منتدى الطريقه النقشبنديه
	تفسير سورة آل عمران 412252
عزيزى الزائر/ عزيزتى الزائره
يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت
عضو معنا
أو التسجيل ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
	تفسير سورة آل عمران 862936
	تفسير سورة آل عمران 22-4-99
ادارة المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه
	تفسير سورة آل عمران 412252
عزيزى الزائر/ عزيزتى الزائره
يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت
عضو معنا
أو التسجيل ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
	تفسير سورة آل عمران 862936
	تفسير سورة آل عمران 22-4-99
ادارة المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الطريقه النقشبنديه

تصوف اسلامى تزكية واداب وسلوك احزاب واوراد علوم روحانية دروس وخطب كتب مجانية تعليم برامج طب و اسرة اخبار و ترفيه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  تفسير سورة آل عمران

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوالزهراء
المراقب العام
المراقب العام
ابوالزهراء


الساعه :
الدوله : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1942
مزاجك : المطالعه
تاريخ التسجيل : 15/02/2011
العمر : 30
العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع
الأوسمه عضو مجلس الإداره

	تفسير سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة آل عمران   	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالأحد مايو 26, 2013 12:05 pm

سورة آل عمران
الم (1


سبق الكلام عليها في أول سورة البقرة.
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)


هو الله, لا معبود بحق إلا هو, المتصف بالحياة الكاملة كما يليق بجلاله, القائم على كل شيء.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ
وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)



نَزَّل
عيك القرآن بالحق الذي لا ريب فيه, مصدِّقًا لما قبله من كتب ورسل, وأنزل
التوراة على موسى علبه السلام, والإنجيل على عيسى عليه السلام من قبل نزول
القرآن; لإرشاد المتقين إلى الإيمان, وصلاح دينهم ودنياهم, وأنزل ما يفرق
بين الحق والباطل. والذين كفروا بآيات الله المنزلة, لهم عذاب عظيم. والله
عزيز لا يُغَالَب, ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته, وتفرُّده بالألوهية.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5)


إن الله محيط علمه بالخلائق, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء, قلَّ أو كثر.
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)


هو
وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء, من ذكر وأنثى, وحسن وقبيح,
وشقي وسعيد, لا معبود بحق سواه, العزيز الذي لا يُغالَب, الحكيم في أمره
وتدبيره.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7)



هو
وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة, هن أصل الكتاب الذي
يُرجع إليه عند الاشتباه, ويُرَدُّ ما خالفه إليه, ومنه آيات أخر متشابهات
تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم, فأصحاب
القلوب المريضة الزائغة, لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها;
ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة.
ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون:
آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم, ويردُّون متشابهه إلى محكمه, وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني
على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)


ويقولون:
يا ربنا لا تَصْرِف قلوبنا عن الإيمان بك بعد أن مننت علينا بالهداية
لدينك, وامنحنا من فضلك رحمة واسعة, إنك أنت الوهاب: كثير الفضل والعطاء,
تعطي مَن تشاء بغير حساب.
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)


يا ربنا إنا نُقِرُّ ونشهد بأنك ستجمع الناس في يوم لا شَكَّ فيه, وهو يوم القيامة, إنَّك لا تُخلف ما وعَدْتَ به عبادك.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً
وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)



إن
الذين جحدوا الدين الحق وأنكروه, لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب
الله شيئًا إن وقع بهم في الدنيا, ولن تدفعه عنهم في الآخرة, وهؤلاء هم حطب
النار يوم القيامة.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ
بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)



شأن
الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم, شأن آل فرعون والذين من قبلهم من
الكافرين, أنكروا آيات الله الواضحة, فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم
وعنادهم. والله شديد العقاب لمن كفر به وكذَّب رسله.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)
قل -أيها الرسول-، للذين كفروا من
اليهود وغيرهم والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في
الدنيا وستموتون على الكفر, وتحشرون إلى نار جهنم; لتكون فراشًا دائمًا
لكم, وبئس الفراش


قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى
كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ
بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي
الأَبْصَارِ (13)



قد
كان لكم -أيها اليهود المتكبرون المعاندون- دلالة عظيمة في جماعتين
تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله, وهم محمد صلى الله
عليه وسلم وأصحابه, وجماعة أخرى كافرة بالله, تقاتل من أجل الباطل, ترى
المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين, وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين
علبهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة
عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)



حُسِّن
للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين, والأموال الكثيرة من الذهب والفضة,
والخيل الحسان, والأنعام من الإبل والبقر والغنم, والأرض المتَّخَذة
للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن
المرجع والثواب, وهو الجنَّة.
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ
ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)



قل
-أيها الرسول- : أأخبركم بخير مما زُيِّن للنَّاس في هذه الحياة الدنيا,
لمن راقب الله وخاف عقابه جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار,
خالدين فيها, ولهم فيها أزواج مطهرات من الحيض والنفاس وسوء الخلق, ولهم
أعظم من ذلك: رضوان من الله. والله مطَّلِع على سرائر خلقه, عالم بأحوالهم,
وسيجازيهم على ذلك.
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)


هؤلاء
العباد المتقون يقولون: إننا آمنا بك, واتبعنا رسولك محمدًا صلى الله عليه
وسلم, فامْحُ عنا ما اقترفناه من ذنوب, ونجنا من عذاب النار.
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)


هم
الذين اتصفوا بالصبر على الطاعات, وعن المعاصي, وعلى ما يصيبهم من أقدار
الله المؤلمة, وبالصدق في الأقوال والأفعال وبالطاعة التامة, وبالإنفاق سرا
وعلانية, وبالاستغفار في آخر الليل; لأنه مَظِنَّة القبول وإجابة الدعاء.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)



شهد
الله أنه المتفرد بالإلهية, وقَرَنَ شهادته بشهادة الملائكة وأهل العلم,
على أجلِّ مشهود عليه, وهو توحيده تعالى وقيامه بالعدل, لا إله إلا هو
العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء أراده, الحكيم في أقواله وأفعاله
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)



