الشوق

موضوع: الشوق الإثنين يوليو 04, 2011 9:54 am

قال سيدنا عبد الرحمن الشريف قدس الله سره :

وبيقظة الألباب من غفلاتها بالحب بالشوق المقرب نـاء

الشوق لغةً : نزاع النفس إلى الشيء مختار الصحاح.
وفي الاصطلاح : هو توق القلب إلى لقاء الله عز وجل، ومشاهدته والنظر إليه،
وإرواء القلب برؤياه، ومناجاته، ومنه الشوق إلى الحبيب المصطفى عليه
الصلاة والسلام، وإلى أولياء الله وأحباءه قال ابن القيم (الشوق أثر من
آثار المحبة وحكم من أحكامها وإنه سفر القلب إلى المحبوب في كل حال) تهذيب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية الجزء الثاني. قال تبارك وتعالى سائلاً سيدنا موسى عليه السلام {وما أعجلك عن قومك يا موسى} فأجابه : {وعجلت إليك ربي لترضى} سورة طه، رقم الآيات 83،84 ، فكانت العجالة نتيجة لما استعر في قلبه من شوق وحنين للقاء بعد أربعين يوماً من التهيؤ والاستعداد بالعبادة والخلوة والذكر.

وقد
أوجد الله تبارك وتعالى الشوق في القلب بعد تمكن المحبة منه واستقرارها
فيه وذلك لتخليص القلب من أدران الشرك الأصغر ورؤية الأغيار والركون
للآثار، قال الشبلي
هو دُلف بن جحدر الشبلي : عابد كان في مبدأ أمره والياً في دبناوند ثم ترك
الولاية وعكف على العبادة فاشتهر بالصلاح، أصله من خراسان ونسبه إلى قرية
شبلة من قرى ما وراء النهر، قال عنه السلمي في طبقاته : إنه تاب في مجلس
خير النساخ وصحب الجنيد ومن في عصره من المشايخ وصار أوحد وقته حالاً
وعلماً، عاش سبعاً وثمانين سنة وتوفي في بغداد سنة 334 هـ (الشوق نار الله أشعلها في قلوب أوليائه حتى يحرق بها ما في قلوبهم من الخواطر والإرادات والحاجات والعوارض).
فلكي يكون المحب لله مستعداً للقاءه لا بد وأن يكون خالي القلب من النواقص
والأكدار. وقال أبو الحسن الشاذلي (لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة
من شهواته ولا مشيئة من مشيئاته) كتاب الطبقات الكبرى، للشعراني ، ولكن كيف يمكن للمرء أن يتخلص من هذه الشهوات ؟ ! قال ابن عطاء الله : (لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق) الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري. وقد ورد في تفسير القطب الشاذلي للآية الكريمة {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً} سورة السجدة، رقم الآية 16.
أنه قال : (تتجافى جنوبهم : عن مضاجعة الأغيار ومنازعة الأقدار، ويدعون
ربهم خوفاً وطمعاً : فالخوف منه قطعهم عن غيره بالشوق إليه أطعهم فيه) كتاب أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبد الحليم محمود.

وكما
ورد في كتاب الدلالة النورانية لسيدنا حسني الشريف نفعنا الله به
والمسلمين، أن للحب مراتب متعددة. نفهم منه أيضاً أن للشوق درجات وأحوال
بحسب مقدار الحب في ذلك القلب ومدى توقده. قال سيدنا
عبد الرحمن الشريف قدس الله سره في النصائح الرحمانية : (أوقد مصباح الذكر
تلوح لك الأعلام، وتقرب لباديات الشوق تظهر لك الخيام) النصائح الرحمانية، كتاب أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية.

ألوان الشوق وأنواعه

للشوق أحوال وألوان متنوعة يتنقل المحب بينها حسب تنوع أحوال قربه من محبوبه :

1. الشوق المضني :
وهو الذي ينهك الجسد ويضنيه لما يكابد من حزن وحنين في فؤاده، كما كان
عليه حال سيدنا أبو بكر بعد وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن
ابن عمر رضي الله عنه قال (كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، كَمِدَ فما زال جسمه يجـري "أي ينقص" حتى مات) أخرجه سيف والحاكم عن ابن عمر.

2. الشوق المبكي :
وهو شوق يغلب عليه البكاء والدموع كلما ذكر الحبيب أو خطر على مهجته أو
رأى إشارة تذكره به. وهو ما كانت عليه حال سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله
عنها بعد وفاة والدها الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عند قبره الشريف
ودموع الحزن والشوق لا تفارقها :

ماذا على من شمّ تربة أحمد ألا يشم مـدى الزمـان غواليا

صبت علي مصائب لـو أنها صبت على الأيـام غدون لياليا

3. الشوق المؤرق : وهو الذي يسرق النوم من عيني صاحبه، فلا يجد النعاس
مكاناً إليه ولا موطناً لديه. قال الشيخ عبد القادر عيسى يصف حال هؤلاء :
(لو أرادوا في ليلتهم ساعة أن يناموا لأقلقهم الشوق إليه فقاموا وجذبهم
الوجد والغرام فهاموا، الفرش مشتاقة إليهم والوسائد متأسفة عليهم) كتاب حقائق عن التصوف لعبد القادر عيسى.

