[size=21]الفرق بين الكرامة والاستدراج

الأدلة على كرامات
الأولياء
أ‌- من القرآن الكريم:
قال تعالى في قصة مريم ﴿وهزي اليك بجذع
النخلة تساقط عليك رطبا جنيا﴾( [1]) فاخضر الجذع بعد أن كان يابسا وتساقط منه الرطب
الجني في غير أوانه.
وقال تعالى في قصة أصحاب الكهف ﴿ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة
سنين وازدادوا تسعا﴾( [2]) فقد بقوا طوال هذه المدة في حالة نوم أحياء محفوظين من
كل الآفات.
وقال تعالى في قصة صاحب سليمان عليه السلام (آلآصف بن برخيا): ﴿أنا
آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك﴾( [3]) فجاءه بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين قبل
ارتداد طرفه عليه السلام.
وقال تعالى في قصة زكريا عليه السلام مع مريم: ﴿كلما
دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند
الله ﴾( [4]).
ب‌- من السنة النبوية الشريفة:
عن سيدنا أبي هريرة رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لم يتكلم من المهد إلا ثلاثة : عيسى
وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو
أصلي؟ فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجه المومسات. وكان جريج في صومعته فتعرضت له
امرأة وكلمته فابى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت: من جريج فأتوه
فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم اتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام؟
فقال : الراعي فقالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا إلا من طين وكان امرأة ترضع
ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك
ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم اقبل على ثديها يمصه) قال ابو
هريرة رضي الله عنه : كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمص أصبعه (ثم
مر بأمه قالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها:
فقالت: ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون : سرقت زنت ولم
تفعل)( [5]).
وعن سيدنا عبالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت
إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من
هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح اعمالكم فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان
شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي المسير في طلب شيء يوما
فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن
أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر
فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من
هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج » قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
«وقال الآخر » الله إنه كان لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها على نفسها
فامتنعت مني: حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على
أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم
إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي
أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة
غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وقال
الثالث: اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت
أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله ! أد الي أجري فقلت له
: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال : يا عبدالله ! لا
تستهزيء بي. فقلت: إني لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فإن
كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون»(
[6]).
وعن سيدنا ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
«بينما رجل راكب على بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه البقرة فقالت: إني لم اخلق
لهذا وإنما خلقت للحرث فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم!! فقال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم «آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر»( [7]).
وعن سيدنا أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لقد كان فيمن قبلكم من الأمم
محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر»( [8]).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه
: (أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما كانا عند رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في حاجة حتى إذا ذهبت من الليل ساعة وهي ليلة شديدة الظلمة خرجا وبيد كل
واحد منهما عصا فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق
أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله)( [9]).
وعن
سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه : أن خبيبا كان أسيرا عند بني الحارث بمكة في قصة
طويلة وفيها أن بنت الحارث تقول: (ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من
قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله )(
[10]).
وعن سيدنا جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: شكا ناس من أهل الكوفة سعد
بن أبي وقاص إلى عمر (فبعث معهم يسأل عنه بالكوفة فطيف به في مساجد الكوفة فلم يقل
له إلا خيرا حتى انتهى إلى مسدد فقال رجل يدعى أبا سعدة: أما إذ انشدتنا فإن سعدا
كان لا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية فقال سعد: اللهم عن كان
كاذبا فأطل عمره واطل فقره وعرضه للفتن قال ابن عمير: فرأيته شيخا كبيرا قد سقط
حاجباه على عينيه من الكبر وقد افتقر يتعرض للجواري في الطريق يغمزهن فإذا قيل له:
كيف انت؟ يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد)( [11]).
وفي صحيح البخاري
تعليقا أن سيدنا أبا بكر الصديق كان عنده أضياف فقدم لهم الطعام فلما أكلوا منه ربا
من أسفله حتى إذا شبعوا قال لامرأته : يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: وقرة عين لهي
[أي القصعة] أكثر منها قبل أن يأكلوا ... إلى آخر القصة.
وعن سيدنا عروة بن
الزبير رضي الله عنه : (أن أروى بنت اويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من
أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ؟من أخذ شبرا
من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين» فقال له مروان : لا أسألك بينة بعد هذا فقال
اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها واقتلها في أرضها قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها ثم
بينما هي تمشي في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت)( [12]).
وعن سيدنا أبي هريرة
رضي الله عنه قال: (رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدا رأيته
قطع البحر على فرسه يوم دارين وقدم من المدينة يريد البحرين فلما كانوا بالدهناء
نفد ماؤهم فدعا الله فنبع لهم من تحت رملة فارتووا وارتحلوا ونسي رجل منهم بعض
متاعه فرجع فأخذه ولم يجد الماء وخرجت معه من البحرين إلى صف البصرة فلما كنا بلياس
مات ونحن على غير ماء فأبدى الله لنا سحابة فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم
نلحد له فرجعنا لنلحد له فلم نجد موضع قبره. )( [13]).
وعن سيدنا أبي السفر رضي
الله عنه قال: (نزل خالد بن الوليد الحيرة فقالوا له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم.
فقال: ائتوني به فأخذه بيده وقال: بسم الله وشربه فلم يضره شيئا)( [14]).
وعن
سيدنا عثمان بن القاسم رضي الله عنه قال: (خرجت ام أيمن مهاجرة إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد وهي صائمة في يوم
شديد الحر فاصابها عطش شديد حتى كادت ان تموت من شدة العطش قال: وهي بالروحاء أو
قريب منها فلما غابت الشمس قالت: إذ أنا بحفيف شيء فوق رأسي فرفعت رأسي فإذا أنا
بدلو من السماء مدلى برشاء أبيض قالت: فدنا مني حتى إذا كان حيث أستمكن منه تناولته
فشربت منه حتى رويت قالت: فلقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف في الشمس كي أعطش وما
عطشت بعدها)( [15]).
وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ
سورة ﴿تبارك الذي بيده الملك﴾ حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
يا رسول الله : إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فغذا فيه إنسان يقرأ
سورة تبارك الملك حتى ختمها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «هي المانعة هي
المنجية تنجيه من عذاب القبر»( [16]).
وأخرج البيهقي عن سيدنا قيس رضي الله عنه
قال: (بينما ابو الدرداء وسلمان يأكلان من صحفة إذ سبحت وما فيها).
وعن سيدنا
محمد بن المنكدر رضي الله عنه ان سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: (ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من الواحها فطرحني اللوح
في أجمة فيها الأسد فأقبل الي يريدني فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فطأطا رأسه وأقبل الي فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة
ووضعني على الطريق وهمهم فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي به)( [17]).
وأخرج
البيهقي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: (دخلنا مقابر المدينة مع علي رضي الله
عنه فنادى يا أهل القبور السلام عليكم ورحمة الله ، تخبرونا بأخباركم ام نخبركم ؟
قال : فسمعنا صوتا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين خبرنا عما
كان بعدنا فقال علي: أما أزواجكم فقد تزوجن وأما أموالكم فقد اقتسمت والأولاد قد
حشروا في زمرة اليتامى والبناء الذي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم فهذه أخبار ما عندنا
فما أخبار ما عندكم؟ فأجابه ميت: قد تخرقت الأكفان وانتشرت الشعور وتقطعت الجلود
وسالت الأحداق على الخدود وسالت المناخر بالقيح والصديد وما قدمناه وجدناه وما
خلفناه خسرناه ونحن مرتهنون).
وقال التاج السبكي رحمه الله تعالى : (كان عمر رضي
الله عنه قد امر سارية ابن زنيم الخلجي على جيش من جيوش المسلمين وجهزه على بلاد
فارس فاشتد على عسكره الحال على باب نهوند وهو يحاصرها وكثرت جموع الأعداء وكاد
المسلمون ينهزمون وعمر رضي الله عنه بالمدينة فصعد المنبر وخطب ثم استغاث في أثناء
خطبته بأعلى صوته : (يا سارية! الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم فأسمع الله
تعالى سارية وجيشه أجمعين وهم على باب نهاوند صوت عمر فلجؤوا إلى الجبل ، وقالوا:
هذا صوت أمير المؤمنين فنجوا وانتصروا).
وذكر التاج السبكي رحمه الله تعالى في
الطبقات وغيره: (أنه دخل على عثمان رضي الله عنه رجل كان قد لقي امراة في الطريق
فتأملها فقال له عثمان رضي الله عنه :يدخل أحدكم وفي عينيه أثر الزنا؟ فقال الرجل:
أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال لا ولكنها فراسة المؤمن وإنما
اظهر عثمان هذا تأديبا للرجل وزجرا له عن فعله).

من أقوال العلماء:
قال
ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (العقيدة الواسطية) : (ومن أصول أهل السنة
التصديق بكرامات الأولياء وما يجري على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم
والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات والمأثور عن سلف الأمم في سورة الكهف وغيرها
وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم
القيامة).
وقال أيضا: (وكرامات الأولياء حق باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة
والجماعة وقد دل عليها القرآن في غير موضع والأحاديث الصحيحة والاثار المتواترة عن
الصحابة والتابعين)( [18]).
وقال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في
تفسير قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف ﴿ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا
تسعا﴾( [19]) : احتج اصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات وهو
استدلال ظاهر فنقول : الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والاخبار والآثار ،
والمعقول....)( [20]).
وقال الإمام النسفي رحمه الله تعالى : نقض العادة على
سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة.
وقال العلامة اليافعي رحمه الله
تعالى : (والناس في إنكار الكرامات مختلفون فمنهم من ينكر كرامات الأولياء مطلقا
وهؤلاء أهل مذهب معروف، عن التوفيق مصروف ومنهم من يكذب بكرامات أولياء زمانه ويصدق
بكرامات الذين ليسوا في زمانه كمعروف الكرخي والإمام الجنيد وسهل التستري وأشباههم
رضي الله عنهم فهؤلاء كما قال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه والله ما هي إلا
إسرائيلية صدَّقوا بموسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم أدركوا منه
ومنهم من يصدق بأن الله تعالى أولياء لهم كرامات ولكن لا يصدق بأحد معين من أهل
زمانه)( [21]).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قال الإمام ابو المعالي
إمام الحرمين والمرضي عندنا جواز خوارق العادات في معارض الكرامات( [22]) .
وقال
الشيخ إبراهيم اللقاني رحمه الله تعالى في متن جوهرة التوحيد:
وأثبتن للأولياء
الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه

الفرق بين الكرامة والاستدراج:
الكرامة
لا تكون إلا لولي والولي هو صاحب العقيدة الصحيحة المواظب على العمل الصالح
والمتابعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما ما يجري على أيد بعض الزنادقة كطعن
أجسادهم بالأسلحة الحادة وأكل النار والزجاج وغير ذلك مع كونهم مجاهرين بالمعصية
منحرفين عن دين الله تعالى فهو من قبيل الاستدراج وإن الولي لا يستأنس بالكرامة ولا
يتفاخر بها على غيره.
قال العلامة فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره
الكبير: إن صاحب الكرامة لا يستأنس بتلك الكرامة بل عند ظهور الكرامة يصير خوفه من
الله تعالى أشد وحذره من قهر الله أقوى فإنه يخاف أن يكون ذلك من باب الاستدراج
وأما صاحب الاستدراج فإنه يستانس بذلك الذي يظهر عليه ويظن انه إنما وجد تلك
الكرامة لأنه كان مستحقا لها وحينئذ يحتقر غيره ويتكبر عليه ويحصل له أمن من مكر
الله وقعابه ولا يخاف سوء العاقبة فإذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دل
ذلك على أنها كانت استدراجا لا كرامة).
وقال أيضا: (إن من اعتقد في نفسه أنه صار
مستحقا لكرامة بسبب عمله حصل لعمله وقع عظيم فيقلبه ومن كان لعمله وقع عند كان
جاهلا ولو عرف ربه لعلم وقع عظيم فيقلبه ومن كان لعمله وقع عنده كان جاهلا ولو عرف
ربه لعلم أن كل طاعات الخلق في جنب جلال الله تقصير وكل شكرهم في جنب آلائه ونعمائه
قوصر وكل معارفهم وعلومهم في مقابلة عزته حيرة وجهل رايت في بعض الكتب أنه قرأ
المقرئ في مجلس الأستاذ أبي علي الدقاق قوله تعالى ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه﴾( [23]) فقال علامة أن الحق رفع عملك أن لا يبقى عندك (أي عملك) فإن
بقي عملك في نظرك فهو مدفوع وإن لم يبق معك فهو مرفوع( [24]).
وبناء على ذلك
فإننا حين نرى أن أحدا من الناس يأتي بخوارق العادات لا نستطيع أن نحكم عليه
بالولاية وأن نعتبر عمله هذا كرامة حتى نقيس أعماله على الكتاب والسنة.
قال
الإمام الجنيد رحمه الله تعالى : لو رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء
فلا تغتروا به حتى تنظروا حاله عند الأمر والنهي( [25]).
موقف الصوفية من
الكرامات:
قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : قال المحققون (أكثر ما
اتفق من الانقطاع عن حضرة الله إنما وقع في مقام الكرامات فلا جرم أن ترى المحققين
يخافون من الكرامات كما يخافون من أنواع البلاء).
وقال الإمام الكبير أحمد
الرفاعي رضي الله عنه : (ولا ترغب للكرامات وخوارق العادات فإن الأولياء يستترون من
الكرامات كما تستتر المرأة من الحيض)( [26]).
وقال الشيخ عبدالله القرشي رحمه
الله تعالى : (من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور
المعاصي فهو في حقه حجاب وسترها عليه رحمة فإن خرق عوائد نفسه لا يريد ظهور شيء من
الآيات وخوارق العادات له بل تكون نفسه عنده أقل وأحقر من ذلك فإذا فني عند إرادته
جملة فكان له تحقيق في رؤية نفسه بعين الحقارة والذلة حصلت له أهلية ورود الألطاف
والتحقق بمراتب الصديقين)( [27]).
وقال علي الخواص رحمه الله تعالى : الكُمَّل
يخافون من وقع الكرامات على أيديهم ويزدادون بها وجلا وخوفا لاحتمال أن تكون
استدراجا( [28]).
ويجوز إظهار الكرامة عند الصوفية لغرضين احدهما نصرة شريعة
الله أمام الكافرين والمعاندين كما وقع مع الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى
مع ذلك الفيلسوف الذي ينكر معجزات الأنبياء حيث يقول رحمه الله تعالى : حضر عندنا
سنة ست وثمانين وخمسمائة فيلسوف النبوة على الحد الذي يثبتها المسلمون وينكر ما
جاءت به الأنبياء من خرق العوائد وأن الحقائق لا تبدل وكان زمن البرد والشتاء وبين
أيدينا منقل عظيم يشتعل نارا فقال المنكر المكذب: إن العامة تقول: إن إبراهيم عليه
السلام ألقي في النار فلم تحرقه والنار محرقة بطبعها الجسوم القابل للاحتراق وإنما
كانت النار المذكورة في القرآن في قصة إبراهيم عليه السلام عبارة عن غضب نمرود
وحنقه فهي نار الغضب فلما فرغ من قوله قال له الشيخ محي الدين بن عربي قدس الله سره
: فإن أريتك أنا صدق الله في ظاهر ما قاله في النار أنها لم تحرق إبراهيم وأن الله
جعلها عليه كما قال : بردا وسلاما وأنا أقوم لك في هذا المقام مقام إبراهيم في الذب
عنه فقال المنكر: هذا لا يكون فقال له : أليست هذه النار محرقة قال نعم فقال تراها
في نفسك ثم ألقى النار التي في المنقل في حجر المنكر وبقيت على ثيابه مدة يقلبها
المنكر بيده فلما رآها لم تحرقه تعجب ثم ردها إلى المنقل ثم قال له : قرب يدك أيضا
منها فقرب يده فأحرقته : فقال له هكذا كان الأمر وهي مأمورة تحققر بالأمر وتترك
الإحراق كذلك والله تعالى الفاعل لما يشاء فأسلم ذلك المنكر واعترف(
[29]).
والغرض الثاني الذي يجوز إظهار الكرامة فيه عند الصوفية إبطال سحر الفسقة
والمشعوذين الذين يضلون الناس عن دينهم كما ذكر العلامة ابن حجر الهيثمي رحمه الله
تعالى : أو صوفيا ناظر برهميا والبارهمة قوم تظهر لهم خوارق لمزيد الرياضات فطار
البرهمي في الجو فارتفعت إليه نعل الشيخ ولم تزل تضرب رأسه وتصفعه حتى وقع على
الأرض منكوسا على رأسه بين يدي الشيخ والناس ينظرون( [30]).
وأما إظهار الكرامة
بدون سبب مروع فهو مذموم لما فيه من خطر النفس والمفاخرة والعجب.
قال الشيخ محي
الدين بن عربي رحمه الله تعالى : ولا يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من
جملة رعونات النفس إلا إن كانت لنصر دين أو جلب مصلحة لأن الله تعالى هو الفاعل
عندهم لا هم هذا مشهد هم وليس وجه الخصوصية إلا وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون
غيرهم فإذا أحيا كبشا مثلا أو دجاجة فإنما ذلك بقدرة الله لا بقدرتهم وإذا رجع
الأمر إلى القدرة فلا تعجب( [31]).
وإن أعظم الكرامات عند الصوفية الاستقامة على
الشريعة.
قال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في رسالته : واعلم أن من أجل
الكرامات التي تكون للأولياء التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والحفظ من
المعاصي والمخالفات( [32]).
وذكرت عند سهل بن عبدالله التستري رحمه الله تعالى
الكرامات فقال:
(وما الآيات وما الكرامات؟! أشياء تنقضي لوقتها ولكن أكبر
الكرامات أن تبدل خُلُقا مذموما من أخلاق نفسك بخلق محمود)( [33]).
وقال الشيخ
أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى : الكرامة الحقيقية إنما هي حصول الاستقامة
والوصول إلى كمالها ومرجعها أمران: صحة الإيمان بالله عز وجل واتباع ما جاء به رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا وباطنا فالواجب على العبد أن لا يحرص إلا عليها
ولا تكون لهمة إلا في الوصول اليها وأما الكرامة بمعنى خرق العادة فلا عبرة بها عند
المحققين إذ قد يرزق بها من لم تكتمل استقامته وقد يرزق بها المستدرجون وقال إنما
هي كرامتان جامعتان محيطتان كرامة الإيمان بزيمد الإيقان وشهود العيان وكرامة العمل
على الاقتداء والمتابعة ومجانبة الدعاوي والمخادعة فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى
غيرهما فهو عبد مفتر كذاب ليس ذا حظ في العلم بالصواب كما أكرم بشهود الملك على نعت
الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا( [34]).
وقال الشيخ محي الدين بن
عربي رحمه الله تعالى : (واعلم أن الكرامة على قسمين حسية ومعنوية ولا تعرف العامة
إلا الحسية مثل الكلام على الخاطر والإخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والآتية
والأخذ من الكون والمشي على الماء واختراق الهواء وطي الأرض والاحتجاب عن الأبصار
وإجابة الدعاء في الحال ونحو ذلك فالعامة لا تعرف الكرامة إلا مثل هذا وأما الكرامة
المعنوية فلا يعرفها إلا الخواص من عباد الله تعالى والعامة لا تعرفذلك وهي ان يحفظ
على العبد آداب الشرعية وأن يوفق لفعل مكارم الأخلاق واجتناب سفاسفها والمحافظ على
أداء الواجبات مطلقا في أوقاتها والمسارعة إلى الخيرات وإزالة الغل والحقد من صدره
للناس والحسد وسوء الظن وطهارة القلب من كل صفة مذمومة وتحليته بالمراقبة مع
الأنفسا ومراعاة حقوق الله تعالى في نفسه وفي الأشياء وتفقد آثار ربه في قلبه
ومراعاة أنفاسه في دخولها وخروجها فيتلقاها بالأدب إذا وردت عليه ويخرجها وعليها
حلة الحضور مع الله عز وجل فهذه كلها عندنا كرامات الأولياء المعنوية التي لا
يدخلها مكر ولا استدراج )( [35]).
وقال الشيخ أحمد الحارون رحمه الله تعالى :
«كرامتان ليس بعدهما كرامة: الإيمان والاستقامة فإذا وجدتم رجلا مستقيما فلا تطلبوا
منه كرامة»( [36]).
• ليس صاحب الكرامة مفضلا على غيره عند الصوفية:
قال
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : لا يلزم أن يكون كل من له كرامة من الأولياء أفضل
من كل من ليس له كرامة منهم بل قد يكون بعض من ليس له كرامة منهم أفضل من بعض من له
كرامة لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها ودليلا على صدقه وعلى فضله لا على
أفضليته وإنما الأفضلية تكون بقوة اليقين وكمال المعرفة بالله تعالى( [37]).

عدم ظهور الكرامة ليس دليلا على عدم الولاية عند الصوفية:
قال الإمام الشافعي
رحمه الله تعالى في رسالته : (لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا لم يقدح
عدمها في كونه وليا).
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرحه لرسالة القشيري
عند هذا الكلام: (بل قد يكون أفضل ممن ظهر له كرامات لأن الأفضلية إنما هي بزيادة
اليقين لا بظهور الكرامة)( [38]).
الكرامة بعد الموت:
قد يستاءل البعض فيقول:
هل تختص كرامات الأولياء بحال حياتهم؟ وهل يخرج الولي عن ولايته بالموت؟ والجواب
على ذلك: أن كرامات الأولياء إنما هي تصرف بإذن الله تعالى لا بتأثير مؤثر ولا بقوة
أخرى مودعة وإذا كانت كذلك لا تتغير بموتهم بل هي بعد الحياة أولى منها لأن النفس
أصفى والروح أنقى وإظهارها أحوج وكم رُشيت لكثير من المستورين كرامات لم تظهر إلا
بعد انقضاء حياتهم وبعضهم ظهرت قبيل موتهم بعد أن كان سرهم مع الله عز وجل فلما
أظهرها اختاروا لقاءه كتمانا للسر ورغبة في الستر ثم إنه لا ينعزل الولي عن ولايته
بالموت ولا يخرج منها كالأنبياء في نبوتهم لأن الاختصاص باق كحال الحياة وليس معلقا
بها لحاجة بل اختيار الله تعالى من شاء من خلقه لولايته امتياز باق ما بقي على
العهد لا فرق بين حياة وممات أو إقامة وانتقال أو ظعن وسفر( [39]).
ثم إذا فقدت
مكانة الولي عند موته فما الفرق الكبير بينه وبين العاصي؟؟..