إن
الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله, ولا يَقْبَل غيره هو
الإسلام, وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية, واتباع
الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم,
الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما
وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى, فتفرقوا شيعًا وأحزابًا
إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب; بغيًا وحسدًا
طلبًا للدنيا. ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته
وألوهيته, فإن الله سريع الحساب, وسيجزيهم بما كانوا يعملون.
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ
وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
(20)



فإن
جادلك -أيها الرسول- أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل
لهم: إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا, وكذلك من اتبعني من المؤمنين,
أخلصوا لله وانقادوا له. وقل لهم ولمشركي العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم
على الطريق المستقيم والهدى والحق, وإن توليتم فحسابكم على الله, وليس
عليَّ إلا البلاغ, وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة. والله بصير بالعباد, لا
يخفى عليه من أمرهم شيء.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)



إن
الذين يجحدون بالدلائل الواضحة وما جاء به المرسلون, ويقتلون أنبياء الله
ظلمًا بغير حق, ويقتلون الذين يأمرون بالعدل واتباع طريق الأنبياء,
فبشِّرهم بعذاب موجع.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)


أولئك الذين بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة, فلا يُقبل لهم عمل, وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب الله.
أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ
أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ
مُعْرِضُونَ (23)



أرأيت
-أيها الرسول- أعجب من حال هؤلاء اليهود الذين أتاهم الله حظا من الكتاب
فعلموا أن ما جئت به هو الحق, يُدْعون إلى ما جاء في كتاب الله -وهو
القرآن- ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه, فإن لم يوافق أهواءهم يَأْبَ كثير
منهم حكم الله; لأن من عادتهم الإعراض عن الحق؟
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي
دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)



ذلك
الانصراف عن الحق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب; بأنهم لن يعذَّبوا إلا
أيامًا قليلة, وهذا الاعتقاد أدى إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه,
واستمرارهم على دينهم الباطل الذي خَدَعوا به أنفسهم.
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25)


فكيف
يكون حالهم إذا جمعهم الله ليحاسَبوا في يوم لا شك في وقوعه -وهو يوم
القيامة-، وأخذ كل واحد جزاءَ ما اكتسب, وهم لا يظلمون شيئا؟
قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)



قل
-أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه, أنت الذي
تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك, وتسلب الملك ممن
تشاء, وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء, وتجعل الذلَّة على من تشاء,
بيدك الخير, إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله
تعالى على ما يليق به سبحانه.
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ
وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (27)



ومن
دلائل قدرتك أنك تُدخل الليل في النهار, وتُدخل النهار في الليل, فيطول
هذا ويقصر ذاك, وتُخرج الحي من الميت الذي لا حياة فيه, كإخراج الزرع من
الحب, والمؤمن من الكافر, وتُخرج الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج,
وترزق من تشاء مَن خلقك بغير حساب.
لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)



ينهى
الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون
المؤمنين, ومَن يتولهم فقد برِئ من الله, والله برِيء منه, إلا أن تكونوا
ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم اتقاء لشرهم, حتى تقوى
شوكتكم, ويحذركم الله نفسه, فاتقوه وخافوه. وإلى الله وحده رجوع الخلائق
للحساب والجزاء.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي
صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(29)



قل
-أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من ممالاة الكافرين
ونصرتهم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء, فإنَّ علمه محيط بكل ما
في السماوات وما في الأرض, وله القدرة التامة على كل شيء.
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا
عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ
أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)



وفي
يوم القيامة بوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير ينتظرها موفرًا لتُجزَى
به, وما عملت من عمل سيِّئ تجده في انتظارها أيضًا, فتتمنى لو أن بينها
وبين هذا العمل زمنًا بعيدًا. فاستعدوا لهذا اليوم, وخافوا بطش الإله
الجبار. ومع شدَّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)



قل
-أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا
وباطنًا, يحببكم الله, ويمحُ ذنوبكم, فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين, رحيم
بهم. وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله -تعالى- وليس
متبعًا لنبيه محصد صلى الله عيه وسلم حق الاتباع, مطيعًا له في أمره ونهيه,
فإنه كاذب في دعواه حتى يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم حق الاتباع.
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)


قل
-أيها الرسول-: أطيعوا الله باتباع كتابه, وأطيعوا الرسول باتباع سنته في
حياته وبعد مماته, فإن هم أعرضوا عنك, وأصروا على ما هم عليه مِن كفر
وضلال, فليسوا أهلا لمحبة الله; فإن الله لا يحب الكافرين.
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)


إن الله اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران, وجعلهم أفضل أهل زمانهم.
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)


هؤلاء
الأنبياء والرسل سلسلة طُهْر متواصلة في الإخلاص لله وتوحيده والعمل
بوحيه. والله سميع لأقوال عباده, عليم بأفعالهم, وسيجازيهم على ذلك.
إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ
رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)



اذكر
-أيها الرسول- ما كان من أمر مريم وأمها وابنها عيسى عليه السلام; لتردَّ
بذلك على من ادعوا أُلوهية عيسى أو بنوَّته لله سبحانه, إذ قالت امرأة
عمران حين حملت: يا ربِّ إني جعلت لك ما في بطني خالصا لك, لخدمة "بيت
المقدس", فتقبَّل مني; إنك أنت وحدك السميع لدعائي, العليم بنيتي.
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ
إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا
بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)



فلما
تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في
"بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ, وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت:
وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك; لأن الذكر أقوى على الخدمة
وأقْوَم بها, وإني سمَّيتها مريم, وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من
الشيطان المطرود من رحمتك.
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ
حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا
دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ
يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)



فاستجاب
الله دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول, وتولَّى ابنتها مريم بالرعاية
فأنبتها نباتًا حسنًا, ويسَّر الله لها زكريا عليه السلام كافلا فأسكنها في
مكان عبادته, وكان كلَّما دخل عليها هذا المكان وجد عندها رزقًا هنيئًا
معدّاً قال: يا مريم من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ قالت: هو رزق من عند
الله. إن الله -بفضله- يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)


