3) ، وهو كمال ليس المقصود به كمال النبوة كما جاء عند بعض العلماء مثل بن حجر في الفتح (4) ، لأن لفظة ( الكمال ) تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى ( هكذا قال مسلم في شرحه )، مما يقرب من هذا المعنى أيضا ويؤكده الأحاديث الواردة عن الأبدال في بعض المسانيـد كمسند الأمام أحمد ومن ذلك ما أورده عن عبادة بن الصامت مرفوعا " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا "(5) وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أبدال أمتي لن يدخلوا الجنة بالأعمال، ولكـن دخلوها برحمة الله تعالى وسخاوة النفس وسلامة الصدر والرحمة لجميع المسلمين ". وقــد أفرد الأبدال بالتأليف السخاوي وسماه نظم اللآل، وكذا السيوطي وسماه القول الدال.وقالا إن للأبدال علامات: منها ما ورد في حديث مرفوع " ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال: الرضا بالقضاء، والصبر عن المحارم، والغضب لله " (6) والمتتبع لآيات الله وأحاديث نبيه يجدها تحض على كل خير مهما كان دقيقا وتنهى عن كل شر مهما كان دقيقا , ثم تجده جلا وعلا يجازي بالثواب على فعل الخير وإن كان مثقال ذرة ويجازي بالعقاب على فعل الشر وإن كان مثقال ذره إلا أن يعفو سبحانه وتعالى ويغفر قال تعالى ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (7) وهو سبحانه وتعالى فى جماع هذه المطالب أمرا ونهيا لا يكلف النفس إلا بما تطيق قال تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت)(8) بل لعلى لا أكون مبالغا إذا قلت أن الله سبحانه وتعالى مايز الأمة الإسلامية بالوسطية فى كل شيء إلا في قيم الخير والأخلاق الحميدة أرادها كاملة غير منقوصة لا تشوبها شائبة ولا يعتريها ثمة نقص بحيث لا يجتمع فى المسلم فعل الخير والشر معا أو فعل الحسن والقبيح . فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "(9)أي ليجعلها كاملة ، فلنقرأ قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(10) وقوله(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (11) ، تجد هذه الآيات تأمر بمعظم إن لم يكن كل خصال الخير , وتنهى عن معظم إن لم يكن كل خصال الشر , وقد أمر الله بها ونهى عنها وهي فى قدرات الإنسان واستطاعته ، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لااله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان ." (12) ، وعدد البيهقى فى شعب الإيمان سبع وسبعين شعبة جعل من بينها جميع ما حرمه الله كتحريم السرقة والفروج والجنايات والغل والحسد وتناول أعراض الناس و الكذب والغيبة والنميمة , وجعل أيضا من بينها جميع ما أحله الله كبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الخلق ورد السلام وعيادة المريض .(13) ومن هذا المنطلق يصير الكمال غير مستحيل , ومن هذا المنطلق أيضا يمكن القول بأن بعض الصحابة الأجلاء وصلوا الى هذه المرتبة من الكمال مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما رضى الله عنه ,فما أجد فيما سطرته كتب ومراجع حياة الصحابة وسيرهم ما يعيب الأول ، وما عابه امرئ قط قديما أو حديثا سوى غلاة الشيعة الجهلاء وما يلتفت إلى جهلهم ، فما من ثمة نقيصة نسبت إليه فضلا عن مثل الخير العليا التى كانت تجري في عروقه مجرى الدم حتى تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون له خليلا . (14) . فاسمع ابن الدغنة يقول لقريش وقد هم أبو بكر أن يهجر مكة قبل الهجرة " أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الدهر "(15) وهي نفس الأوصاف التي قيلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان خديجة رضي الله عنها عندما جاءه الوحي صلى الله عليه وسلم فقالت له " أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا والله انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق (16)،واتفقت أقوال واصفيه رضي الله عنه على أنه كان أليفا ودودا حسن المعاشرة مطبوعا على أفضل الصفات التي تتألف له الناس فيألفونه(17) ولم يعرف عنه أنه كان فاحشا أو جهولا أو قوالا بالخنا ولم يجد ناقدوه إلا حدة كانوا يجدونها فيه أحيانا فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول " كنت أدارى منه بعض الحد – أى الحدة " ويقول بن عباس كان خير كله على حدة كانت فيه " (18) ، وبذات المعيار يصل عمر أيضا الى رتبة الكمال – والإسلام يجب ما قبله – فلا خلاف على أنه إذا ذكر عمر كان اسمه قرينة على كل مكرمة وخير , ولم أجد أيضا فيما نقل إلينا ما يشينه اللهم إلا شيئا من تهور وحمية لله ولرسوله , ومبالغة من بعض كتاب السير فيما ينقلونه عنه دون دليل , كقولهم في كل مناسبة بهمه بضرب العنق . فإذا كان ذلك وكان بمقدور أي إنسان أن يصل إلى هذه الرتبة من الكمال إذا التزم بتعاليم الإسلام وحدوده وأوامره ونواهيه , وكان بعض الناس قد وصل إلى هذه الدرجة فعلا , فإن القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل قول لم يبلغ به القدر الذي يستحقه , ويكون القول الصحيح هو أنه عليه الصلاة والسلام تخطى الكمال البشري درجة لايعلمها إلا الله , وبلوغه هذه الدرجة لم يكن لأنه تحمل أعباء الرسالة فتميز بذلك عن غيره فحسب ، ولكن لأنه احتمل ما لا يحتمله غيره وانطوى قلبه على ما يتعدى حدود الخير القصوى وبما يزيد على ما هو مطالب به , وخير من الإطناب والأقاويل المرسلة نتخير بعضا من مواقفه صلى الله عليه وسلم لنرى حدود الكمال فيها وما كان ينبغي أن يصنعه الإنسان الكامل فيها
1- أنس خادمه. روي بسند صحيح عن أنس رضى الله عنه قال " خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لما فعلته ولا لشيء لم أفعله لما لم افعله ولم يقل لى أف قط "(19) فهل الكمال ألا يتضجر فى وجه خادمه يوما أو يعاتبه عن شئ فعله لما فعله أو لشيء لم يفعله لما لم يفعله أو لا يقل له أف أبدا ؟ أم ترى أن أنسا هو الذي بلغ حدود الكمال القصوى فلم يتسبب فى أى فعلة تضايق سيده طيلة هذه السنوات ؟ ستجيب الأحداث والمواقف
2- حادثة الإفك بعض المدينة تخوض في عرض زوجته الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو حائر يستشير أصحابه , وقد انقطع الوحي عنه قرابة الشهر فلم يزد على أن قال لعائشة بعد أن حمد الله وأثنى عليه " ياعائشة أنه قد بلغني عنك كذا وكذا فأن كنت بريئة سيبرئك الله . وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه فأن العبد إذا أعترف بذنب وتاب تاب الله عليه "(20) وكانت عائشة طوال هذه المدة لاتعلم ما يدور حولهـا حتى علمت ولم يكن قد بدا من رسول الله ما يعبر عن ذلك . وعندما نزلت براءنها وعرف رسول الله أن رأس المنافقين بن سلول هو قائد الإفك صعد المنبر وقال : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ آذاه لى في بيتي . فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكر لى رجلا ( صفوان بن المعطل ) ما علمت عنه إلا خيرا "(21) فقام سعد بن معاذ وقال أنا أعذرك يا رسول الله إن يكن من الأوس ضربت عنقه وأن يك من الخزرج أمرتنا فلبينا أمرك فعلا صوتي زعيما الأوس والخزرج حتى هدأهما رسول الله وهدأت الأزمة إلا قليلا ، ولاحظ أن رسول الله لم يذكر بالاسم عبد الله بن أبى بن سلول إنما اكتفى بالإشارة إليه بالعموم , فهل كان ينتقص من كماله عليه الصلاة والسلام إن هو سأل عائشة عما تلوكه الألسنة فى مهد الواقعة ؟ هذا هو التصرف الطبيعي . وهل كان ينتقص من كماله إن هو ذكر ابن سلول بالاسم أو عاتبه أو حتى أهدر دمه وهو الذي خاض في عرضه ؟
3 - إيذاء قريش له . وهل كان ينتقص من كماله إن هو غضب لنفسه وقد بلغ إيذاء قريش له وسخريتهم به واستهزائهم منه مداه ، حتى القوا الروث والوسخ على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي . أخرج أبو نعيم فى دلائل النبوة " عن عمرو بن العاص قال ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي إلا يوما ائتمروا به وهم جلوس فى الكعبة وهو يصلى عند المقام , فقام إليه عقبة بن المعيط فجعل رداؤه فى عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطا ، فتصايح الناس فظنوا أنه مقتول ، فأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعي ( بكتفي ) رسول الله يرفعه وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ؟ ، فلم يسلم بدوره من آذاهم ، لك أن تتخيل وتتساءل أهذه هي درجة الكمال والتي لا يغضب عندها رسول الله وينتصر لنفسه ولو مرة واحدة وهو بمكة ثلاثة عشر عاما يعانى سخريتهم واستهزائهم وآذاهم وحصارهم وسبهم ووقاحتهم وكفرهم ؟ وكانت المرة الوحيدة التى عبر فيها عن غضبه لما قال لهم " أتدرون لقد جئتكم بالذبح " ،فيما أخرجه بن حبان في مسنده " اجتمع أشراف قريش فذكروا رسول الله فقالوا ما رأينا مثل ما رأينا وما صبرنا ما صبرنا على هذا الرجل , سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وسب آلهتنا ، فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول - قال الراوي فعرفت ذلك في وجهه – فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها وفعلوا كذا الثالثة – ويعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ثم قال " أتسمعون معشر قريش والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح " فأخذت القوم كلمته فما من رجل إلا وكأن على رأسه الطير حتى أن أشدهم وطأة قبل ذلك ليقول له انصرف أبا القاسم فما كنت جهولا (22)، والقول بأن رسول الله نبي ورسول فليحتمل كما احتمل غيره من أولى العزم من الرسل هو قول صحيح فى شكله سقيم فى جوهره , لأن الله لم يجرد الأنبياء من بشريتهم ، فالنبي بشر كسائر البشر يأكل ويشرب ، وينام ويصحو ، ويتزوج وينجب ، ويبكى ويضحك ، ويغضب ويفرح ، ويعتريه ما يعتري البشر جميعا من تغيرات وأحداث ، إلا أنهم يتمايزون عن البشر فى البعث والتبليغ عن ربهم مع رفعتهم عن الدنايا والتحلي بمكارم الأخلاق , فلا غرابة إذن أن يغضب رسول الله لنفسه وهو الذي قال " أوذيت فى الله وما يؤذى أحد , وأخفت في الله وما يخاف أحد "(23) وقال المقداد : لقد بعث النبي على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء فى فترة وجاهلية على قوم ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان (24)،والمقام الذي نتحدث عنه ليس مقام الاحتمال فحسب إنما مقام سموه عليه الصلاة والسلام على القدر المتاح لبشر نبيا كان أو غير نبي للاحتمال
4- أبي رهم الغفاري . أحد الصحابة كان عائدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وكان الى جنب النبي على ناقة له وفى رجليه نعلان غليظان إذ زحمت ناقته ناقة رسول الله فوقع حرف نعله على ساقه صلى الله عليه وسلم فآلمته فقرعه رسول الله بسوط كان معه وقال له " أخر رجلك قد أوجعتني " فلم يبت الرجل ليلته من شدة القلق والظن أن يكون رسول الله قد غضب عليه او أخذ منه حتى إذا كان الضحى أرسل إليه رسول الله فقال الرجل هي والذي نفسي بيده لقد أنزل الله في قرآن بسبب ما فعلته برسول الله , فلما ذهب الرجل الى رسول الله ومازال الخوف والوجل والحزن يملؤه قابله رسول الله ببشر وابتسامة وقال له " لقد أوجعتني بالأمس وأوجعتك فخذ هذه الغنمات عوضا لك عن ضربتي "(25) إن الكمال المفترض في هذه الواقعة يأخذ عدة وجوه ليس ما فعله رسول الله من بينها , فإن كان رسول الله قد قرع الرجل بسوطه الذي كان بيده وما أظن الضربة إلا أنها كانت على سبيل العتاب والمودة المعهود بها صلى الله عليه وسلم فيكفي الرجل أن يعتذر له رسول الله أو يبتسم فى وجهه خاصة وأن ضربة رسول الله كانت رد فعل تلقائي لفجاءته بالألم الناتج عن اصطدام قدم أبى رهم به , وخاصة أيضا أن الرجل كان يظن أنه هو الذي أغضب رسول الله وأن مجرد تأكد الرجل من أن رسول الله غير آخذ عليه كان يكفيه هو أو غيره . فالكمال أذن هو فض الأشكال الحاصل بابتسامة منه عليه الصلاة والسلام أو كلمة حانية أو قولة ترد لهذا الرجل الدم الذي هرب من عروقه ليلة كاملة , إلا أنه تعدى هذه المرحلة صلى الله عليه وسلم وربما لم ينم قريرا هو أيضا خشية أن يكون الرجل قد ساءه ضربه بالسوط له وقوله له أوجعتني , فلم يمنعه أن يرسل إلى الرجل ليزيل اللبس والوحشة إلا الليل فكان ماكان من رسول الله من عطاء يفوق خيال الرجل وتوقعاته
5 - لست ملكا . رآه عمر ابن الخطاب وقد أثر فى جنبه حصير فقال له " يا رسول الله قد آثر في جنبك رمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع الله عليهم وهم لا يعبدون الله . فاستوى عليه الصلاة والسلام وقال" أفي شك أنت يابن الخطاب ؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم فى الحياة الدنيا "(26) بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنه تواضع النبوة وأخلاقك أنت وحدك التى تنفرد بها دون العالمين لأنك تعلم أن نبى الله داود كان ملكا وسليمان أيضا أوتى ملكا عظيما وما تركت فيهما الدنيا أثرا يحول بينهما وبين الرسالة والدعوة إلي الله .
6 - طعامه ولأنك تعلم وأنت المنزل عليك الكتاب أن الله هو القائل (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (27) فإذا زوجتك أم سلمة تصف لنا طعامك ليلة عرسها فتقول . " فإذا جرة فيها من شعير وإذا رحى وبرمة وقدر وكعب فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته فى البرمة وأخذت الكعب فأدمته فكان ذلك طعامه وطعام أهل بيته ليلة عرسه "(28) وتصف زوجتك أم المؤمنين عائشة بعض لياليك فتقول "لقد كنت أبكى رحمة به مما أرى به وأمسك بطنه بيدي مما أرى من الجوع "وتقول "كانت الليالي تمر دون أن يوقد فى بيتي زيت "
7 –معاناته . عانى صلى الله عليه وسلم الفقر ومات ولم يدع ميراثا يورث لاعن ضيق ذات يد أو عدم قدرة على التكسب فقد كان له خمس الفيء والغنائم ولكن عن زهد وورع وعانى المرض والحمى وآلام السم ، وعانى اليتم والوحدة وعانى موت أولاده وبناته تباعا فى حياته وعانى موت زوجته الحبيب والسند المعين , وعانى الإهانة والإيذاء وعانى الخوف والهروب والحصار , وعانى الموت وسكراته , عانى كل هذا ليعلو فوق الكمال فيحتوي كل نواقص أمته وكل آلمها وأحزانها , فإذا وجد فيها فقيرا فلا يجحد , وإذا وجد فيها محروما فلا يبئس , وإذا وجد فيها ضالا فلا يتعب , وإذا وجد جائعا فلا يغضب , وإذا وجد فيها مهانا فلا يحزن وإذا وجد يتيما فلا يقنط , وإذا وجد أرملا أو ميتا ولده فلا يبكي .
