الإمساك عن المفطرات قبل الفجر

من كتاب اسعاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان

لسيدنا الإمام القاضي العارف بالله حسن محمد المشاط المالكي المكي المتوفي عام 1399هـ

قال تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }
قوله تعالى (وكلوا واشربوا) الليل كله (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ) وهو أول ما يبدو من الفجر الصادق المعترض في الأُفق قبل انتشاره ( من الخيط الأسود) وهو ما يمتد مع بياض الفجر من ظلمة آخر الليل فقوله تعالى ( من الفجر) أي الصادق بيان لأول الخيطين ، وبيان ثانيهما محذوف أي من الليل ، وإنما لم يُذكر لعدم تعلق حكم به ، فإن الصوم يتعلق بظهور الأبيض ، ففي الآية إباحة الأكل والشرب وإباحة الجماع في أي جزء من أجزاء الليل شاء الصائم إلى أن يظهر ضياءُ الصباح ، ويُستدل بالآية من جعله تعالى الفجر غاية لإباحة ما ذكر على أنه لاحرج على من أصبح جُنباً فيغتسل ويتم صومه *
واعلم أنه لما كان تبين الفجر الصادق وتحققه أول ما يبدو أمراً يعسر على الصائم ، وجب عليه أن يحتاط بالإمساك عن الأكل والشرب ولو في آخر جزءٍ من أجزاء الليل أخذاً من قاعدة ( أنّ ما لايتم الواجبُ إلاّ به فهو واجب) نظير أخذ شئ من شعر الرأس في غسل فرض الوجه عند الوضوء ، نعم مَنْ شكَّ في طلوع الفجر فله ذلك عند الأئمة الحنابلةوكذا عند الأئمة الشافعية مع الكراهية ، أما عند الأئمة المالكية فيُمنع ذلك مع الشكّ وعند الأئمة الحنفية إذا شكَّ في الفجر الأفضل أن يدعَ الأكل ولا يجب عليه ، لأن الأصل هو الليل ، ثم إنْ تبين الأمر بخلافه وأنه أكل أو شرب بعد الفجر وجب عليه القضاء دون الكفارة باتفاق ، وليلاحظ الصائم أن وجوب الإمساك إنما له تعلق بطلوع الفجر لا بحصول الآذان فقد يختلف الآذان أولاً وآخرا فليعلم *
فمن طلع عليه الفجر وفي فمه شئٌ من طعام أو شراب طرحه حالاً وصحّ صومه ، فإنْ لم يطرحْه وبلعه بطل صومه ووجب عليه إمساك ذلك اليوم لحرمة الوقت وعليه القضاء عند الأئمة الثلاثة وعند الإمام مالك عليه الكفارة مع القضاء ، وأما حديث أبي دواد { إذا سمع أحدُكم النداءَ والإناءُ على يده فلا يضعه حتى يقضيَ حاجتَهُ منه } فمحمولٌ على النداء الأول ، فقد قال عليه الصلاة والسلام { إنّ بلالاً ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابنُ أمِّ مكتوم } الحديث ، قال الإمام البيهقي : ( هذا أرجح ، فإنه محمول عندَ عوامِ أهلِ العلمِ على أنه صلّىالله عليه وسلّم علمَ أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربُهُ قبل طلوع الفجر ) .اهـ.* وهذا هو الذي فهمه أئمة الهدى المتبوعون من الآية والحديث والسّنة وقرروه في كتب الفقه المعتبرة ، قال العلاّمة ابن قدامة في المُغني : والصوم المشروع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس * قال صلّى الله عليه وسلّم { مَنْ لم يُبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له } رواه الإمام أحمد وأصحابُ السنن وابن خزيمة وابن حبان *
التبييت هو أن ينويَ الصيامَ في أي جزء من أجزاء الليل ، وأول وقتها من غروب الشس ، وصفة النية أن ينويَ الإمساكَ عن الأكلِ والشربِ والجماعِ موقناً بوجوبه محتسباً أجره عند الله تعالى ولايُشترط الإتيان بالنية أول الليل ولايضر ما يحدث بعد النية من أكل أوشرب أو جماع قبل الفجر ، وقوله {من لم يبيت الصيام} أي نيته فلا صيام له ، فهو دليل على أنه لا يصح الصيام إلاّ بنية ، وأنه لابد أن تكون مبيتة ، ولأن الصوم عمل والأعمال بالنيات ، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك والإمام الشافعي إلاّ إن الإمام الشافعي يرى النية لكل يوم على انفراده كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، ونظر المالكية إلى أن رمضان بمنزلة العبادة الواحدة تجب في العام مرة كالزكاة وقد قال صلّى الله عليه وسلّم {وإنما لكل امرئٍ ما نوى } وهذا نوى جميع الشهر ، ويُطلب من المالكية استحباباً التبييت لكل ليلة مراعاة للخلاف * قال الإمام النووي : قال الإمام الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : لايصلح صوم رمضان ولاغيره من الصيام الواجب والمندوب إلاّ بالنية وهذا لاخلاف فيه عندنا ، فلا يصح صوم في حالٍ من الأحوال إلاّ بالنية ومحل النية القلب ، ولايُشترط نطق اللسان بلاخلاف ولايكفي عن نية القلب بلاخلاف ولكن يُستحب التلفظ مع القلب ، وتجب كل يوم سواء رمضان وغيره ، وهذا لاخلاف فيه عندنا ** وتبييت النية شرط في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب ** وقال الشيرازي في المهذب : وأما صوم التطوع فإنه يجوز بنية قبل الزوال .

مشكوووووووووووور ه
بارك الله فيكى وجزاك الله عنا خير الجزاء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» علاج الإسهال و الإمساك
» صلاة الفجر
» صلاة الفجر و العصر