عندما
رأى زكريا ما أكرم الله به مريم مِن رزقه وفضله توجه إلى ربه قائلا يا
ربِّ أعطني من عندك ولدًا صالحًا مباركًا, إنك سميع الدعاء لمن دعاك.
فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ
الصَّالِحِينَ (39)



فنادته
الملائكة وهو واقف بين يدي الله في مكان صلاته يدعوه: أن الله يخبرك بخبر
يسرُّك, وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى, يُصَدِّق بكلمة من الله -وهو عيسى
ابن مريم عليه السلام-، ويكون يحيى سيدًا في قومه, له المكانة والمنزلة
العالية, وحصورًا لا يأتي الذنوب والشهوات الضارة, ويكون نبيّاً من
الصالحين الذين بلغوا في الصَّلاح ذروته.
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي
غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ
اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ
آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)



قال
زكريا فرحًا متعجبًا: ربِّ أنَّى يكون لي غلام مع أن الشيخوخة قد بلغت مني
مبلغها, وامرأتي عقيم لا تلد؟ قال: كذلك يفعل الله ما يشاء من الأفعال
العجيبة المخالفة للعادة قال زكريَّا: رب اجعل لي علامةً أستدلُّ بها على
وجود الولد مني; ليحصل لي السرور والاستبشار, قال: علامتك التي طلبتها: ألا
تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بإشارة إليهم, مع أنك سويٌّ صحيح,
وفي هذه المدة أكثِرْ من ذكر ربك, وصلِّ له أواخر النهار وأوائله.
وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)


واذكر
-أيها الرسول- حين قالت الملائكة: يا مريم إن الله اختاركِ لطاعته
وطهَّركِ من الأخلاق الرذيلة, واختاركِ على نساء العالمين في زمانك.
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)


يا مريم داومي على الطاعة لربك, وقومي في خشوع وتواضع, واسجدي واركعي مع الراكعين; شكرًا لله على ما أولاكِ من نعمه
ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ
نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
(44)



ذلك
الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- من أخبار الغيب التي أوحاها الله إليك, إذ
لم تكن معهم حين اختلفوا في كفالة مريم أيُّهم أحق بها وأولى, ووقع بينهم
الخصام, فأجْرَوْا القرعة لإلقاء أقلامهم, ففاز زكريا عليه السلام
بكفالتها.
إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ
الْمُقَرَّبِينَ (45)



وما
كنت - يا نبي الله - هناك حين قالت الملائكة: يا مريم إن الله يُبَشِّرْكِ
بولد يكون وجوده بكلمة من الله, أي يقول له: "كن", فيكون, اسمه المسيح
عيسى ابن مريم, له الجاه العظيم في الدنيا والآخرة, ومن المقربين عند الله
يوم القيامة.
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46)


ويكلم
الناس في المهد بعد ولادته, وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله
إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد, وهو معدود من أهل الصلاح
والفضل في قوله وعمله.
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي
وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)

قالت مريم متعجبة من هذا الأمر: أنَّى
يكون لي ولد وأنا لست بذات زوج ولا بَغِيٍّ؟ قال لها المَلَك: هذا الذي
يحدث لكِ ليس بمستبعد على الإله القادر, الذي يوجِد ما يشاء من العدم, فإذا
أراد إيجاد شيء فإنما يقول له: "كُن" فيكون


وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48)


ويعلمه الكتابة, والسداد في القول والفعل, والتوراة التي أوحاها الله إلى موسى عليه السلام, والإنجيل الذي أنزل الله عليه.
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ
مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً
بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى
بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ
فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ
(49)



ويجعله
رسولا إلى بني إسرائيل, ويقول لهم: إني قد جئتكم بعلامة من ربكم تدلُّ على
أني مرسل من الله, وهي أني أصنع لكم من الطين مثل شكل الطير, فأنفخ فيه
فيكون طيرًا حقيقيا بإذن الله, وأَشفي مَن وُلِد أعمى, ومَن به برص, وأُحيي
من كان ميتًا بإذن الله, وأخبركم بما تأكلون وتدَّخرون في بيوتكم من
طعامكم. إن في هذه الأمور العظيمة التي ليست في قدرة البشر لدليلا على أني
نبي الله ورسوله, إن كنتم مصدِّقين حجج الله وآياته, مقرِّين بتوحيده.
وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ
مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)



وجئتكم
مصدقًا بما في التوراة, ولأحلَّ لكم بوحي من الله بعض ما حرَّمه الله
عليكم تخفيفًا من الله ورحمة, وجئتكم بحجة من ربكم على صدق ما أقول لكم,
فاتقوا الله ولا تخالفوا أمره, وأطيعوني فيما أبلغكم به عن الله.
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)


إن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه, فأنا وأنتم سواء في العبودية والخضوع له, وهذا هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه.
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ
الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ
نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ (52)



فلما
استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه الخُلَّص: مَن يكون
معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه,
صدَّقنا بالله واتبعناك, واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد
والطاعة.
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)


ربنا
صدَّقنا بما أنزلت من الإنجيل, واتبعنا رسولك عيسى عليه السلام, فاجعلنا
ممن شهدوا لك بالوحدانية ولأنبيائك بالرسالة, وهم أمة محمد صلى الله عليه
وسلم الذين يشهدون للرسل بأنهم بلَّغوا أممهم.
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)


ومكر
الذين كفروا من بني إسرائيل بعيسى عليه السلام, بأن وكَّلوا به من يقتله
غِيْلة, فألقى الله شَبَه عيسى على رجل دلَّهم عليه فأمسكوا به, وقتلوه
وصلبوه ظناً منهم أنه عيسى عليه السلام, والله خير الماكرين. وفي هذا إثبات
صفة المكر لله -تعالى- على ما يليق بجلاله وكماله; لأنه مكر بحق, وفي
مقابلة مكر الماكرين.
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى
إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)



ومكر
الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء,
ورافعك إليَّ ببدنك وروحك, ومخلصك من الذين كفروا بك, وجاعل الذين اتبعوك
أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين والبشارة بمحمد صلى الله عليه
وسلم وآمَنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, بعد بعثنه, والتزموا شريعته ظاهرين
على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة, ثم إليّ مصيركم جميعًا يوم
الحساب, فأفصِل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى عليه السلام.
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)