8 – عبس وتولى . عبس فى وجه أعمى لأنه كاد أن يشغله عن دعوته صلى الله عليه وسلم لعلية القوم ، فانشقت السماء عن جبريل أرسله ربه بقرآن يتلى الى يوم الدين يعاتب رسوله المعظم عنده والمسمى محمودا في السماء ليقول له لا ، ليس أنت يا محمد الذي تعبس فى وجه إنسان أيا كان قدر هذا الإنسان وأيا كان حاله جاء يسألك وأنا القائل لك (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (29) ليس أنت ، إنما يفعلها غيرك من البشر فتكون هنة تمحوها اعتذار بسيط أو ابتسامة , أما أنت فلا ، لأنك أسمى عندي وأحب
9- الله أحق أن تخشاه . أخفى في نفسه وحي الله تعالى له بأن زينب بنت جحش زوجته ، فأبى أن يأمر مولاه زيد الذي كان يشتكيها له ويستأذنه في طلاقها أن يطلقها فعاتبه ربه فقال له (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً)(30) حتى قال عمرو بن مسعود الثقفي وعائشة والحسن " ما أنزل الله على رسوله آية أشد من هذه الآية (31) وقال علي بن الحسن " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زوجته زينب وأن يتزوجها بتزويج الله له , فلما تشكى زيد للنبي خلق زوجته وأنها لا تطيقه وأنه يريد طلاقها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية أمسك على زوجك وهو يعلم أن طلاقها واقع لا محالة وهذا هو الذى أخفى رسول الله في نفسه وخشى قول الناس في زواجه بها بعد زيد فعاتبه الله في ذلك(32) وقال القرطبي " هذا القول هو أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي بن العربي والقشيري وغيرهم" (33) كما قال الترمزي وهذا الذي قاله علي بن الحسين جاء به من خزانة العلم جواهر من جواهر ودرا من الدرر (34) وقس كل المواقف النبوية على هذا النحو وأعلم أن كل شيء خلقه الله وكل قوة أودعها فى خلقه لها حدود بما فى ذلك القيم والمثل الأخلاقية العليا . واليك هذا المثل البسيط ، دخل رجل على رسول الله وأبو بكر - ويبدو أن خصومة كانت بينه وبين أبو بكر –فنال الرجل من أبو بكر سبا وإيذاء مرة تلو أخرى وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فلم زاد الرجل فى إيذائه له ، لم يجد أبو بكر بدا وقد وصل الصبر معه الحد الكامل إلا أن ينتصر لنفسه ويرد على الرجل سبابه , فما كان من رسول الله إلا أن قام من المجلس ، فسأله أبو بكر عن سبب ذلك وهو شاهد على الواقعة من بدايتها , فقال له صلى الله عليه وسلم – بالمعنى – " وكل الله ملكا يرد عنك فلما انتصرت أنت لنفسك حضر الشيطان وأنصرف الملك وما كنت لأجلس بمجلس به شيطان . " شاهد الموقف الحد الذي أحتمله أبو بكر من الصبر ، والصبر ككل الملكات التى أودعها الله البشر كالعقل والعفو والإحسان والبر والعطف ، وكالجوارح أيضا كالسمع والبصر والإرادة كلها لها حدود وكلها لها قوى محددة . وقولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخطى الكمال ففاق غيره من البشر ، لا يتعارض مع كمال الله الذي يليق بذاته سبحانه وتعالى ، لأن الحديث عن الكمال هو حديث عن بشر يتمايزون فيما بينهم من حيث الصفات والأحوال والطباع وما إلى ذلك , فليس في ذلك تعديا للحدود البشرية ولا خروج بها عن المتاح لها ، أما صفات الله تعالى فليست محل للتمايز أو المقارنة ، لأنه سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير)(35) ----------------------------------------------------------- (1) إحياء علوم الدين الجزء الثالث (2) من أخلاق النبي أ/ أحمد الحوفي (3) البخاري المجلد الخامس كتاب 62 (4) الفتح لابن حجر جزء 6 /447 (5)مسند أحمد 22803 وذكره بن كثير في تفسيره وقال الهيثمي في الزوائد رجاله صحيح عدا عبد الواحد بن قيس (6) قال المناوي في فيض القدير قال الذهبي في الضعفاء وقد وضع الألباني أحاديث الأبدال في الضعفاء انظر حديث رقم 1405 في ضعيف الجامع (7) آل عمران 30 (8) البقرة من الآية 286 (9) في المستدرك صحيح على شرط مسلم (10) النحل 9 (11) الأعراف من الآية 33 (12) صحيح مسلم 35 (13) ذكرها تفصيلا د/ علي عبد الحليم محمود في كتابه التربية العقلية (14) صحيح البخاري 3457 (15) البخاري 2175 (16) شرح النووي على صحيح مسلم (17) عبقرية محمد للعقاد ( 18) المصدر السابق (19) صحيح البخاري 5691 وغيره (20) صحيح مسلم 2770 باب حادثة الإفك (21) المصدر السابق (22) سيرة بن هشام (23) صحيح بن حبان 6567 وقال الهيثمي رجاله صحيح (24) بن حبان 6560 والمقصود بأشدهم وطأة من قبل هو أبو جهل وقد شكك محقق كتاب حياة الصحابة للكاندهلوي الدكتور محمد بكر اسماعيل في صدور هذه الجملة عن النبي صلى الله عليه وسلم لتنافي ذلك مع قول الله تعالى " وما أرسلناك إلآ رحمة للعالمين " وقوله " وإنك لعلى خلق عظيم " ج أول ص 249 (25) مسند أحمد 7036 (26)صحيح مسلم 1479 (27) المؤمنون 51 (28) الطبقات الكبرى الجزء الثامن لمحمد الزهري (29) الضحى:10 (30) الأحزاب 37 (31) تفسير بن كثير (32) نفس المصدر (33) تفسير القرطبي (34) نفس المصدر (35) الشورى الآية11 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 11:52 am | |
| الباب الثاني ( الأخلاق ) منظومة الكمال --------------------------------------------------------------------------------
