البسطامى فى دير سمعان

حول القصة الشهيرة التي اشتهر بها سلطان العارفين "أبو يزيد البسطامي" قدس سره
...
كما ورد بالقصة أدناه أن سلطان العارفين تمكن بتوفيق من الله من أن ينهي
فيتكان الشرق في دير سمعان ، ولكن هنا تغير في فحوى الأسئلة عن ما رد في هذه القصة
حقيقة :
((( قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله : كنت يوما في بعض سياحتي متلذذا
بخلوتي وراحتي مستغرقا بفكري مستأنسا بذكري إذ نوديت في سري : يا أبا يزيد .. امض
إلى دير سمعان واحضر مع الرهبان في يوم عيدهم والقربان فلنا في ذلك نبأ وشان .قال
فاستعذت بالله من هذا الخاطر وقلت لست أخاطر . فلما كان الليل أتاني الهاتف في
المنام وأعاد علي ذلك الكلام فانتبهت وأنا أرتجف وأرعد وعندي من هذا الكلام ما يقيم
المقعد ، فنوديت في سري :لا بأس عليك أنت عندنا من الأولياء الأخيار ومكتوب في
ديوان الأبرار ولكن إلبس زي الرهبان واشدد من أجلنا الزنار وما عليك في ذلك جناح
ولا إنكار . قال أبو يزيد فقمت من باكر وبادرت إلى امتثال الأوامر ولبست زيي
الرهبان وحضرت في دير سمعان . فلما حضر كبيرهم واجتمعوا وأنصتوا إليه ليسمعوا ارتج
عليه المقام فلم يطق الكلام كأن في فمه لجام؟ فقال له القسيسين والرهبان : ما الذي
يمنعك من الكلام أيها الربان؟ فنحن بقولك نهتدي وبعلمك نقتدي . فقال :ما يمنعني أن
أتكلم و أبتدي ، الآن بينكم رجل محمدي وقد جاء لدينكم ممتحنا وعليكم معتدي . فقالوا
: أرنا إياه نقتله الآن . فقال :لا تقتلوه إلا بدليل وبرهان فإني أريد أن أمتحنه
وأسأله عن مسائل في علم الأديان فإن أجاب عنها وأبان تركناه وإن عجز عن تفسيرها
قتلناه وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان . فقالوا له :افعل ما تريد فنحن ما حضرنا
إلا لنستفيد . فقام كبيرهم على قدميه و نادى : يا محمدي ..بحق محمد عليك إلا ما
نهضت قائما على قدميك لتنظر العيون إليك . فقام أبو يزيد ولسانه لا يفتر عن التقديس
والتمجيد .
فقال له البطرك : يا محمدي .. أربد أن أسألك عن مسائل فإن أجبت عنها
وفسرتها اتبعناك وإن عجزت عن تفسيرها قتلناك . فقال أبو يزيد : سل عما تريد من
المنقول والمعقول والله شاهد على ما تقول ، فاتقوا الله ويعلمكم الله
.

[b]الراهب : أخبرني عن واحد لا ثاني له ؟ أبو يزيد : هو الله الواحد القهار .
الراهب : وعن اثنين لا ثالث لهما ؟ أبو يزيد : هما الليل والنهار لقوله تعالى (
وجعلنا الليل والنهار آيتين ) . الراهب : وعن ثلاثة لا رابع لهم ؟ أبو يزيد : هم
العرش والكرسي والقلم . الراهب : وعن أربعة لا خامس لهم ؟ أبو يزيد : هم الكتب
المنزلة : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان . الراهب : وعن خمسة لا سادس لهم ؟
أبو يزيد : هم الصلوات الخمس المفروضة على كل مسلم ومسلمة . الراهب : وعن ستة لا
سابع لهم ؟ أبو يزيد : هم الستة أيام التي ذكرها الله في قوله تعالى ( ولقد خلقنا
السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ). الراهب : وعن سبعة لا ثامن لهم ؟ أبو
يزيد : هم السبع سموات لقوله تعالى ( سبع سموات طباقا ) .الراهب :وعن ثمانية لا
تاسع لهم ؟ أبو يزيد : هم حملة العرش لقوله تعالى (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ
ثمانية ) .الراهب : وعن تسعة لا عاشر لهم ؟ أبو يزيد هم التسعة المفسدون في الأرض
،لقوله تعالى (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) . الراهب :
وعن عشرة كاملة ؟ أبو يزيد : هي العشرة أيام التي يصومها المتمتع عند فقد الهدى ،
لقوله تعالى (فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة ّ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) .
