قصة
أصحاب الكهف من أعجب قصص القرآن الكريم وأكثرها تشويقا. والحق أنها وبقية
قصص تلك السورة بها الكثير من أنواع الإعجاز التاريخي والعلمي , والبياني
بديهة..
فكما أن قصة يوسف هي أحسن القصص , فإن قصص سورة الكهف هي أعجبها.
(أَمْ
حَسِبْتَ أَنّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا
عَجَباً.... وَاتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً).
و
من عجائبها أننا لو تدبرنا مطلعها لوجدناه يتسق تماما مع أواخر السورة
السابقة لها. وهى سورة الإسراء , وهذا من إعجاز المناسبة في القرآن الكريم ,
حيث يبدو وكأنه سلسلة من حلق متداخلة حيث نقرأ في آخر آيات سورة الإسراء:-
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً......). ثم نقرأ
في أول لاحقتها سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلّهِ) وكأنه استجابة للأمر الإلهي
السابق. ثم يقول في الآية الرابعة (وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُواْ اتّخَذَ
اللّهُ وَلَداً) ليتسق مع قوله قبلها في الإسراء بعد الحمد.. (الّذِي لَمْ
يَتّخِذْ وَلَداً).
محورالحديث
والسورة
بها العديد من أمثال تلك الصور المعجزة. لكن حديثنا يركز على الإعجاز في
مسألة هيئة أصحاب الكهف وتقلبهم أثناء نومهم , حيث يقول تعالى
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ
وَذَاتَ الشّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَوِ
اطّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ
رُعْباً)- 18.
تمهيد
قبل أن نستعرض آراء المفسرين لتلك الآية , نقول أنها تشمل أربعة أقسام أو مراحل يترتب بعضها على بعض بشكل معجز:-
1- " وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ "
2- " وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشّمَالِ "
3- " وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ "
4- " لَوِ اطّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً "
أولا:- آراء المفسرين:-
نستعرض الآن بإذن الله آراء المفسرين حول كل قسم من الأقسام سالفة الذكر الواحد تلو الآخر.
أ- قولهم في مسألة أن يحسبهم المطلع عليهم مستيقظين بينما هم نيام...
ذكر
فريق من المفسرين أن سبب ذلك هو بقاء عيونهم مفتحة وأن تعرضها للهواء هكذا
أبقى لها !! ذهب إلى ذلك ابن كثير وتفسير الجلالين وصاحب التحرير والتنوير
وغيرهم.
كما
ذكر فريق آخر من المفسرين أن سبب ذلك هو انفتاح العيون أثناء النوم إضافة
إلى كثرة تقلبهم أثناء نومهم أو أحد هذين العاملين. ذهب إلى ذلك البقاعى
والزمخشرى والبيضاوي والشوكانى.
وأخيرا
ذهب فريق إلى أن سبب أن يحسبهم المطلع عليهم أيقاظا بينما هم نائمون هو
كثرة تقلبهم فقط. مثل تفسير " في ظلال القرآن " رحم الله صاحبه ومن قبله
نقل الألوسى عن الزجاج مثل ذلك واستدل عليه بذكر ذلك بعد.
ب- قولهم في مسألة تقلب أصحاب الكهف وسبب ذلك:
ذكر
أغلب المفسرين أن سبب ذلك هو ألا تأكل الأرض أجسامهم , أو ما يسمى اليوم
قرحة الفراش. ذكروا ذلك نقلا عن ابن عباس. ومنهم من زاد أنهم كانوا يتقلبون
مرة واحدة في العام يوم عاشوراء أو مرتين !! ومنهم من قال أن تقلبهم كان
كثيرا مثل تفسير البقاعى وبعض ما طرحه الألوسي.
ج- قولهم في مسألة الكلب وحاله:
أسهب
الكثير من قدامى المفسرين في وصف الكلب , لونه واسمه وأنه أنطقه الله بعد
أن طردوه أول مرة !! وأنه كان أسداَ وسمى الأسد كلبا !! كما روى البيضاوي
والقرطبي وابن كثير , وهى روايات لم يذكروا لها أية أحاديث نبوية , وبالطبع
لم يذكره النص القرآني.
