ديوان
سلطان العاشقين
العارف بالله
سيدي عمر ابن الفارض
رضي الله عنه
ابن الفارض :
هو أبو حفص عمر بن علي بن مرشد بن علي, الحموي الأصل, المصري الولادة والمنشاء, ولد سنة 576ه - 1181م وتوفي سنة 632ه - 1234م.
كني
رضي الله عنه بأبي حفص وأبي القاسم, ولقب بشرف الدين, كان أبوه بعد
إنتقاله إلى القاهرة يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكام. ومن ثم
عرف بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض وفي ظل هذا الأب, وفي رعاية علمية
وحياة طيبة نشأ عمر وأخذ علومه الجلة وكان منذ صغره يستأذن والده لينقطع
للعبادة في بعض المساجد المنقطعة وفي جبل المقطم.
أخذ رضي الله عنه
الفقه والحديث عن شيوخ مصر وسلك طريق الصوفية فتزهد, وظل كذلك إلى أن نصحه
أحد المتعبدين بالنزول إلى مكة, فاتصل بمنابع الوحي والإلهام وظل هناك زهاء
خمسة عشر عاماً، وأكثر من الأنعزال في وادٍ بعيد عن مكة, وهناك وفي ظل تلك
الأحوال نظم معظم شعره.
ثم عاد رضي الله عنه إلى مصر وأقام بالجامع
الأزهرالشريف معَظماً من أهل عصره, وكثر المعجبون به والمتبركون به، وكانت
العلماء والحكام تجالسه حتى أن الملك الكامل كان يأتي لزيارته. وساعده على
الظفر بمحبة الناس ما منحه الله من جمال الخلقة والخلق. ووصِف ابن الفارض
رضي الله عنه بإنه كان معتدل القامة, وأن وجهه جميل, حسن مشرب بحمرة وكان
حسن الهيئة والملبس, وحسن الصحبة والعشرة, فصيح العبارة , كثير الخير, قال
ابن خلكان : سمعت أنه رجل فصيح العبارة كثير الخير.
و أخذ رضي الله عنه
في نظم الشعر, فكان الناس يتلقون قصائده ويترنمون بها, وقد جرى فيها على
طريقة الحب والغرام. والتصوف في حقيقته حُبّ وحنين إلى الذات الإلهية.
وكانت حياته رضي الله عنه حيات إنقطاع, وعبادة وزهد وكانت تحصل له حالات
إستغراق طويل وصمت , وكان يملي شعره في إنتباهه من تلك الأحوال. رضي الله
عنه وأرضاه وأمدنا بأسراره ونفعنا بعلومه...آمين.
قافية الهمزة
أرجُ النَّسيمِ
1. أرجُ النَّسيمِ سرَى منَ الزَّوراءِ، *** سَحَراً ، فأحْيا مَيِّتَ الأحْيَاءِ
2. أهدى لنا أرواحَ نجدٍ عَرْفهُ، *** فالجَوُّ منهُ مُعَنبَرُ الأرْجاءِ
3. ورَوى أحاديثَ الأحبَّةِ ، مُسنِداً، *** عَنْ إذخِرٍ بأذاخِرٍ ، وسِحَاءِ
4. فسَكِرْتُ مِنْ رَيَّا حَواشي بُردِهِ، *** وسَرَتْ حُمَيَّا البُرْءِ في أدوائي
5. يا راكِبَ الوَجْناءِ ، بُلِّغتَ المنى، *** عُجْ بالحِمَى ، إنْ جُزتَ بالجَرْعَاءِ
6. مُتيَمِّماً تلعاتِ وادي ضارجٍ، *** مُتيَامِناً عنْ قاعةِ الوَعْسَاءِ
7. وإذا وَصَلتَ أثيلَ سَلعٍ ، فالنَّقا، *** فالرَّقمتينِ ، فلعْلعٍِ ، فشظاءِ
8. وكذا عنْ العلمينِ منْ شرقيِّهِ، *** مِلْ عادلاً للحلّةِ الفيْحاءِ
9. واقرِ السَّلامَ عُرَيْبَ ذيَّاكَ الَّلوى *** مِنْ مُغرمٍ ، دَنِفٍ ، كئيبٍ ، ناءِ
10. صبٍّ ، متى قفلَ الحجيجُ تصاعدتْ *** زفراتهُ بتنفُّسِ الصُّعداءِ
11. كَلّمَ السُّهادُ جُفونهُ ، فتبادرتْ *** عبراتهُ ، ممزوجةً بدِمَاءِ
12. يا ساكني البطحاءِ ، هلْ منْ عودةٍ *** أحيا بها ، يا ساكني البطحاءِ ؟
13. إنْ ينقضي صَبري ، فليسَ بمنقضٍ *** وَجْدِي القديمُ بكمْ ، ولا بُرَحائي
14. ولئنْ جفا الوَسميُّ ماحِلَّ تربكم، *** فمدامعي تربي على الأنواءِ
15. واحسرتي ، ضاعَ الزَّمانُ ولمْ أفزْ *** منكمْ ، أهيلَ مودَّتي ، بلقاءِ
16. ومتى يؤمِّلُ راحةً منْ عمرهُ *** يومانِ : يومُ قلىً ويومُ تناءِ
17. وحياتكمْ ، يا أهْلَ مكَّةَ ، وهيَ لي *** قسمٌ ، لقدْ كلِفتْ بكمْ أحشائي
18. حُبَّيكُمُ ، في النَّاسِ ، أضْحى مذهبي، *** وهَوَاكُمُ دِيني وعَقدُ وَلائي
19. يا لائمي في حُبِّ مَنْ مِنْ أجلهِ *** قدْ جَدَّ بي وَجْدِي وعَزَّ عَزائي
20. هلاَّ نهاكَ نُهاكَ عنْ لومِ امرئٍ، *** لمْ يُلفَ غيرَ مُنعَّمٍ بشقاءِ
21. لوْ تدرِ فيمَ عذلتني لعذرتني، *** خفض عليكَ ، وخلِّني وبلائي
22. فلنازلي سرحِ المربعِ ، فالشَّبي *** كةِ ، فالثَّنيَّةِ منْ شِعابِ كَداءِ
23. ولحاضري البيتِ الحرامِ ، وعامري *** تلكَ الخيامِ ، وزائري الحثماءِ
24. ولِفِتيَةِ الحرمِ المريعِ ، وجيرَةِ الْ *** حَيِّ المنيعِ ، تلفُّتي وعنائي
25. فهمُ همُ ، صَدُّوا ، دنوا ، وَصَلوا ، جفوا، *** غدروا ، وافوا ، هجروا ، رثوا لضنائي
26. وهُمْ عياذي ، حيثُ لمْ تغنِ الرُّقي، *** وهُمْ مَلاذي ، إنْ غدَتْ أعدائي
27. وهُمْ بقلبي ، إنْ تناءتْ دَارُهمْ *** عنِّي ، وسُخطي في الهوى ورضائي
28. وعلى محلِّي بينَ ظهرانيهمِ، *** بالأخشبينِ ، أطوفُ حَولَ حِمائي
29. وعلى اعتناقي للرِّفاقِ ، مُسلِّماً، *** عندَ استلامِ الرُّكنِ ، بالإيماءِ
30. وتذكُّري أجيادَ وِرْدِي في الضُّحى، *** وتهجُّدي في الَّليلةِ الَّليلاءِ
31. وعلى مُقامي بالمقامِ ، أقامَ في *** جسمي السَّقامُ ، ولاتَ حينَ شِفاءِ
32. عَمْري ، ولوْ قلِبَتْ بطاحُ مسيلهِ *** قلُباً ، لِقلبي الرِّيُّ بالحصباءِ
33. أسْعِدْ أخيَّ ، وغنِّنى بحديثِ منْ *** حلَّ الأباطحَ ، إنْ رَعَيتَ إخائي
34. وأعِدْهُ عندَ مَسامِعي ، فالرُّوحُ ، إنْ *** بَعُدَ المَدَى ، ترتاحُ للأنباءِ
35. وإذا أذى ألمٍ ألمَّ بمهجتي، *** فشذا أعيشابِ الحجازِ دوائي
36. أأذادُ عنْ عَذبِ الوُرودِ بأرضهِ، *** وأحَادُ عنهُ ، وفي نقاهُ بقائي
37. ورُبوعهُ أرَبى ، أجَلْ ، ورَبيعهُ *** طرَبي ،و صَارِفُ أزمَةِ اللّأواءِ
38. وجبالهُ ليَ مربعٌ ، ورِمَالهُ *** ليَ مرتعٌ ، وظِلالهُ أفيائي
39. وترَابُهُ ندِّى الذَّكيُّ ، وماؤهُ *** وِرْدى الرَّويُّ ، وفي ثرَاهُ ثرَائي
40. وشِعابهُ ليَ جَنَّةٌ ، وقبابهُ *** ليَ جُنَّةٌ ، وعلى صَفاهُ صَفائي
41. حيَّا الحيا تلكَ المنازلَ والرُّبى، *** وسَقى الوَليُّ مواطنَ الآلاءِ
