السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دائما ما كان شيخنا رضوان الله تعالى عليه يأتي على سيرته ويروي عنه من القصص والمآثر ما يجعل الرّوح تحلّق في بحر عوالم ذلك الصّالح الذّي كان أحد الذّين طبعوا بلاد الشّام في زمانه بما له من حضور وتواجد على السّاحة ببصمة ايمانيّة خاصّة لا تصدر الا عن عبد ربّاني.
هوالوليّ الصّالح المتوكّل على الله حقّ توكّله سيدي يحي الصّبّاغ رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي سنحاول أن نأتي على بعض ما نقل الينا عنه بقدر ما وسعت الذّاكرة وما وعت من مؤشّرات دلّت على عظمة صدق هذا الرّجل.
عرف عنه رضي الله تعالى عنه أنّه كان يعمل وسيطا في بيع العقّارات والأطيان و اشتهر بالصّدق التّام في معاملاته ممّا جعل مداخيله من هذه المهنة وفيرة ولكن أيضا عرف عنه أنه لا يحتفظ بأي مبلغ من المال عنده اذا ما حلّ اللّيل مهما قلّ من ذلك المال أو كثر.
الحكاية الأولى:
كان في حيّه بعض الشّباب ممّن كانوا لا يصدّقون ما يقال عنه, بل و يتّهمون فيما يدور بينهم من أحاديث النّاس بالشّطط في توقيرهم للشّيخ والمبالغة حيث كانت عقولهم لا تستوعب أن بامكان أي فرد كره المال والزّهد فيه الى درجة أن لا يتركه يمسي عنده.
اتّفق رأيهم على أن يمتحنوا صدق سيدي – يحي الصّبّاغ - رضوان الله تعالى عليه فيما سمعوا عنه ..
كانت اللّيلة ليلة شتاء.. وبرد ليال شتاء الشّام لا يحتاج الى من يعرّف به , مضى من اللّيل نصفه.. أحدهم يطرق باب الشّيخ..الشّيخ يفتح باب داره.. يمكن للرّائي من بعيد رؤية ذلك الطّارق من خلال حركات جسده كمّ التّلطّف والتّوسل الذي يبديه لذلك الشّيخ.. كما يمكن للرّائي رؤية ذلك الشّيخ يمدّ يده لاستلام لفافةبها مبلغ هامّ من المال..ينصرف الشّاب ويدخل الشّيخ بيته.
في حلكة ليل شتوي تخلو فيه حركة المارّة بشكل شبه كلّي وفي زاوية الزّقاق الذي يقع فيه بيت الشّيخ يقف جماعة من الشّبّان يراقبون ويرتقبون شيئا لا يعرفون على وجه التّحديد ما سيكون هذا الشّيء
- أرجو أن لا يطول وقوفنا هنا انّ البرد شديد..قال أحدهم
- لو كان الأمر يقف عند ذلك لهان عليّ هذا الحال.. ردّ واحد منهم
- ماذا تعني؟
- لو رآنا أحدهم لاتّهمنا بقائمة من التّهم كلّ تهمة فيها لها وجه من الوجاهة والقبول ما يعرّضنا الى مشاكل لا يعلم الا الله تعالى أين تؤدّي بنا !!
- اسكت! ها هو الشّيخ – يحي – يخرج من بيته, توقّفوا حتّى عن الهمس رجاءا !!
يتقدّم الشّيخ أماما في اتّجاه الشّارع الرّئيسي لا أحد منهم يدري ما كان يدور في رأسه ولكن لو علموا ما كان يهمهم به بينه وبين نفسه لأشفقوا عليه من صنيعهم
- المدينة خالية من أيّة مارّة في هذا الحين من اللّيل ولا يمكن لي طرق أيّ باب من بيوت الخلق في هذ الوقت وكذلك لا يمكن لي ترك هذا المبلغ من المال في حيازتي الى أن أصبح هذا عهد بيني وبين ربّي سبحانه عزّ وجلّ! هذه ورطة ما خطر على بالي أبدا أن تقع لي ! لا يمكنني العودة للبيت والمبلغ معي حتّى لو اظطرّني الأمر للبقاء في الشّارع الى الى الفجر!!هو أمر الله تعالى.. نعم هو أمر الله تعالى..
كان ذلك ممّا يمكن لأيّ مارّ بجواره التقاطه من كلام يخاطب به الشّيخ نفسه.. فجأة رأى أحدهم أمام احدى المحلاّت: لا يمكن الا أن يكون حارس المحلاّت التّجاريّة, خاطب الشّيخ نفسه وتوجّه اليه الى ان اقترب منه:
- تعال أيّها الحارس!!! قلت لك تعال ولا تخف!!
يستجيب الرّجل ويقترب من الشّيخ في شيء من الاظطراب فيمدّ له سيدي – يحي الصّبّاغ – لفافة هي عينها اللّفافة التّي استلمها من الشّاب أمام بيته :
- خذ هذه واستعن بها على قضاء حاجتك..
لمّا رأى الرّجل ما في اللّفافة من مال بكى وأخذ يد الشّيخ يقبّلها وهو يقول:
- الحمد لله ,الحمد لله فقد كفيتني ممّا كنت بصدد الاقدام عليه من جريمة لا ترضي ربّ العباد!!
- افصح! انّي لا أفهم عنك
- يا سيّدي أنا لست حارس الشّارع وانّما انا سارق!!
- أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ! ماذا تقول يا رجل؟
- يا سيدي انّ القابلة عند زوجتي تولّدها ويعلم الله سبحانه أنّي لا املك من حطام هذه الدّنيا شرو نقير.
(( وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ))