وقدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ غَسَّان في
شهر رمضان سنة عشر, وهم ثلاثةُ نفر, فأسلموا, وقالوا: لا ندري أيتبعنا
قومنا أم لا؟ وهم يحبون بقاء ملكهم, وقرب قيصر, فأجازهم رَسُول
اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بجوائزَ, وانصرفوا راجعين, فقدموا على
قومهم, فلم يَستجيبوا لهم, وكتموا إسلامَهم حَتَّى مات منهم رجلان على
الإسلام, وأدرك الثالث منهم عمرَ بن الخطاب-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-عام
اليرموك, فلقي أبا عبيدة فأخبره بإسلامه فكان يكرمُه(1).



قدوم وفد سَلامَان على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم عل رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد سَلامَان, سبعة نفر,
فيهم حبيب بن عمرو فأسلموا. قال حبيب: فقلت: أي رَسُول اللهِ! ما أفضل
الأعمالِ؟ قال: (الصَّلاةُ في وقْتِهَا), ثم ذكر حديثاً طويلاً, وصلُّوا
معه يومئذٍ الظهر والعصر, قال: فكانت صلاةُ العصر أخفَّ من القيام في
الظهر, ثم شَكَوْا إليه جَدْبَ بلادهم, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-بيده: (اللَّهُم اسْقِهِمُ الغَيْثَ في دَارِهم), فقلتُ:
يا رَسُول اللهِ! ارفع يديك فإنّه أكثرُ وأطيبُ, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى
اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ورفع يديه حَتَّى رأيت بياض إبطيه, ثم قام وقُمنا
عنه, فأقمنا ثلاثاً وضيافته تجري علينا, ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا
خمسَ أواقٍ لكل رجل منا, واعتذر إلينا بلال, وقال: ليس عندنا اليوم مال,
فقلنا: ما أكثرَ هذا وأطيَبه, ثم رحلنا إلى بلادنا, فوجدناها قد مُطِرَت في
اليومِ الَّذي دعا فيه رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في تلك
الساعة.

قال الواقدي: وكان مقدمُهم في شوال سنة عشر(2)



قدوم وفد بني عَبْس على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قدم على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وفدُ بني عبس, فقالوا:
يا رَسُول اللهِ! قدمَ علينا قراؤنا, فأخبرُونا أنه لا إسلام لمن لا هجرةَ
له, ولنا أموال ومواش, وهي معايُشنا, فإن كان لا إسلامَ لمن لا هجرةَ له,
فلا خيرَ في أموالنا, بعناها وهاجرنا من آخرنا. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى
اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]اتقوا
الله حيث كنتم, فلن يَلِتَكُم الله من أعمالِكُم شيئاً). وسألهم رَسُول
اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن خالد بن سِنان: هل له عقب؟ فأخبروه
أنه لا عقبَ له, كانت له ابنة فانقرضتْ, وأنشأ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-يحدث أصحابه عن خالد بن سنان فقال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]نبَّي ضيَّعه قومُ(3))(4).



قدوم وفد غامد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

قال الواقدي: وقَدِمَ على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفدُ
غامد سنة عشر, وهم عشرة, فنزلوا ببقيع الغَرْقَدِ وهو يومئذٍ أثْل وطرفاء,
ثم انطلقُوا إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وخلَّفوا عند
رحلهم أحدثَهم سِنّاً, فنام عنه, وأتى سارِقٌ فسرق عيبةً لأحدهم فيها
أثوابٌ له, وانتهى القومُ إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ-فسلَّموا عليه, وأقرُّوا له بالإسلام, وكتب لهم كتاباً فيه شرائعُ
من شرائع الإسلام, وقال لهم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]من
خَلَّفْتُم في رِحَالِكم ؟), فقالوا: أحدثَنا يا رَسُول اللهِ, قال:
(فإنَّه قَدْ نَامَ عَنْ مَتَاعِكُم حَتَّى أتى آتٍ فأَخَذَ عَيْبَةَ
أحَدِكُم) فقال أحد القوم: يا رَسُول اللهِ! ما لأحدُ من القوم عيبةٌ
غيري, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فقد
أُخِذَتْ ورُدَّتْ إلى مَوْضِعِها), فخرج القوم سراعاً حَتَّى أتوا رحلهم,
فوجدوا صاحِبَهم, فسألوه عما أخبرَهُم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ-قال: فزعْتُ مِن نومي, ففقدتُ العَيبة, فقمتُ في طلبها, فإذا رجل
قد كان قاعداً, فلما رآني, فثار يعدو مني, فانتهيتُ إلى حيث انتهى, فإذا
أثر حفر, وإذا هو قد غيب العيبة, فاستخرجتها, فقالوا: نشهد أنه رَسُول
اللهِ, فإنه قد أخبرنا بأخذها, وأنها قد رُدَّت, فرجعوا إلى
النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فأخبروه, وجاء الغلامُ الذي
خلَّفوه فأسلم, وأمر النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أبيَّ بنَ كعب,
فعلمهم قرآناً, وأجازهم كما كان يجيز الوفود وانصرفوا(5) .



قدوم وفد الأزد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

ذكر أبو نعيم في كتاب "معرفة الصحابة ", والحافظ أبو مُوسى المديني, من
حديث أحمد بن أبي الحواري, قال: سمعت أبا سليمان الداراني, قال: حدثني
علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال: حدثني أبي عن جدي سويد بن الحارث, قال:
وفدت سابعَ سبعةٍ مِن قومي على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-,
فلما دخلنا عليه, وكلمناه, أعجبَه ما رأى مِن سمتنا وزِيِّنا, فقال: (ما
أَنْتُم ؟) قلنا: مؤمنون, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ-وقال: (إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقةً, فمَا حَقِيقةُ قَوْلِكُم
وإيمَانِكم ؟) قلنا: خمسَ عشرة خصلة, خمسٌ منها أمرتنا بها رُسُلُك أن
نُؤمِنَ بها, وخمسٌ أمرتنا أن نعمل بها, وخمسٌ تخلقنا بها في الجاهلية,
فنحن عليها الآن, إلا أن تكره منها شيئاً, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-: (ومَا الخَمْسُ الَّتي أمَرتكُم بها رسلي أن تؤمنوا بها)؟
قلنا: أمرتنا أن نُؤمِنَ بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, والبعث بعد
الموت. قال: (وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟) قلنا: أمرتنا أن نقول
لا إله إلا الله, ونقيم الصلاة, ونؤتي الزكاة, ونصوم رمضان, ونحج البيت
الحرام من استطاع إليه سبيلا, فقال: (ومَا الخَمْسُ الَّتي تَخَلَّقْتُم
بها في الجَاهِليَّة؟) قالوا: الشكرُ عند الرخاءِ, والصبرُ عند البلاء,
والرضى بمُرَّ القضاء, والصدق في مواطن اللقاء, وترك الشماتة بالأعداء.
فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (حُكَمَاءُ عُلَمَاء
كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أنْ يَكُونُوا أَنْبيَاء),ثم قال: (وأَنَا
أَزِيدُكُم خَمْساً فَتَتِمُّ لَكُم عِشْرُونَ خَصْلَةً إنْ كُنْتُم كما
تَقُولُون, فَلا تَجْمَعُوا ما لَا تأْكُلُونَ, ولا تَبْنُوا ما لا
تَسْكُنون, ولا تُنافِسُوا في شيءٍ أنتم عَنْه غَداً تَزُولُون, واتَّقُوا
الله الذي إليه تُرجعُونَ, وعليه تعرضون, وارْغَبُوا فِيما عَلَيْهِ
تَقْدمُونَ, وفيه تَخْلُدون(6)), فانصرف القوم مِن عند رَسُول اللهِ-صَلَّى
اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وحفظوا وصيته, وعملوا بها(7).



قدوم وفد بني المنتفق على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-

وفد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-لقيط بن عامر المنتفق
أبو رزين العقيلى، روى عبد الله بن الأمام أحمد بسنده عن عاصم بن لقيط أن
لقيطاً خرج وافداً إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومعه صاحب
له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق.

قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حَتَّى قدمنا على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة, فقامَ في الناس خطيباً
فقال: (أيها الناس ألا إني قد خَبَأَتُ لكُم صوتي مُنذُ أرْبَعةً أيَّام,
ألا لِتسْمَعوا اليومَ, ألَا فَهَلْ من امْرئٍ بَعَثهُ قَومْهُ؟) فقالوا
له: اعلم لنا ما يقول رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ألا
ثم رجل لعله يلهيه حديث نفسه, أو حديث صاحبه, أو يلهيه ضال, ألا إني
مَسْؤُلٌ هل بَلَّغْتُ ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسُوا), فجلس الناس, وقمت
أنا وصاحبي حَتَّى إذا فرغ لنا فؤاده ونظره, قلت: يا رَسُول اللهِ ما عندك
من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله. علم أني أبتغي السقطة, فقال: (ضنَّ رَبُّكَ
بِمَفَاتِيح خَمْسٍ مِنَ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلَّا الله) وأشار بيده,
فقلت: ما هن يا رَسُول اللهِ ؟ قال: (عِلْمُ المَنِيَّة, قَدْ عَلِمَ متىَ
مَنيَّةُ أحَدِكُم ولا تَعْلَمُونَه, وعِلْمُ المَنِيِّ حِينَ يكُونُ في
الرَّحِم قد عَلِمَهُ ومَا تَعْلَمُونَهُ, وعِلْمُ ما في غَدٍ قد عَلِمَ ما
أَنْتَ طَاعِمٌ ولا تَعْلَمُه, وعِلْمُ يَوْمِ الغَيْثِ يُشرف عَليْكُم
أَزِلين مُشْفِقين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قد عَلِمَ أنَّ غَوْثَكُم إلى
قَرِيبٍ) قال لقيط: فقلت لن نَعْدَمَ مِن ربٍّ يَضْحَكُ خيراً يا رَسُول
اللهِ.

قال: (وعِلْمُ يَوْمَ السَّاعَةِ), قلنا: يا رَسُول اللهِ! علمنا مما
تُعلِّم الناسَ وتعلم, فإنا مِن قبيل لا يُصدِّقون تصديقنا أحداً من مِذحج
التي تربو علينا, وخثعم التي تُوالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال:
(تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُم, ثمَّ يُتَوفَّى نَبِيُّكُم, ثم تَلْبَثُونَ ما
لَبثْتُمْ, ثُمَّ تُبعثُ الصَّائِحةُ فَلَعَمْرُ إلهِك ما تَدَعُ عَلى
ظَهْرِها شَيْئاً إلا مَاتَ, والملائِكةُ الذين مع ربِّك, فأصبح ربك-عز
وجل-يطوف في الأرض, وخَلَتْ عليه البلاد, فأرسل ربُّكَ السَّماءَ تهضب من
عند العرش, فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مَصْرَع قتيلٍ, ولا مَدفن
مَيِّتٍ إلا شَقَّت القبر عنه حَتَّى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالساً,
فيقول ربك: مَهْيَم لما كان فيه يقول: يا ربِّ أَمْسِ اليوم, لعهده
بالحياة, يحسبه حديثاً بأهله), فقلت يا رَسُول اللهِ, فكيف يجمعنا بعد ما
تمزقنا الرياح, والبلى والسباع؟ قال: (أَنْبئُك بمثل ذلك في آلاء الله:
الأرض أشرفت عليها وهي في مَدَرة باليةِ) فقلت: لا تحيا أبداً. ثم أرْسَل
الله عليها السماء, فلم تَلْبث عليك إلا أياماً حَتَّى أشرفت عليها وهي
شربة واحدة, ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات
الأرض فتخرجون من الأصْواءِ ومن مصارعِكُم فتنظرون إليه وينظر إليكم).

قال قلت: يا رَسُول اللهِ! كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا
وننظر إليه؟ قال: (أَنْبئُك بمثل هذا في آلاء الله: الشَّمسُ والقمرُ آيةٌ
منه صَغيرَةٌ ترونهما ويَرَيَانِكُمْ سَاعةً واحدةً ولا تُضارُّون في
رُؤْيَتهما, ولعمر إلهكَ لهوَ أقدر على أن يراكم وترونه من أن تروا نورهما
ويَرَيانكم لا تضارون في رؤيتهما), قلتُ: يا رَسُول اللهِ! فما يفعل بنا
ربنا إذا لقيناه ؟ قال: (تُعرَضون عليه باديةً له صَفَحاتُكم لا يخْفى عليه
منكم خَافيةٌ, فيأْخُذُ ربك-عز وجل- بيده غرفةً من ماء, فيَنْضحُ بها
قبلَكُم, فَلَعمْرُ إلهكَ ما يُخْطئ وَجْه أَحَد منكم منها قطرة, فأما
المسلم فتدع وجهه مثل الرَّيْطَةِ البيضاء, وأما الكافر فَتَنْضَحُه, أو
قال فتخطَمُه بمثل الحُمَم الأسْود ألا ثم يَنْصرفُ نبيُّكم ويفترق على
أثره الصالحون, فيسلكون جسراً من النار يطأُ أحدُكُم الجمرة يقول: حِسَّ,
يقول ربُّك-عز وجل-أو أنه؛ ألا فَتَطلعون على حَوضْ نَبِّيكُم على
أَظْمَأِ-والله-نَاهِلَة عليها قَطُّ رَأَيتُها, فَلَعَمْرُ إلهك ما
يَبْسُط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف, والبول, والأذى,
وتخنس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا). قال قلت: يا رَسُول اللهِ فبم
نبصر؟ قال: (بمثل بصرك ساعتك هذه, وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض
وواجهت به الجبال), قال قلت: يا رَسُول اللهِ! فبمَ نُجزَى من سيئاتنا
وحسناتنا؟ قال-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحسنةُ بعشر أَمْثَالِها,
والسَّيِّئةُ بِمِثْلِها إلَّا أَنْ يَعْفُو), قال قلت: يا رَسُول اللهِ!
ما الجنةُ وما النارُ؟ قال: (لعَمرُ إلهكَ إنَّ النار لها سبعة أبوابٍ, ما
منها بَابَانِ إلَّا يَسيرُ الرَّاكب بينهما سبعين عاماً, وإن الجنة لها
ثمانيةُ أبوابٍ ما منها بَابَان إلَّا يَسيرُ الرَّاكب بينهما سبعين
عاماً).

قلت: يا رَسُول اللهِ! فعلام نطلع من الجنة؟ قال: (على أنهار من عسل
مصفَّى, وأنهار من خمرٍ ما بِها صداعٌ ولا ندامةٌ, وأنهارٍ من لبنٍ ما
يَتَغيّرُ طعمهُ, وماءٍ غَيرِ آسِنِ, وفاكهةٍ, ولعمر إلهك ما تَعْلَمُونَ
وخيرٌ مِن مِثِلهِ مَعَهُ وأزواجٌ مطهرةٌ). قلت: يا رَسُول اللهِ! أولنا
فيها أزواج أو منهن مصلحات؟ قال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] المصلحات للصالحين).

وفي لفظ: (الصالحات للصالحين تلذُّونهنَّ ويَلَذُّونكُم مثل لذَّاتكم في
الدُّنيا غَير أن لا تَوَالُد) قال لقيط: فقلت: يا رَسُول اللهِ! أقصى ما
نحن بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يُجبه النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ-قال: قلت: يا رَسُول اللهِ علام أبايعُك؟ فبسط النَّبيّ-صَلَّى
اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يده, وقال: (عَلى إقام الصَّلاةِ, وإيتاءِ الزكاة,
وزِيالِ المُشرك, وأن لا تشرك بالله إلهاً غيره) قال: قلت: يا رَسُول
اللهِ! وإن لنا ما بين المشرق والمغرب, فقبض رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ-يده وظن أني مشترط ما لا يُعطينيه, قال: قلت: (نحلُّ منها
حيث شئنا, ولا يجني امرؤٌ إلا على نفسه, فبسط يده).

وقال: (لك ذلك تحلُّ حَيْثُ شِئْتَ, ولا يجني عليك إلا نفسُك), قال:
فانصرفنا عنه, ثم قال: (ها إنَّ ذَيْن, ها إنَّ ذَيْن-ٍمرتين-لعمرُ إلهك من
أتقى الناسِ في الأُولى والآخِرَة), فقال له كعب بن الخدرية-أحد بني بكر
بن كلاب-: من هم يا رَسُول اللهِ ؟ قال : (بنو المنتفق بنو المنتفق بنو
المنتفق أهل ذلك منهم), قال: فانصرفنا وأقبلت عليه, فقلت: يا رَسُول
اللهِ! هل لأحد ممن مضى من خيرٍ في جاهليتهم؟ فقال: (رجلٌ مِن عُرْضِ قريش:
والله! إنَّ أباك المنتفِق لفي النار), قال فكأنه وقع حرٌ بينَ جِلد وجهي
ولحمه مما قال لأبي على رؤوس الناس, فهممتُ أن أقول: وأبوك يا رَسُول
اللهِ؟ ثم إذا الأخرى أجمل, فقلتُ: يا رَسُول اللهِ! وأهلك ؟ قال: (وأهلي
لعمر الله حَيْثُ ما أتَيْتَ على قَبْرِ عامِريِّ أو قُرَشي من مشرك قُلْ:
أرسلني إليك مُحمَّدٌ, فأبَشِّرُكَ بما يَسُوؤكَ, تُجَرُّ على وجْهِكَ
وبَطْنِكَ في النَّارِ).

قال: قلت: يا رَسُول اللهِ! وما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون
إلا إياه, وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:
(ذلِك بأنَّ اللهَ بَعَثَ في آخِرِ كُلَّ سبَعِ أُمَمٍ نَبِيّاً, فمن عصى
نبيَّهُ كانَ من الضَّالَّينَ, ومن أطاع نبيَّهُ كان من المُهْتَدِين)(8).

وقال ابن القيم في نهاية سرد هذا الحديث ما نصه: "هذا حديث كبير جليل,
تنادي جلالتُه وفخامتُه وعظمته على أنه قد خرج من مِشكاة النُّبوة, لا
يُعرف إلا من حديث عبد الرَّحمن بن المغيرة بن عبد الرَّحمن المدني, رواه
عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري, وهما من كبار علماء المدينة, ثقتان محتج بهما
في الصحيح, احتج بهما إمامُ أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري, ورواه
أئمةُ أهل السنة في كتبهم, وتلقَّوْه بالقبول, وقابلوه بالتسليم والانقياد,
ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحدٌ من رواته".

ملاحظة: ذكر الإمام ابن القيم الجوزية رواة لهذا الحديث للمزيد يرجى مراجعة زاد المعاد المجلد الثالث، صفحة 677-688.

وقال ابن منده روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني, وعبد الله بن أحمد
بن حنبل وغيرهما وقد رواه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين جماعة من
الأئمة, منهم أبو زرعة الرازي, وأبو حاتم, وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل
ولم ينكره أحد, ولم يتكلم في إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم, ولا
ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة هذا كلام أبي
عبد الله بن منده(9).