منظومة الكمال ويأخذ الكمال المحمدي في طلاقته وشموله معنى آخر يمكن أن نطلق عليه منظومة الكمال 1- دين الإسلام الكامل فمن المعلوم أن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم وهو الدين المهيمن على سائر الأديان السماوية السابقة قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1) وهو بهذا الوصف جاء مكملا لأوجه النقص التى اعترت الأديان الأخرى ومتمما لها , قال سبحانه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(2) قال الآمادي في أحكامه " إكمال الدين إنما يكون باشتمال الكتاب والسنة على تعريف كل ما لا بد من معرفته " (3) ، والكمال المشار إليه فى هذه الآية لا ينصرف إلى فرائض الإسلام وعباداته وأوامره ونواهيه ولكنه يمتد بأثر رجعى ليشمل اكتمال النقص في الأديان الأخرى السابقة عليه بحيث لايتوقع ظهور دين جديد يضيف جديدا أو يمحو ثابتا أو يثبت منسوخا .فقد اشتمل الدين الإسلامي على علوم الأولين والأخيرين وعلم ماكان من المبدأ والميعاد وخلق العالم وأحوال الأمم الماضية والأنبياء وسيرهم مع أممهم ودرجاتهم ومنازلهم عند ربهم وعددهم وكيفية وأنواع العقوبات التى عذب الله بها أعدائهم وماأكرم الله به أتباعهم . وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم واليوم الأخر وتفاصيله والجنة ونعيمها والنار وعذابها والبرزخ والساعة " (4) وذكر الجان وكيفية خلقهم ووصفهم وأنهم مكلفون مثل الإنسان ومنهم الصالحون ومنهم الطالحون ومنهم من سيدخل الجنة ومنهم من سيدخل النار , وذكر بعض أنواع الحيوانات والطيور وأخبرنا أنهم أمم أمثالنا , وذكر الحلال والحرام والمتشابه والعبادات والمعاملات والحروب والسلم والعلاقات الدولية , وذكر أحكام الزواج والطلاق والميراث والوصايا والوقف والقتل والدية والحدود, و ذكر علوم الارض والسماوات والنجوم والكواكب , وعلوم القلوب ودائها ودوائها وعللها وشفائها , وصفات الله وأسمائه الحسنى وعرشه وكرسيه ، وأيضا وسائل التقرب إليه ، وغيرذلك كثير مما افتقدته سائر الأديان ، وربما يكون الملمح الدال على ذلك قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام عندما سأله فرعون عن خبر القرون الأولى فقال "عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى)(5)" إذ لو كان العلم بأخبار هذه الأمم في التوراة لأخبره بها مثلما أخبر محمد بها قومه لوجودها في القرآن. ولا تعارض بين هذا القول والقول بأن المقصود بالكتاب في الآية هو اللوح المحفوظ ، ذلك لأن الله تعالى نسخ في اللوح المحفوظ كل شيء وكتب في القرآن أخبار الأمم الأولى ، وغنى عن البيان أن مصادر العلم والفقه فى الدين الإسلامي كثيرة منها القرآن والسنة والإجماع وأقوال الصحابة وأراء العلماء والفقهاء والقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع ،
------------------------------------------- (1) التوبة 33 (2) المائدة من الآية 3 (3) الأحكام للآمدي أبو الحسن (4) هداية الحيارى (5) طه من الاية 52
وإذا كانت الأديان السماوية اتفقت كلها على الإيمان بالله وحده وبالبعث - أى بوحدة العقيدة - حتى أن الدين اسمه فى كل الأديان السابقة الإسلام إلا أن لكل منها شرع مستقل قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً)(1) ، وقال (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(2)، لذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)(3)" أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث , وقيل أي في القرآن أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن إما دلالة مبنية مشروحة وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول علـيه الصلاة والسلام أومن الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(4) وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ)(5)وقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(6) فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره وإما تفصيلا وإما تأصيلا (7) وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لو اغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة (8)وقال بعض قدامى العلماء : قال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقال (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) إلا أن البيان ضربان : بيان جلي تناوله القرآن نصا ، وبيان خفي تناوله القرآن ضمنا ، وكان تفصيل بيانه موكولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فمن جمع الكتاب والسنة فقد استوفى نوعي البيان (9) وليس ذلك معناه ذكر كل شيء يخطر على العقل أو الفؤاد أو مما يتناوله الناس في حياتهم الدنيوية ولكن المقصود أنه مصدر البيان لكل شيء والمرجع إليه ، قال الآمدي " المراد منه إنما هو عدم التفريط فيما ورد من الكتاب لا أن المراد به بيان كل شيء فإنا نعلم عدم اشتماله على بيان العلوم العقلية من الهندسية والحسابية وكثير من الأحكام الشرعية وبتقدير أن يكون المراد به بيان كل شيء لكن لا بطريق الصريح بل بمعنى أنه أصل لبيان كل شيء فإنه أصل لبيان صدق الرسول في قوله (10) ويؤكد ذلك ما نقله بن حزم عن علي بن أبي طالب قوله " ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف المشهورة في الآفاق كلها ، وجب الانقياد لما فيه فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه " وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون " (11) (12
------------------- (1) المائدة 48 (2) الشورى 13 (3) الأنعام: من الآية38 (4) النحل: من الآية89 (5) النحل من الآية 44 (6) الحشر: من الآية 7 (7) تفسير القرطبي لسورة طه (8) أخرجه الأصبهاني في كتاب العظمة وبرواية أخرى عن أبو هريرة أيضا " يا أيها الناس لا تغتروا بالله فإن الله عز وجل لو كان مغفلاَ شيئاَ لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة كما هو في الفردوس بمأثور الخطاب للهمذاني 8167 (9) تهذيب الأسماء لأبو زكريا بن حزام نقلا عن أبو الحسن الخطابي (10) الأحكام للأمدي ج (11) الأنعام 38 (12) الأحكام لابن حزم ج 1