الراهب : وعن أحد عشر ؟ أبو يزيد : هم أخوة يوسف لقوله تعالى ( إني رأيت أحد عشر
كوكبا ) . الراهب :وعن اثني عشر ؟ أبو يزيد : هي عدة الشهور ، لقوله تعالى : ( إن
عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ) . الراهب : وعن ثلاثة عشر ؟ أبو
يزيد : هي رؤيا يوسف ، لقوله تعالى ( إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
لي ساجدين ) . الراهب : قوم كذبوا وأدخلوا الجنة ، وقوم صدقوا وأدخلوا النار ؟ أبو
يزيد : الذين كذبوا وأدخلوا الجنة هم أخوة يوسف ، لقوله تعالى ):قالوا يا أبانا إنا
ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ). أما الذين صدقوا وأدخلوا النار
فهم اليهود والنصارى ، لقوله تعالى ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت
النصارى ليست اليهود على شيء ) . الراهب : أين مستقر اسمك من جسمك؟ أبو يزيد :
مستقره أدناك . الراهب : ما الذاريات ذروا ؟ أبو يزيد : الذاريات ذروا هي الرياح
الأربع . الراهب : وما الحاملات وقرا ؟ أبو يزيد : الحاملات وقرا هي السحب لقوله
تعالى ( والسحاب المسخر بين السماء والأرض ) . الراهب :وما الجاريات يسرا ؟ أبو
يزيد : الجاريات يسرا هي السفن الجاريات في البحر . الراهب : وما المقسمات أمرا ؟
أبو يزيد : المقسمات أمرا هم الملائكة الذين يقسمون على الناس أرزاقهم من نصف شعبان
إلى نصف شعبان . الراهب: من هو الشيء الذي تنفس بغير روح ؟ أبو يزيد : هو الصبح
لقوله تعالى (والصبح إذا تنفس ) . الراهب : أسألك عن أربعة عشر تكلموا مع رب
العالمين ؟ أبو يزيد : هم السبع سموات والسبع أرضين لقوله تعالى (فقال لهما وللأرض
ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) . الراهب : ما هو القبر الذي مشى بصاحبه ؟
أبو يزيد: القبر الذي مشى بصاحبه حوت يونس عليه السلام . الراهب : ماء لا نزل من
السماء ولا نبع من الأرض؟ أبو يزيد : هو الماء الذي بعثته بلقيس في قارورة من عرق
الخيل إلى سليمان بن داوود عليهما السلام . الراهب : أخبرني عن خمسة لا من ظهر أب
ولا من بطن أم ؟ أبو يزيد : 1- كبش إسماعيل 2- ناقة صالح 3- حية موسى 4- آدم 5-
حواء . الراهب : وعن أول دم أهرق على وجه الأرض؟ أبو يزيد : هو دم هابيل لما قتله
قابيل . الراهب : أسألك عن شيء خلقه الله ثم اشتراه ؟ أبو يزيد : نفس المؤمن لقوله
تعالى ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) . الراهب :
وأسألك عن شيء خلقه الله ثم أنكره ؟ أبو يزيد : صوت الحمار لقوله تعالى ( إن أنكر
الأصوات لصوت الحمير ) . الراهب :و أسألك عن شيء خلقه الله و استعظمه ؟ أبو يزيد :
هو كيد النساء ، لقوله تعالى : ( إن كيدكن عظيم ) الراهب : و أسألك عن شيء خلقه
الله و سأل عنه ؟ أبو يزيد هي عصا موسى . لقوله تعالى : ( و ما تلك بيمينك يا موسى
فال هي عصاي أتوكأ عليها و أهش بها على غنمي ) الراهب : و عن أفضل النساء ؟ أبو
يزيد : هن حواء أم البشر و خديجة و عائشة و آسيا و مريم ابنة عمران و فاطمة الزهراء
بنت محمد صلى الله عليه و سلم رضي الله عنهم أجمعين . الراهب : و عن أفضل البحار ؟
أبو يزيد : سيحون و جيحون و الدجلة و الفرات والنيل مصر . الراهب : و عن أفضل
الجبال ؟ أبو يزيد : هو جبل الطور . الراهب : و عن أفضل الدواب ؟ أبو يزيد : هي
الخيل . الراهب : و عن أفضل الشهور؟ أبو يزيد : أفضل الشهور هو شهر رمضان الذي أنزل
فيه القرآن . الراهب : و عن أفضل الليالي ؟ أبو يزيد : هي ليلة القدر ز لقوله تعالى
: ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) الراهب : و عن الطامة ؟ أبو يزيد : هي يوم القيامة
.؟ الراهب: و عن شجرة لها إثنا عشر غصنا في كل غصن ثلاثون ورقة و في كل ورقة خمس
زهرات اثنتان في الشمس و ثلاث في الظل ؟ أبو يزيد : أما الشجرة فهي السنة و أما
الأغصان فهي الشهور و أما الأوراق فهي الأيام و أما الخمس زهرات فهي الصلوات الخمس
في اليوم و الليلة ثلاثة في الظل :المغرب و العشاء و الصبح . و اثنتان في الشمس
فهما الظهر و العصر . الراهب : و عن شيء حج إلى بيت الله الحرام وطاف وليس له روح و
لا وجبت عليه فريضة ؟ أبو يزيد : هي سفينة نوح . الراهب : كم خلق الله من نبي وكم
منهم مرسل و غير مرسل ؟ أبو يزيد: أما الأنبياء فهم مائة ألف نبي و أربع و عشرون
ألف نبي ، وأما المرسلون منهم فثلاثمائة وثلاثة عشر. الراهب : أخبرني عن أربعة
أشياء مختلف طعمها ولونها والأصل واحد ؟ أبو يزيد : هي العينان والأنف والفم
والأذنان فماء العينين مالح وماء الفم حلو وماء الأنف حامض وماء الأذنين مر .
الراهب : ما هو النقير والقطمير والفتيل ؟ أبو يزيد : النقير :هي النقرة التي في
ظهر النواة .والقطمير :هي القشرة البيضاء .والفتيل :الذي يكون في بطن النواة
.الراهب :وعن السبد واللبد؟ أبو يزيد :السبد :هو شعر الضأن .أما اللبد فهو شعر
المعز .الراهب : ما هو الطم والرم ؟ أبو يزيد :الطم : هم الأمم الماضية قبل أبينا
آدم عليه السلام . الراهب :أخبرنا ماذا يقول الكلب في نباحه ؟ أبو يزيد: يقول الكلب
في نباحه :ويل لأهل النار من غضب الجبار . الراهب :وماذا يقول الحمار في نهيقه ؟أبو
يزيد : يقول الحمار في نهيقه عندما يرى الشيطان :لعن الله العشار وزهو المكاس .
الراهب :وماذا يقول الثور في نعيره ؟ أبو يزيد يقول الثور في نعيره :سبحان الله
وبحمده .الراهب :وماذا يقول الفرس في صهيله ؟ أبو يزيد :يقول الفرس في صهيله :سبحان
حافظي إذا التقت الأبطال واشتغلت الرجال بالرجال . الراهب :وماذا يقول البعير في
رغائه ؟ أبو يزيد : يقول البعير في رغائه : حسبي الله ,وكفى بالله وكيلا .الراهب
:وماذا يقول الطاووس في صياحه ؟ أبو يزيد :يقول الطاووس في صياحه (الرحمن على العرش
استوى ) .الراهب :وماذا يقول البلبل في تغريده ؟ أبو يزيد : يقول البلبل في تغريده
(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ). الراهب :وماذا يقول الضفدع في تسبيحه ؟ أبو
يزيد : يقول الضفدع في تسبيحه :سبحان المعبود في البراري والقفار سبحان الملك
الجبار . الراهب :وماذا يقول الناقوس في نقيره ؟ أبو يزيد :يقول الناقوس في نقيره
:سبحان الله حقا حقا ,أنظر يا ابن آدم في هذه الدنيا غربا وشرقا ,ما ترى فيها أحدا
يبقى . الراهب :أخبرنا عن قوم أوحى الله إليهم لا من الجن ولا من الإنس ,ولا من
الملائكة ؟ أبو يزيد : هم النحل , لقوله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من
الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) .الراهب أخبرنا أين يكون الليل إذا جاء النهار
وأين يكون النهار إذا جاء الليل ؟ أبو يزيد: إنهما يكونان في غامض علم الله تعالى
.أبو يزيد : هل بقي عندكم أسئلة؟ الراهب :لا . أبو يزيد : أخبرني أنت عن مفتاح
السموات ومفتاح الجنة ؟ فسكت كبيرهم فقال له الرهبان : سألته عن مسائل كثيرة فأجاب
عنها جميعها وقد سألك عن مسألة واحدة فعجزت عن جوابها . الراهب : ما عجزت .. ولكنني
أخاف أن أجيبه عن سؤاله فلا توافقوني . الرهبان : بل نوافقك ، إذ أنت كبيرنا ،
ومهما قلت لنا سمعناه ووافقناك عليه . فقال الراهب : مفتاح السموات والجنة قول : لا
إله إلا الله محمد رسول الله . فلما سمعوا ذلك منه أسلموا عن آخرهم وخربوا الدير
وبنوه مسجدا وقطعوا زنانيرهم وهناك نودي أبو يزيد في سره يا أبا يزيد أنت شددت من
أجلنا زنارا وقطعنا من أجلك خمسمائة زنار ))) .