فأمَّا
الذين كفروا بالمسيح من اليهود أو غَلَوا فيه من النصارى, فأعذبهم عذابًا
شديدًا في الدنيا: بالقتل وسلْبِ الأموال وإزالة الملك, وفي الآخرة بالنار,
وما لهم مِن ناصر ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله.
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)


وأما
الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الأعمال الصالحة, فيعطيهم الله ثواب
أعمالهم كاملا غير منقوص. والله لا يحب الظالمين بالشرك والكفر.
ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)


ذلك
الذي نقصُّه عليك في شأن عيسى, من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك, وصحة
القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق والباطل, فلا شك فيه ولا امتراء.
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)


إنَّ
خَلْقَ الله لعيسى من غير أب مثَلُه كمثل خلق الله لآدم من غير أب ولا أم,
إذ خلقه من تراب الأرض, ثم قال له: "كن بشرًا" فكان. فدعوى إلهية عيسى
لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة; فآدم عليه السلام خلق من غير أب ولا أم,
واتفق الجميع على أنه عَبْد من عباد الله.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60)


الحق
الذي لا شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها الرسول- من ربك, فدم على
يقينك, وعلى ما أنت عليه من ترك الافتراء, ولا تكن من الشاكِّين, وفي هذا
تثبيت وطمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)



فمَن
جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في
أمر عيسى عليه السلام, فقل لهم: تعالوا نُحْضِر أبناءنا وأبناءكم, ونساءنا
ونساءكم, وأنفسنا وأنفسكم, ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته
ولعنته على الكاذبين في قولهم, المصرِّين على عنادهم.
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)


إن
هذا الذي أنبأتك به من أمر عيسى لهو النبأ الحق الذي لا شك فيه, وما من
معبود يستحق العبادة إلا الله وحده, وإن الله لهو العزيز في ملكه, الحكيم
في تدبيره وفعله.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)


فإن أعرضوا عن تصديقك واتباعك فهم المفسدون, والله عليم بهم, وسيجازيهم على ذلك
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ
إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)



قل
-أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: تعالَوْا إلى كلمة عدل وحق
نلتزم بها جميعًا: وهي أن نَخُص الله وحده بالعبادة, ولا نتخذ أي شريك
معه, من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت أو غير ذلك, ولا يدين بعضنا لبعض
بالطاعة من دون الله. فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم - أيها
المؤمنون - : اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والإخلاص.
والدعوة إلى كلمة سواء, كما تُوجَّه إلى اليهود والنصارى, توجَّه إلى من
جرى مجراهم.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ
إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65)



يا
أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى, كيف يجادل كل منكم في أن إبراهيم
عليه السلام كان على ملَّته, وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؟
أفلا تفقهون خطأ قولكم: إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً, وقد علمتم أن
اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بحين؟
هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ
فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ
عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66)



ها
أنتم يا هؤلاء جادلتم رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما لكم به
علم مِن أمر دينكم, مما تعتقدون صحته في كتبكم, فلِمَ تجادلون فيما ليس لكم
به علم من أمر إبراهيم؟ والله يعلم الأمور على خفائها, وأنتم لا تعلمون.
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67)


ما
كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً, فلم تكن اليهودية ولا النصرانية إلا من
بعده, ولكن كان متبعًا لأمر الله وطاعته, مستسلمًا لربه, وما كان من
المشركين.
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ
بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)



إنَّ
أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به, الذين آمنوا به وصدقوا برسالته واتبعوه على
دينه, وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به. والله وليُّ
المؤمنين به المتبعين شرعه.
وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)


تمنَّت
جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم - أيها المسلمون - عن الإسلام, وما
يضلون إلا أنفسهم وأتباعهم, وما يدرون ذلك ولا يعلمونه.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)


يا
أهل التوراة والإنجيل لم تجحدون آيات الله التي أنزلها على رسله في كتبهم,
وفيها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المنتظر, وأن ما جاءكم به
هو الحق, وأنتم تشهدون بذلك؟ ولكنكم تنكرونه.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)


يا
أهل التوراة والإنجيل لِمَ تخلطون الحق في كتبكم بما حرفتموه وكتبتموه من
الباطل بأيديكم, وتُخْفون ما فيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم, وأن
دينه هو الحق, وأنتم تعلمون ذلك؟
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ
النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)



وقالت
جماعة من أهل الكتاب من اليهود: صدِّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول
النهار واكفروا آخره; لعلهم يتشككون في دينهم, ويرجعون عنه.
وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ
تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ
مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ (73)



ولا
تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً, قل لهم -أيها
الرسول- : إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه للإيمان الصحيح. وقالوا: لا
تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به,
وتكون لهم الأفضلية عليكم, أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم
-أيها الرسول- : إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه,
يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله. والله واسع عليم, يَسَعُ بعلمه وعطائه
جميع مخلوقاته, ممن يستحق فضله ونعمه.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)


إن الله يختص مِن خلقه مَن يشاء بالنبوة والهداية إلى أكمل الشرائع, والله ذو الفضل العظيم.
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)



ومن
أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثير من المال يؤدِّه إليك من غير
خيانة, ومنهم مَن إنْ تأمنه على دينار واحد لا يؤدِّه اليك, إلا إذا بذلت
غاية الجهد في مطالبته. وسبب ذلك عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلُّون أموال العرب
بالباطل, ويقولون: ليس علينا في أكل أموالهم إثم ولا حرج; لأن الله
أحلَّها لنا. وهذا كذب على الله, يقولونه بألسنتهم, وهم يعلمون أنهم
كاذبون.
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)


ليس
الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون, فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله
عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه, وخاف الله عز
وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك
والمعاصي.
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ
لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوالزهراء
المراقب العام
المراقب العام
ابوالزهراء


الساعه :
الدوله : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1942
مزاجك : المطالعه
تاريخ التسجيل : 15/02/2011
العمر : 30
العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع
الأوسمه عضو مجلس الإداره