42. وسقى المشاعِرَ والمحصَّبِ ، مِنْ منىً، *** سَحًّا ، وجَادَ مَواقِفَ الأنضاءِ
43. ورَعَى الإلهُ بها أصيحابي ، الألي *** سَامَرْتهُمْ بمَجامِعِ الأهْواءِ
44. ورَعَى ليالي الخيْفِ ، ما كانتْ سِوَى *** حُلمٍ مَضَى ، مَعَ يقظةِ الإغفاءِ
45. واهاً على ذاكَ الزَّمانِ ، وما حَوَى *** طِيبُ المَكانِ ، بغفلةِ الرُّقباءِ
46. أيَّامُ أرْتعُ في مَيادِينِ المُنى، *** جَذِلاً ، وأرْفلُ في ذيولِ حِباءِ
47. ما أعجَبَ الأيَّامَ ، توجبُ للفتى *** مِنحاً ، وتمْحَنهُ بسَلبِ عَطاءِ
48. يا هلَّ لماضي عَيشِنا مِنْ عَودَةٍ، *** يوماً وأسْمَحَ بَعدَهُ ببقائي
49. هيهاتِ ، خابَ السَّعيُ وانفصمتْ عُرَى *** حَبْلِ المُنى ، وانحَلَّ عِقدُ رَجائي
50. وكفى غراماً أنْ أبيتَ مُتيَّماً، *** شوقي أمَاميَ والقضاءُ وَرَائي
: ديوان سلطان العاشقين العارف بالله سيدي عمر بن الفارض رضي الله تعالى عنه وأرضاه
قافية التاء
التائية الكبرى ( المسماة نظم السلوك )
1. سقتني حُميَّا الحبِّ راحةَ مقلتي، *** وكأسي محيَّا مَن عنِ الحُسنِ جلتِ
2. فأوهمتُ صحبي أنَّ شربَ شرابهم، *** بهِ سرَّ سرِّي في انتشائي بنظرةِ
3. وبالحدقِ استغنيتُ عنْ قدحي ، ومِنْ *** شمائلها، لا منْ شموليَ ، نشوتي
4. ففي حانِ سكري ، حانَ شكري لفتيةٍ، *** بهمْ تمَّ لي كتمُ الهوى مع شهرتي
5. ولمَّا انقضى صحوي ، تقاضيتُ وصلها، *** ولمْ يغشنى ، في بسطها ، قبضُ خشيتي
6. وأبثثتها ما بي ، ولمْ يكُ حاضري *** رقيبٌ لها ، حاظٍ بخلوةِ جلوتي
7. وقلتُ ، وحالي بالصَّبابةِ شاهدٌ، *** ووجدي بها ماحيَّ ، والفقدُ مثبتي
8. هَبي ، قبلَ يفنى الحبُّ منِّي بقيَّةً *** أراكِ بها ، لي نظرةَ المتلفِّتِ
9. ومنِّي على سمعي بلنْ ، إنْ منعتِ أنْ *** أراكِ ، فمِنْ قبلي ، لغيريَ لذَّتِ
10. فعندي ، لِسُكري ، فاقةُ لإفاقةٍ، *** لها كبدي ، لولا الهوى ، لمْ تفتّتِ
11. ولوْ أنَّ ما بي بالجبال ، وكانَ طو *** رُ سينا بها ، قبلَ التَّجلِّي ، لدكَّتِ
12. هَوًى ، عبرةٌ نمَّتْ بهِ ، وجَوًى نمتْ *** به حُرَقٌ ، أدْوَاؤها بي أوْدَتِ
13. فطوفانُ نوحٍ ، عندَ نوْحي ، كأدمعي، *** وإيقادُ نيرانِ الخليلِ كلوْعَتي
14. ولولا زفيري أغرقتني أدمعي، *** ولولا دُموعي أحرقتني زفرتي
15. وحُزني ، ما يعقوبُ بثَّ أقلَّهُ، *** وكلُّ بلى أيُّوبَ بعضُ بليَّتي
16. وآخرُ ما لاقى الألى عشقِوا ، إلي الرَّ *** دى ، بعضُ ما لاقيتُ أولَ محْنتي
17. فلوْ سمعتْ أذنُ الدَّليل تأوُّهي، *** لآلامِ أسقامٍ ، بجسمي . أضرَّتِ
18. لأذكَرَهُ كربي أذى عيش أزمةٍ *** بمنقطعي ركبٍ ، إذا العيسُ زمَّتِ
19. وقدْ برَّحَ التَّبريحُ بي ، وأبادني، *** وأبدى الضَّنى مِني خفيَّ حقيقتي
20. فنادمتُ ، في سُكري ، النحولَ مراقبي، *** بجملةِ أسراري ، وتفصيلِ سيرتي
21. ظهَرتُ لهُ وصفاً ، وذاتي ، بحيثُ لا *** يراها ، لبلوى ، منْ جوى الحبِّ ، أبلتِ
22. فأبدتْ ، ولمْ ينطقْ لساني لسمعهِ، *** هواجسُ نفسي سِرَّ ما عنهُ أخفتِ
23. وظلَّتْ ، لِفِكري ، أذنهُ خلداً بها *** يدورُ بهِ ، عنْ رؤيةِ العينِ أغنتِ
24. فأخبرَ مَنْ في الحيِّ عنِّي ، ظاهراً، *** بباطنِ أمري ، وهوَ منْ أهلِ خبرتي
25. كأنَّ الكرامَ الكاتبينَ تنزَّلوا، *** على قلبهِ وَحْياً ، بما في صحيفتي
26. وما كانَ يدري ما أجنُّ ، وما الَّذي، *** حشايَ منَ السِّرِ المصونِ ، أكنَّتِ
27. وكشفُ حجابِ الجسمِ أبرزَ سرَّ ما *** بهِ كانَ مستوراً لهُ ، منْ سريرتي
28. فكنتُ بسرِّي عنهُ في خفيةٍ ، وقدْ *** خفتهُ ، لِوَهْنٍ ، مِنْ نحوليَ أنَّتي
29. فأظهَرَني سُقمٌ بهِ ، كنتُ خافياً *** له ، والهوى يأتي بكلِّ غريبةِ
30. وأفرَطََ بي ضُرٌّ ، تلاشَتْ لِمَسِّهِ *** أحاديثُ نفسٍ ، بالمدامعِ نمَّتِ
31. فلوْ هَمَّ مكروهُ الرَّدى بي لما دَرى *** مكاني ، ومِنْ إخفاءِ حُبِّكِ خفيتي
32. وما بينَ شوقٍ واشتياقٍ فنيتُ في *** توَلٍّ بحَظرٍ ، أوْ تجَلٍّ بحَضرةِ
33. فلوْ ، لِفنائي منْ فِنائكِ رُدَّ لي *** فؤاديَ ، لمْ يرغبْ إلى دارِ غرْبَةِ
34. وعنوانُ شأني ما أبثُّكِ بعضَهُ، *** وما تحتهُ ، إظهارهُ فوقَ قدرَتي
35. وأمسِكُ ، عَجْزاً ، عنْ أمورٍ كثيرةٍ، *** بنطقِيَ لنْ تحْصى ، ولوْ قلتُ قلَّتِ
36. شفائيَ أشفى بلْ قضى الوَجدُ أنْ قضى، *** وبَرْدُ غليلي واجدٌ حَرَّ غلَّتي
37. وباليَ أبْلى مِنْ ثيابِ تجلُّدي، *** بهِ الذَّاتُ ، في الأعدامِ ، نيطتْ بلذةِ
38. فلوْ كشفَ العُوَّادُ بي ، وتحقَّقوا، *** مِنَ اللوحِ ، ما مِنِّي الصَّبابةُ أبقتِ
39. لما شاهَدَتْ مِنِّي بصائِرُهُمْ سِوى *** تخلُّلِ روحٍ ، بينَ أثوابِ مَيِّتِ
40. ومُنذ عفا رَسمى وهِمْتُ ، وَهَمْتُ في *** وُجودي ، فلمْ تظفرْ بكوْني فكرَتي
41. وبعدُ ، فحالي فيكِ قامتْ بنفسِها، *** وبيِّنتي في سَبْقِ روحي بنيَّتي
42. ولمْ أحكِ في حُبَّيكِ ، حالي تبرُّماً *** بها لاضطِرَابٍ ، بلْ لتنفيس كُرْبَتي
43. ويَحسُنُ إظهارُ التجلُّدِ للعِدى، *** ويقبُحُ غيرُ العَجزِ عندَ الأحِبَّةِ
44. ويمنعُني شكوَايَ حُسْنُ تصبُّري، *** ولوْ أشكُ للأعداءِ ما بي لأشكَتِ
45. وعُقبى اصطِباري ، في هَواكِ ، حميدةٌ *** عليكِ ، ولكنْ عَنكِ غيرُ حميدَةِ
46. وما حَلَّ بي مِنْ مِحْنةٍ ، فهوَ مِنحَةٌ، *** وقدْ سَلِمَتْ ، مِنْ حَلِّ عَقدٍ ، عزيمتي
47. وكلُّ أذىً في الحبِّ مِنكِ ، إذا بَدا، *** جَعَلتُ لهُ شُكري مكانَ شكيَّتي
48. نَعَمْ وتباريحُ الصَّبابةِ ، إنْ عَدَتْ *** علىَّ ، مِنَ النعماءِ ، في الحُبِّ عُدَّتِ
49. ومِنكِ شقائي بَلْ بَلائي مِنَّةٌ، *** وفيكِ لِبَاسُ البؤسِ أسبَغُ نِعمَةِ
50. أرانِيَ ما أولِيتهُ خيرَ قِنيةٍ، *** قديمُ وَلائي فيكِ منْ شرِّ فِتيَةِ
