إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
إن
أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض لهو بيت الله الحرام الذي في "مكة",
وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات, وتتنزل فيه الرحمات, وفي استقباله في
الصلاة, وقصده لأداء الحج والعمرة, صلاح وهداية للناس أجمعين.[/size]
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97)في
هذا البيت دلالات ظاهرات أنه من بناء إبراهيم, وأن الله عظَّمه وشرَّفه,
منها: مقام إبراهيم عليه السلام, وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه حين كان
يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل, ومن دخل هذا البيت أَمِنَ على
نفسه فلا يناله أحد بسوء. وقد أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان
قَصْدَ هذا البيت لأداء مناسك الحج. ومن جحد فريضة الحج فقد كفر, والله غني
عنه وعن حجِّه وعمله, وعن سائر خَلْقه.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)قل
-أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: لِمَ تجحدون حجج الله التي
دلَّتْ على أن دين الله هو الإسلام, وتنكرون ما في كتبهم من دلائل وبراهين
على ذلك, وأنتم تعلمون؟ والله شهيد على صنيعكم. وفي ذلك تهديد ووعيد لهم.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً
وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)قل
-أيها الرسول- لليهود والنصارى: لِمَ تمنعون من الإسلام من يريد الدخول
فيه تطلبون له زيغًا وميلا عن القصد والاستقامة, وأنتم تعلمون أن ما جئتُ
به هو الحق؟ وما الله بغافل عما تعملون, وسوف يجازيكم على ذلك.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إن تطيعوا جماعة من اليهود
والنصارى ممن آتاهم الله التوراة والإنجيل, يضلوكم, ويلقوا إليكم الشُّبَه
في دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به, فلا تأمنوهم على
دينكم, ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مشورة.
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ
تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)وكيف
تكفرون بالله -أيها المؤمنون -، وآيات القرآن تتلى عليكم, وفيكم رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن
والسنة فقد وُفِّق لطريق واضح, ومنهاج مستقيم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه, خافوا الله حق خوفه: وذلك
بأن يطاع فلا يُعصى, ويُشكَر فلا يكفر, ويُذكَر فلا ينسى, وداوموا على
تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا الله وأنتم عليه.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)وتمسَّكوا
جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا
نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام
أعداء, فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله, وألقى في قلوبكم محبة
بعضكم لبعض, فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين, وكنتم على حافة نار جهنم,
فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم
الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم; لتهتدوا إلى سبيل
الرشاد, وتسلكوها, فلا تضلوا عنها.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ
الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)ولتكن
منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف, وهو ما عُرف
حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم
الفائزون بجنات النعيم.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)ولا
تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء
فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا, واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم
الحق, وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ (106)يوم
القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله, وامتثلوا
أمره, وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله, وعصوا أمره. فأما
الذين اسودَّت وجوههم, فيقال لهم توبيخًا: أكفرتم بعد إيمانكم, فاخترتم
الكفر على الإيمان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم.
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم بنضرة النعيم, وما بُشِّروا به من الخير, فهم في جنة الله ونعيمها, وهم باقون فيها, لا يخرجون منها أبدًا.
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108)هذه
آيات الله وبراهينه الساطعة, نتلوها ونقصُّها عليك -أيها الرسول- بالصدق
واليقين. وما الله بظالم أحدًا من خلقه, ولا بمنقص شيئًا من أعمالهم; لأنه
الحاكم العدل الذي لا يجور.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109)ولله ما في السموات وما في الأرض, ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا, ومصير جميع الخلائق إليه وحده, فيجازي كلا على قدر استحقاقه
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً
لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110)أنتم
- يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس, تأمرون بالمعروف, وهو ما
عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا
وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود
والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم,
لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة, منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى
الله عليه وسلم العاملون بها, وهم قليل, وأكثرهم الخارجون عن دين الله
وطاعته.
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)لن
يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك
والكفر وغير ذلك, فإن يقاتلوكم يُهْزَموا, ويهربوا مولِّين الأدبار, ثم لا
ينصرون عليكم بأي حال.
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ
أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ
وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
(112)جعل
الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود, فهم أذلاء محتقرون
أينما وُجِدوا, إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم
وأموالهم, وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام, ورجعوا بغضب من
الله مستحقين له, وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة, فلا ترى اليهوديَّ إلا
وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان; ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم
بالله, وتجاوزهم حدوده, وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء, وما جرَّأهم على
هذا إلا ارتكابهم للمعاصي, وتجاوزهم حدود الله.
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)ليس
أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد
صلى الله عليه وسلم, يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم, مقبلين على
مناجاة الله في صلواتهم.