	تفسير سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة آل عمران   	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالأحد مايو 26, 2013 12:08 pm

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
إن
أول بيت بُني لعبادة الله في الأرض لهو بيت الله الحرام الذي في "مكة",
وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات, وتتنزل فيه الرحمات, وفي استقباله في
الصلاة, وقصده لأداء الحج والعمرة, صلاح وهداية للناس أجمعين.[/size]
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97)




في
هذا البيت دلالات ظاهرات أنه من بناء إبراهيم, وأن الله عظَّمه وشرَّفه,
منها: مقام إبراهيم عليه السلام, وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه حين كان
يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل, ومن دخل هذا البيت أَمِنَ على
نفسه فلا يناله أحد بسوء. وقد أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان
قَصْدَ هذا البيت لأداء مناسك الحج. ومن جحد فريضة الحج فقد كفر, والله غني
عنه وعن حجِّه وعمله, وعن سائر خَلْقه.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)



قل
-أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: لِمَ تجحدون حجج الله التي
دلَّتْ على أن دين الله هو الإسلام, وتنكرون ما في كتبهم من دلائل وبراهين
على ذلك, وأنتم تعلمون؟ والله شهيد على صنيعكم. وفي ذلك تهديد ووعيد لهم.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً
وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)




قل
-أيها الرسول- لليهود والنصارى: لِمَ تمنعون من الإسلام من يريد الدخول
فيه تطلبون له زيغًا وميلا عن القصد والاستقامة, وأنتم تعلمون أن ما جئتُ
به هو الحق؟ وما الله بغافل عما تعملون, وسوف يجازيكم على ذلك.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)




يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إن تطيعوا جماعة من اليهود
والنصارى ممن آتاهم الله التوراة والإنجيل, يضلوكم, ويلقوا إليكم الشُّبَه
في دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به, فلا تأمنوهم على
دينكم, ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مشورة.
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ
تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)




وكيف
تكفرون بالله -أيها المؤمنون -، وآيات القرآن تتلى عليكم, وفيكم رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن
والسنة فقد وُفِّق لطريق واضح, ومنهاج مستقيم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)




يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه, خافوا الله حق خوفه: وذلك
بأن يطاع فلا يُعصى, ويُشكَر فلا يكفر, ويُذكَر فلا ينسى, وداوموا على
تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا الله وأنتم عليه.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)




وتمسَّكوا
جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا
نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام
أعداء, فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله, وألقى في قلوبكم محبة
بعضكم لبعض, فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين, وكنتم على حافة نار جهنم,
فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم
الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم; لتهتدوا إلى سبيل
الرشاد, وتسلكوها, فلا تضلوا عنها.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ
الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)




ولتكن
منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف, وهو ما عُرف
حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم
الفائزون بجنات النعيم.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)




ولا
تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء
فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا, واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم
الحق, وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ (106)




يوم
القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله, وامتثلوا
أمره, وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله, وعصوا أمره. فأما
الذين اسودَّت وجوههم, فيقال لهم توبيخًا: أكفرتم بعد إيمانكم, فاخترتم
الكفر على الإيمان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم.
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)



وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم بنضرة النعيم, وما بُشِّروا به من الخير, فهم في جنة الله ونعيمها, وهم باقون فيها, لا يخرجون منها أبدًا.
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108)



هذه
آيات الله وبراهينه الساطعة, نتلوها ونقصُّها عليك -أيها الرسول- بالصدق
واليقين. وما الله بظالم أحدًا من خلقه, ولا بمنقص شيئًا من أعمالهم; لأنه
الحاكم العدل الذي لا يجور.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109)



ولله ما في السموات وما في الأرض, ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا, ومصير جميع الخلائق إليه وحده, فيجازي كلا على قدر استحقاقه
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً
لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110)




أنتم
- يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس, تأمرون بالمعروف, وهو ما
عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر, وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا
وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود
والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم,
لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة, منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى
الله عليه وسلم العاملون بها, وهم قليل, وأكثرهم الخارجون عن دين الله
وطاعته.
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)



لن
يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك
والكفر وغير ذلك, فإن يقاتلوكم يُهْزَموا, ويهربوا مولِّين الأدبار, ثم لا
ينصرون عليكم بأي حال.
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ
أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ
وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
(112)




جعل
الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود, فهم أذلاء محتقرون
أينما وُجِدوا, إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم
وأموالهم, وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام, ورجعوا بغضب من
الله مستحقين له, وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة, فلا ترى اليهوديَّ إلا
وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان; ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم
بالله, وتجاوزهم حدوده, وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء, وما جرَّأهم على
هذا إلا ارتكابهم للمعاصي, وتجاوزهم حدود الله.
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)



ليس
أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد
صلى الله عليه وسلم, يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم, مقبلين على
مناجاة الله في صلواتهم.
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)




يؤمنون بالله واليوم الآخر, ويأمرون بالخير كله, وينهون عن الشر كلِّه, ويبادرون إلى فعل الخيرات, وأولئك مِن عباد الله الصالحين.
وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)



وأيُّ
عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند
الله, بل يُشكر لهم, ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا
الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء رضوان الله, وطلبًا لثوابه.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً
وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)




إن
الذين كفروا بآيات الله, وكذبوا رسله, لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم
شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة, وأولئك أصحاب النار الملازمون
لها, لا يخرجون منها.
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ
قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ
وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)




مَثَلُ
ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من
ثواب, كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره, وبسبب
ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة
ثوابًا, وما ظلمهم الله بذلك, ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا
مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي
صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ (118)




يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا الكافرين أولياء
من دون المؤمنين, تُطْلعونهم على أسراركم, فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد
حالكم, وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه, وقد ظهرت شدة البغض في
كلامهم, وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم
البراهين والحجج, لتتعظوا وتحذروا, إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره
ونهيه.
هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ
وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا
لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ
مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (119)




