الناظر النقشبندى إدارى المنتدى
الساعه : الدوله : عدد المساهمات : 3363 مزاجك : تاريخ التسجيل : 24/01/2011 العمر : 55 الموقع : الطريقه النقشبنديه العمل/الترفيه : القراءه والأطلاع الصوفى
| موضوع: فحوى الدعوة في مكة . لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الجمعة يونيو 03, 2011 10:00 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
بيان الحقيقة الكبرى التي جاء بها الأنبياء:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ننتقل اليوم إلى فحوى الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة، وردود الفعل التي نتجت عن هؤلاء الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم. أيها الأخوة، هذا الدين الإسلامي الذي من وحي السماء، لو أردنا أن نلخصه بكلمة واحدة, نقول: توحيد، إله واحد، هو الذي خلق الكون، هو المسير، هو الفعال، هو الرزاق، هو المحيي المميت، هو الباسط القابض، هو المعز المذل، هو المعطي المانع، هو المغني المفقر، هو الذي يمنح الصحة، هو الممرض، حينما تؤمن أن كل شيء بيد الله تكون قد عرفت حقيقة هذا الدين، هذا الدين دين التوحيد، نزل في بيئة تعبد أصناماً متعددة، أصناماً من صنع البشر, قال تعالى:
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾
( سورة الصافات الآية: 95- 96 ) مرةً عبدوا صنماً من تمر، فلما جاعوا أكلوه، في هذه البيئة التي تقوم على عبادة الأصنام، وهي أحجار لا تنفع ولا تضر، ولا تميت ولا تحيي، نزلت آيات القرآن الكريم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله عز وجل ينبغي أن يعبد وحده، وينبغي ألا يعبد معه إله آخر، إن كان ظاهراً، وإن كان باطناً، الوحدانية المطلقة هي القضية الأساسية التي قامت عليها دعوة الأنبياء، هذا الدين دين التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, بل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هو التوحيد, قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 25)
ما هو سبب مشكلات العالم الإسلامي ؟
أيها الأخوة، الخوف من ضعف التوحيد، القلق من ضعف التوحيد، النفاق من ضعف التوحيد, المعصية من أجل الرزق من ضعف التوحيد، الأمراض النفسية على كثرتها من ضعف التوحيد. أيها الأخوة، لو أن طفلاً ارتفعت حرارته، وأخذناه إلى طبيب أعطاه خافضا للحرارة، نقول: ليس هذا بالطبيب، لأن ارتفاع الحرارة عرض من أعراض مرض التهابي إنتاني، فإذا لم يعالج أصل المرض فلا يعد هذا الطبيب طبيباً. مشكلات العالم الإسلامي اليوم لا تعد ولا تحصى، يتوهمها بعضهم أمراضًا اجتماعية، والحقيقة هي ليست أمراضًا اجتماعية، هي في مجموعها أعراض لمرض واحد، إنه البعد عن الله، وضعف التوحيد، لماذا يعصي الإنسان الله من أجل الرزق؟ لأن توحيده ضعيف، لأنه رأى أن الرزق بيد فلان، لماذا يزل الإنسان؟ من ضعف التوحيد، لماذا ينافق؟ من ضعف التوحيد، لماذا ينخلع قلبه خوفاً؟ من ضعف التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, لذلك لو تتبعتم آيات القرآن الكريم، تجد دعوة كل نبي هي:
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 32 )
الإنسان خلق عبداً لله لا لغيره:
أيها الأخوة، قريش تعبد اللات والعزى، تعبد آلهة منتصبة في الحرم المكي، والكعبة من آثار سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فقوم يعبدون آلهة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تنفعهم ولا تضرهم، ولا ترزقهم، ولا تحييهم ولا تميتهم. الإنسان أيها الأخوة لا يليق به أن يكون لغير الله، الجماد للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، لكن الإنسان لله وحده،
(( عبدي خلقت لك ما في السموات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن، أفيعيني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة، ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلمي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
[ورد في الأثر]
إليكم هذه القصة نستنبط منها معاني التوحيد:
أيها الأخوة, كإسقاط على حياتنا اليومية، لا يمكن أن تسعد إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تكون جريئاً إلا إذا كنت موحداً، لا يمكن أن تشعر بقيمتك الإنسانية إلا إذا كنت موحداً. لما الحسن البصري قام بمهمة العلماء التي أوكلت إليهم، وهي التبيين، والذي قاله في الحجاج وصل إليه، فقال لجلسائه: يا جبناء، والله لأروينكم من دم، وأمر أن يؤتى به ليقطع رأسه، وجيء بالسياف، ومد النطع، وأرسل الجنود ليأتوا بالحسن البصري، وهو جالس يتميز غضباً، دخل الحسن البصري، فرأى السياف والنطع، وعرف القصة كلها، جاء ليقطع رأسه، وتوجه إلى الله الذي بيده كل شيء, قائلاً: يا مؤنسي في وحشتي، يا ملاذي عند كربتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، ودخل فإذا بالحجاج يقول له: يا أبا سعيد، تعال إلى هنا، وما زال يقربه حتى أجلسه إلى جانبه على السرير، وسأله بعض الأسئلة، وودعه إلى باب القصر، وقال: يا أبا سعيد، أنت سيد العلماء، ما الذي حصل؟
ماذا نفهم من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ أيها الأخوة، أضع بين أيديكم حقيقة خطيرة، ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن ))
[أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح ] لماذا يصف النبي أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن؟ من أجل أن تطمئن، هذا الذي تخافه قلبه بيد الله، هذا الذي تخشى أن يبطش بك قلبه بيد الله، لذلك أن تكون قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن من أجل أن تكون في اطمئنان, قال تعالى:
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
( سورة طه الآية: 45- 46 ) فرعون قال:
﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات الآية: 24) فرعون قال:
﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية: 38 ) بكل جبروته وقوته، وبكل وزنه، وبكل ظلمه ما استطاع أن يقنع امرأته أن تعبده من دون الله، لمَ لم يقتلها؟ ما الذي منعه؟ مع أن قتل الإنسان سهل عليه، الأمور بيد الله, كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً.
ما هو مفهوم التوحيد الصحيح ؟ أيها الأخوة، أنا مضطر أن أقول هذه الحقيقة: التوحيد كفكرة واضح، التوحيد كفكرة من السهل أن تستوعبها، لكن أن تعيش التوحيد هذا شيء كبير، من معايشة التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في كل شيء، أن ترى:
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
( سورة الفتح الآية: 10 ) أن ترى:
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾
( سورة آل عمران الآية: 128 ) أن ترى:
﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
( سورة الكهف الآية: 26 ) أن ترى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 ) أن ترى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
( سورة فاطر الآية: 2 ) أن ترى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
( سورة محمد الآية: 19 ) أن ترى:
﴿فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
( سورة الزخرف الآية: 84 )
ما هو الشرك الخفي ؟
أيها الأخوة، 95 % من المسلمين لا يرون أن الأمر بيد الله، يرون بيد زيد أو عبيد، وفلان بإمكانه أن يعطي أو أن يمنع، أن يقرب أو أن يبعد، أن يرفع أو أن يخفض، لذلك الناس على أنهم مسلمون يعبدون آلهة من دون الله بشكل غير مباشر، وهذا معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم, يقول:
(( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، أما إني لست أقول: إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
[ورد في الأثر] يقول الإمام علي رضي الله عنه: " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء ". نملة سمراء تمشي على صخرة صماء، في ليلة ظلماء، هل لها صوت؟ الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، أدناه أن تحب على جور، لك قريب غني, وهو ظالم لكنك تحبه، لأنك إذا زرته قدم لك الهدايا الثمينة، وإن دعاك إلى بيته أطعمك أطيب الطعام، وإن رافقته في نزهة أنفق عليك المال الكثير، تحبه مع أنه ظالم، هذا شرك، وأدناه أيضاً أن تبغض على عدل، إنسان نصحك بكل أدب فتبغضه، كيف تجرأ عليك؟ هذا من الشرك.
