عندما
نتاول غذائنا بطريقة صحيحة وصحية, ونداوم على العمل بطريقةٍ نظامية ونشطة,
سيعمل جسدنا على تغذية وعينا الكوني بنحو لائق وصحي, وسندرك أفكاراً
حقيقية, وأحلاماً حقيقية, وتصوراتٍ حقيقية – بكلام آخر, سنكون من الشاهدين
على الحق والحقيقة. ولكن, إذا أدخلنا الى جسمنا أنواعاً أو كميات غير لائقة
من الأطعمة والمشروبات, سيتغذى وعينا الكوني بالغذاء الذي لن يليق به,
عندها لن نستطيع التجاوب معه بدقة وشفافية.
فإذا
كان إدراكنا مشتت, ونرى أوهاماً مبنية على عالم من الضلال والتردد في عالم
مليئ بالتصورات الكاذبة, سننشأ متعودين على أن نكون عبيداً لهذه الأضاليل
المهلكة.
هناك نوعان من الأضاليل يجب الإبتعاد عنها:
1)
الأولى هي أضاليل الذاكرة. كثيراً ما يتورط الجزء الأمامي من العقل
بالأفكار المستقبلية, الأحلام, المطامح والرغبات. أما الجزء الخلفي من
العقل, فكثيراً ما يتورط بالماضي وذكرياته. فإذا تناولنا مقداراً أكبر من
الخضار, السلطات, والفاكهة, سيحفز ذلك الجزء الأمامي من عقلنا, ويحثنا على
التفكير أكثر بالمستقبل. أما إذا تناولنا مقداراً أكبر من الأطعمة
الحيوانية والملح, فسيحفز ذلك الجزء الخلفي من العقل, ويحثنا على التفكير
أكثر بالماضي.
فإذا
كنا من هؤلاء المتعلقين أو المنزعجين من بعض الذكريات المؤلمة أو التعيسة,
يجب علينا أولاً تغيير نوعية الغذاء الذي يحفز هكذا تفكير. فإذا تناولنا
المنتجات الحيوانية أو الدهنية مثلاً, لن نقوى على نسيان أو تخطي ما يجول
في ذاكرتنا. فقد نكون حاملين في ذاكرتنا تجارب مؤلمة منذ الطفولة, وهذا ما
سوف يتسبب بغضب عميق, أو عقدٍ ما. ففي كل حال من الأحوال, لن تكون تجاربنا
المؤلمة السابقة سبباً مباشراً لكل هذه التعاسة, إنما الطريقة التي تعمل
بها ذاكرتنا في حياتنا الحالية, أو حالتنا البيولوجية التي تساعد على دعم
كل ذلك.
إن
العالم النفسي فرويد كان رجلاً مهماً ولا ينقصه شيء من الذكاء, ولكنه لم
يكتشف أن المشاكل النفسية هي ببساطة نتيجة طبيعية لحمية خاطئة, والتي ينتج
عنها وعي خاطيء.
يمكننا
التخلص من تلك الذكريات المظلمة عن طريق تغيير نظرتنا اليها. إن هذه
الذكريات تتعلق بالفاعل – فأنت هو هذا الشخص الذي يعاني. ولذلك يجب تحويل
هذه الذكرى الى مادة أكثر موضوعية, أو بكلام آخر, جعل هذا الموضوع واضحاً
وجلياً لأفكارك ومراقبته من الخارج. فإذا كنت من النوع المنفتح, فأسهل
طريقة لأن تحقق ذلك هو بالكلام والمصارحة عن هذه التجربة التي طالما
أزعجتك. فعندما تكوٌن تصورات موضوعية, سيمكنك وصفها بطريقة جلية وواضحة,
فسيتحول تأثيرها عنك وستكون قادراً على تخطيها بسهولة أكبر.
وهناك
أيضاً طريقة آخرى, إذا كنت متردداً ولا تريد الكلام أو المصارحة عن تجربتك
هذه, خذ ورقة وقلم واكتب عنها بوضوح وموضوعية. عندها ستكون شاكراً لما
تعلمته من هذه التجربة القاسية أو البائسة. مما يجعلك تنتقل تدريجياً الى
تجارب آخرى تمكنك من التعلم والإستفادة من تجارب هذه الحياة.
