سيدنا على بن الحسين "زين العابدين"
هو على بن الحسين بن على بن أبى طالب .
أبوه : الحسين بن على بن أبى طالب .
أمه : سلافة بنت يزد جرد , وتلقب – شاه زنان – أي ملكة النساء وكنيتها أم سلمة . وعنها أورد الزمخشرى في (( ربيع الأبرار )) :
أنه لما أتى بسبي فارس في خلافة عمر رضي الله عنه فيهم ثلاث بنات ليزد جرد
فباعوا السبايا وأمر عمر رضي الله عنه ببيع بنات يزد جرد فقال له علي رضي
الله عنه إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن , قال : كيف الطريق إلى
العمل معهن ؟ قال : تقومهن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن , فقومهن
فأخذهن علي بن أبى طالب فدفه واحدة لولده الحسين فولدت له عليا زين
العابدين وواحدة لعبد الله بن عمر فولدت له سالما , وواحدة لمحمد بن أبي
بكر الصديق فولدت له القاسم فهؤلاء الثلاثة بنو خالة.
ميلاده رضي الله عنه : ولد يوم الخميس الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين بالمدينة في عهد جده علي بن أبي طالب .
لقبه : أشهرها زين العابدين ولقب به لكثرة عبادته , سيد العابدين , ذو النفقات , ورابع الأئمة , والأمين , والزكي .
كنيته : أبو الحسن وقيل : أبو محمد , وكناه بعضهم بأبي بكر , أو أبو عبد الله .
نقش خاتمه : وما توفيقي إلا بالله .
شاعره : كان رضي الله عنه له شاعران , كثير عزة , والفرزدق .
بوابه : أبو جبلة .
نشأته : نشأ رضي الله عنه في كنف أبيه الحسين سيد شباب أهل الجنة فنهل منه
العبادات فنشأ صواما قوام تقيا ورعا , وصحب بعد أبيه عمته السيدة زينب وقال
عنه علي بن سعيد : (( إنه أفضل هاشمي فقها وورعا )) . كان رضي الله عنه
حافظا للقرآن الكريم ونجد ذلك في ردوده على يزيد بآيات القرآن , وحضر رضي
الله عنه مع أبيه في ( كربلاء ) حيث كان مريضا لا يستطيع الوقوف على قدميه ,
وكانت تمرضه عمته السيدة زينب ورأى فيها من الأهوال ما رأى وما حدث من قتل
لآل البيت ولأبيه سيد شباب أهل الجنة , وبعد تلك الأهوال لاقى هولا آخر
وهو ملاقاة يزيد وحدث ذلك
بعد انتهاء المعركة أمر عمر بن سعد قائد جيوش الأعداء اثنين من جنوده يحمل الرأس الشريف إلى عبيد الله ابن زياد أمير الكوفة ..
ورد في الطبقات لابن سعد.
قال علي بن الحسين :فغيبني رجل منهم , وأكرم نزلي , واختصني , وجعل يبكي
كلما خرج ودخل حتى كنت أقول : إن يكن عند احد من الناس خير ووفاء فعند هذا ,
إلى أن نادى منادي ابن زياد : ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به , فقد
جعلنا فيه ثلاثمائة درهم , قال : فدخل والله علي وهو يبكي وجعل يربط يدي
إلى عنقي وهو يقول : أخاف . فأخرجني والله إليهم مربوطا حتى دفعني إليهم
وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها , فأخذت وأدخلت على ابن زياد .
ذكر الجاحظ في كتابه (( البيان والتبيين )) عن أبى إسحاق عن خزيمة الأسدى
قال : ... دخلنا الكوفة سنة إحدى وستين فصادفت منصرف علي بن الحسين بن علي –
رضوان الله عليهم أجمعين - بالذرية من كربلاء إلى ابن زياد بالكوفة ,
ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياما يندبن متهتكات الجيوب , وسمعت على بن الحسين
– رضي الله عنهما – وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدة المرض : يا أهل
الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم .
وبعدما وصل موكب السيدة زينب ونساء الحسين إلى ابن زياد .. وبعد عدة
محاورات بين السيدة زينب – رضي الله عنها – وبين عدو الله ابن زياد التفت
إلى من معها من آل البيت فرأى فيهم غلاما وهو على الأصغر زين العابدين .
فسأله ما أسمك ؟ فأجاب أنا على بن الحسين .
فقال ابن زياد قاتله الله : ألم يقتل الله على بن الحسين .
فسكت علي – زين العابدين – ولم يجبه .
فأعاد ابن زياد قائلا : ما لك لا تتكلم .
فأجاب رضي الله عنه وأرضاه : كان لي أخ يقال له أيضا عليا قتله الناس .
فقال ابن زياد : إن الله قتله فسكت .
فقال له مرة أخرى : ما لك لا تتكلم .
فرد عليه الغلام : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) ( الزمر42).
( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) ( آل عمران 145).
فاستشاط غضب الطاغية وصاح هائجا : أنت والله منهم ويحك , انظروا هذا هل أدرك ( أي بلغ مبلغ الرجال ) .
ولما علم أنه كذلك أمر ابن زياد أن يضربوا عنقه .
وهنا فزعت السيدة زينب في قوة من هانت عليه نفسه ونهضت إلى ابن أخيها آخر
العترة الطبية فاحتضنته وصرخت في وجه الطاغية قائلة : يا ابن زياد حسبك منا
ما فعلت بنا أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا أسألك بالله إن كنت
مؤمنا إن قتلته فاقتلني معه .
فقال ابن زياد : دعوا الغلام , وقال لعلى زين العابدين : انطلق مع نسائك .
ثم بعث الركب الحزين إلى دمشق عاصمة خلافة يزيد فأمر يزيد بفك أغلال زين
العابدين ثم خاطبه في وقاحة : يا على أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني
سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت .
فرد عليه سيدنا زين العابدين ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) ( الحديد 22).
فقال يزيد ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ( الشورى 30) .
وبعد مناقشات ومحاورات بين السيدة زينب – رضي الله عنها – وبين يزيد أرسل آل البيت ومعهم زين العابدين إلى قصر الخلافة .
ومن ذلك الوقت أصبح علي بن الحسين زين العابدين هو العصب امتدادا لنسل آل البيت.
من أقواله رضي الله عنه :
عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة , ثم عاد جيفة , وعجبت كل العجب
لمن أنكر النشأة الأخرى , وهو يرى النشأة الأولى , وعجبت كل العجب لمن عمل
لدار الفناء وترك دار البقاء .
وقال رضي الله عنه : عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته ولايحتمى من الذنب لمعرفته.
وقال رضي الله عنه : من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس .
وقال رضي الله عنه : إن قوما عبدوا الله – عز وجل – رهبة فتلك عبادة العبيد
, وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار , وقوما عبدوا الله شكرا , فتلك
عبادة الأحرار . أعبد الله شكرا على ما أعطاك وأولاك .
قال الراوي : أخبرنا عبد العزيز بن الخطاب قال : حدثنا موسى بن أبي حبيب
الطائفي عن علي بن الحسين قال : التارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كالنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة , قيل : وما تقاته ؟ قال:
يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى .
زهده وورعه وعبادته رضي الله عنه :
ورد عن السلف : انه كان يلبس خميصة بخمسين دينارا , فإذا جاء الصيف تصدق
بها , ويلبس في الصيف الثياب المرقعة ودونها , ويتلو قوله تعالى : ( قل من
حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ( الأعراف 32) .
عن سعيد ابن مرجانة أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من
أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار حتى إنه يعتق
باليد اليد ,وبالرجل الرجل , وبالفرج الفرج )) . فقال علي بن الحسين , أنت
سمعت هذا من أبي هريرة ؟ قال سعيد : نعم , قال لغلام له : ادع مطرفا,
فلما بين يديه قال : أذهب , فأنت حر لوجه الله – عز وجل - .
قال محمد بن سعد : أنبأنا محمد عن سعيد بن خالد عن المقبري قال بعث المختار
إلى علي بن الحسين بمائة ألف , فكره أن يقبلها وخاف أن يردها فاحتسبها
عنده فلما قتل المختار كتب إلى عبد الملك بن مروان : أن المختار بعث إلى
بمائة ألف فكرهت أن أقبلها , وكرهت أن أردها , فأبعث من يقبضها , فكتب إليه
عبد الملك : يا بن عم ؟ فقد طيبتها لك . فقبلها .