51. فلاحٍ ووَاشٍ : ذاكَ يُهدي لعزَّةٍ *** ضلالاً ، وذا بي ظلَّ يَهذي لغرَّةِ
52. أخالفُ ذا ، في لومهِ ، عنْ تقىً ، كما *** أخالفُ ذا ، في لؤمهِ ، عنْ تقيَّةِ
53. وما ردَّ وجهي عنْ سبيلكِ هَوْلُ ما *** لقيتُ ، ولا ضرّاءُ ، في ذاكَ ، مسَّتِ
54. ولا حِلمَ لي في حَمْلِ ما فيكِ نالني *** يُؤدِّي لِحَمدي ، أوْ لمَدحِ مَوَدَّتي
55. قضى حُسنكِ الدَّاعي إليكِ احتمالَ ما *** قصَصْتُ ، وأقصى بَعدَ ما بعدَ قصَّى
56. وما هوَ إلاَّ أنْ ظهَرْتِ لناظرِي *** بأكملِ أوصافٍ ، على الحُسْنِ أرْبتِ
57. فحلَّيْتِ لي البَلوَى ، فخلَّيتِ بينها *** وبيني ، فكانتْ منكِ أجْمَلَ حِليَةِ
58. ومَنْ يتحَرَّشْ بالجَمَالِ إلى الرَّدى، *** رأى نفسَهُ ، مِنْ أنفس العيش ، ردَّتِ
59. ونفسٌ ترَى في الحبِّ أنْ لا ترَى عَناً، *** متى ما تصَدّتْ للصّبابَةِ صُدّتِ
60. وما ظفِرَتْ ، بالوُدّ ، روحٌ مُرَاحَةٌ، *** ولا بالوَلا نفسٌ ، صفا العيشِ ، وَدَّتِ
61. وأين الصَّفا ؟ هيهات منْ عيشِ عاشقٍ، *** وجنَّةُ عَدْنٍ بالمَكارِهِ ، حُفَّتِ
62. ولِي نفسُ حُرٍّ ، لوْ بَذلتِ لها ، على *** تسَلِّيكِ ، ما فوقَ المُنى ما تسلَّتِ
63. ولو أبْعِدَتْ بالصدِّ والهجرِ والقِلى *** وقطعِ الرَّجَا ، عنْ خلّتي ، ما تخلّتِ
64. وعنْ مَذهَبي ، في الحبِّ ، ماليَ مذهَبٌ، *** وإنْ مِلْتُ يوماً عنهُ فارَقتُ مِلَّتي
65. ولوْ خطرَتْ لي ، في سِواكِ ، إرادةٌ *** على خاطري ، سَهواً ، قضيتُ برِدَّتي
66. لكِ الحُكمُ في أمْرِي ، فما شئتِ فاصْنعِي، *** فلمْ تكُ ، إلاّ فيكِ لا عنكِ ، رغبتي
67. ومُحْكمِ عَهدٍ ، لمْ يُخامِرْهُ بيننا *** تخيُّلُ نسْخٍ ، وهوَ خيرُ أليَّةِ
68. وأخذكِ ميثاقَ الوَلا حيثُ لمْ أبنْ *** بمَظهَرِ لَبْسِ النَّفسِ ، في فيء طينتي
69. وسابقِ عهدٍ لمْ يَحُلْ مُذ عَهدتهُ، *** ولاحِقِ عقدٍ ، جَلَّ عنْ حَلِّ فترَةِ
70. ومَطلعِ أنوَارٍ بطلعتكِ ، الَّتي *** لِبَهجَتِها ، كلُّ البُدورِ استسَرَّتِ
71. ووَصْفِ كمَالٍ فيكِ ، أحسنُ صُورةٍ، *** وأقوَمُها ، في الخلقِ ، منهُ استمدَّتِ
72. ونعتِ جلالٍ منكِ ، يعذبُ ، دونهُ، *** عذابي ، وتحلو ، عِندهُ ، ليَ قتلتي
73. وسِرُّ جَمَالٍ ، عنكِ كلُّ مَلاحَةٍ *** بهِ ظهَرَتْ ، في العالمينَ ، وتمَّتِ
74. وحُسْن بهِ تسبى النُّهى دَلَّني على *** هَوىً ، حَسُنتْ فيهِ ، لِعِزِّك ، ذِلَّتي
75. ومعنىً وَرَاءَ الحُسنِ ، فيكِ شهدتهُ، *** بهِ دَقَّ عنْ إدْرَاكِ عَينِ بَصيرَتي
76. لأنتِ مُني قلبي ، وغايةُ بُغيتي، *** وأقصى مُرادي ، واختياري ، وخِيرَتي
77. خلعتُ عذاري ، واعتذاريَ لابسَ ال *** خلاعةِ ، مسروراً بخلعي وخِلعتي
78. وخلعُ عذاري فيكِ فرْضي ، وإنْ أبى اق *** تِرابيَ قوْمي ، والخلاعةُ سُنَّتي
79. وليسوا بقوْمي ما استعَابوا تهتُّكي، *** فأبْدَوا قِلىً ، واستحسنوا فيكِ جفوتي
80. وأهليَ ، في دينِ الهوى ، أهلهُ ، وقدْ *** رَضُوا ليَ عاري ، واستطابوا فضيحتي
81. فمن شاء فليغضب ، سِواكِ ، ولا أذىً، *** إذا رَضِيَتْ عنَّي كِرَامُ عشيرَتي
82. وإنْ فتنَ النُّساكِ بعضُ محاسنٍ *** لديكِ ، فكلٌّ منكِ موضعُ فِتنتي
83. وما احترتُ ، حتَّى اخترتُ حُبِّيكِ مَذهباً، *** فواحيرتي ، إنْ لمْ تكنْ فيكِ خيرتي
84. فقالتْ : هوَى غيري قصدتَ ، ودونهُ اقْ *** تصدتَ ، عميّاً ، عنْ سواءِ مَحجّتي
85. وغرّكَ ، حتى قلتَ ما قُلتَ ، لابساً *** بهِ شَيْنَ مَيْنٍ ، لَبْسُ نفسٍ تمنَّتِ
86. وفي أنفسِ الأوطارِ أمْسَيْتَ طامعاً *** بنفسٍ تعدَّت طَورَهَا ، فتعدّتِ
87. وكيفَ بحُبّى ، وهوَ أحسنُ خلةٍ، *** تفوزُ بدعوى ، وهيَ أقبَحُ خلَّةِ
88. وأينَ السُّهَى مِنْ أكْمَهٍ عن مُرَادِهِ *** سَهَا ، عَمَهاً ، لكنْ أمانيكَ غرَّتِ
89. فقمتَ مقاماً حُطَّ قدرُكَ دونَهُ، *** على قدمٍ ، عن حظِّها ، ما تخطَّتِ
90. ورُمتَ مَراماً ، دونهُ كم تطاوَلتْ، *** بِأعناقِها ، قومٌ إليهِ ، فجُذَّت
91. أتيتَ بُيوتاً لم تنلْ من ظهُورهَا، *** وأبوابُها ، عن قرْعِ مثلِكَ ، سُدَّتِ
92. وبينَ يَدَِي نجْوَاكَ قدَّمتَ زخرُفاً، *** ترومُ بهِ عِزاً ، مَرَامِيهِ عَزَّتِ
93. وجئتَ بوَجْهٍ أبيضٍ ، غيرَ مُسقِطٍ *** لِجاهِكَ في دارَيْكَ ، خاطِبَ صَفوَتي
94. ولو كنتَ بي من نقطةِ الباءِ خفضةً، *** رُفِعَتَ إلى ما لَمْ تنلهُ بحيلةِ
95. بحيثُ ترى أن لا ترى ما عَدَدتهُ، *** وأنَّ الّذي أعْدَدتَهُ غيرُ عُدَّةِ
96. ونهجُ سبيلي وَاضِحٌ لَِمَنِ اهتدَى، *** ولكنَّها الأهواءُ عَمَّتْ ، فأعْمَتِ
97. وقدْ آنَ أنْ أُبْدِي هواكَ ، ومَنْ بهِ *** ضَناكَ ، بما يَنفي إدِّعاكَ مَحبَّتي
98. حليفُ غرامٍ أنتَ ، لكنْ بنفسِهِ، *** وإبْقاكَ ، وَصْفاً منكَ ، بعضُ أدلَّتي
99. فلمْ تهْوَني ، ما لمْ تكنْ فيَّ فانياً، *** ولم تفنَ ما لا تُجْتلَى فيكَ صورتِي
100. فدَعْ عنكَ دعوى الحُبِّ ، وادعُ لغيرهِ *** فؤادَكَ ، وادفعْ عنكَ غيَّكَ بالَّتي
101. وجانِبْ جَنابَ الوصْلِ ، هيهاتَ لمْ يكنْ، *** وها أنتَ حيٌّ ، إن تكُنْ صادقاً مُتِ
102. هو الحبُّ ، إنْ لمْ تقضِ لمْ تقضِ مأرباً *** منَ الحبِّ ، فاخترْ ذاكَ ، أو خلِّ خُلَّتي
103. فقلتُ لها : روحي لديكِ ، وقبضُها *** إليكِ ، ومَن لي أن تكونَ بقبضَتي
104. وما أنا بالشَّاني الوفاةَ على الهوَى، *** وشأني الوَفا تأبَى سِواهُ سجيَّتي
105. وماذا عسى عنِّي يُقالُ سِوى قضَى *** فلانٌ ، هوًى ، مَن لي بذا ، وهْو بُغيتي
106. أجَلْ أجَلِي أرْضَى إنقِضاهُ صبابةً، *** ولا وَصْلَ ، إن صَحَّتْ ، لحبِّك ، نِسبتي
107. وإنْ لم أفُز حَقاً إليكِ بنسبةٍ *** لعزَّتها ، حسبي افتخاراً بتهمةِ
108. ودونَ إتِّهامي إن قضيتُ أسًى فمَا *** أسأتُ بنفسٍ ، بالشهادةِ ، سُرَّتِ