2)
أما الثانية, فهي أضاليل الأفكار الآنية. من الصعب تغيير هذا النوع من
الأفكار لأننا غالباً ما نكون ضالعين أو متورطين بالتجربة نفسها, مما
يمنعنا من رؤيتها واضحة وجلية. كما أن المجتمع يعزز هذا النوع من الأضاليل.
على سبيل المثال, إن هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون أن البروتين
الحيواني أفضل بكثير من البروتين النباتي وأن إستهلاكنا لكميات كبيرة من
الأطعمة الحيوانية ضروري لصحة جيدة. علماً, أن لحم السمك الأبيض وأنواع
آخرى من الأطعمة البحرية يمكن تناولها في مناخ معتدل كبديل للحنطة والحمية
المرتكزة على الخضار والنباتات, أما الإتكال على اللحم والبيض والدجاج
ومشتقات الحليب فهو سبب رئيسي لأمراض عصرنا الحديث المنشرة كأمراض القلب,
السرطان, وغيرها من الأمراض الإنحلالية. وزيادة على ذلك, إن هذا النوع من
التغذية ساهم في نشر الفوضى البيئية وعدم التوزيع المتوازن للموارد
الضرورية. فمثلاً, إن إنتاج المنتوجات الحيوانية مسوؤل عن نصف مشاكل التلوث
للأنهر والبحيرات. وهو أيضاً مسوؤل عن ضعف في إنتاجية التربة من خلال
التأكل والإستنفاذ المعدني, وعن الإستمرار في تدمير الغابات الأرضية
للأمطار الإستوائية. والأكثر من ذلك, فإن 90 % من الحنطة والخضار ونصف
صيدنا تقريباً من الأسماك تشكل طعاماً للمواشي, بيما 800 مليون أنسان
يموتون من الجوع وسوء التغذية.
إن
السياسة العالمية مرتكزة على النظرة الوهمية للحقيقة. فعندما كنت صغيراً,
كنت أتطلع بشوق وحماس لأول رحلة جوية لي على متن طائرة. لقد تعلمت
الجغرافيا في المدرسة, حيث شاهدت عدة خرائط وكنت متحمساً لرؤية هذه الافكار
التي تشير الى وجود ما يحد كل هذه البلدان عن بعضها البعض, مع الألوان
الخضراء والحمراء والزرفاء والصفراء التي تلونت بها كل مقاطعة أو بلد.
فعندما سافرت لأول مرة على متن طائرة, نظرت من شباك الطائرة الى الخارج
وكنت مندهشاً كثيراً. لأنني لم أرى حدوداً على الإطلاق, ولكنني شاهدت
الغابات, الأنهار, المحيطات, والجبال. فأدركت عندها أن كل هذه الخرائط التي
شاهدتها في المدرسة كانت من نسج الخيال البشري.
إن
الملايين من البشر يتصرفون وكأن كل هذه الأمم الحديثة حقيقة واقعة –
فيحملون جوازات سفرهم, ويتكلمون عن مواطنيتهم, وهكذا دوليك. ففي كل حال من
الأحوال, إنه لبس إلا مفهوماً قام أحدهم بفبركته منذ زمن بعيد. ليس هناك
شيئاً من هذا القبيل موجود على أرض الواقع, بالواقع – إنها كذبة تدور وتدور
في فلك هذا العالم الضال. فالطبيعة لم تكوٌن هذه التفاصيل المنشطرة,
فالمطر والريح والغيوم والهواء أحرار في حالهم وترحالهم. فإذا أدت إحدى
صناعات الدول بتلويث بحرها وشطأنها, فإن هذا الدمار لن يكون محصوراً ضمن
حدود ما أو بلد ما. فالتيار سيسافر بها الى حيثما هو ذاهب. ومع كل ذلك, لقد
قسمنا العالم بأكمله الى أقسام, وملكياتٍ مختلفة, حقوق سيادية, ضرائب,
حكومات والى كل ما هنالك. وكأنها لعبة أطفال كبيرة – هذه لي وتلك لك – و99
بالمئة من البشرية أصبحت تؤمن بهذه اللعبة وتشارك في لعبها وسن قوانينها,
متكبدةً المليارات من الدولارات والأرواح للحفاظ على هذه اللعبة المكلفة
والباهظة الثمن.