ها
هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم, فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم, وهم لا
يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء, وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها
ومنها كتابهم, وهم لا يؤمنون بكتابكم, فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا
-نفاقًا- : آمنَّا وصدَّقْنا, وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم
والحزن, فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب, لما يرون من ألفة المسلمين
واجتماع كلمتهم, وإعزاز الإسلام, وإذلالهم به. قل لهم -أيها الرسول- :
موتوا بشدة غضبكم. إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور, وسيجازي كلا على ما
قدَّم مِن خير أو شر.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)




ومن
عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة
ظهرت عليهم الكآبة والحزن, وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال
والأنفس والثمرات فرحوا بذلك, وإن تصبروا على ما أصابكم, وتتقوا الله فيما
أمركم به ونهاكم عنه, لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء
الكفار من الفساد محيط, وسيجازيهم على ذلك.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)



واذكر
-أيها الرسول- حين خَرَجْتَ من بيتك لابسًا عُدَّة الحرب, تنظم صفوف
أصحابك, وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد". والله
سميع لأقوالكم, عليم بأفعالكم.
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122)



اذكر
-أيها الرسول- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم
بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ; خوفًا من لقاء العدو, ولكن
الله عصمهم وحفظهم, فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل
المؤمنون.
وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)



ولقد
نصركم الله -أيها المؤمنون- بـ "بدر" على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم
وعُدَدكم, فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه; لعلكم تشكرون له نعمه.
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ
يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ
الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)




اذكر
-أيها الرسول- ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين شقَّ عليهم أن يأتي
مَدَد للمشركين, فأوحينا إليك أن تقول لهم: ألن تكفيكم معونة ربكم بأن
يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين من السماء إلى أرض المعركة,
يثبتونكم, ويقاتلون معكم.
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ
آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)




بلى
يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم: إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا
الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه, ويأت كفار "مكة" على الفور
مسرعين لقتالكم, يظنون أنهم يستأصلونكم, فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسوِّمين أي: قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات.
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)




وما
جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم,
وتطيب بوعد الله لكم. وما النصر إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب,
الحكيم في تدبيره وفعله.
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)



وكان
نصر الله لكم بـ "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل, ومن نجا منهم من
القتل رجع حزينًا قد ضاقت عليه نفسه, يَظْهر عليه الخزي والعار
لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)



ليس
لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء, بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك
له, ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا, فيتوب
الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه
وبغيه.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)




ولله وحده ما في السموات وما في الأرض, يغفر لمن يشاء من عباده برحمته, ويعذب من يشاء بعدله. والله غفور لذنوب عباده, رحيم بهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)



يا
أيها الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بجميع أنواعه,
ولا تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلَّت, فكيف إذا كانت هذه
الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه;
لتفوزوا في الدنيا والآخرة.
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)



اجعلوا لأنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُيِّئت للكافرين.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)



وأطيعوا
الله -أيها المؤمنون- فيما أمركم به من الطاعات وفيما نهاكم عنه من أكل
الربا وغيره من الأشياء, وأطيعوا الرسول; لترحموا, فلا تعذبوا.
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)



وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة, عرضها السموات والأرض, أعدها الله للمتقين.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)




الذين
ينفقون أموالهم في اليسر والعسر, والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ
بالصبر, وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله
أصحابه.
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)




والذين
إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه, ذكروا وعد
الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين, يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم, وهم
موقنون أنه لا يغفر الذنرب إلا الله, فهم لذلك لا يقيمون على معصية, وهم
يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم .
أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)




أولئك
الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم, ولهم جنات
تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة, خالدين فيها لا يخرجون منها
أبدًا. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة.
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)



يخاطب
الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم
أمم, ابتُلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم, فسيروا في
الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله.
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)



هذا
القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق, وتذكير تخشع له قلوب المتقين, وهم
الذين يخشون الله, وخُصُّوا بذلك; لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)



ولا
تضْعُفوا -أيها المؤمنون- عن قتال عدوكم, ولا تحزنوا لما أصابكم في
"أُحد", وأنتم الغالبون والعاقبة لكم, إن كنتم مصدقين بالله ورسوله
متَّبعين شرعه.
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ
مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)




إن
أصابتكم -أيها المؤمنون- جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك, فقد
أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر". وتلك الأيام يُصَرِّفها
الله بين الناس, نصر مرة وهزيمة أخرى, لما في ذلك من الحكمة, حتى يظهر ما
علمه الله في الأزل ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره, ويُكْرِمَ أقوامًا
منكم بالشهادة. والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم, وقعدوا عن القتال في
سبيله.
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)



وهذه الهزيمة التي وقعت في "أُحد" كانت اختبارًا وتصفية للمؤمنين, وتخليصًا لهم من المنافقين وهلاكًا للكافرين.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)



يا
أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أظننتم أن تدخلوا الجنة, ولم تُبْتَلوا
بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى تُبْتلوا, ويعلم الله -علما
ظاهرا للخلق- المجاهدين منكم في سبيله, والصابرين على مقاومة الأعداء.
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)



ولقد
كنتم -أيها المؤمنون- قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو; لتنالوا شرف
الجهاد والاستشهاد في سبيل الله الذي حَظِي به إخوانكم في غزوة "بدر", فها
هو ذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه, فدونكم فقاتلوا وصابروا.
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)




وما
محمد إلا رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه. أفإن مات بانقضاء
أجله أو قُتِل كما أشاعه الأعداء رجعتم عن دينكم,, تركتم ما جاءكم به
نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر الله شيئًا, إنما يضر نفسه ضررًا
عظيمًا. أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام, فإن الله
يجزيه أحسن الجزاء.
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ
إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ
الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ
مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)




لن
يموت أحد إلا بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها الله له
كتابًا مؤجَّلا. ومن يطلب بعمله عَرَض الدنيا, نعطه ما قسمناه له من رزق,
ولا حظَّ له في الآخرة, ومن يطلب بعمله الجزاء من الله في الآخرة نمنحه ما
طلبه, ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه في الدنيا من رزق مقسوم, فهذا قد
شَكَرَنا بطاعته وجهاده, وسنجزي الشاكرين خيرًا.
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ
مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ (146)