109. ولي منكِ كافٍ إن هَدَرْتِ دَمي ، ولمْ *** أُعَدَّ شهيداً ، عِلمُ داعي منيَّتي
110. ولم تسْوَ روحي في وِصَالِكِ بَذلَها *** لدَيّ لِبَونٍ بينَ صَونٍ وبذلةِ
111. وإنِّي إلى التهديدِ بالموتِ ، راكِنٌ، *** ومِن هَوْلِهِ أرْكانُ غيري هُدَّتِ
112. ولم تعسِفي بالقتلِ نفسِيَ بل لها *** بهِ تُسْعِفِي ، إن أنتِ أتلفت مُهجتي
113. فإنْ صَحَّ هذا القالُ مِنكِ رفعتِني، *** وأعْليْتِ مِقداري وأغليْتِ قِيمَتي
114. وها أنا مَسْتدْعٍ قضاكِ وما بهِ *** رِضاكِ ، ولا أختارُ تأخيرَ مدَّتي
115. وَعِيدُكِ لي وَعْدٌ ، وإنجازهُ مُنى *** وَلِيٍّ بغيرِ البُعدِ إن يُرْمَ يَثبُتِ
116. وقد صِرتُ أرجو ما يُخافُ ، فأسعَدِي *** به روحَ مَيتٍ للحياةِ اسْتعَدَّتِ
117. وبي مَنْ بها نافسْتُ بالرُّوحِ سالكاً *** سبيلَ الألَي قبلي أبَوا غيرَ شِرْعَتي
118. بكلِّ قبيلٍ كم قتيلٍ بها قضَى *** أسًى ، لم يَفزْ يوماً إليها بنظرةِ
119. وكمْ في الوَرَى مِثلي أمَاتتْ صَبابَةً، *** ولو نظرَتْ عَطفاً إليهِ لأحْيَتِ
120. إذا ما أحَلَّتْ ، في هوَاها ، دَمِي ، ففِي *** ذُرى العِزِّ والعَلياءِ قدْري أحَلَّتِ
121. لعَمْري ، وإن أتلفتُ عُمْري بحُبِّها *** رَبحْتُ ، وإن أبْلتْ حَشايَ أبلّتِ
122. ذللتُ لها في الحَيِّ حتى وَجَدْتُنِي *** وأدْنى مَنالٍ عِندَهُمْ فوقَ هِمَّتي
123. وأخمَلني وَهْناً خُضوعي لهم ، فلَم *** يرَوني هَواناً بي مَحَلاً لخِدمتي
124. ومِنْ دَرَجَاتِ العِزِّ أمْسَيْتُ مخلداً *** إلى دَرَكاتِ الذُّلِّ من بَعدِ نخوَتي
125. فلا بابَ لي يُغشى ، ولا جاهَ يُرتجى، *** ولا جَارَ لي يُحمى لِفقدِ حَمِيَّتي
126. كأنْ لمْ أكن فيهم خطيراً ، ولم أزلْ *** لديهم حقيراً في رخاءِ وشدَّةِ
127. فلو قيلَ من تهوى ، وصرَّحتُ باسمِها، *** لقيلَ كنى ، أو مسَّهُ طيفَ جنَّةِ
128. ولو عَزَّ فيها الذلُّ ما لذ لي الهوَى، *** ولم تكُ لولا الحبُّ في الذلُّ عِزَّتي
129. فحالِي بها حالٍ بعقلٍ مُدَلَّةٍ، *** وصِحَّةِ مَجْهودٍ وعِزِّ مذلَّةِ
130. أسَرَّت تمنِّى حبِّها النَّفسُ حيثُ لا *** رقيبَ حِجًى ، سِرّاً لسِرِّي ، وخصَّتِ
131. فأشفقتُ من سيرِ الحديثِ بسائري، *** فتعرِبُ ، عن سِرِّي ، عِبارَةُ عَبْرَتِي
132. يُغالِطُ بَعْضي عنهُ بَعْضي ، صِيانةً، *** ومَينَى ، في إخفائهِ ، صِدْقُ لهْجَتي
133. ولمَّا أبَتْ إظهارَهُ ، لِجَوَانِحِي، *** بَديهَةُ فِكري ، صُنتهُ عن رويَّتي
134. وبالغتُ في كتمانهِ ، فنسيتهُ، *** وأُنسيتُ كتمي ما إليهِ أسَرَّتِ
135. فإن أجنِ مِن غرْسِ المُنى ثمَرَ العَنا، *** فِلَّلهِ نفسٌ ، في مُناها ، تعَنَّتِ
136. وأحلى أماني الحُبِّ ، للنَّفسِ ، ما قضَتْ *** عَنَاهَا بهِ مَنْ أذكَرَتْها وأنسَتِ
137. أقامَتْ لها منِّي عليَّ مُراقباً، *** خواطرَ قلبي ، بالهوى ، إن ألمَّتِ
138. فإن طرَقتْ ، سرّاً ، من الوهمِ ، خاطري، *** بلا حاظِرٍ ، أطرَقتُ إجْلالَ هَيْبَةِ
139. ويُطرَفُ طرْفِي ، إن هَمَمْتُ بنظرَةٍ، *** وإن بُسِطتْ كفِّي إلى البَسطِ كفَّتِ
140. ففي كلِّ عضوٍ فِيَّ إقدامُ رغبةٍ، *** ومِنْ هَيبةِ الإعْظامِ إحْجَامُ رَهْبةِ
141. لَِفِيّ وسَمعي فيَّ آثارُ زَحْمَةٍ *** عليها بَدَتْ عِندي كإيثارِ رَحْمَةِ
142. لِسَانيَ ، إنْ أبدَى ، إذا ما تلا ، اسْمَها، *** لهُ وصفُه سَمْعي ، وما صَمَّ يَصْمُتِ
143. وأذنيَ ، إن أهدَى لسانيَ ذكرَها *** لقلبي ، ولم يستعبدِ الصَّمتَ ، صُمّتِ
144. أغارُ عليها أن أهيمَ بحبِّها، *** وأعْرِفُ مِقداري ، فأنكِرُ غيرَتي
145. فتُختَلَسُ الرُّوحُ ارتياحاً لها ، وما *** أبرِّئُ نفسي مِن توَهُّمِ مُنيةِ
146. يَرَاها ، على بُعدٍ عن العَيْنِ ، مسمعي، *** بطيْفِ مَلامٍ زَائرٍ ، حينَ يقظتي
147. فيغبطُ طرْفِي مِسمَعي عِندَ ذكرِها، *** وتحْسِدُ ، ما أفنتهُ مِنِّي ، بقيّتي
148. أمَمْتُ أمامي في الحقيقةِ ، فالورَى *** وَرَائي ، وكانت حَيثُ وَجَّهتُ وُجْهَتي
149. يَرَاها إمَامي ، في صَلاتيَ ، ناظِري، *** ويَشهدُني قلبي أمامَ أئِمَّتي
150. ولا غرْوَ أنْ صَلَّى الإمَامُ إليَّ إنْ *** ثوَتْ في فُؤادِي ، وهْيَ قِبْلةُ قِبلتي
151. وكلُّ الجهاتِ السِّتّ ، نحوي ، توجَّهت *** بما تمَّ من نُسكٍ ، وحجٍّ وعمرةِ
152. لها صلواتي ، بالمقامِ ، أُقيمها، *** وأشهدُ فيها أنَّها لي صلَّتِ
153. كلانا مُصَلٍّ واحدٌ ، ساجدٌ إلى *** حقيقتهِ ، بالجمعِ ، في كلِّ سجدةِ
154. وما كان لي صلَّى سوايَ ، ولم تكنْ *** صلاتي لغيري ، في أدا كلِّ ركعةِ
155. إلى كم أُواخي السِّترَ ؟ ها قدْ هتكتُهُ، *** وحلُّ أُواخي الحُجبِ في عقدِ بيعتي
156. مُُنِحْتُ وَلاها ، يومَ لا يومَ ، قبلَ أنْ *** بدتْ عندَ أخذِ العهدِ ، في أوّليَّتي
157. فِنلتُ ولاها ، لابسمعِ وناظرٍ، *** ولا باكتسابٍ ، واجتلابِ جبلَّةِ
158. وهِمْتُ بها في عالمِ الأمرِ ، حيثُ لا *** ظهورٌ ، وكانت نَشوتي قبلَ نشأتي
159. فأفنىَ الهوى مالم يكن ثمَّ باقياً *** هُنا ، من صفاتٍ بيننَا فاضمحلَّتِ
160. فألفيتُ ما ألقيتُ عنِّي صادراً *** إليَّ ، ومنِّي وارداً بمزيدَتي
161. وشاهدتُ نفسي بالصِّفاتِ ، الّتي بها *** تحجَّبتِ عنِّي ، في شُهودي وحِجبَتي
162. وإنِّي التي أحببتُها ، لا محالةً، *** وكانت لها نفسي عليَّ مُحيلَتي
163. فهامتْ بها من حيثُ لم تدرِ ، وهيَ في *** شهودي ، بنفسِ الأمرِ غير جهولةِ
164. وقدْ آن لي تفصيلُ ما قلتُ مُجملاً، *** وإجمالُ ما فصَّلتُ ، بسطاً لبسطَتي
165. أفادَ اتَّخاذي حبَّها ، لاتِّحادنا، *** نوادرَ ، عن عادِ المحبِّينَ ، شذَّتِ
166. يشي لي بيَ الواشي إليها ، ولائِمي *** عليها ، بها يُبدى ، لديها ، نصيحتي
167. فأوسِعُهَا شكراً ، وما أسلفَتْ قِلَىً، *** وتمَنحُنِي بِرّاً ، لصدقِ المحبَّةِ
168. تقرَّبتُ بالنَّفسِ احتساباً لها ، ولمْ *** أكن راجياً عنها ثواباً ، فأدنَتِ
169. وقدَّمتُ مالي في مآليَ ، عاجلاً، *** وما إن عساهَا أن تكونَ مُنيلتي
170. وخلَّفتُ خلفي رؤيتي ذاكَ ، مخلصاً، *** ولستُ براضٍ أن تكونَ مطيَّتي
171. ويمَّمتها بالفقرِ ، لكِنْ بوصفِهِ *** غنِيْتُ ، فألقيتُ افتقاري وثروتي
172. فأثنيتَ لي إلقاءُ فقري والغَنَى *** فضيلةَ قصدي ، فاطَّرحتُ فضيلَتي
173. فلاحَ فلاحي في اطَّراحي ، فأصبحتْ *** ثوابيَ ، لا شيئاً سِواهَا مُثيبَتي
174. وظِلْتُ بها ، لا بي ، إليها أدُلُّ مَنْ *** بهِ ضلَّ عن سُبلِ الهدى ، وهي دلَّتِ
175. فخلِّ لها ، خلِّي ، مُرادكَ ، مُعطياً *** قِيادَك من نفسٍ بها مطمئنَّةِ
176. وأمْسِ خليّاً من حظوظكَ ، واسْمُ عنْ *** حَضيضِكَ ، واثبُتْ ، بعدَ ذلكَ ، تنبُتِ
177. وسدِّد ، وقاربْ ، واعتصم ، واستقم لها، *** مُجيباً إليها ، عن إنابةِ مُخبتِ
178. وعُد من قريب ، واستجِب ، واجتنب ، غداً *** أشمِّرُ ، عن ساقِ اجتهادٍ ، بنهضةِ
179. وكنْ صارماً كالوقتِ ، فالمَقتُ في عسى، *** وإيَّاك عَلاَّ ، فهيَ أخطرُ علَّةِ
180. وقُمْ في رضاها ، واسْعَ ، غير محاولٍ *** نشاطاً ولا تُخلِدْ لعجزٍ مُفوِّتِ
181. وسِرْ زمناً ، وانهضْ كسيراً ، فحظّكَ ال *** بطالةُ ما أخّرتَ عزماً لصحَّةِ
182. وأقدِمْ ، وقدِّم ما قعدتَ لهُ معَ ال *** خوالفِ ، واخرُجْ عن قيودِ التَّلفّتِ
183. وجُذّ ، بسيفِ العزمِ ، سوفَ ، فإن تجُدْ *** تجِدْ نفساً ، فالنَّفسُ إن جُدتَ جَدَّتِ
184. وأقبلْ إليها ، وانحُها مُفلساً ، فقدْ *** وصَيْتَ لنُصحي ، إن قبِلت نصيحتي
185. فلمْ يَدْنُ منها موسرٌ باجتهادهِ *** وعنها بهِ لم ينأَ مؤثِرُ عُسرَةِ
186. بذاكَ جَرَى شرْطُ الهوَى بينَ أهلهِ، *** وطائفةٌ ، بالعهدِ ، أوْفتْ فوَفَّتِ
187. متى عصفَتْ ريحُ الولا فصفتْ أخا *** غناءٍ ، ولو بالفقر هبَّت لرَبَّتِ
188. وأغنى يمينٍ ، باليسارِ جزاؤها، *** مُدى القطعِ ما ، للوصلِ ، في الحبِّ مُدَّتِ
189. وأخلِص لها ، واخْلُصْ بها عن رُعونةِ اف *** تقارِكَ من أعمالِ برٍّ تزكَّتِ
190. وعَادِ دواعي القيلِ والقالِ ، وانْجُ منْ *** عَوادي دَعَاوٍ صِدقُها قصدُ سُمعةِ
191. فألسُنُ مَن يُدعى بألسنِ عارفٍ *** وقدْ عبرَت كلَّ العباراتِ ، كلَّتِ
192. وما عنهُ لم تُفصِحْ ، فإنَّكَ أهلُهُ، *** وأنتَ غريبٌ عنهُ ، إن قلتَ ، فاصمُتِ
193. وفي الصَّمتِ سَمتٌ ، عندهُ جاهُ مُسكةٍ، *** غدا عبدَهُ من ظنَّهُ خيرُ مسكتِ
194. فكُنْ بصراً وانظرْ ، وسمعاً وعِهْ ، وكنْ *** لساناً وقُلْ ، فالجَمعُ أهدَى طريقةِ
195. ولا تتَّبع من سوَّلتْ نفسَهُ لهُ، *** فصارَتْ لهُ أمَّارةً ، واستمرَّتِ
196. ودَعْ ما عداهَا ، واعدُ نفسكَ فهي منْ *** عِدَاها ، وعُذ منها بأحصَنِ جُنَّةِ
197. فنفسيَ كانت ، قبلُ ، لوَّامةً متى *** أُطعهَا عَصَتْ ، أو أعصِ كانت مُطيعتي
198. فأوردتُها ما الموتُ أيسرُ بعضِهِ، *** وأتعبتُها ، كيمَا تكونَ مُريحَتي
199. فعادَتْ ، ومهما حُمِّلَتْهُ تحمَّلت *** هُ مِني ، وإن خفَّفتُ عنها تأذَّتِ
200. وكَّلفتُها ، لا بلْ كفلتُ قيَامهَا *** بتكليفِهَا ، حتى كلِفْتُ بكُلفتي
201. وأذهبتُ ، في تهذيبها ، كلَّ لذَّةٍ، *** بإبعادها عن عادِها ، فاطمأنَّتِ
202. ولم يبقَ هولٌ دونهَا ما ركِبتُهُ، *** وأشهدُ نفسي فيه غيرَ زكيَّةِ
203. وكلُّ مقامٍ ، عن سلوكٍ ، قطعتُهُ، *** عبوديّةً حقَّقتُها ، بعُبودةِ
204. وكنتُ بهاصباً ، فلمَّا تركتُ ما *** أريدُ ، أرادَتني لها وأحبَّتِ
205. فصِرتُ حبيباً ، بل محبّاً لنفسِهِ، *** وليسَ كقولٍ مرَّ ، نفسي حبيبتي
206. خرجتُ بها عني إليها ، فلمْ أعُد *** إليَّ ومثلي لا يقولُ برجعةِ
207. وأفردتُ نفسي عن خروجي تكرُّماً، *** فلمْ أرضهَا ، من بعدِ ذاكَ ، لصحبَتي
208. وغُيِّبتُ عن إفرادِ نفسي ، بحيثُ لا *** يُزاحمُني إبداءُ وصفٍ بحضرَتي
209. وهَا أنا أُبدي ، في اتِّحادي ، مبدئي، *** وأُنهي انتهائي في تواضُعِ رِفعَتي
210. جَلَتْ ، في تجلِّيها ، الوجودَ لناظري، *** ففي كلِّ مرئيٍ أراها برؤيةِ
211. وأُشهدتُ غيبي ، إذ بدَتْ ، فوجَدْتُني، *** هُنالكَ ، إيّاها ، بجلوةِ خلوتي
212. وطاحَ وجودي في شهودي ، وبِنْتُ عن *** وُجودِ شهودي ، ماحِياً ، غيرَ مُثبتِ
213. وعانقتُ ما شاهدتُ في محوِ شاهدي *** بمشهدهِ للصَّحوِ ، من بعدِ سكرتي
214. ففي الصَّحو ، بعدَ المحوِ ، لم أكُ غيرَهَا، *** وذاتي بذاتي ، إذ تحَلت تجلَّتِ
215. فوصفي ، إذ لم تُدعَ باثنينِ ، وصفُهَا، *** وهيئتُهَا ، إذ واحدٌ نحنُ ، هيئتي
216. فإن دُعِيَتْ كنتُ المُجيبَ ، وإن أكنْ *** منادًى أجابت منْ دعاني ، ولبَّتِ
217. وإن نطقَتْ كُنتُ المناجي ، كذاكَ إنْ *** قصَصتُ حديثاً ، إنَّما هي قصَّتِ
218. فقدْ رُفِعَتْ تاءُ المخاطَبِ بيننا ، وفي *** رَفعِهَا ، عن فُرقةِ الفرقِ ، رِفعَتي
219. فإن لم يُجوِّزْ رؤيةَ اثنين واحداً *** حِجَاكَ ، ولم يثبت لبُعدِ تثبُّتُ
220. سأجْلو إشاراتٍ ، عليكَ ، خفِيةً، *** بها كعِباراتٍ ، لديّكَ ، جَليّةِ
221. وأُغربُ عنها مُغرباً ، حيثُ لاتَ حي *** نَ لبسٍ ، بتبياني سماعٍ ورؤيةِ
222. وأثبتُ بالبرهانِ قولي ، ضارباً *** مثالَ محقٍّ ، والحقيقةُ عُمدَتي
223. بمتبوعةٍ ، يُنبيكَ ، في الصَّرعِ ، غيرُها *** على فمِها في مسِّها ، حيثُ جُنَّتِ
224. ومِنْ لُغةٍ تبدو بغيرِ لسانها، *** عليهِ براهينُ الأدلَّة صحتِ
225. وفي العلمِ ، حقاً ، أن مُبدي غريبِ ما *** سمعتَ سواهَا ، وهيَ في الحسِّ أبدتِ
226. فلو واحداً أمسيتَ أصبحتَ واجداً، *** مُناَزلةً ، ما قلتهُ عن حقيقةِ
227. ولكن على الشِّركِ الخفِّي عكفتَ ، لو *** عرفتَ بنفسِ ، عن هدى الحقِّ ، ضلَّتِ
228. وفي حُبِّهِ مَنْ عزّ توحيدُ حِبِّهِ، *** فبالشِّركِ يصلى منهُ نارَ قطيعةِ
229. وما شانَ هذا الشأنَ منكَ سِوى السِّوى، *** ودعواهُ ، حقّاً ، عنكَ إن تُمحَ تثبُتِ
230. كذا كنتُ حيناً ، قبلَ أن يُكشَفَ الغِطَا *** مِنَ الَّلبسِ ، لا أنفكُّ عن ثنويَّةِ
231. أروحُ بفقدٍ ، بالشهودِ مؤلِّفي، *** وأغدوا بوَجْدٍ ، بالوجودِ مُشتِّتي
232. يُفرِّقني لُبّي ، التزاماً ، بمحضَري، *** ويجمعُني سَلبي ، اصطلاماً ، بِغَيْبَتي
233. أخالُ حضيضي الصَّحوَ ، والسكرَ معرَجي *** إليها ، ومَحوِي مُنتهى قابَ سِدرتي
234. فلمَّا جَلوْتُ الغينَ عني اجتليتُني *** مفيقاً ، ومِني العينُ بالعينِ قرَّتِ
235. ومِنْ فاقتي ، سُكراً ، غنيتُ إفاقةً، *** لدى فَرقي الثَّاني ، فَجمعي كَوَحدَتي
236. فجاهِدْ تُشاهدْ فيكَ منكَ ، وراءَ ما *** وصفتُ ، سكوناً عن وجودِ سكينةِ
237. فمِن بعدَ ما جاهدتُ شاهدتُ مشهدي *** وهاديَّ لي إيَّايَ ، بل بيَ قُدرتي
238. وبي موقفي ، لا بلْ إليَّ توجُّهي، *** كذاكَ صلاتي لي ، ومِنَى كعبتي
239. فلا تكُ مفتوناً بحسنِك ، مُعجباً *** بنفسِكَ ، موقوفاً على لَبْسِ غِرَّةِ
240. وفارقْ ضلالَ الفرقِ ، فالجمعُ مُنتِجٌ *** هُدى فِرقةٍ ، بالاتِّحادِ تحدَّتِ
241. وصرِّحْ باطلاقِ الجمالِ ولا تقلْ *** بتقييدهِ ، ميلاً لزخرفِ زينةِ
242. فكُلُّ مَليحٍ ، حُسنهُ ، مِنْ جَمالها، *** مُعارٌ لهُ ، بل حُسنُ كلِّ مليحةِ
243. بها قيسُ لبْنى هامَ ، بلْ كلُّ عاشقٍ، *** كمجنونِ ليلى ، أو كُثيِّرِ عَزَّةِ
244. فكلُّ صبَا منهم إلى وصفِ لَبْسِهَا، *** بصورةِ حُسنٍ ، لاحَ في حُسنِ صورةِ
245. وما ذاكَ إلاَّ أنْ بَدَتْ بمظاهرٍ، *** فظنُّوا سِواهَا ، وهيَ فيها تجلَّتِ
246. بَدَتْ باحتِجابٍ ، واختفتْ بمظاهرٍ *** على صِبغِ التَّلوينِ في كلِّ بَرزةِ
247. ففي النَّشأةِ الأولى ترَاءتْ لآدمٍ *** بمظهرِ حَوّا ، قبلِ حُكمِ الأمومةِ
248. فهامَ بها ، كيمَا يكونَ بها أباً، *** ويظهرَ بالزَّوجينِ حُكمُ الُبنوَّةِ
249. وكان ابتدا حُبِّ المظاهِرِ بعضَها *** لبعضٍ ، ولا ضدُّ يُصَدُّ ببغضةِ
250. وما برِحَتْ تبدو وتخفَى ، لِعلَّةٍ، *** على حَسَبِ الأوقاتِ في كلِّ حِقبةِ
251. وتظهرُ للعُشَّاقِ في كلِّ مظهرٍ، *** منَ الَّلبس ، في أشكالِ حُسنٍ بديعةِ
252. ففي مرَّةٍ لُبنى ، وأُخرى بُثينةً، *** وآوِنَةً تُدعَى بعزَّةَ عزَّتِ
253. ولسنَ سِوَاها ، لا ولا كُنَّ غيرهَا، *** وما إنْ لها ، في حُسنها ، من شريكةِ
254. كذاكَ بحكمِ الاتِّحادِ بحُسنهَا، *** كمَا لي بَدَت ، في غيرِهَا وتزيَّتِ
255. بدوتُ لها في كلِّ صبّ متيَّمٍ، *** بأيِّ بديعٍ حُسنُهُ وبأيَّةِ
256. وليسُوا ، بغيري في الهوَى ، لتقدُّمٍ *** عليَّ ، لسبقٍ في اللَّيالي القديمةِ
257. وما القومُ غيري في هواهَا ، وإنَّما *** ظهرتُ لهم ، للَّبس ، في كلِّ هيئةِ
258. ففي مرَّةٍ قيساً ، وأخرى كُثيراً، *** وآونةً أبدو جميلَ بُثينةِ
259. تجَّليتُ فيهم ظاهراً ، واحتجبتُ با *** طِناً بِهم ، فاعجَبْ لكشف بسترةِ
260. وهُنَّ وهم ، لا وَهْنَ وَهْمٍ مظاهرٌ *** لنا ، بتجلِّينا بحُبٍّ ونضرةِ
261. فكلُّ فتى حُبٍّ أنا هو ، وهيَ حِ *** بُّ كلِّ فتى ، والكلُّ أسماءُ لُبسةِ
262. أسامٍ بها كنتُ المسمَّى ، حقيقةً، *** وكنتُ ليَ البادي بنفسٍ تخفَّتِ
263. وما زلتُ إيَّاها ، وإيَّايَ لم تزلْ، *** ولا فرقَ ، بل ذاتي لِذاتي أحبَّتِ
264. وليس معي ، في الملكِ ، شئٌ سِوَايَ *** والمعيَّةُ لم تخطُرْ على ألمعيَّةِ
265. وهذِي يَدي ، لا أنّ نفسي تخوَّفتْ *** سواي ، ولا غيري ، لخيري ، ترجَّتِ
266. ولا ذلَّ إخمالٍ لذكري توقّعتْ، *** ولا عِزّ إقبالٍ لشكري توخّتِ
267. ولكن لصدِّ الضّدِّ عن طعنه على *** عُلا أولياءِ المنجدينَ ، بنجدتي
268. رجعتُ لأعمالِ العبادةِ ، عادةَ، *** وأعددتُ أحوالَ الإرادةِ عُدَّتي
269. وعُدتُ بنسكي ، بعد هتكي ، وعُدتُ منْ *** خلاعةِ بسطي ، لانقباضٍ بعِفّةِ
270. وصُمتُ نهاري ، رغبةً في مثوبةٍ، *** وأحييتُ ليلي ، رهبةً من عقوبةِ
271. وعمَّرتُ أوقاتي بوِرْدٍ لِوَارِدٍ، *** وصَمْتٍ لِسَمْتٍ ، واعتكافٍ لحُرمةِ
272. وبنتُ عَنِ الأوطانِ ، هجرانَ قاطعٍ *** مُواصلةَ الإخوانِ واخترت عُزلتي
273. ودققتُ فكري في الحَلالِ ، تورُّعاً، *** وراعَيتُ ، في إصلاحِ قوتي ، قوَّتي
274. وأنفقتُ من يُسر القناعةِ ، راضياً *** من العيشِ ، في الدُّنيا بأيسَرِ بُلغةِ
275. وهذَّبتُ نفسي بالرّياضةِ ، ذاهباً *** إلى كشفِ ما ، حُجبُ العوائدِ ، غطّتِ
276. وجرَّدْت ، في التَّجريدِ ، عزمي ، تزَهُّداً، *** وآثرتُ ، في نُسكي ، استجابةَ دعوَتي
277. متى حِلتُ عن قولي : أناهِيَ ، أو أقُلْ، *** وحاشَا لمثلي ، إنَّها في حلّتِ
278. ولستُ على غيبٍ أُحيلكَ ، لا ولا *** على مستحيلٍ ، موجبٍ َسَلْبَ حيلةِ
279. وكيفَ ، وباسْمِ الحقِّ ظَلّ تحقُّقي، *** تكونُ أراجيفُ الضّلالِ مُخيفَتي
280. وهَا دِحيةٌ ، وافَى الأمينَ نبّينا، *** بصورتِهِ ، في بدءِ وحْي النَّبوءةِ
281. أجبريلُ قُل لي : كانَ دحيةَ ، إذ بدا *** لِمُهدي الهدى ، في هيئةٍ بشريّةِ؟
282. وفي علمِهِ ، من حاضريهِ ، مزيّةٌ، *** بماهيّةِ المرئيِّ من غيرِ مريةِ
283. يرى مَلَكاً يُوحي إليهِ ، وغيرُهُ *** يرى رجُلاً يُدعَى لديهِ بصُحبةِ
284. ولي ، مِن أتمِّ الرُّؤيتَينِ ، إشارةٌ، *** تُنزِّهُ عن رأى الحلولِ ، عقيدتي
285. وفي الذِّكرِ ذكرُ اللبس ليس بمنكرٍ، *** ولم أعْدُ عن حكمي كتابٍ وسُنّةِ
286. منحتُكَ علماً ، إنْ تُرِدْ كشفَهُ ، فَردْ *** سبيلي ، واشرَع في اتِّباع شريعتي