4. الشوق المقلق : وهو شعور بالانزعاج الذي تقابله الطمأنينة والسكينة، وهو ما عبر عنه ابن عجيبة في تعريفه للشوق (هو انزعاج القلب إلى لقاء الحبيب) رسالة دستور الولاية ومراقي العناية للشيخ محمد هاشم بغدادي. وهذه هي حال سيدنا إبراهيم عليه السلام حين سأل المولى عز وجل {رب أرني كيف تحي الموتى، قال أولم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} سورة البقرة، رقم الآية 260 .
فالطمأنينة التي طلبها ليس مبعثها شك أو ريب وهو على ما عليه من المقام
والقرب من الله تعالى، ولكن كان مبعثه شوق شديد أقلق فؤاده فطلب من ربه أن
يرى من تجليات قدرته في خلقه ما يسّكن شوقه إلى ربه. قال ابن عطاء الله :
(علم منك أنك لا تصبر عنه، فأشهدك ما برز منه) الحكم العطائة لابن عطاء الله السكندري.

5. الشوق المفرح :
هو الشوق الذي يمتزج بالفرح والسرور رغم بعاد المحب عمن أحب، فترى أسارير
وجهه منشرحة عند ذكر محبوبه وتبدو عليه السعادة والحبور، لأنه يعيش بحال
لقاء روحي معه.

6. الشوق المسكر : وهو الذي يجعل صاحبه في حالة من الغيبة والفناء في محبوبه، قال أبي حفص النيسابوري هو عمر بن سلمة الحداد الملقب بأبي حفص النيسابوري (من تجرع كأس الشوق هام هياماً لا يفيق منه إلا عند المشاهدة واللقاء).

والشوق
على نوعين كما تحدث عنه الإمام الغزالي (الشوق الأول ينتهي في الدار
الآخرة بالمعنى الذي يسمى رؤية ولقاء ومشاهدة، ولا يتصور أن يسكن في
الدنيا. أما الشوق الثاني فيشبه ألا يكون له نهاية في الدنيا ولا في
الآخرة، إذ نهايته أن ينكشف للعبد في الآخرة من جلال الله تعالى وصفاته
وحكمته وأفعالهما هو معلوم لله تعالى، وهو محال لأن ذلك لا نهاية له، ولا
يزال العبد عالماً بأنه بقي من الجمال والجلال ما لم يتضح له فلا يسكن قط
شوقه) احياء علوم الدين باب معنى الشوق إلى الله.

ثمرات الشوق

1. الإخلاص التام في العبادة : قال ابن عجيبة : (الإخلاص ثلاث درجات، إخلاص العوام والخواص وخواص الخواص، وإخلاص خواص الخواص هو إخراج الحظوظ بالكلية، فعبادتهم تحقيق العبودية والقيام بوظائف الربوبية محبة وشوقاً إلى رؤيته) كما قال ابن الفارض

ليس سؤلي من الجنان نعيماً غير أني أحبها لأراكا كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم، لابن عجيبة الجزء الأول صفحة 26025.

2. الإحساس بلذة العبادة وحلاوتها :
لما يجد فيها من لقاء تطيب له روحه ويركن إليه شوقه، قال عليه الصلاة
والسلام : {حبب إلي من الدنيا، النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة} رواه الإمام أحمد في مسنده،
قال الحافظ معلقاً على هذا الحديث (من كانت قرة عينه في شيء فإنه يود ألا
يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد
بالمصابرة على النصب) الفتح للحافظ ، الجزء 11، صفحة 296.

3. عدم الجزع من الموت : بل
يفرح بقدومه، قال الشيخ عبد القادر عيسى (وإذا علم أنه لا وصول إلا
بالارتحال من الدنيا ومفارقتها بالموت، فعليه أن يكون محباً للموت غير فار
منه لأن الموت مفتاح اللقاء) كتاب حقائق عن التصوف،
ومنه ما كان من حال سيدنا بلال رضي الله عنه عندما حضرته المنية وقالت
زوجه واحزناه، قال بل وافرحتاه غداً ألقى الأحبه محمداً وحزبه.

4. الاستهانة بأمور الدنيا وتصاغرها : قال الجنيد رحمه الله : (بلغني أن يونس عليه السلام قال وعزتك لو كان بيني وبينك بحر من نار لخضته شوقاً لك).

5.الثمرة الأخروية فأجلها فرحة لقاء العبد ربه : والتي لم ولن يعرف طعمها إلا من أحب واشتاق اللقاء، قال سيدنا الشيخ حسني الشريف نفعنا الله به (من لم يشاهد جمال يوسف لن يعرف حرقة يعقوب عليه، ومن لم يعرف قدر يوسف لن يدرك فرحة يعقوب بلقاءه). وخير ما نختم به هذا المبحث دعاء الحبيب عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم : (اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك) اللهم آمين.

موضوع: رد: الشوق الأحد يوليو 10, 2011 5:45 pm

بـــــاركـــــ الـلـــــــــه فـيـــــــــكــــ
وجــعـله فـــــــــى مـــــــــيــزان حـســــنـاتــــــكــ يـــــــوم الـقـيـامــه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دمــت ودام عـطــــاءكــ لـلـمـنـتـدى
فــــــــــى إنتــظـار مـــزيـــدكـــ الــشــــيق

» الشوق والاشتياق
» يا داود: إلى كم تذكر الجنة و لا تسألني الشوق إليّ؟