من
الضروري لكل منا أن يصحو من أوهام عالمنا هذا ليتفهم حقيقتنا وحقيقة هذه
الحياة, وليرى بوضوح أصلنا وقدرنا في هذا النظام الكوني الكبير. فالجنة
وجهنم هما من صلب خياراتنا, كما هو الحال بين خيارنا بالعيش في الظلمة أو
النور. ليس هنالك أي جهنم لتعاقبنا على ما نفعله. نحن من أوجدها وأدخلها
فسيح أوهامنا. فإذا تناولنا الكثير من الأطعمة الثقيلة قبل موعد نومنا ,
فسنرى الكوابيس تلاحقنا. ولن يكون باسنطاعتنا الهرب إلا بصحوتنا
وإستيقاظنا. فالوعي الكوني هو طريق خلاصنا الوحيد من كل هذه الأوهام, والذي
معه سنعبر الى عالم اللانهاية.
لمساعدة
أنفسنا في تحقيق هذا, يجب علينا التأمل والدخول الى عالمنا الداخلي والذي
ليس له هدفاً في الحياة إلا الحياة. إجلس في وضعية مريحة, ظهرك جالساً,
وأفكارك مغيٌبة, لمدة خمسة دقائق تقريباً. حرر عقلك من كل أفكاره, وتنفس
طبيعياً وبهدوء. إن هذه المدة التأملية سوف تمدك بطاقة تساعدك على تحرير
عقلك من الأفكار الوهمية, وتساعد طاقة السماء والأرض على الطوفان في كل
أنحاء جسدك بحرية وسعادة. فمن الطبيعي أن تنعم بعد ذلك بتفكير هادىء وصافي,
بالتزامن مع إتباع حميةً ترتكز على الحنطة الكاملة, الخضار المحلية
الطازجة, والأطعمة الآخرى التي تحتوي على مركبات الكاربوهايدرات, وتجنب
الأطعمة الحيوانية, السكر, المحسنات, المبيضات, والحوافظ الكيميائية,
والأطعمة المكررة.
عندما
نستفيق من أوهامنا هذه, سنتحقق أن العالم الإنساني هو فعلاً عالم سريع
الزوال. إن حياتنا تتشابه الى حدٍ كبير مع المسافرين الذين يختبرون
ويتعلمون الكثير من الأشياء الجميلة وهم في سياق رحلتهم الحياتية, سعيدين
ومستمتعين بكل مشاهدة من مشاهدات الحياة الجميلة والخلابة. ولكن لا يجب أن
يكون لنا أي تعلق قوي بأي شيء رأيناه أو إختبرناه. وعندما يحين وقت الرحيل,
يمكننا القول لكل من عرفناهم, بكلمات فرح أو حتى بلغة الصمت, "الى اللقاء,
وشكراً جزيلاً لكم. إنها فعلاً حياة جميلة, أرجو أن تستمتعوا بها ببرهات
أطول. ولكنني الآن سأكون من السابقين."
وعندما
نصل الى مرحلة الموت, وحتى لو كانت ساعة أو خمس دقائق قبل هذا الموعد
المهم, فالوصول الى هذه المعرفة ستساعدنا كثيراً على تغيير نوعية ولادتنا
التالية في العالم التالي. بالرغم من المعاناة والمرض أو الأفكار المشوشة,
بغض النظر عن الحالة التي نحن فيها, فمن الضروري أن نتغذى بوعي, حتى لو بقي
عدة أيام أو أسابيع من عمرنا, ولنترك أية أوهام أو تعلقات ما زالت موجودة
فينا. إن الأكل الطبيعي والسليم سيساعدنا على تغيير نوعية الذبذبات, ويسهل
لنا العبور بسلام أكبر وتعلق أقل. وكنتيجة لذلك, إن حياتنا في العالم
الروحي أسعد بكثير من تلك التي نعيشها الآن في العالم الهوائي.