[b]وهي قصة جميلة وشيقة وهادفة
نوع ما ، ولكن هل باعتقاد عاقل راشد متبصر بنور الله ، أن يصدق أن قسيسين ورهبان
ذوي علم ووعي يتركون دينهم من أجل تساؤلات ذات سرد جميل.
فالحقيقة أنهم شهدوا من
الحق عياناً وبيناً ما شهده سحرت موسى من قبلهم ؟؟؟ !!! ...
يقول صلى الله عليه
وآله وسلم : ( أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين و الآخرين ) ...
فبيان قصة
سيدنا الوارث المحمدي "أبو يزيد الأكبر " من كتاب الله قوله تعالى : ( قَالُواْ يَا
مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ
أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ
وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * َوأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِين ) [الأعراف
:115-121] ...
وقوله عز من قائل : (َفأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا
صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن
تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا
فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا
تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ
خِيفَةً مُّوسَى * ُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي
يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * َأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ
هَارُونَ وَمُوسَى ) [طه :64-70] ...
وسبب مخاطرة سلطان العارفين وتحمله التكليف
، قوله تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ
الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً
لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ
قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا
أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا
عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ
الشَّاهِدِينَ ) [المائدة :82-83]
فقد قال له كبير الرهبان والقسيسين إما أن
تسأل أو نكون نحن السائلون ، فقال سلطان العارفين : بل أسألوا فإني إن شاء الله من
المتقين ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ ) [البقرة : 282] ...
فقال الأسقف : أخبرني عن الواحد الذي لا ثاني له
؟! ...
فقال سلطان العارفين : هو الله الواحد الأحد ، المتفرد بصمدانيته ، الذي
لا إله إلا هو ، القادر على كل شيء ، القاهر فوق عباده ، الفعال لما يريد ، ثم سرد
من البيان والأمثلة ما سلب به ألباب الحضور لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن من
البيان لسحر ) ...
فقال الأسقف قد صدقت أيها المحمدي وشاور جمعه فكانوا من
المؤيدين ...
ثم قال أخبرنا عن الثاني في الملك ؟! ...
فقال سلطان العارفين :
هو العرش ، وهو في مكنونه من حيثيته الماء لقوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَق
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ
مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ
مُّبِينٌ ) [هود : 7] ...
وقوله : ( َوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) [الأنبياء : 30] ...
وهو في
حقيقته مهبط أنوار الرحمات ، ومركز الأسرار في مستودع صدر المصطفى المختار عليه صلى
الله والملائكة الأخيار ...
لقوله تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ
مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ
لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [النور : 35] ...
ثم سرد من الشرح و البيان ما يسلب
القلوب و يسكن الأبدان ...
فصدق الجمع هذا الشرح و البيان العجيب في كتاب الله ،
( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * َيهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن
نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن :1-2] ...
ثم قال أسقف أخبرنا عن الثالث
الذي لا رابع له ؟! ...
فقال سلطان العارفين قدس سره : هو القلم الإلهي الذي
يدون به ما قدر بالأكوان وبه يدون أنوار الحق في قلب الإنسان المؤمن التقي النقي
الصفي ...
ثم سرد من الشرح و البيان ما يجذب القلوب و يلهب الألباب ...
لقوله
تعالى : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) [القلم : 1] ، أي بحق نورك يا محمد ،
وما يسطر لهم في قلوبهم بالقلم الإلهي ، من مسعى أعمال التقوى وعلوم الإيمان
...
ومصداق ذلك ، قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : ( أول ما خلق الله روحي
، وأول ما خلق الله نوري ، و أول ما خلق الله القلم ، وأول ما خلق الله العقل ) ...

وبيان ذلك قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [التوبة : 105]
...
وقوله تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) [العلق :3-5] ...
يقول
الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له
اكتب ، قال ما أكتب ؟ ، قال : أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) ...
وهو قلم
الأقدار أم قلم الأنوار فهو العقل ؟؟!! ...
