[size=29]الفرقة الناجية
روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)([1]).
وقد
تكلم المحدثون في سند هذا الحديث ومتنه وأعلوه فلم يصل عندهم إلى رتبة
الصحة التي يسوغ معها الاحتجاج به علميا وعلى تقدير صحة الحديث فإننا نقول:

إن
من المسلم به أن تعدد السبل إلى المقصد الواحد أمر طبيعي وشرعي فلا ينسحب
عليه حكم: (تعدد الفرق والعقائد) لأن الذي يطلق عليها تجاوزا أو مجازا اسم
(الفرق) في الإسلام كلها دائرة في الكتاب والسنة فهي على ما كان عليه رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه فهي (مذاهب) أو (مشارب) أو (سبل)
تبتدئ من الشهاديتن وتنتهي عند حقهما فالسادة الشافعية والمالكية والأحناف
والحنابلة والزيدية والظاهرية والإمامية والهادوية والصوفية والسلفية
والأشعرية والماتريدية والمعتزلة المعتدلون كل هؤء وأمثالهم يسيرون في طريق
واحد على أساليب مختلفة مع اتحاد المضمون وهذه نتيجة طبيعية للاستنباط
والمقارنة والبحث والنقل والتلقي في حدود الكتاب والسنة.

هذه الأساليب هي السبل الشرعية التي هداهم الله إليها بقوله تعالى:
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾([2]) والتي سماها الله تعالى ﴿سبل السلام﴾([3]) وهي سبل الله الواحد كما جاء على لسان الأنبياء ﴿وقد هدانا سبلنا﴾([4])...
ويلحق بهؤلاء جميعا سائر الهيئات والجماعات الإسلامية السليمة المنتشرة في بقاع الأرض.
ثم
لماذا؟ وبأي دليل؟ نطبق هذا الحديث على الطرق الصوفية وحدها ولا نطبقه على
الجمعيات والهيئات الإسلامية والروابط المعاصرة وفروعها الأخرى وهي أضعاف
هذا العدد؟

وإنما
ينطبق هذا الحديث على فرض صحته على أمثال غلاة الخوارج، والباطنية
والقرامطة والبهائية والقاديانية ونحو هؤلاء من الفرق التي ذكرها أصحاب كتب
الملل والنحل ممن خالفوا الأصول عمدا وأنكروا عمدا المعلوم من الدين
بالضرورة.

ربما كان فيهم المقصرون أو المنحرفون أو العصاة وهذا لا يخرجهم من الدين ولا يسحب إليهم حكم الفرق الكافرة.
فبعض الفرق أشد غلوا وانحرافا وتطرفا وانجرافا مع هذا فهي مسلمة فالمعصية شيء والردة شيء آخر.
ثم
إنه قد ذهب بعض العلماء إلى أن المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم (وتفترق أمتي ) أمة الدعوة لا أمة الإجابة والفرق بينهما أن أمة
الدعوة هي من بعث إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء آمن به أم كفر
جنا وإنسا منذ بعثه إلى يوم القيامة فهو صلى الله عليه وآله وسلم خاتم
الرسل وشريعته ناسخة لما قبلها.

وأمة
الإجابة: هي كلم من آمن به وأقر بأنه لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء الظالم منهم لنفسه والمقتصد
والسابق بالخيرات ولا يعارض هذا أن بعضهم يعذب عذاب تطهير وإعداد إن احتاج
إليه ولم تشمله رحمة الله الواسعة ولا شفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وآله
وسلم ودليل ذلك قوله تعالى ﴿ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل
الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها
حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور﴾ إلى قوله
تعالى ﴿والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من
عذابها كذلك نجزي كل كفور﴾([5]).

وأخرج
الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنه (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كلهم
ناج وهي هذه الأمة».

فأصحاب
الجنة هم الذين فصلتهم آيات فاطر إلى ثلاثة ويدخل فيها جميع الفئات
والمذاهب والجماعات التي لا تخالف أو تنكر معلوما من الدين بالضرورة وقد مر
معنا ذكر بعض هذه الجماعات في بداية البحث وكلهم داخلون في قوله صلى الله
عليه وآله وسلم : «... ما عليه أنا وأصحابي»([6]).

وفي الرواية الأخرى: «كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة»([7]).
وأصحاب
النار في الآية هم الذين كفروا بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم
يقروا بنسخ شريعته لما هم عليه وكونه بعث إليهم أيضا فهم يعتبرون بذلك من
أمة الدعوة الإسلامية (المحمدية) لا من أمة الإجابة لأنهم لم يدخلوا
الإسلام.

ولا
يخفى على كل من علم أوليات أحكام الإسلام بأن ملة الكفر واحدة وملة
الإسلام واحدة ولكن الحق واحد لا يتعدد والتعدد إنما وقع في ملة الكفر لا
أمة الإجابة لقوله تعالى : ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾([8]).

ويشهد
له قوله صلى الله عليه وآله وسلم «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»
قالوا: يا رسول الله ومن أبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد
أبى»([9]).

وإني أرى في هذا القول جمعا لشتات المسلمين وسدا لباب التكفير والتضليل بين صفوفهم وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه في هذا الزمان الممزق.
______________


([1]) أخرجه ابن ماجه (3991).
([2]) سورة العنكبوت (69).
([3]) سورة المائدة الآية (16).
([4]) سورة إبراهيم الآية (12).
([5]) سورة فاطر الآية (32) وما بعدها.
([6]) أخرجه الطبراني في الكبير (410) والهيثمي في مجمع الزوائد (11293).
([7]) أخرج هذه الرواية الترمذي (2641).
([8]) سورة الأنعام الآية (153).
([size=7][9]) أخرجه البخاري (6815).

[/size]