كثير
من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم, فما ضعفوا لِمَا
نزل بهم من جروح أو قتل; لأن ذلك في سبيل ربهم, وما عَجَزوا, ولا خضعوا
لعدوهم, إنما صبروا على ما أصابهم. والله يحب الصابرين.
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ
قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)




وما
كان قول هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا, وما وقع منا
مِن تجاوزٍ في أمر ديننا, وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا,
وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك.
فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)



فأعطى
الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم, وبالتمكين لهم
في الأرض, وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة, وهو جنات النعيم. والله يحب
كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)




يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن تطيعوا الذين جحدوا
ألوهيتي, ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين فيما
يأمرونكم به وينهونكم عنه, يضلوكم عن طريق الحق, وترتدُّوا عن دينكم,
فتعودوا بالخسران المبين والهلاك المحقق.
بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)



إنهم لن ينصروكم, بل الله ناصركم, وهو خير ناصر, فلا يحتاج معه إلى نصرة أحد.
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)




سنقذف
في قلوب الذين كفروا أشدَّ الفزع والخوف بسبب إشراكهم بالله آلهة مزعومة,
ليس لهم دليل أو برهان على استحقاقها للعبادة مع الله, فحالتهم في الدنيا:
رعب وهلع من المؤمنين, أما مكانهم في الآخرة الذي يأوون إليه فهو النار;
وذلك بسبب ظلمهم وعدوانهم, وساء هذا المقام مقامًا لهم.
وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ
وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى
إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ
مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ
وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)




ولقد
حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر, حين كنتم تقتلون الكفار في غزوة "أُحد"
بإذنه تعالى, حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم: هل تبقون في
مواقعكم أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟ وعصيتم أمر رسولكم حين
أمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال, حلَّت بكم الهزيمة من بعد ما أراكم ما
تحبون من النصر, وتبيَّن أن منكم مَن يريد الغنائم, وأن منكم مَن يطلب
الآخرة وثوابها, ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم; ليختبركم, وقد علم الله
ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم, والله ذو فضل عظيم على المؤمنين.
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ
عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ
غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا
أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)




اذكروا
-يا أصحاب محمد- ما كان مِن أمركم حين أخذتم تصعدون الجبل هاربين من
أعدائكم, ولا تلتفتون إلى أحد لِمَا اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب,
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت في الميدان يناديكم من خلفكم قائلا
إليَّ عبادَ الله, وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون, فكان جزاؤكم أن أنزل الله
بكم ألمًا وضيقًا وغمًّا; لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة, ولا
ما حلَّ بكم من خوف وهزيمة. والله خبير بجميع أعمالكم, لا يخفى عليه منها
شيء.
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ
ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ
قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا
يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا
قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ
كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ
مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)




ثم
كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم من بعد ما نزل بها
من همٍّ وغمٍّ اطمئنانًا وثقة في وعد الله, وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة
منهم, وهم أهل الإخلاص واليقين, وطائفة أُخرى أهمَّهم خلاص أنفسهم خاصة,
وضَعُفَتْ عزيمتهم وشُغِلوا بأنفسهم, وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه,
وظنوا أن الله لا يُتِمُّ أمر رسوله, وأن الإسلام لن نقوم له قائمة, ولذلك
تراهم نادمين على خروجهم, يقول بعضهم لبعض: هل كان لنا من اختيار في الخروج
للقتال؟ قل لهم -أيها الرسول- : إن الأمر كلَّه لله, فهو الذي قدَّر
خروجكم وما حدث لكم, وهم يُخْفون في أنفسهم ما لا يظهرونه لك من الحسرة على
خروجهم للقتال, يقولون: لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا. قل لهم:
إن الآجال بيد الله, ولو كنتم في بيوتكم, وقدَّر الله أنكم تموتون, لخرج
الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون, وما جعل الله ذلك إلا ليختبر
ما في صدوركم من الشك والنفاق, وليميز الخبيث من الطيب, ويظهر أمر المؤمن
من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه, لا
يخفى عليه شيء من أمورهم.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ
بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)




إن
الذين فرُّوا منكم -يا أصحاب- محمد عن القتال يوم التقى المؤمنون
والمشركون في غزوة "أُحد", إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب ببعض ما عملوا
من الذنوب, ولقد تجاوز الله عنهم فلم يعاقبهم. إن الله غفور للمذنبين
التائبين, حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا
فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا
وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)




يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تُشابهوا الكافرين الذين
لا يؤمنون بربهم, فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في
أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم
يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول
يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم, أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن
ذلك بقدر الله فيهدي الله قلوبهم, ويخفف عنهم المصيبة, والله يحيي مَن
قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا- ويميت مَنِ انتهى أجله -وإن
كان مقيمًا- والله بكل ما تعملونه بصير, فيجازيكم به.
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)



ولئن
قُتِلتم -أيها المؤمنون- وأتم تجاهدون في سبيل الله أو متم في أثناء
القتال, ليغفرن الله لكم ذنوبكم, وليرحمنكم رحمة من عنده, فتفوزون بجنات
النعيم, وذلك خير من الدنيا وما يجمعه أهلها.
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)



ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا, فمتم على فُرُشكم, أو قتلتم في ساحة القتال, لإلى الله وحده تُحشرون, فيجازيكم بأعمالكم.
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)




فبرحمة
من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم, ولو
كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب, لانْصَرَفَ أصحابك من حولك, فلا تؤاخذهم بما
كان منهم في غزوة "أُحد", واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم, وشاورهم في
الأمور التي تحتاج إلى مشورة, فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد
الاستشارة- فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده, إن الله يحب المتوكلين عليه.
إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا
غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ
بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160)




إن
يمددكم الله بنصره ومعونته فلا أحد يستطيع أن يغلبكم, وإن يخذلكم فمن هذا
الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلانه لكم؟ وعلى الله وحده فليتوكل
المؤمنون.
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161)




