الدكتور محمود الزين

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وصحبه هدانا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه وبعد: العلة المذكورة في القرآن لاتدل على حاجته سبحانه إلى العبادة وخلق الإنسان إنما المقصود به إظهار قدرة الله عز وجل مع الإحسان إلى المخلوق وهذا الإحسان صفة إلهية لايمكن ظهورها إلا بإيجاد من يقع الإحسان إليه وكذلك كل الصفات الإلهية التي لاتظهر الا في مخلوق فالإكرام مثلا صفة إلهية لاتظهر إلا بوجود من يقع الإكرام عليه والقدرة لاتظهر إلا بوجود من تؤثر القدرة فيه وهكذا سائر الصفات المتعدية إلى الغير فلا يقال في فعل الخير لماذا فعل بل من قدر عليه يقال لماذا لم يفعل ولكل مخلوق بهذا الاعتبار تأثر بالصفات الإلهية التي تظهر في المخلوق كما لايقال لماذا تصدر الزهرة رائحة طيبة وكل صفاته المؤثرة في الأشياء إظهار للكمال بل يضاف إلى ذلك إظهار الصفات غير المؤثرة كصفة العلم ومثال الزهرة الذي تقدم ذكره لو أخذناه في صورة أوسع نقول لو مر إنسان بحديقة جميلة لاينقصها شيء هل يتساءل لماذا كانت بهذا الكمال أم يقال إن عدم وجودها نقص ينبغي إلا يكون ومحاسبته لنا على التقصير في فعل الخير إنما هي محاسبة على إيجاد شيء ناقص أو ترك شيء كامل ويتكرر معنا نفس السؤال السابق هل نقول لماذا يصنع فلان الخير مع قدرته عليه أم نقول لماذا يتركه مع قدرته عليه إنما هي محاسبة من اجل إظهار الجمال والكمال في خلقة الإنسان وربنا سبحانه وتعالى عنده من الخلق الملائكي عباد كثيرون ولكن ليس في الكون سوى الإنسان والجن يقوم بالعبادة وفعل الخير مع قدرته على ترك ذلك مع أن خلقة الإنسان أكمل فيها يكون إظهار الكمال أكثر فان تساءل المرء فقال إن تعذيب الإنسان على المخالفة فيه أذى وضررا للمخلوق وليس صفة كمال فالجواب على ذلك أن هذا من باب الإصلاح فهو من مظاهر الكمال كما أن العمل الجراحي للمريض مؤلم ولكنه مصلح فهو صفة كمال ولايقال لما لم قام بالعمل الجراحي المؤلم لماذا فعله بل إذا تركه يقال لماذا تركه لان تركه إبقاء للضرر والفساد وكل صفة إلهية مؤثرة تكميلا أو إزالة للنقص لايقال لماذا كان منها هذا الأثر بل العكس هو الصحيح ينبغي أن يقال لو لم يكن ذلك الأثر لماذا لم يكن وما لم نعلمه من حكمة الأعمال الإلهية كله من هذا الباب ولكن يقصر علمنا عن إدراك التفصيلات ولأجل ذلك ينبغي لنا أن نسلم له سبحانه فعلمنا يقصر عن إدراك جميع أفعاله الحكيمة تسليما من باب الثقة لأنه لايفعل إلا الأكمل بناء على ماعلمناه وقياسا لما لم نعمله على ماعلمناه وليس لأنه ربنا فقط أي ليست ثقة من باب التعظيم الأعمى وإنما ثقة من باب ماظهر علمه وقياسا لما لم يظهر لنا على ماظهر والله الموفق للصواب