الباب السادس والستون
في معرفة سر الشريعة ظاهراً وباطناًوأيّ اسم إلهيّ أوجدهاصفحة : 92 ـ طبعة القاهرة ـ تحقيق : عثمان يحيقال الله عز وجل :" قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا " وقال تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .
يعود بنا اليوم
الشيخ الأكبر إلى الحقيقة التي لا يمل عن ذكرها في أكثر من مكان في فتوحاته أن ما ثم
غير الله وأن المخلوق وجوده من جهة النسب فأما من جهة الوجود العيني فما ثم
غير الله .
فيرى الشيخ الأكبر
( قدس الله سره ) أن الأسماء الإلهية لسان حال تعطيها الحقائق فلا يحق للعبد توهم الكثرة أو الاجتماع الوجودي .
فإن ذات الحق واحدة من حيث ما هي ذات .
ولما
كان لابد لنا من مرجح نستند إليه و لابد أن يطلب وجودنا منه نسباً مختلفة
.. فقد كنى الشارع عنها بالأسماء الحسنى فسمي بها من كونه متكلماً في مرتبة
وجوبية وجوده الإلهيّ الذي لا يصح أن يشارك فيه فإنه إله واحد لا إله غيره
.
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى :يذكرني
سرد الشيخ الأكبر لهذا الاجتماع باجتماع الأنبياء المروي في المعراج
المحمدي .. سرد طلب الخلق لشفاعة الأنبياء عليهم السلام : " إذهبوا إلى
.... .. إذهبوا إلى .... .. حتى وصلت إلى صاحبها صلى الله عليه وآله وسلم"
يروي الشيخ :اجتمعت الأسماء
( الحسنى ) بحضرة المسمى ونظرت في حقائقها ومعانيها فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها .
فإن
الخالق ـ الذي هو المقدّر ـ والعالم والمدبر والمفصل والباري والمصوّر
والرزاق والمحيي والمميت والوارث والشكور وجميع الأسماء الإلهية نظروا في
ذواتهم ولم يروا مخلوقاً ولا مدبراً ولا مفصلاً ولا مصوّراً ولا مرزوقاً
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر
سلطاننا ..
الاسم ( الباري ) .. تحت حيطة ( القادر ) :فلجأت الأسماء الإلهية إلى الاسم الباري فقالوا له عسى توجه هذه الأعيان لتظهر أحكامنا ويثبت سلطاننا ..
فقال الباري : ذلك راجع إلى الاسم
( القادر ) فإني تحت حيطته ..
كيف الظهور ؟؟ ! :
سألت الممكنات ( التي كانت في حال عدمها ) الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار ..
وقالت
لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضاً وعن معرفة ما يجب لكم من
الحق علينا فلو أنكم أظهرتم أعياننا وكسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا
بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الإجلال والتعظيم وأنتم أيضاً كانت السلطنة
تصح لكم في ظهورنا بالفعل واليوم أنتم علينا سلاطين بالقوّة والصلاحية فهذا
الذي نطلبه منكم هو في حقكم أكثر منه في حقنا .
فقالت الأسماء : أنّ هذا الذي ذكرته الممكنات صحيح فتحرّكوا في طلب ذلك .
" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " ...
فلما لجئوا إلى الاسم القادر قال القادر ( أنا تحت حيطة المريد ) :فلا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الآمر من ربه .
فإذا أمره بالتكوين وقال له :
" كن " مكنني من نفسه وتعلقت بإيجاده فكوّنته من حينه .
فلجئوا إلى الاسم المريد ( المريد تحت حيطة العالم ) :فقالوا
له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعياننا فأوقف أمر ذلك عليك فما
ترسم ؟؟ فقال المريد : صدق القادر ولكن ما عندي خبر ما حكم الاسم العالم
فيكم هل سبق علمه بإيجادكم فتخصص أو لم يسبق ؟؟ .
فأنا تحت حيطة الاسم العالم فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم ....
فساروا إلى الاسم العالم ( الحضرة المهيمنة : حضرة الاسم الله ) :وذكروا ما قاله الاسم المريد فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ولكن الأدب أولى ..
فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله فلا بدّ من حضورنا عنده فإنها حضرة الجمع .
فاجتمعت الأسماء كلها في حضرة الله فقال : ما بالكم فذكروا له الخبر .
فقال أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدّسة له نعوت الكمال والتنزيه فقفوا حتى أدخل على مدلولي .
فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاولت فيه الأسماء .
فقال :اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقيقته في الممكنات
الاسم الواحد :فإني
الواحد لنفسي من حيث نفسي والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي
والأسماء إلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خَصيص بي لا
يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من
الممكنات .
فخرج الاسم الله ومعه الاسم
( المتكلم ) يترجم عنه للممكنات والأسماء .
فذكر لهم ما ذكره "المسمى " .
فتعلق "العالم " و "المريد " و " القائل " و " القادر" . فظهر "الممكن الأول من الممكنات " بتخصيص : "المريد " وحكم : " العالم " .
حوار الأسماء والممكنات :فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان وتسلط بعضها على بعض وقهر بعضها بحسب ما تستند إليه من الأسماء فأدّى إلى منازعة وخصام .
فقالوا : إنا نخاف علينا أن يفسد نظامنا ونلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت
الممكنات الأسماء بما ألقى إليها لاسم العليم والمدبر وقالوا : أنتم أيها
الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحدّ مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ
علينا وجودنا ونحفظ عليكم تأثيراتكم فينا لكان أصلح لنا ولكم .
فالجئوا إلى " الله " عسى يقدّم من يحدّ لكم حداً تقفون عنده و إلا هلكنا وتعطلتم..
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ففعلوا ذلك فقالوا إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم فانهوا إلى المدبر الأمر .
الوزيران " يدبر الأمر يفصل الآيات " :فقال المدبر أنا لها فدخل وخرج بأمر الوزير الواحد الاسم المدبر والوزير الآخر المفصل .
قال تعالى
" يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " [الرعد : 2] .. الذي هو الإمام .
فانظر ما أحكم كلام الله تعالى حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه .
الرب ومملكة الأسماء:فحدّ الاسم
" الرب " لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة وليبلوهم أيهم أحسن عملاً ..