برائة التصوف من التشيع

التصوف والتشيع
لصاحب الفضيلة العلامة الشيخ أشرف سعد الأزهرى عضو
الاتحاد العالمى لعلماء الصوفية

من الافتراءات والشبهات ا

لتي أشاعها أعداء التصوف ضد الصوفية، شبهة التشيع، حيث
ادعوا ظلمًا وزورًا أن التصوف خرج من رحم التشيع وأن الصوفية بوابة الشيعة، وكل ما استندوا عليه في هذا الزعم الكاذب أن
الصوفية يشتركون مع الشيعة في محبة آل البيت النبوي رضي الله عنهم وإجلالهم وتعظيمهم إلى غير ذلك من
المظاهر التي يعتبرها الوهابيون تطرفا وغلوا، فالشيعة يعظمون آل البيت ويزورون قبورهم الشريفة ويتبركون بهم ويتوسلون إلى
الله تعالى بهم والصوفيون كذلك، وكأن مطلق المشابهة بين أمرين أو منهجين في أي شيء تقتضي
اتفاقهما في الأصول والمناهج التي بني عليهما هذان المنهجان، ولرد هذه الشبهة ودحضها نقول: إن التشيع له معنيان
معنى لغوي وآخر اصطلاحي، فأما اللغوي فهو المحبة والنصرة والتأييد ومنه قوله تعالى (وإن من شيعته لإبراهيم)
[الصافات:83] وقوله تعالى (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) [القصص :15] فأهل السنة والجماعة
وجميع المسلمين على هذا المعنى شيعة لأهل البيت لا شك في هذا، أما المعنى الآخر وهو المعنى
الاصطلاحي الذي ينطبق على الفرقة المشهورة بهذا الاسم فهو يعني القول بانحصار الإمامة والخلافة في
سيدنا علي وأولاده من فاطمة عليها السلام بالإضافة
إلى القول بعصمتهم، وينضوي التشيع على الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والقول بارتداد
أغلب الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بما في ذلك الخلفاء الثلاثة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم
والطعن في امهات المؤمنين وخاصة عائشة وحفصة رضي الله عنهما، هذا بالإضافة إلى بعض العقائد البدعية مثل القول
بخلق القرآن والقدر،
والتشيع بهذا المعنى يسمى رفضًا ومعتنقوه يطلق عليهم الرافضة، والصوفية قديمًا وحديثًا لا
علاقة لهم بهذا النوع من التشيع ويعتبرونه غلوًا وخروجًا عن منهج الإسلام الصحيح وروح التصوف
الراقي، فالصوفية معظمون للآل والصحب لا يفرقون بينهما، يعملون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه
الترمذي من حديث زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي تَارِكٌ
فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ
الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا
حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا).

والصوفية يسلمون ويعملون بمقتضى الحديث الشريف الذي رواه الإمام
أحمد وأبو يعلى وأصحاب السنن من حديث
عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ
فِي الرَّحَبَةِ يَنْشُدُ النَّاسَ أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ
لَمَّا قَامَ فَشَهِدَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيًّا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَحَدِهِمْ
فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: (أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ
مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ). كما أن الصوفية يعملون بمقتضى
الأحاديث الواردة في فضائل الصحب الكرام لا سيما الشيخين رضي الله عنهما، فيعملون بمقتضى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي من حديث عبد
الله بن مغفل - رضي الله عنه - :قال : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «لِيُبَلِّغ الحاضرُ الغائبَ ، اللهَ
اللهَ في أصحابي، لا تَتَّخِذُوهُم غَرَضا بعدي، فمن أحبَّهم فَبحبِّي أحبَّهم ، ومَنْ أبغضَهم
فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله، ومن آذى الله ، فيوشك أن يأخذه ، ومن يأخذه الله فيوشك أَن لا
يُفْلِتَه». وحديث العِرباضِ بنِ سَارية - رضي الله عنه - ، قَالَ : وَعَظَنَا رسولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ
مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا :يَا رسولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ
مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا
، قَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ
حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ
الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ
الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .

فمنهج الصوفية رضي الله عنهم وسط بين الروافض الذين غلوا
في الآل وكفروا
الصحب وبين النواصب الذين وقروا الأصحاب وأبغضوا الآل أو ذموهم،
وبدعة الرفض
وبدعة النصب كلاهما خرجتا من رحم السياسة لا من روح الشريعة السمحة.

وقد قال الشيخ الأكبر أنه التقى بأحد أهل الكشف وكان يرى
الروافض في صورة
خنازير. كما أن سيدي عبد العزيز الدباغ في كتاب الإبريز شرح كيف
يؤدي رفض أحد
الصحابة إلى الحجاب عن نور النبي صلى الله عليه وسلم.

والصوفية لا يقولون بشيء من عقائد الشيعة في
الآل الكرام، فلا يؤمنون بمبدأ العصمة لأحد من الخلق إلا الأنبياء والمرسلين، ولا يقولون
بانحصار الإمامة في علي رضي الله عنه وذريته، بل يقولون بصحة إمامة الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم، ويجعلون ترتيبهم
في الفضل كترتيبهم في الإمامة والخلافة، ولا يقولون بخلق القرآن ولا بالقدر، ويوقرون الأصحاب
وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات مما رماهن به الروافض.

من هنا نعلم أن أهل السنة والجماعة ومنهم
الصوفية يحبون آل البيت النبوي الشريف ويوقرون النبي صلى الله عليه وسلم في آل البيت الكرام أحياء
وأمواتا، كما يوقرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يقولون بشيءٍ من عقائد الشيعة التي حملت شيئا من الغلو في الآل
أو الحمل على الصحب، فالقول بأن التصوف والتشيع قد خرجا من بوتقة واحدة أو أن التصوف بوابة التشيع
قول مرفوض وكذب مبين وافتراء محض، وإن كان بعض المتصوفة قد انحرف عن جادة الصواب ومال إلى بعض أقوال الشيعة فإن هذا لايعيب
أهل الحق فى شئ والأشخاص ليسوا حجة على
المناهج أو العقائد لا بالسلب ولا بالإيجاب؛ فالعصمة فى الكتاب
والسنة وحدهما،

وإن إلصاق تهمة التشيع بالصوفية ما هي إلا فرية خبيثة قد اخترعتها
طائفة ضالة لمحاولة تشويه التصوف النقي بعدما عجزت العقول والأقلام الواهية عن مقارعة الحجة بالحجة والدليل
بالدليل، ولا شك أن طريقة التشهير والتشويه هي طريقة الضعفاء السطحيين الذين يستميلون أمثالهم من السذج والبسطاء بطريقة
التشويه والإرهاب الفكري. نسأل الله لهم الهداية والتوفي

» برائة ابن عربى من عقيدة الإتحاد والحلول
» التصوف علم و عمل
» تمهيد في التصوف ‏