ملخص التوحيد: أيها الأخوة؟ ليس إلا الله، مهما تعمق الإنسان فيها لا ينتهي، هناك أشخاص مخيفون في الحياة، هناك أسلحة فتاكة، وأمراض عضالة، وفيروسات قاتلة, قال تعالى:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾
( سورة الفلق الآية: 1-2 ) لكن كل هذه التي خلقها الله ـ دقق:
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
( سورة الزمر الآية: 62) بيده إن أراد وصلت إليك، وإن أراد أبعدها عنك، علاقتك معه، وليست مع الأشياء المخيفة. أيها الأخوة، كلما تعمقت في التوحيد امتلأ قلبك أمناً, قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة الأنعام الآية: 81-82) كلما تعمقت في التوحيد توكلت على الله، كلما تعمقت في التوحيد رضيت نفسك، كلما تعمقت بالتوحيد ازدادت عزتك،
(( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس, فإن الأمور تجري بالمقادير ))
[ورد في الأثر
الصدمة التي فوجئت بها قريش:
أيها الأخوة, بلد يعبدون الأصنام، وآلهة عديدون، فيأتي نبي كريم, ويقول: إن هم إلا أوهام في أوهام، وليس إلا الله الواحد الديان، لا إله إلا الله، هؤلاء القوم دهشوا، وصعقوا لهذه الدعوة التوحيدية، عندهم آلهة كثيرون، فإذا فحوى دعوة النبي أن الإله واحد، هم يعتقدون أن هذه الحياة:
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 ) ليس ثمة غيرها, قال تعالى:
﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 )
موقف النبي من ردة فعل قريش:
فإذا بهذا النبي الكريم يقول: لا، الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية، الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية، الحياة الآخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الحياة الآخرة أساسها التكريم, قال تعالى:
﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾
( سورة ق الآية: 35 ) الحياة الآخرة ليس فيها تعب ولا نصب، ولا فقر ولا مرض، ولا زوجة سيئة ولا ولد عاق، ولا جار مزعج، ولا إنسان ظالم، الحياة الآخرة نعيم مقيم,
(( أعددت لعبادي الصالحين ـ دققوا ـ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ))
[ أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة في الصحيح ] لذلك لم يصدقوا، قالوا:
﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 37 )
الأسئلة التي تتفجر على ألسنة الشاردين عن اليوم الآخر:
أيها الأخوة، لو أغفلنا الدار الآخرة لتفجر مليون سؤال، لماذا فلان غني وفلان فقير؟ لماذا فلان بيته أربعمئة متر، وفلان لا يجد غرفة في رأس الجبل يتزوج فيها؟ لماذا إنسان يأمر بقتل شعوب بأكملها، ويتصدر في المجالس، ويتبجح ويتغطرس، وأناس يموتون قهراً؟ إذا لم يوجد آخرة، يتفجر مليون سؤال. فلذلك، ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن الكريم كركني التوحيد واليوم الآخر، في اليوم الآخر تسوى الحسابات، في اليوم الآخر يؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمغتصب ماله من المغتصب، في اليوم الآخر يؤخذ كل ذي حق حقه.
الأسلوب الذي كان يستخدمه رسول الله في بيان دعوته:
أيها الأخوة, دائرة المرئيات محدودة، لعلك زرت بضع مدن في العالم، لكن دائرة المسموعات, تستمع في الأخبار إلى مئتي مدينة، أما دائرة الخواطر فلا تنتهي، أي شيء واقع أو غير واقع خاطر. النبي عليه الصلاة والسلام كان يستخدم أسلوب التصوير، كيف بين الفرق بين الدنيا والآخرة؟ اذهب إلى مدينة الساحل، ولتكن اللاذقية، واركب قارباً، وأمسك بإبرة، واغمسها في الماء، واسحبها بما رجعت بماء البحر, قال عليه الصلاة والسلام:
(( ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه ))
[ورد في الأثر] يقول الله لنا, وهو خالق الأكوان:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
( سورة النساء الآية: 77 )
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
( سورة الإنسان الآية: 27)
﴿وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾
( سورة الضحى الآية: 4-5)
لمن أعطى الدنيا, وماذا أعطى من أحبه ؟