وقال ابن مسعود رضي الله عنه " انزل الله في هذا القرآن كل علم وميز لنا فيه كل شيء ، ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن ، وقال الشافعي جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو ما فهمه من القرآن ، وعقب بن حزم بقوله " ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أني لا أحل إلا ما احل الله في كتابه " (1) وقال الشافعي أيضا ليست تنزل بأحد في الدين نازلة الا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها (2) والدين السابق منها على الدين الإسلامي كان ناقصا خاصة فى مجال التشريع والعبادات والمعاملات والفقه وكان النقص وقتئذ يتفق مع أحوال المكلفين فشريعة نوح عليه السلام تتفق مع قومه وكذا شريعة موسى وعيسى عليهما السلام . وماكان يصلح فى هذا الوقت لم يكن يصلح فى غيره , بل أن الغالب الأعظم من الأنبياء لم يأتى بشرع لقومه وإنما اكتفى بالبلاغ عن ربه والدعوة الى الإيمان به وحده لاشريك له وبالبعث بعد الممات وخلع ماعداه من الآلهة والمعبودات دون منهج أو شريعة معلومة . فكانت " مراحل فى كل مرحلة يبعث الله نبيها المناسب وينزل من الشرائع ما يلائم تطور النفس فى تلك المرحلة , فإذا ارتقت الإنسانية وتقدمت وتخطت تلك المرحلة بعث الله الرسول الذي يكمل الناموس ليواكب التقدم الروحي , ففي زمن موسى عصر الفراعنة عهد العنف والعنفوان والجبروت ينزل ناموس العدالة على موسى , فالعدالة المناسبة فى هذا العهد هر رد الضربة بمثلها " العين بالعين والسن بالسن " فإذا ارتقى الإنسان خطوة نزل ناموس المحبة فيقول المسيح عليه السلام فى الإنجيل " سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ومن سخرك ميلا فأذهب معه ميلين . " وتصطدم تلك الأخلاقيات الرفيعة بجبروت المتجبرين وصلف الظالمين فتأتى شريعة محمد لتجمع بين ناموس العدالة وناموس الحب فى ناموس واحد هو ناموس الرحمة , فيقول تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(3) ثم تنقطع الرسالات لعلم الله المسبق أنه لن يحدث تطور روحي (4) فكانت كل شريعة تنسخ ما قبلها حتى نسخ الإسلام ماسبقه من أديان وهذا هو تفسير قوله تعالى : (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (5)
---------------------------------- (1) رواه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة (2) أبجد العلوم لصديق القنوجي دار نشر بيروت (3) النحل 126 (4)د/ مصطفى محمود القرآن محاولة لفهم عصري (5) البقرة 106 | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 12:05 pm | |
| 2-في مجال العبادات
وفي مجال العبادات تجد الأديان السماوية الكبرى كاليهودية والنصرانية تخلو من بعض العبادات التى احتواها الدين الإسلامي كالوضوء والحج .. وكان مما حرم عليهم من بعض المأكولات قد أحله الله للمسلمين , وتجد عيسى عليه السلام عندما أرسل بالإنجيل يحل بعض ما حرم على بني إسرائيل بموجب أحكام التوراة , فيقول ربنا جلا وعلا عنه عليه السلام (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (1) " قال قتادة " جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى لأن موسى جاءهم بتحريم الإبل وأشياء من الشحوم فحللها لهم عيسى كما حلل كل ذي ظفر (2) , وفى تفسير الجلالين أحل لهم السمك والطير مالا صيصة له .. ثم يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فيقول الله (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(3) .. أى يحل لهم ماحرم عليهم من البحيرة والسائبة والواصلة ويحرم عليهم الخبائث كلحم الخنزير والربا ( قاله القرطبى) وجاءهم بالتيسير والسماحة ووضع عنهم مافرض عليهم من الشدة والعنت كتحريم العمل يوم السبت , ومثل قتل أنفسهم علامة على قبول التوبة , وجعل قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعا وإحيائها كأحيائهم جميعا، ويأمرهم بخلع الأنداد ويأمرهم بمكارم الأخلاق وصلة الأرحام , ومن الإصر والأغلال أيضا " كغسل البول وتحليل الغنائم ومجالسة الحائض ومؤاكلتها وكانوا لا يفعلون ذلك وتحليل العمل يوم السبت "(4) وكان الله مسخهم قردة وخنازير للعمل يوم السبت . مع مراعاة ما تضمنه كتاب الله تعالى من ذكر الركوع والسجود والصيام إخبارا عن الأمم التى كانت قبلنا ، كقوله تعالى لبنى إسرائيل " (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (5) ، إذ يقول بن كثير " أمرهم بالصلاة والزكاة مع النبي "(6) وقال القرطبى خص الركوع بالذكر لأن بنى إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع(7)، وفى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(8) قال بن عباس كان صيام اليهود ثلاثة أيام ويوم عاشوراء ثم نسخ بصوم رمضان . والدليل على ذلك أن أحدا من اليهود أو النصارى لم يحتج بمشابهة صلاة المسلمين بصلاتهم فى أركانها وعددها وشروطها ،
------------------------------------- (1) آل عمران 50 (2) تفسير القرطبي (3) الأعراف 157 (4) تفسير القرطبي (5) البقرة 43 (6) تفسير بن كثير (7) تفسير القرطبي (9) البقرة 183
بل " كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود قد قاموا لاقاموا وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا , وقالوا فى حق الآذان لقد ابتدعوا شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم فمن أين لهم صياح مثل صياح العير ما أقبحه من صوت وما أسمجه من أمر وكانوا يضحكون ويسخرون عند سماع الآذان(1)، قال تعالى (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(2) ، والمراد أن العبادات أخذت في شكلها وجوهرها الكمال الذي لازيادة فيه ولانقصان ، ومن هنا صار كل أمر صغيرا أو كبيرا حسنا كان أم قبيحا يضعه الإنسان يضاهى به الدين الإسلامي وعلى غير منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد بدعة .