أما
تفسير التحرير والتنوير فقد قال في ذلك كلاما يعتد به..... " لم يذكر
التقلب لكلبهم بل استمر في مكانه باسط ذراعيه... وعدم تقليب الكلب عن يمينه
وشماله يدل على أن تقليبهم ليس من أسباب سلامتهم من البلى وإلا لكان كلبهم
مثلهم فيه.. وقد يقال: إنهم لم يفنوا وأما كلبهم ففني وصار رمة مبسوطة
عظام ذراعيه "( الحق أنه لو كان قد بلى للاحظوا ذلك عند استيقاظهم ).
د- قولهم فى مسألة " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا"
أغلب التفاسير ذكرت أن سبب ذلك هو المهابة التي ألبسها الله إياهم , منها تفسير ابن كثير والجلالين والبقاعى والكشاف للزمخشرى.
أما
البيضاوي فقد أضاف إلى الهيبة انفتاح عيونهم ووحشة المكان. ومن المفسرين
ما أعزى ذلك إلى طول شعورهم وأظفارهم , وهو ما حكاه القرطبي عن الزجاج
والنحاس والقشيرى.
أما سيد قطب فقال في " الظلال " كلاما متفردا شديد الإقناع:-
(
ثم يمضى السياق يكمل المشهد العجيب. وهم يقلبون من جنب إلى جنب في نومتهم
الطويلة. فيحسبهم الرائي إيقاظا وهم رقود. وكلبهم – على عادة الكلاب- باسط
ذراعيه بالفناء قريبا من باب الكهف كأنه يحرسهم. وهم في هيئتهم هذه يثيرون
الرعب في قلب من يطلع عليهم. إذ يراهم نياما كالأيقاظ , يتقلبون ولا
يستيقظون. وذلك من تدبير الله كي لا يعبث بهم عابث , حتى يحين الوقت
المعلوم ).
ثانيا:- رأي العلم الحديث:-
أ-
بالنسبة لما ذهب إليه بعض المفسرين في تفسيرهم لقوله تعالى:
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) بأن ذلك حدث لبقاء عيونهم
مفتحة وأن ذلك ابقي للعين ,لا يؤيده العلم الحديث أبدا , كما أن النص لم
يذكره , فالعين على العكس من الأنف والأذن تغلق عندما ننام.
أن ذلك يجدد خلايا العين. وأن بقاء العين مفتوحة فترات طويلة يعرضها
للجفاف ولذلك ترمش عيوننا , ناهيك عن تقرح القرنية. وكلنا يعلم أن الفراعنة
في تحنيطهم لمومياواتهم كانوا ينتزعون العين لأنها أول الأعضاء المعرضة
للتلف.
وأصحاب
الكهف كانوا في موقع جبلي تكثر فيه الأتربة. فإذا كان الله قد ضرب على
آذانهم المفتحة أصلا , فمن باب أولى أن تغلق عيونهم على الأقل لأغلب
الفترات.
ب- بالنسبة لمسألة تقلب أصحاب الكهف
ذكر بعض المفسرين – بغير سند من نص قرآني أو حديث شريف – أن أصحاب الكهف كانوا يتقلبون في العام مرة أو مرتين.
والعلم الحديث يقول العكس تماما. إذ يقول أستاذ علم النفس السويسري/ "ألكسندر بوربلى" Alexander A. Borbély, MD. في كتابهSecrets Of Sleep " أسرار النوم "
(1) وتحديدا في الصفحة رقم 251:".. والنوم يكون عميقا في البداية , ولكنه
يصبح سطحيا بدرجة أكبر كلما انقضت الساعات. وهذه الظاهرة نفسها تنعكس في
حقيقة نشاهدها وهى أن النائم يغير أوضاعه بمعدل تكرار أكبر كلما زادت
الفترة التي قضاها في النوم طولا.!! ""
ما
بالنا إذًا بمن ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ؟ كيف يكون معدل تغيير
أوضاعهم أثناء نومهم ؟ أي كيف يكون معدل تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ؟
لا بد أنه كان معدلاً مرتفعًا جداً.
مماقاله بعض المفسرين كذلك ويرفضه العقل , قولهم أن سبب الرعب منهم طول شعورهموأظفارهم. إذ لم يلحظوا ذلك حين استيقظوا , بل قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم.