التحذيرُ المبينُ من الكذبِ على سيدِ المرسلين - صلى اللهُ عليه وسلم -
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
لقد
جاء الوعيدُ الشديدُ من لدن النبي صلى اللهُ عليه وسلم فيمن يكذبُعليه في
حديثهِ ، وكثرت النصوصُ في ذلك ، بل جاءت متواترةً تواتراً لفظياًبحيثُ
نقلهُ من الصحابةِ العددُ الجمُ .
أورد الْحَافِظ شَمْس الدِّين
بْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه في تعليقهعلى " سنن أبي داود " جملةً من
أحاديث الصحيحين فقال : وَفِيالصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ :
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّىاللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَعَمَّدَ
عَلَيَّ كَذِبًافَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .
وَفِيهِمَا
أَيْضًا عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة قَالَ : سَمِعْت رَسُولاللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِنَّ كَذِبًاعَلَيَّ لَيْسَ
كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي , فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّمُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .
وَفِيهِمَا أَيْضًا :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهصَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًافَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده
مِنْ النَّار " .
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن
الْأَكْوَع قَالَ : سَمِعْترَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُول " مَنْ يَقُلْعَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده
مِنْ النَّار .ا.هـ.
وعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِقَالَ : قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ : " مَا
يَمْنَعُكَ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُعَنْهُ أَصْحَابُهُ " ، فَقَالَ : " أَمَا
وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ لِيمِنْهُ وَجْهٌ وَمَنْزِلَةٌ ، وَلَكِنِّي
سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " مَنْكَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْالنَّارِ " .
رواهُ أبو داود (3651) ، وصححهُ العلامةُ الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3102) .
قال
" صاحب عون المعبود " تعليقاً على الحديثِ : " وَفِي تَمَسُّكِالزُّبَيْرِ
بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ اِخْتِيَارقِلَّة
التَّحْدِيث دَلِيل لِلْأَصَحِّ فِي أَنَّ الْكَذِب هُوَالْإِخْبَار
بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ , سَوَاء كَانَعَمْدًا أَمْ
خَطَأً , وَالْمُخْطِئ وَإِنْ كَانَ غَيْر مَأْثُومبِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ
الزُّبَيْر خَشِيَ مِنْ الْإِكْثَار أَنْ يَقَعفِي الْخَطَأ وَهُوَ لَا
يَشْعُر لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمبِالْخَطَأِ لَكِنْ قَدْ يَأْثَم
بِالْإِكْثَارِ إِذْ الْإِكْثَارمَظِنَّة الْخَطَأ . وَالثِّقَة إِذَا
حَدَّثَ بِالْخَطَأِ فَحُمِلَعَنْهُ وَهُوَ لَا يَشْعُر أَنَّهُ خَطَأ
يُعْمَل بِهِ عَلَى الدَّوَاملِلْمَوْثُوقِ بِنَقْلِهِ فَيَكُون سَبَبًا
لِلْعَمَلِ بِمَا لَمْيَقُلْهُ الشَّارِع , فَمَنْ خَشِيَ مِنْ الْإِكْثَار
الْوُقُوعَ فِيالْخَطَأ لَا يُؤْمَن عَلَيْهِ الْإِثْم إِذَا تَعَمَّدَ
الْإِكْثَارفَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ الزُّبَيْر وَغَيْره مِنْ الصَّحَابَة
عَنْالْإِكْثَار مِنْ التَّحْدِيث .
وَأَمَّا مَنْ أَكْثَرَ
مِنْهُمْ فَمَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ كَانُواوَاثِقِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ
بِالتَّثْبِيتِ أَوْ طَالَتْ أَعْمَارهمْفَاحْتِيجَ إِلَى مَا عِنْدهمْ
فَسُئِلُوا فَلَمْ يُمْكِنهُمْ الْكِتْمَان.ا.هـ.
وأكتفي بهذهِ الأحاديثِ في التذكيرِ بخطورة الكذبِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم .
فالوصية لمرتادي المنتدى أن لا يُسارِعوا في نشر مثل هذه الأباطيل والأكاذيب وأحاديث القصّاص ، وإنما يعرضوها على أهل العلم .
ومن الخطورة نشر حديث مكذوب ؛ لأن من نشر حديثا مكذوبا فإنه يبوء بإثم الكذب ، ويكون مُشارِكا للكذّاب الذي وضعه وكذَبه .
وقد
جاء الوعيد الشديد في ذلك في الحديث المتواتر عنه عليه الصلاة والسلامفي
قوله : كذبا علي ليس ككذب على أحد ، من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعدهمن
النار .
وفي قول النبي :
لا تكذبوا عليّ ، فإنه من كذب علي فليلج النار .
والله تعالى أعلم .