287. فمنبَعُ صدِّى من شرابٍ ، نقيعهُ *** لديَّ ، فدعني من سرابِ بقيعةِ
288. ودونكَ بحراً خُضتُهُ ، وَقفَ الأُلَى *** بساحلِهِ ، صوناً لموضِعِ حُرمتي
289. ولا تقربوا مالَ اليتيمِ ، إشارةٌ *** لكفِّ يدٍ صُدَّتْ له ، إذ تصدّتِ
290. وما نالَ شيئاً منهُ غيري سوى فتَىً، *** على قدمي ، في القبضِ والبسطِ ، ما فتي
291. فلا تعشُ عن آثارِ سَيريَ ، واخشَ غي *** نَ إيثار غيري ، واغشَ عينَ طريقتي
292. فؤادي ولاهَا ، صاحِ ، صاحي الفؤادِ في *** ولايةِ أمري ، داخلٌ تحتَ إمرتي
293. ومُلكَ مَعالي العِشقِ مُلكي ، وجُندي ال *** مَعاني ، وكلُّ العاشقينَ رعيَّتي
294. فتى الحبِّ ، ها قدْ بِنتُ عنهُ بحكمِ مَنْ *** يراهُ حِجاباً ، فالهوَى دونَ رُتبتي
295. وجاوزتُ حدَّ العِشقِ ، فالحبُّ كالقِلى، *** وعن شأوِ معراجِ اتّحاديَ ، رِحْلتي
296. فطِبْ بالهوى نفساً ، فقدْ سُدْتَ أنفس ال *** عِبادِ مِنَ العُبَّادِ ، في كلِّ أمَّةِ
297. وفُز بالعُلى ، وافخر على ناسكٍ علا *** بظاهِرِ أعمالٍ ، ونفسٍ تزكتِ
298. وجُزْ مُثقلاً ، لو خفَّ طفَّ مُوكَّلاً *** بمنقولِ أحكامٍ ، ومعقولِ حكمةِ
299. وحُزبالولا ميراثَ أرفعِ عارفٍ *** غدا همُّهُ إيثارَ تأثيرِ هِمَّةِ
300. وتِهْ ساحباً ، بالسُّحبِ ، أذيالَ عاشقٍ، *** بوصلٍ ، على أعْلى المَجَرَّةِ جُرَّتِ
301. وجُلْ في فنون الاتِّحادِ ولا تَحِدْ *** إلى فئةٍ ، في غيرهِ العمرَ أفنَتِ
302. فواحدُهُ الجمُّ الغفيرُ ، ومَنْ غدا *** هُ شِرذمةٌ ، حُجَّتْ بأبلغِ حُجَّةِ
303. فمُتَّ بمعناهُ ، وعِشْ فيهِ أو فمُتْ *** مُعنَّاهُ ، واتبَعْ أُمَّةً فيهِ أمَّتِ
304. فأنتَ بهذا المجدِ أجدرُ مِنْ أخي اج *** تهادٍ ، مُجِدٍّ عن رجاءٍ وخِيفةِ
305. وغيرُ عجيبٍ هزُّ عطفيكَ ، دونهُ، *** بِأهنَا ، وأنهَى لذَّةٍ ومسرَّةِ
306. وأوصافُ من تُعزى إليهِ ، كمِ اصطفَت *** مِنَ النَّاسِ منْسيّاً وأسماهُ أسمَتِ
307. وأنتَ على ما أنتَ عنِّى نازحٌ، *** وليسَ الثُّريَّا ، للثرَى ، بقرينةِ
308. فطورُكَ قدْ بُلِّغتهُ ، وبلغتَ فو *** ق طورِكَ ، حيثُ النَّفسُ لم تكُ ظُنَّتِ
309. وحَدُّكَ هذا ، عندهُ قِفْ ، فعنهُ لو *** تقدَّمتَ شيئاً ، لاخترقتِ بجذوةِ
310. وقدري ، بحيثُ المرءُ يُغبَطُ دونهُ *** سُمُوّاً ، ولكن ، فوق قدركَ ، غِبْطتي
311. وكلُّ الوَرى أبناءُ آدمَ ، غيرَ أنّ *** ني حُزْتُ صحوَ الجمع ، من بينِ إخوتي
312. فسعي كليميُّ ، وقلبي منبَّأُ *** بأحمد ، رؤيا مُقلةٍ أحمدية
313. وروحي للأرواح روحٌ ، وكل ما *** ترى حسناً في الكون من فيض طينتي
314. فذرْ لي ما قبلَ الظهورِ عرفتُهُ *** خصوصاً ، وبي لم تدرِ في الذَّرِّ رُفقتي
315. ولا تُسمِني فيها مُريداً ، فمَنْ دُعي *** مُراداً لها ، جَذباً ، فقيرٌ لعصمتي
316. وألغِ الكُنى عنِّي ، ولا تَلغُ ألكَناً *** بها ، فهيَ من آثارِ صيغةِ صنعَتي
317. وعن لقبي بالعارفِ ارجع ، فإنْ ترَ ال *** تَّنابُزَ بالألقابِ ، في الذِّكرِ ، تُمقَتِ
318. فأصْغرُ أتباعي ، على عينِ قلبهِ، *** عرائسُ أبكارِ المعارفِ ، زُفَّتِ
319. جَنى ثمرَ العرفانِ من فرعِ فِطنةٍ، *** زكا باتِّباعي ، وهوَ من أصلِ فِطرتي
320. فإن سِيلَ عن معنىً أتى بغرائبٍ، *** عن الفهمِ جلَّتِ ، بلْ عنْ الوَهمِ دقَّتِ
321. ولا تدعُني فيها بنعتٍ مقرَّبٍ، *** أراهُ بحكمِ الجمعِ فرقَ جريرةِ
322. فوصليَ قطعي ، واقترابي تباعدي، *** ووُدِّي صَدِّى ، وانتهائي بَداءتي
323. وفي مَنْ بها ورَّيتُ عنِّي ، ولمْ أُرِدْ *** سوايَ ، خلعتُ اسمي ورسمي وكنيتي
324. فسِرتً إلى ما دونَهُ وَقفَ الألَى، *** وضلَّتْ عقولٌ ، بالعوائدِ ضلَّتِ
325. فلا وَصْفَ لي ، والوصفُ رَسمٌ ، كذاكَ الا *** سمُ وَسمٌ فإن تَكنى فكَنِّ أوِ انعتِ
326. ومِن أنا إيّاها إلى حيثُ لا إلى *** عَرَجْتُ ، وعَطَّرْتُ الوجود برجعَتي
327. وعنْ أنا إيَّايَ لباطن حكمةٍ، *** وظاهرِ أحكامٍ ، أقيمتْ لدعوتي
328. فغايةُ مجذوبي إليها ، ومُنتهى *** مُراديهِ ما أسلفتُهُ ، قبلَ توبتي
329. ومِنِّي أوجُ السابقينَ ، بزعمهِمْ *** حضيضُ ثَرى آثارِ موضع وَطأتي
330. وآخرُ ما بعدَ الاشارةِ ، حيثُ لا *** ترقِّى ارتفاعٍ ، وَضْعُ أوَّلِ خَطْوتي
331. فما عالمٌ إلاَّ بفضلي عالمٌ، *** ولا ناطقٌ في الكونِ إلاَّ بِمِدْحتي
332. ولا غروَ أن سُدْتُ الألَى سبقوا ، أو قدْ *** تمسَّكتُ ، من طهَ ، بأوثقِ عُروةِ
333. عليها مجازيُّ سلامي ، فإنَّما *** حقيقتُهُ منِّي إلَّيّ تحيَّتي
334. وأطيبُ ما فيها وجدتُ بِمبتدا *** غرامي ، وقدْ أبدَى بِهَا كلَّ نذرةِ
335. ظهوري ، وقدْ أخفيتُ حاليَ مُنشداً *** بها ، طرباً ، والحالُ غيرُ خفيَّةِ
336. بدتْ ، فرأيتُ الحزمَ في نقضِ توبتي، *** وقامَ بها عندَ النُّهى عُذرُ مِحنتي
337. فَمنها أماني منْ ضَنى جسدي بِها، *** أمانيُّ آمالٍ سَخَتْ ، ثمَّ شحَّتِ
338. وفيها تلافي الجسمِ ، بالُّسقمِ صحَّةِ *** له ، وتلافُ الَّنفسِ نفسُ الفتوَّةِ
339. ومَوتي بِها ، وَجداً ، حياةٌ هنيئةٌ، *** وإنْ لم أمُتْ في الحبِّ عِشتُ بغُصّةِ
340. فيا مُهجتي ذوبي جَوىً وصبابةً، *** ويا لوعَتي كوني ، كذاكَ ، مُذيبتي
341. ويا نارَ أحشائي أقيمي ، مِنَ الجوَى، *** حَنايَا ضُلوعي ، فهيَ غيرُ قويمةِ
342. ويا حُسنَ صبري ، في رِضى من أُحبُّها، *** تجمَّل ، وكن للدَّهرِ بي غيرَ مُشمِتِ
343. ويا جَلَدي ، في جنبِ طاعةِ حُبِّها، *** تحمَّل ، عَداَكَ الكَلُّ ، كُلَّ عظيمةِ
344. ويا جسَدي المُضنَى تسَلَّ عن الشِّفَا، *** ويا كبِدي ، مَنْ لي بأنْ تتَفتَّتي
345. ويا سقَمي لا تُبْقِ لي رَمقاً ، فقدْ *** أبيتُ ، لبُقيا العِزِّ ، ذُلَّ البقيَّةِ
346. ويا صحَّتي ، ما كانَ من صُحبتي انْقضى، *** ووصلُك في الأحشاءِ ميتاً كهجرَةِ