عن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال : كان علي بن الحسين – رضي الله عنهما –
إذ توضأ يصفر, فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟ فيقول :
تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
عن عبد الله بن أبي سليم قال : كان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له ما لك ؟ فقال : ما تدرون بين يدي من أقوم , ومن أناجي ؟ .
عن أبي نوح الأنصاري قال : وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين – رضي الله
عنهما – وهو ساجد , فجعلوا يقولون له : يا ابن رسول الله النار يا ابن رسول
الله النار – فما رفع رأسه حتى أطفئت . فقيل له : ما الذي ألهاك عنها ؟
قال : ألهتني عنها النار الأخرى .
قال ابن أبي أويس في حديثه : شبرا أوفويقه في ما توخيت عمامة بيضاء . قال :
أخبرنا الفضل بن دكين قال : حدثنا فطر عن ثابت الثما لي قال : سمعت أبا
جعفر قال : دخل علي بن الحسين الكنيف
وأنا قائم على الباب قد وضعت له وضوءا ,قال فخرج فقال : يا بني , قلت لبيك ,
قال : قد رأيت في الكنيف شيئا رابني , قلت : وما ذاك ؟ قال : رأيت الذباب
يقعن على الحذرات ثم يطرن فيقعن على جلد الرجل فأردت أن أتخذ ثوبا إذا دخلت
الكنيف لبسته , ثم قال : لا ينبغي لي شئ لا يسع الناس ( طبقات ابن سعد ج7
ص216)
عن الزهري قال : سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه , ويناجي ربه :
يا نفس حتام إلي الدنيا سكونك وإلى عمارتها ركونك أما اعتبرت بم مضى من
أسلافك ؟ ومن وارته الأرض من ألافك ؟ ومن فجعت به من إخوانك ؟ ونقل إلى
الثرى من أقرانك ؟ فهم في بطون الأرض بعد ظهورها , محاسنهم فيها بوال دوائر
.
قيل : ولما حج أراد أن يلبي فارتعد وقال : أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك ,
فيقال لي : لا لبيك , فشجعوه على التلبية , فلما لبى غشي عليه حتى سقط عن
الراحلة التي كان راكبا عليها .
ورد عن أبى جعفر رضي الله عنه أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة , وتهيج الريح فيسقط مغشيا عليه .
ارتضائه رضي الله عنه بأمر الله :
ورد عن رجل من ولد عمار بن ياسر : كان عند علي بن الحسين قوم فاستعجل خادم
له بالشواء كان له في التنور , فأقبل به الخادم مسرعا وسقط السفود ( السيخ
الذي يشوى عليه ) من يده على ابن لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله , فقال
علي للغلام . أنت حر لم تعمده , وأخذ في جهاز ابنه .
حلمه رضي الله عنه:
عن سفيان : قال : جاء إلى علي بن الحسين – رضي الله عنهما – فقال له : إن
فلانا قد آذاك , ووقع . قال : فانطلق بنا إليه , فانطلق معه وهو يرى أنه
سينتصر لنفسه , فلما أتاه قال : يا هذا إن كان ما قلت في حقا فغفر الله لي ,
وإن كان ما قلت في باطلا فغفر الله لك .
قيل : كان إذا سار في المدينة على بغلته لم يقل لأحد : الطريق , ويقول هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدا .
من علمه رضي الله عنه:
كان رضي الله عنه من التابعين فقد رأى من الصحابة , وروى عنهم الحديث ومنهم
: أبوه , وعمه الحسن بن علي , وجابرا , وابن عباس , والمسور بن مخرومة ,
وأبو هريرة , وصفية , وعائشة , وأم سلمة .
أما من رووا عنه فمنهم بنوه : زيد , وعبد الله , وعمر , وأبو جعفر محمد ابن
علي , وزيد بن أسلم , وطاووس والزهري , ويحيي بن سعيد الأنصاري , وأبو
سلمة .
وأكبر دليل على علمه أشهر مؤلفاته (( رسالة الحقوق ))
وفاته:
توفى على زين العابدين رضي الله عنه عن سبع وخمسين في ثاني عشر المحرم سنه أربع وتسعين هجرية , ودفن في البقيع.