3- جوهر الديانات وعن جوهر الديانات تجد أن اليهودية غلبت فيها المادة على مطالب الروح تماشيا مع جبلة اليهود وصفاتهم المادية ، إذ كانوا لا يؤمنون إلا بكل ما هو مادي ظاهرا أمام أعينهم حتى أنهم طلبوا أن يروا الله جهرة فقالوا لموسى عليه السلام(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة)(3)وقالوا (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(4وما برحوا إذ فر بهم موسى من بطش فرعون بهم إلا أن قالوا ( يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)(5)وما إن تركهم عليه السلام لميقات ربه حتى استضعفوا نبي الله هارون واتخذوا من حليهم التى سرقوها من المصرين ( عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ )(6) والمسيحية أدارت ظهرها للمادة واتجهت الى الروح وصبغت الحياة بصبغة الروحانيات فدعت إلى سمو الروح بعيدا عن عالم الحس وكانت بشارته عليه السلام أعظم فتح فى عالم الروح لأنه نقل العبادة من عالم الحس إلى عالم الضمير .
4- الكتب السماوية والأنبياء . وما يقال على الأديان يقال على الكتب السماوية والصحف والمزامير كالتوراة والإنجيل والزبور , فلا تجد في هذه الكتب – قبل تحريفها قطعا – ما اشتمل عليه القرآن الذى قال الله تعالى فيه : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(7)كل ذلك بغير تعارض مع قوله سبحانه وتعالى عن التوراة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (8) وقوله عن الإنجيل (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(9)
--------------------------------- (1) المائدة 58 (2)جريدة الأزهر الجزء العاشر 12/2003 مقالة للشيخ صديق بكر عطية (3) البقرة من الآية55 (4) المائدة من الآية 24 (5) الأعراف من الآية 138 (6) الأعراف من الآية 148 (7) الأنعام من الآية 38 (8) المائدة 44 (9) المائدة 47
لأنهما كانا مقيدين بالزمان والمكان اللذان أنزلا فيها وكذا بالقوم المنزل إليهما هذين الكتابين ، بينما كانت المزامير فمجموعة تراتيل وأناشيد تتضمن تمجيد الله وحمده والثناء عليه وكذا الزبور وليس بهما أحكام أو أوامر ونواهي . ثم كان لابد أخيرا أن يتنزل سبحانه وتعالى بدين كامل شامل يحميه ويحفظه من التبديل والتغيير والتحريف الذي طرأ على الديانات الأخرى ليبقى هذا الدين هو الحافظ لكلام الله تعالى وشرائعه ومناهجه الحقه وما يقال على الأديان والكتب السماوية يقال على الأنبياء وسيأتي بشيء من التفصيل ما فضل الله به نبيه محمد على سائر الأنبياء من أمور فقدانهم لها نقصا لا يعيبهم ولكنه يتماشى مع منهجهم والقوم الذين أرسلوا إليهم ، ويغنيني فى هذا المقام حديثه صلى الله عليه وسلم القائل فيه " مثلى ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فحسنه وجمله الا موضع لبنة فجعل الناس يقولون ما أحسنه ما أجمله لولا هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين . " (1) فأكمل هو البناء فصار شرعه هو المتمم للشرائع السابقة ودينه هو المتمم للأديان السابقة وكتابه هو المتمم للكتب السابقة وغاية بعثته ليتمم مكارم الأخلاق التى كانت قبل ناقصة
5- كمال الزمان والمكان . ثم تأخذ منظومة الكمال بعدا آخر زمانيا ومكانيا , فكان كل دين يتناسب مع المكان الذي أنزل فيه والزمان الذي بعث النبي فيه حيث جاءت رسالة الإسلام مثلا مناسبة فى المكان والزمان المناسبين , فالمكان فهو مكة المكرمة أم القرى ومركز العالم وقلبه وكعبتها تتصل بعرش الرحمن وأما الزمان فهو نهايته حيث لا تكون الإنسانية في حاجة إلى دين جديد أو شرع جديد أو نبي جديد . (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (2)وكمال الإسلام وكمال كتابه وكمال نبيه ضرورة لعالمية الإسلام بينما كان النقص الوارد فى الأديان السابقة وكتبها وأنبيائها متفقا وإقليمية هذه الأديان ومحليتها
6- ما كان لمحمد أن يخطئ ومن هذا المنطلق أقول ماكان ينبغي لمحمد أبن عبد الله أن يخطئ فيحتسب خطأه قرينة على كذب ادعائه النبوة , فى وقت سيكون خطأه صلى الله عليه وسلم صغيرا أم كبيرا –خاصة فى المجال الأخلاقي- حجة وذريعة لعدم الدخول في الإسلام أو ردة من دخله , فلنا أن نتخيل مثلا أن يكون حب زينب بنت جحش وهواها وقع فى قلبه صلى الله عليه وسلم فعلا وحقيقة بعد أن راءها فى زينتها حاسرة شعرها فأجبر دعيه زيد بن حارثة على تطليقها ليتزوجها مثلما روجت الإسرائيليات وأباطيل المستشرقين وأيضا بعض التفاسير , ولنا أن نتخيل صدق ادعاء المستشرقين بزواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من امرأة رغبة وشهوة .. سيكون ذلك أو غيره سببا لإحجام كثيرين عن دخول الإسلام وذريعة لارتداد ضعاف الإيمان ، ومن هنا اكتملت عقيدة الإسلام وسمت لصفائها ونقائها شريعة وكتابا ونبيا , ويصير محمد رسول الله جزء من هذا الكمال . بل هو المكمل لهذه المنظومة الرائعة ،
----------------- ----------------- (1) صحيح مسلم 2286 (2) آل عمران 19