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه
وآله وسلم : ( أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل . ثم قال له : أدبر فأدبر
. ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك : بك آخذ وبك أعطي ، وبك
الثواب، وبك العقاب ) ...
هنا سأله الأسقف ما هو الرابع الذي لا خامس ؟!
...
فقال سلطان العارفين : هو الكرسي وهو ديوان مجريات الأكوان وخفيا الخلق
والإنسان ، وهو اللوح المحفوظ الذي تجري به المقادير ...
وسمي الكرسي لأنه تكرس
أو تدون به علوم الله في خلقه لقوله تعالى : ( .... يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ
بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ .... ) [البقرة : 255]
...
ثم شرح له و بين من البيان العجب في هذا الشأن ...
هنا سأله الأسقف
أخبرني عن الصلوات الخمس ، ما حقيقتها ولما هي خمس مواقيت وكيف استنبطها رسولكم
الكريم "صلى الله عليه وآله وسلم " من كتاب الله ...
فسرد له سلطان العارفين من
البيان العجب ...
فقال الأسقف أخبرني عن حقيقة الأيام الستة التي خلق بها الكون
في كتاب الله ؟؟ ! ...
فبين له سلطان العارفين العجب العجاب ...
ثم سأله عن
بيان منشأ السموات السبع وتكوينها ؟! ...
فأراه سلطان العارفين من البيان الكثير
...
ثم سأله عن حملة العرش الثمانية ؟ ...
فقال سلطان العارفين : هم الأنبياء
المرسلين أولي العزم في كتاب الله ، وأسياد أهل الجنة في سنة رسول الله ، والسبع
المثاني ( فاتحة الكتاب) و القرآن العظيم في سر كون الله ...
ثم بين له كل واحدة
بما شاء الله ...
هنا قال الأسقف أخبرني على المعجزات التسعة التي أيد الله بها
النبي موسى ضد فرعون ، ولما أيده بها ؟! ...
فأجاب سلطان العارفين بما علم به
الله من كتابه الكريم ....
واستمر الأمر حتى استنفذ الأسقف أسئلته ...
هنا
قال سلطان العارفين مما تقدم ما الإجابات التي صدقتني عليها ، أجبني ما هو المنجي
من النار ، ومفتاح النوار وهي الجنة ، فأجاب بعد أن أخذ تفويضاً من أصحابة
...
مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ...
وقد كان
سلطان العارفين أن أكثر القسيسين و الرهبان أهل معرفة لله لقوله تعالى : (
............. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ
الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ
وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ
إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ
الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )
...
ويسن أن يتكلم الوارث المحمدي بعجائب وغرائب العلم مع أهل المعرفة بالله
...
عَنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا أتاهُ
فَقَالَ: يا رَسُوْلَ اللهِ، علمني مِنْ غرائب العِلْمِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ
عَلَيهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ : ( وَمَاذَا صَنَعْتَ في رَأْسِ العِلْمِ حَتَّى تسألني
عَنْ غرائبه ؟)، فَقَالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ ومَا رَأْسُ العِلْمِ ؟ قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ: (مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ)
قَالَ: ومَا مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعْرفتِهِ ؟، قَالَ صَلَّى الله عَلَيهِ
وَآلَهُ وسَلَّمَ: (أَنْ تَعْرِفَهُ بلاَ مِثْل وَلاَ شَبِيه، وَأَنْ تَعْرِفَهُ
إِلَها وَاحِدًا أوَّلا آخِرًا ظَاهِرًا بَاطِنًا لا كُفْؤَ لَهُ ولاَ مِثْلَ)
.
وفي رواية أخرى : (أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال
علمني من غرائب العلم فقال له : ما صنعت في رأس العلم ؟ فقال : وما رأس العلم ؟
فقال صلى الله عليه و سلم : هل عرفت الرب تعالى ؟ قال : نعم فما صنعت في حقه ؟ قال
: ما شاء الله فقال صلى الله عليه و سلم : هل عرفت الموت ؟ قال : نعم قال : فما
أعددت له ؟ قال : ما شاء الله قال صلى الله عليه و سلم : اذهب فأحكم ما هناك ثم
تعال نعلمك من غرائب العلم ) ...

[b]والحمد لله رب العالمين ... [/b][/b][/b]

[b][/b]

موضوع رائع وطرح جميل
بارك الله فيك أخى الفاضل
وجزاك الله كل الخير وجعله فى ميزان حسناتك
دمت ودام عطاءك للمنتدى
وفــــــــى إنتظار مزيدك الشيق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» أبو يزيد البسطامى
» أبواليزيد البسطامى ومقتطفات من اقواله