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)يؤمنون بالله واليوم الآخر, ويأمرون بالخير كله, وينهون عن الشر كلِّه, ويبادرون إلى فعل الخيرات, وأولئك مِن عباد الله الصالحين.
وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)وأيُّ
عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند
الله, بل يُشكر لهم, ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا
الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء رضوان الله, وطلبًا لثوابه.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً
وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)إن
الذين كفروا بآيات الله, وكذبوا رسله, لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم
شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة, وأولئك أصحاب النار الملازمون
لها, لا يخرجون منها.
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ
قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ
وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)مَثَلُ
ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من
ثواب, كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره, وبسبب
ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة
ثوابًا, وما ظلمهم الله بذلك, ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا
مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي
صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ (118)يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا الكافرين أولياء
من دون المؤمنين, تُطْلعونهم على أسراركم, فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد
حالكم, وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه, وقد ظهرت شدة البغض في
كلامهم, وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم
البراهين والحجج, لتتعظوا وتحذروا, إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره
ونهيه.
هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ
وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا
لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ
مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (119)ها
هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم, فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم, وهم لا
يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء, وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها
ومنها كتابهم, وهم لا يؤمنون بكتابكم, فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا
-نفاقًا- : آمنَّا وصدَّقْنا, وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم
والحزن, فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب, لما يرون من ألفة المسلمين
واجتماع كلمتهم, وإعزاز الإسلام, وإذلالهم به. قل لهم -أيها الرسول- :
موتوا بشدة غضبكم. إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور, وسيجازي كلا على ما
قدَّم مِن خير أو شر.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)ومن
عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة
ظهرت عليهم الكآبة والحزن, وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال
والأنفس والثمرات فرحوا بذلك, وإن تصبروا على ما أصابكم, وتتقوا الله فيما
أمركم به ونهاكم عنه, لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء
الكفار من الفساد محيط, وسيجازيهم على ذلك.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)واذكر
-أيها الرسول- حين خَرَجْتَ من بيتك لابسًا عُدَّة الحرب, تنظم صفوف
أصحابك, وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد". والله
سميع لأقوالكم, عليم بأفعالكم.
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122)اذكر
-أيها الرسول- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم
بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ; خوفًا من لقاء العدو, ولكن
الله عصمهم وحفظهم, فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل
المؤمنون.
وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)ولقد
نصركم الله -أيها المؤمنون- بـ "بدر" على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم
وعُدَدكم, فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه; لعلكم تشكرون له نعمه.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ
الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)اذكر
-أيها الرسول- ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين شقَّ عليهم أن يأتي
مَدَد للمشركين, فأوحينا إليك أن تقول لهم: ألن تكفيكم معونة ربكم بأن
يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين من السماء إلى أرض المعركة,
يثبتونكم, ويقاتلون معكم.
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ
آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)بلى
يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم: إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا
الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه, ويأت كفار "مكة" على الفور
مسرعين لقتالكم, يظنون أنهم يستأصلونكم, فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسوِّمين أي: قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات.
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)وما
جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم,
وتطيب بوعد الله لكم. وما النصر إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب,
الحكيم في تدبيره وفعله.
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)وكان
نصر الله لكم بـ "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل, ومن نجا منهم من
القتل رجع حزينًا قد ضاقت عليه نفسه, يَظْهر عليه الخزي والعار
لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)ليس
لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء, بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك
له, ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا, فيتوب
الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه
وبغيه.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)ولله وحده ما في السموات وما في الأرض, يغفر لمن يشاء من عباده برحمته, ويعذب من يشاء بعدله. والله غفور لذنوب عباده, رحيم بهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)يا
أيها الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بجميع أنواعه,
ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت, فكيف إذا كانت هذه
الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه;
لتفوزوا في الدنيا والآخرة.
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)اجعلوا لأنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُيِّئت للكافرين.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)وأطيعوا
الله -أيها المؤمنون- فيما أمركم به من الطاعات وفيما نهاكم عنه من أكل
الربا وغيره من الأشياء, وأطيعوا الرسول; لترحموا, فلا تعذبوا.
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة, عرضها السموات والأرض, أعدها الله للمتقين.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)الذين
ينفقون أموالهم في اليسر والعسر, والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ
بالصبر, وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله
أصحابه.
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)والذين
إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه, ذكروا وعد
الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين, يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم, وهم
موقنون أنه لا يغفر الذنرب إلا الله, فهم لذلك لا يقيمون على معصية, وهم
يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم .
أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)أولئك
الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم, ولهم جنات
تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة, خالدين فيها لا يخرجون منها
أبدًا. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة.
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)يخاطب
الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم
أمم, ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم, فسيروا في
الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)هذا
القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق, وتذكير تخشع له قلوب المتقين, وهم
الذين يخشون الله, وخُصُّوا بذلك; لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)ولا
تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم, ولا تحزنوا لما أصابكم في
"أُحد", وأنتم الغالبون والعاقبة لكم, إن كنتم مصدقين بالله ورسوله
متَّبعين شرعه.
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ
مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)إن
أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك, فقد
أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر". وتلك الأيام يُصَرِّفها
الله بين الناس, نصر مرة وهزيمة أخرى, لما في ذلك من الحكمة, حتى يظهر ما
علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره, ويُكْرِمَ أقوامًا
منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم, وقعدوا عن القتال في
سبيله.
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)وهذه الهزيمة التي وقعت في "أُحد" كانت اختبارًا وتصفية للمؤمنين, وتخليصًا لهم من المنافقين وهلاكًا للكافرين.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)يا
أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أظننتم أن تدخلوا الجنة, ولم تُبْتَلوا
بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى تُبْتلوا, ويعلم الله -علما
ظاهرا للخلق- المجاهدين منكم في سبيله, والصابرين على مقاومة الأعداء.
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)ولقد
كنتم -أيها المؤمنون- قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو; لتنالوا شرف
الجهاد والاستشهاد في سبيل الله الذي حَظِي به إخوانكم في غزوة "بدر", فها
هو ذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه, فدونكم فقاتلوا وصابروا.
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)وما
محمد إلا رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه. أفإن مات بانقضاء
أجله أو قُتِل كما أشاعه الأعداء رجعتم عن دينكم,, تركتم ما جاءكم به
نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا, إنما يضر نفسه ضررًا
عظيمًا. أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام, فإن الله
يجزيه أحسن الجزاء.
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ
إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ
الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ
مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)لن
يموت أحد إلا بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها الله له
كتابًا مؤجَّلا. ومن يطلب بعمله عَرَض الدنيا, نعطه ما قسمناه له من رزق,
ولا حظَّ له في الآخرة, ومن يطلب بعمله الجزاء من الله في الآخرة نمنحه ما
طلبه, ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه في الدنيا من رزق مقسوم, فهذا قد
شَكَرَنا بطاعته وجهاده, وسنجزي الشاكرين خيرًا.
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ
مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ (146)كثير
من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم, فما ضعفوا لِمَا
نزل بهم من جروح أو قتل; لأن ذلك في سبيل ربهم, وما عَجَزوا, ولا خضعوا
لعدوهم, إنما صبروا على ما أصابهم. والله يحب الصابرين.
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ
قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)وما
كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا, وما وقع منا
مِن تجاوزٍ في أمر ديننا, وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا,
وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك.
فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)فأعطى
الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم, وبالتمكين لهم
في الأرض, وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة, وهو جنات النعيم. والله يحب
كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تطيعوا الذين جحدوا
ألوهيتي, ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين فيما
يأمرونكم به وينهونكم عنه, يضلوكم عن طريق الحق, وترتدُّوا عن دينكم,
فتعودوا بالخسران المبين والهلاك المحقق.
بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)إنهم لن ينصروكم, بل الله ناصركم, وهو خير ناصر, فلا يحتاج معه إلى نصرة أحد.
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)سنقذف
في قلوب الذين كفروا أشدَّ الفزع والخوف بسبب إشراكهم بالله آلهة مزعومة,
ليس لهم دليل أو برهان على استحقاقها للعبادة مع الله, فحالتهم في الدنيا:
رعب وهلع من المؤمنين, أما مكانهم في الآخرة الذي يأوون إليه فهو النار;
وذلك بسبب ظلمهم وعدوانهم, وساء هذا المقام مقامًا لهم.
وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ
وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى
إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ
مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ
وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)ولقد
حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر, حين كنتم تقتلون الكفار في غزوة "أُحد"
بإذنه تعالى, حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم: هل تبقون في
مواقعكم أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟ وعصيتم أمر رسولكم حين
أمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال, حلَّت بكم الهزيمة من بعد ما أراكم ما
تحبون من النصر, وتبيَّن أن منكم مَن يريد الغنائم, وأن منكم مَن يطلب
الآخرة وثوابها, ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم; ليختبركم, وقد علم الله
ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم, والله ذو فضل عظيم على المؤمنين.
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ
عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ
غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا
أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)اذكروا
-يا أصحاب محمد- ما كان مِن أمركم حين أخذتم تصعدون الجبل هاربين من
أعدائكم, ولا تلتفتون إلى أحد لِمَا اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب,
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت في الميدان يناديكم من خلفكم قائلا
إليَّ عبادَ الله, وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون, فكان جزاؤكم أن أنزل الله
بكم ألمًا وضيقًا وغمًّا; لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة, ولا
ما حلَّ بكم من خوف وهزيمة. والله خبير بجميع أعمالكم, لا يخفى عليه منها
شيء.
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ
قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا
يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا
قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ
كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ
مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)ثم
كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها
من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله, وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة
منهم, وهم أهل الإخلاص واليقين, وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة,
وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم, وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه,
وظنوا أن الله لا يُتِمُّ أمر رسوله, وأن الإسلام لن نقوم له قائمة, ولذلك
تراهم نادمين على خروجهم, يقول بعضهم لبعض: هل كان لنا من اختيار في الخروج
للقتال؟ قل لهم -أيها الرسول- : إن الأمر كلَّه لله, فهو الذي قدَّر
خروجكم وما حدث لكم, وهم يُخْفون في أنفسهم ما لا يظهرونه لك من الحسرة على
خروجهم للقتال, يقولون: لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم:
إن الآجال بيد الله, ولو كنتم في بيوتكم, وقدَّر الله أنكم تموتون, لخرج
الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون, وما جعل الله ذلك إلا ليختبر
ما في صدوركم من الشك والنفاق, وليميز الخبيث من الطيب, ويظهر أمر المؤمن
من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه, لا
يخفى عليه شيء من أمورهم.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ
بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)إن
الذين فرُّوا منكم -يا أصحاب- محمد عن القتال يوم التقى المؤمنون
والمشركون في غزوة "أُحد", إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب ببعض ما عملوا
من الذنوب, ولقد تجاوز الله عنهم فلم يعاقبهم. إن الله غفور للمذنبين
التائبين, حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا
فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا
وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تُشابهوا الكافرين الذين
لا يؤمنون بربهم, فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في
أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم
يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول
يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم, أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن
ذلك بقدر الله فيهدي الله قلوبهم, ويخفف عنهم المصيبة, والله يحيي مَن
قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا- ويميت مَنِ انتهى أجله -وإن
كان مقيمًا- والله بكل ما تعملونه بصير, فيجازيكم به.
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)ولئن
قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء
القتال, ليغفرن الله لكم ذنوبكم, وليرحمنكم رحمة من عنده, فتفوزون بجنات
النعيم, وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها.
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا, فمتم على فُرُشكم, أو قتلتم في ساحة القتال, لإلى الله وحده تُحشرون, فيجازيكم بأعمالكم.
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)فبرحمة
من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم, ولو
كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب, لانْصَرَفَ أصحابك من حولك, فلا تؤاخذهم بما
كان منهم في غزوة "أُحد", واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم, وشاورهم في
الأمور التي تحتاج إلى مشورة, فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد
الاستشارة- فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده, إن الله يحب المتوكلين عليه.
إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا
غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ
بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160)إن
يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم, وإن يخذلكم فمن هذا
الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل
المؤمنون.
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161)وما
كان لنبيٍّ أن يَخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئًا من الغنيمة غير ما اختصه
الله به, ومن يفعل ذلك منكم يأت بما أخذه حاملا له يوم القيامة; ليُفضَح به
في الموقف المشهود, ثم تُعطى كل نفس جزاءَ ما كسبت وافيًا غير منقوص دون
ظلم.
أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)لا يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو مُكِبٌ على المعاصي, مسخط لربه, فاستحق بذلك سكن جهنم, وبئس المصير.
هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)أصحاب
الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات, وأصحاب النار المتبعون
لما يسخط الله متفاوتون في الدركات, لا يستوون. والله بصير بأعمالهم لا
يخفى عليه منها شيء.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)لقد
أنعم الله على المؤمنين من العرب; إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم, يتلو
عليهم آيات القرآن, ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة, ويعلمهم القرآن
والسنة, وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر.
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ
قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)أولما
أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة, وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم
مثليها من المشركين في يوم "بدْر", قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون
ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي- :
هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم
على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, لا معقِّب
لحكمه.
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)وما
وقع بكم مِن جراح أو قتل في غزوة "أُحد" يوم التقى جَمْعُ المؤمنين وجمع
المشركين فكان النصر للمؤمنين أولا ثم للمشركين ثانيًا, فذلك كله بقضاء
الله وقدره, وليظهر ما علمه الله في الأزل؛ ليميز المؤمنين الصادقين منكم.
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا
قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ
يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا
لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)وليعلم
المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال المؤمنون لهم: تعالوا
قاتلوا معنا في سبيل الله, أو كونوا عونًا لنا بتكثيركم سوادنا, فقالوا: لو
نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم ع