7- خير أمة . ثم يغلق الله سبحانه وتعالى دائرة الكمال بالأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس وخير أمة تستقبل هذا التشريع الكامل والكتاب الكامل والنبي الكامل وخير أمة تحافظ عليه وتحافظ على نبيها وشرعها وكتابها المقدس مهما ضربها الفساد ، وفي الحديث القدسي أوحى الله تعالى إلى أشعياء النبي أنى مرسل نبيا أميا … وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر توحيدا بي وإيمانا وإخلاصا لي وتصديقا لما جاءت به رسلي وهم رعاة الشمس , طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي , ألهمتهم التسبيح والتحميد والتهليل والتوحيد في مجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم , يصفون لي فى المساجد كما تصف الملائكة حول عرشي , هم ولاتي وأنصاري , أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان , يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا . ويقاتلون في سبيلي صفوفا , أختم بكتابهم الكتب وبشريعتهم الشرائع وبدينهم الأديان ، أجعلهم أفضل الأمم وأجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس , إذا غضبوا هللوني . وإذا قبضوا كبروني , وإذا تنازعوا سبحوني , يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب إلى الأنصاف , ويكبرون ويهللون على التلال والأطراف , قربانهم دمائهم وأناجيلهم صدورهم , رهبانا بالليل ليوثا بالنهار , ينادي مناديهم في جو السماء , لهم دوي كدوي النحل طوبى لمن كان منهم وعلى دينهم ومنهجهم وشريعتهم , ذلك فضلى أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما مختصره " إن موسى لما أنزلت عليه التوراة قرأها ووجد ذكرا لهذه الأمة فقال يارب إنى أجد فى الألواح أمة هم الآخرون السابقون , وهم السابقون المشفوع لهم , وهم المستجيبون المستجاب لهم , أناجيلهم في صدورهم . يأكلون الفيء , يجعلون الصدقة فى بطونهم يؤجرون عليها , إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة وإذا عملها كتبت عشرة , وإذا هم أحدهم بسيئة ولم يعملها كتبت حسنة وإذا عملها كتبت سيئة مثلها يؤتون العلم الأول والأخر فيقتلون قرون الضلالة المسيخ الدجال , فأجعلها يارب أمتي , قال الله يا موسى إني اصطفيتك على الناس بكلامي ورسالتي فخذ ماأتيتك وكن من الشاكرين , قال قد رضيت يرب ." (1) ويقول بن تيميه : " وأمته صلى الله عليه وسلم أكمل الأمم في كل فضيلة ، وإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم، وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم ، وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا ، وإذا قيس سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم بغيرهم ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم . وهذه الفضائل به نالوها، ومنه تعلموها ، وهو الذي أمرهم بها ،
------------------------ (1)الحديث بتمامه ذكره الطبري في نفسيره بالجزء التاسع | |
| | | قمرالليل المراقب العام
الساعه : عدد المساهمات : 676 مزاجك : تاريخ التسجيل : 19/03/2011 العمر : 46 الموقع : هنا العمل/الترفيه : !!!
| موضوع: رد: لماذا محمد الإثنين مايو 09, 2011 12:14 pm | |
| | |
| | | | لماذا محمد | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
المواضيع الأخيرة | » للخلاص من كل مرض وبليه ومجربالخميس أبريل 27, 2023 4:07 pm من طرف mechri» الأربعون النوويةالأحد سبتمبر 19, 2021 7:38 am من طرف احمد محمد النقشبندي» مجموعة كتب فى الفقه العام و أصول الفقه.السبت سبتمبر 04, 2021 10:57 pm من طرف احمد محمد النقشبندي» السيرة النبوية لإبن هشامالسبت سبتمبر 04, 2021 10:51 pm من طرف احمد محمد النقشبندي» الجن و دياناتهمالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي» برنامج لكسر حماية ملفات الـ pdf لطباعتهالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي» حمل كتب الامام محي الدين بن عربيالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي» رياض الصالحين .الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي» دعآء آلهم و آلحزن و آلكرب و آلغم الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي» للوقايه من شر الإنس والجن الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي» خواص عظيمه للزواجالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:44 pm من طرف الموجه النقشبندي» اختصاص الامام علي كرم الله وجهه بالطريقةالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:38 pm من طرف الموجه النقشبندي» النقشبندية...منهجها وأصولها وسندها ومشائخها الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:36 pm من طرف الموجه النقشبندي» الشريف موسى معوض النقشبندى وذريته وأبنائه 9الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:35 pm من طرف الموجه النقشبندي» االرحلة الالهيةالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:34 pm من طرف الموجه النقشبندي |
أقسام المنتدى |
جميع الحقوق محفوظة
لـ{منتدى الطريقه النقشبنديه}
® حقوق الطبع والنشر © مصر 2010-2012
|
أرجو قفل الموضوع |
هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .
و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...
للتسجيل اضغط
هـنـا
|
تنويه | لا يتحمّل منتدى الطريقه النقشبنديه الصوفيه أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها من قبل الساده الأعضاء أو المشرفين أو الزائرين ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم
التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
|
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية | |
|