347. ويا كُلَّ ما أبقَى الضَّنى منِّي ارتحِلْ، *** فما لَكَ مأوىً في عظامٍ رميمةِ
348. ويا ما عسَى منِّي أُناجي ، توهُّماً *** بياءِ النّدا ، أُونِستُ منكَ بوحشةِ
349. وكلُّ الَّذي ترضاهُ ، والموتُ دونَهُ، *** بهِ أنا راضٍ ، والصَّبابةُ أرضَتِ
350. ونفسيَ لمْ تجزَعْ باتلافهَا أسىً، *** ولو جَزِعَتْ كانت بغيري تأسَّتِ
351. وفي كُلِّ حيٍّ كلُّ حيٍّ كَميِّتٍ *** بها ، عندَهُ قتْلُ الهوى خيرُ مَوْتَهِ
352. تجمَّعتِ الأهواءُ فيها ، فمَا ترى *** بها غيرَ صبٍّ ، لا يَرى غيرَ صَبوةِ
353. إذا سَفرَتْ في يومِ عيدٍ تزاحمَتْ *** على حُسنهِا أبصارُ كلِّ قبيلةِ
354. فأرواحُهُم تصبُوا لِمعنى جمالِهَا، *** وأحداقُهُم من حُسنِها في حديقةِ
355. وعنديَ عيدي ، كُلَّ يومٍ أرى بهِ، *** جَمالَ مُحيّاها ، بعينٍ قريرةِ
356. وكلُّ اللَّيالي ليلةُ القدرِ ، إنْ دنَتْ، *** كما كُلُّ أيَّامِ اللِّقا يومُ جُمعةِ
357. وسَعي لها حَجٌّ ، بهِ كُلُّ وَقفةٍ، *** على بابها ، قدْ عادلَتْ كُلَّ وَقفةِ
358. وأيُّ بلادِ اللّهِ حَلَّتْ بها ، فما *** أراها ، وفي عيني حَلَتْ ، غيرَ مكَّةِ
359. وأيُّ مكانٍ ضمَّها حرمٌ ، كذا *** أرى كلَّ دارٍ أوطنت دارَ هجرةِ
360. وما سكَنَتهُ فهوَ بيتٌ مقدَّسٌ، *** بقُرَّةِ عيني فيهِ ، أحشايَ قرَّتِ
361. ومسجدي الأقصى مسَاحبُ بُردِها، *** وطيبي ثرَى أرضٍ ، عليها تمَشَّتِ
362. مَواطنُ أفراحي ، ومَرْبَى مَآربي، *** وأطوارُ أوطاري ومأمنُ خِيفتي
363. مَغانٍ ، بها لمْ يدخُلِ الدَّهرُ بيننا، *** ولا كادَنَا صرفُ الزَّمانِ بفُرقةِ
364. ولا سَعَتِ الأيَّامُ في شَتِّ شملِنَا، *** ولا حَكَمَتْ فينا اللَّيالي بِجَفوةِ
365. ولا صَبَّحَتنا النَّائباتُ بِنَبْوَةٍ، *** ولا حدَّثتنا الحادِثاتُ بنكبةِ
366. ولا شنَّعَ الوَاشِي بصدٍّ وهِجرةٍ، *** ولا أرْجَفَ اللَّلاحي ببيْنٍ وسلوَةِ
367. ولا استيقظتْ عينُ الرَّقيبِ ، ولمْ تزلْ *** عليَّ لهَا ، في الحبِّ ، عيني رقيبتي
368. ولا اختُصَّ وقتٌ دونَ وقتٍ بطيبةِ، *** بها كلُّ أوقاتي مواسِمُ لذَّةِ
369. نهاري أصيلٌ كلُّهُ ، إن تنسَّمتْ *** أوائِلُهُ منها بِردِّ تحيَّتي
370. ولَيليَ فيها كلهُ سحَرٌ ، إذا *** سَرَى لي منها فيهِ عرفُ نُسيمةِ
371. وإنْ طرَقَتْ ليلاً ، فشهريَ كلهُ *** بها ليلةُ القدرِ ، ابتهاجاً بزَوْرَةِ
372. وإن قرُبتْ داري ، فعاميَ كُلهُ *** ربيعُ اعتِدالٍ ، في رياضِ أريضَةِ
373. وإن رَضِيَتْ عني ، فعمريَ كلهُ *** زمانُ الصِّبا ، طيباًً ، وعصرُ الشَّيبةِ
374. لئن جَمَعتْ شملَ المحاسنِِِ صورةً *** شهِدتُ بها كلَّ المعاني الدَّقيقةِ
375. فقدْ جَمَعَتْ أحشايَ كلُّ صبابةٍ *** بها ، وجَوىً يُنبيكَ عن كلِّ صبوةِ
376. ولِمْ لا أُباهي كلَّ من يدَّعي الهوى *** بها ، وأُناهي في افتخاري بحُظوةِ
377. وقدْ نلتُ منها فوقَ ما كنتُ راجياً، *** وما لَمْ أكُنْ أمَّلتُ من قربِ قُربتي
378. وأرغَمَ أنفَ البينِ لُطفُ اشتِمالَهَا *** عليَّ ، بما يُربى على كلَّ مُنيةِ
379. بها مثلَ ما أمسيتُ أصبحتُ مُغرماً، *** وما أصبحتْ فيهِ من الحسنِ أمسَتِ
380. فلو منحَتْ كلَّ الورَى بعضَ حُسنها، *** خلا يوسُفٍ ، ما فاتَهُم بمزيَّةِ
381. صرفتُ لها كًلِّي ، على يدِ حُسنها، *** فضاعفَ لي إحسانُها كلَّ وُصْلَةِ
382. يشاهدُ مني حُسنهَا كلُّ ذرَّةٍ، *** بها كلُّ طَرْفٍ جالَ في كلِّ طرفةِ
383. ويُثنى عليها فيَّ كلُّ لطيفةٍ، *** بكلِّ لسانٍ ، طالَ في كلِّ لفظةِ
384. وأنشقُ رَيَّاها بكلِّ دقيقةٍ، *** بها كلُّ أنفٍ ناشقٍ كلَّ هَبَّةِ
385. ويسمعُ مني لفظها كلُّ بضعةٍ، *** بها كلُّ سَمعٍ سامِعٍ مُتنصِّتِ
386. ويَلثمُ مني كلُّ جزءٍ لِثامَها *** بكلِّ فمٍ ، في لَثمِهِ كلُّ قُبلةِ
387. فلو بَسَطتْ جسمي رأت كلَّ جوهرٍ *** بهِ كلُّ قلبٍ فيهِ كلُّ محبَّةِ
388. وأغرَبُ ما فيها استجَدتُ ، وجادَ لي، *** بهِ الفتحُ ، كشفاً ، مُذهِباً كلَّ رِيبَةِ
389. شهودي بعينِ الجمعِ كلَّ مَخالِفٍ، *** وليَّ ائتلافٍ ، صَدُّهُ كالمَوَدَّةِ
390. أحَبّني الَّلاحي ، وغارَ ، فلاَمَني، *** وهامَ بها الواشي ، فجارَ برِقبَةِ
391. فشُكري لِهذا حاصِلٌ حيثُ برُّها *** لِذا واصِلٌ ، والكلُّ آثارُ نِعْمَتي
392. وغيري على الأغبارِ يُثني ، وللسِّوى، *** سِوايَ ، يُثنِّى منهُ عِطفاً لِعَطفتي
393. وشُكريَ لي ، والبِرُّ مِنيَ واصِلٌ *** إليَّ ، ونفسي ، باتِّحادي ، استبدَّتِ
394. وثَمّ أمورٌ تمّ لي كَشفُ سِترِها *** بصَحوِ مُفيقٍ عَن سِوايَ تغطَّتِ
395. وعَنيَ بالتَّلويحِ يَفهَمُ ذائِقٌ، *** غنِيٌّ عنِ التَّصريحِ للمُتعَنِّتِ
396. بها لم يَبُحْ مَنْ لم يُبحْ دمَهُ ، وفي ال *** إشارَةِ مَعنًى ، ما العِبَارةُ حُدَّتِ
397. ومَبْدأ إبْداها اللَّذانِ تسبَّبا *** إلي فُرْقتي ، والجَمعُ يأبَى تشتُّتي
398. هما مَعنَا في باطنِ الجَمعِ واحدٌ، *** وأربعةٌ في ظاهرِ الفرقِ عُدَّتِ
399. وإنِّي وإيَّاها لذاتُ ، ومَنْ وَشَى *** بها ، وثنى عنها صِفاتٌ تبدَّتِ
400. فذا مُظهِرٌ للرُّوحِ ، هادٍ ، لأفقِهَا، *** شُهوداً ، بدا في صيغةٍ مَعنويَّةِ
401. وذا مُظهرٌ للّنفسِ ، حادٍ ، لرِفقِها، *** وُجوداً ، غدا في صيغةٍ صُوَرِيّةِ
402. ومَنْ عَرَفَ الأشكالَ مِثليَ لم يَشُبْ *** هُ شِرْكُ هُدىً ، في رَفعِ إشكالِ شُبهةِ
403. فذاتي باللَّذَّاتِ خَصَّتْ عَوالِمي *** بمَجْموعِها ، إمدادَ جَمْعٍ ، وعمَّتِ
404. وجادتْ ولا استعدادَ كسبٍ بفيضِها، *** وقبلَ التَّهَيّي للقبولِ استعدَّتِ
405. فبالنَّفسِ أشباحُ الوُجودِ تنعَّمتْ، *** وبالرُّوحِ أرواحُ الشُّهودِ تهنَّتِ
406. وحالُ شهودي ، بين ساعٍ ل