أحد الأشخاص كان صالحاً، قال له أحدهم: لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي، لأنهما أولى بحسناتي منك. أنت حينما تعلم أن هذا الذي تغتابه سيأخذ حسناتك يوم القيامة، فضلاً عن وحدانية الإله والإيمان باليوم الآخر، تقذفه ضربتين, هذه الحياة الدنيا لا قيمة لها، كما قال سيدنا علي: " فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا " سيدنا محمد ما رأى أوربة، ما رأى أمريكا، ما رأى هذه المدن الجميلة، ما رأى هذه الحضارة المادية الرائعة، حياته خشنة جداً، غرفته لا تتسع لنوم زوجته وصلاته، فكان إذا أراد أن يصلي يجب أن تزيح زوجته جسمها عن مصلاه، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، " فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا " الله أعطى الدنيا لمن لا يحب، أعطاها لقارون، أعطاها لفرعون، أما الذي يحبهم ماذا أعطاهم؟ قال:
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
( سورة القصص الآية: 14 )
هل نستطيع أن نقدر كلمة عظيم التي وردت في القرآن الكريم ؟
أخوانا الكرام، هناك آية لا أعرف مدى تأثركم بها، كنت أمهد لها بتمهيد بسيط، أن طفلا قال لك: معي مبلغ عظيم، يعني 200 ليرة، موظف بالبنتاغون, قال: نحن أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً 200 مليار دولار، كلمة عظيم نفسها قالها طفل، فقدرتها بـ 200 ليرة، وقالها مسؤول كبير بالبنتاغون فقدرتها بـ 200 مليار دولار، كم تقدر كلمة عظيم من خالق السموات والأرض؟ قال تعالى:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء الآية: 113) الكسب الحقيقي أن تعرف الله،
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[ورد في الأثر]
مجتمع قريش التي كانت تعيشه قبل البعثة , وبيان ردة فعلها من دعوة النبي:
أيها الأخوة, أعيد للمرة الثالثة, الإله واحد، وهناك يوم آخر، حياة أهل قريش ما فيها قيد أو شرط، شرب الخمر، زنا، أنواع الزنا لا تعد ولا تحصى، الزوج يقول لزوجته: اذهبِي إلى فلان، واستبضعي منه، فلان قد يكون ذكيًّا، لعله يأتينا غلام منه، المرأة لها عشرة أزواج، حينما تنجب ولداً, تقول: هذا ابن فلان، أنواع الإباحية في الجاهلية لا توصف، ربا مخيف، فإذا بهذا الدين الجديد يحرم عليهم الخمر، والزنا، والميسر، والربا. لذلك طار صوابهم، واختل توازنهم، كيف أن هذا النبي العظيم تحمل هذه الدعوة؟ إله واحد، وهناك آخرة، وهناك محرمات، لكن طبقية مجتمع مكة لا تحتمل، هناك سادة وعبيد، العبد ليس له أي شيء إلا القهر والقتل، والعمل بلا مقابل، فإذا بهذا الدين يساوي السادة مع العبيد، كلكم من آدم وآدم من تراب، الناس سواء كأسنان المشط . غير معقول، إله واحد، وهناك آخرة، ومحرمات، وما لنا ميزة على هؤلاء، كانت قريش تمنع العرب أن يطوفوا حول البيت بثيابهم، تأمرهم أن يطوفوا عراة، هكذا مزاجها، قريش تشبه الآن القطب الواحد، يجب أن يأتمر كل العرب بأمره، إله واحد، يوم آخر، محرمات، ومساواة، لا، هؤلاء الضعفاء لهم حق في أموالكم, قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
( سورة المعارج الآية: 24-25 )
انظر إلى الفرق بين دعوة النبي وبين منطق الكبار:
أيها الأخوة, عندئذ طار صواب قريش، ما تحملوا ذلك، راودتهم فكرة أن يأتوا مجلس النبي، ولكن هناك سوقة عنده، وضعفاء، وعبيد، وفقراء، هم علية القوم، هم الأغنياء، هم الأقوياء، هم الآمرون، هم الناهون، فقالوا: إن لم يكن من بقائهم بد فليكونوا في مؤخرة الصفوف، لنا يوم ولهم يوم. الآن بالمفهوم المعاصر، إنسان من الطبقة المخملية، لا يجلس مع إنسان ينظف الطرقات، مستحيل، في كبر، في المرحلة الأولى رفضوا أن يأتوا النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم قالوا:
﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾
( سورة هود الآية: 27 )
ما هو رد القرآن على التفاوض الذي اقترحته قريش مع النبي بشأن المستضعفين ؟
أيها الأخوة, بعد هذا قبلوا يومًا لهم، ويومًا لهؤلاء، ثم قبلوا أن يجلس هؤلاء وراء الصفوف، فإذا بالوحي العظيم, يقول:
﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 52 ) ديننا دين المساواة، دين الفطرة، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.
موقف للنبي أراد أن يرسخ في أمته هذا المبدأ:
مرة أحد أصحاب النبي في ساعة غفلة, قال لعبد أسود: يا ابن السوداء، فغضب النبي، فحتى يسترضي النبي، أبى إلا أن يضع رأسه على الأرض ليدوس على رأسه هذا العبد الأسود، هذا الإسلام، هذا الدين، ليس فيه طبقية، ما من إنسان أحسن من إنسان إلا بالتقوى, قال تعالى:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
( سورة الحجرات الآية: 13 ) ورد في بعض السير أن أبا سفيان وقف في باب عمر، فلم يؤذن له، أما صهيب وبلال فيدخلان ويخرجان بلا استئذان، وهو سيد قريش وشريف مكة، فلما دخل عليه عاتبه يقول له: أبو سفيان يقف في بابك وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان, قال له: يا أبا سفيان أنت مثلهما؟ هذا مجتمع آخر. والله الذي لا إله إلا هو ما لم نحكم هذه القيم لن نستحق نصر الله عز وجل، الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
فحوى الدعوة الإسلامية:
أيها الأخوة، الذي ينبغي أن نعلمه جميعاً أن هذه الدعوة التي أساسها التوحيد، وأساسها الإيمان باليوم الآخر، وأساسها افعل ولا تفعل، عندنا أمر، عندنا فرض، واجب، سنة مؤكدة، سنة غير مؤكدة، مستحب، مباح، شيء مكروه تنزيهاً، شيء مكروه تحريماً، حرام، هناك منهج، إله واحد، ويوم آخر، افعل ولا تفعل، والناس سواسية كأسنان المشط، وهناك أموال الأغنياء حق للفقراء، هذه الخطوط الكبيرة للدعوة الإسلامية، وكلها تتناقض مع طبيعة من نزل عليهم الوحي، وكلها تتناقض مع من توجه الوحي إليهم ليهديهم سواء السبيل.
هل هناك فرق بين الجاهلية الأولى وبين جاهلية هذا العصر ؟
أيها الأخوة الكرام، أخطر شيء في حياة المسلمين الشرك الخفي، صدقوا أيها الأخوة ليس هناك 5 % من المسلمين يدخلون اليوم الآخر في حساباتهم، يقول لك بلسانه: أنا مؤمن باليوم الآخر، أما سلوكه فلا يتضح هذا الإيمان، يأكل مالاً حرام، يعتدي على أعراض الناس، ولو بالنظر والكلام، يأخذ ما ليس له، يغتاب، فإذا آمنا بالله الإيمان الحقيقي فينبغي أن نستقيم على أمره. فالجاهلية التي رافقت ظهور الإسلام سماها الله الجاهلية الأولى، ما معنى أن يسميها الجاهلية الأولى؟ المعنى أن هناك جاهلية ثانية نعيشها الآن، لذلك:
(( بدء الدين غريباً ويعود كما بدء، فطوبى للغرباء، أناس صالحون في قوم سوء كثير ))
[أخرجه أحمد في مسنده]
إلى غد إن شاء الله:
أيها الأخوة، في درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الموضوعات، ونتابع الاستنباطات، ونلقي الضوء على حياتنا التي نحن في أمس الحاجة فيها إلى هدي محمد صلى الله عليه وسلم. | |
|
الصوفى مشرف مميز
الساعه : الدوله : عدد المساهمات : 1140 مزاجك : تاريخ التسجيل : 07/03/2011 العمر : 64 العمل/الترفيه : حب التصوف والاضطلاع الدينى
| موضوع: رد: فحوى الدعوة في مكة . لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي السبت يونيو 11, 2011 4:27 pm | |
| | |
|