وما
كان لنبيٍّ أن يَخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئًا من الغنيمة غير ما اختصه
الله به, ومن يفعل ذلك منكم يأت بما أخذه حاملا له يوم القيامة; ليُفضَح به
في الموقف المشهود, ثم تُعطى كل نفس جزاءَ ما كسبت وافيًا غير منقوص دون
ظلم.
أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)



لا يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو مُكِبٌ على المعاصي, مسخط لربه, فاستحق بذلك سكن جهنم, وبئس المصير.
هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)



أصحاب
الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات, وأصحاب النار المتبعون
لما يسخط الله متفاوتون في الدركات, لا يستوون. والله بصير بأعمالهم لا
يخفى عليه منها شيء.
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164)




لقد
أنعم الله على المؤمنين من العرب; إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم, يتلو
عليهم آيات القرآن, ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة, ويعلمهم القرآن
والسنة, وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل ظاهر.
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ
قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)




أولما
أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة, وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم
مثليها من المشركين في يوم "بدْر", قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون
ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي- :
هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم
على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, لا معقِّب
‌‌‌‌‌‌لحكمه.
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)



وما
وقع بكم مِن جراح أو قتل في غزوة "أُحد" يوم التقى جَمْعُ المؤمنين وجمع
المشركين فكان النصر للمؤمنين أولا ثم للمشركين ثانيًا, فذلك كله بقضاء
الله وقدره, وليظهر ما علمه الله في الأزل؛ ليميز المؤمنين الصادقين منكم.
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا
قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ
يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا
لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

وليعلم
المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال المؤمنون لهم: تعالوا
قاتلوا معنا في سبيل الله, أو كونوا عونًا لنا بتكثيركم سوادنا, فقالوا: لو
نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة آل عمران
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة الفاتحة
» تفسير سورة النساء
» تفسير سورة الاخلاص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه  :: منتدى الطريقه النقشبنديه الاسلامى :: القرأن الكريم وتفسيره-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» للخلاص من كل مرض وبليه ومجرب
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالخميس أبريل 27, 2023 4:07 pm من طرف mechri

» الأربعون النووية
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالأحد سبتمبر 19, 2021 7:38 am من طرف احمد محمد النقشبندي

» مجموعة كتب فى الفقه العام و أصول الفقه.
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2021 10:57 pm من طرف احمد محمد النقشبندي

» السيرة النبوية لإبن هشام
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2021 10:51 pm من طرف احمد محمد النقشبندي

»  الجن و دياناتهم
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» برنامج لكسر حماية ملفات الـ pdf لطباعته
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» حمل كتب الامام محي الدين بن عربي
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» رياض الصالحين .
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

»  دعآء آلهم و آلحزن و آلكرب و آلغم
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي

» للوقايه من شر الإنس والجن
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي

» خواص عظيمه للزواج
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:44 pm من طرف الموجه النقشبندي

» اختصاص الامام علي كرم الله وجهه بالطريقة
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:38 pm من طرف الموجه النقشبندي

» النقشبندية...منهجها وأصولها وسندها ومشائخها
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:36 pm من طرف الموجه النقشبندي

» الشريف موسى معوض النقشبندى وذريته وأبنائه 9
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:35 pm من طرف الموجه النقشبندي

» االرحلة الالهية
	تفسير سورة آل عمران Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:34 pm من طرف الموجه النقشبندي

أقسام المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لـ{منتدى الطريقه النقشبنديه} ®
حقوق الطبع والنشر © مصر 2010-2012
@ الطريقه النقشبنديه للتعارف والاهداءات والمناسبات @المنتدى الاسلامى العام @ الفقه والفتاوى والأحكام @ منتدى الخيمه الرمضانيه @ قسم الصوتيات والمرئيات الاسلاميه @ الطريقه النقشبنديه للثقافه والموضوعات العامه   منتدى الطريقه النقشبنديه للحديث الشريف @ منتدى الطريقه النقشبنديه للعقيده والتوحيد @ منتدى الطريقه النقشبنديه للسيره النبويه @ منتدى مناقب ال البيت @ منتدى قصص الأنبياء @ شخصيات اسلاميه @   الطريقه النقشبنديه والتصوف الاسلامى @ الطريقه النقشبنديه @ صوتيات ومرئيات الطريقه النقشبنديه @ رجال الطريقه النقشبنديه @ @  قصائد نقشبنديه @  منتدى قصائد أهل التصوف والصالحين @ منتدى سيرة ألأولياء والصالحين @ شبهات وردود حول التصوف الاسلامى @ التزكيه والآداب والسلوك @ أذواق ومشارب الساده الصوفيه @ الصلوات المحمديه على خير البريه @ أحزاب وأوراد @ أدعيه وتوسلاات @   تفسير الروىء وألأحلام @  منتدى الروحانيات العامه @  منتدى الجن والسحر والعفاريت @  منتدى الكتب والمكتبات العامه @ منتدى الكتب والمكتبات الصوفيه @ منتدى كتب الفقه الاسلامى @ كتب التفاسير وعلوم القران @ كتب الحديث والسيره النبويه الشريفه @ منتدى الابتهالاات الدينيه @ منتدى المدائح المتنوعه @ منتدى مدائح وأناشيد فرقة أبو شعر @ منتدى مدح الشيخ ياسين التهامى @ منتدى مدح الشيخ أمين الدشناوى @ منتدى القصائد وألأشعار @ منتدى الأزهر الشريف التعليمى @ منتدى معلمى الأزهر الشريف @ منتدى رياض الأطفال @ منتدى تلاميذ المرحله الابتدائيه @ منتدى طلاب وطالبات المرحله الاعداديه @ منتدى التربيه والطفل @ منتدى الاسره والمجتمع @ منتدى المرأه المسلمه @ منتدى الترفيه والتسليه @ منتدى الطريقه النقشبنديه للصور الاسلاميه @ منتدى صور الصالحين @ منتدى غرائب وعجائب الصور @ الصور والخلفيات العامه والمتحركه @ منتدى الطب النبوى @ أمراض وعلاج @ منتدى الوقايه خير من العلاج @ قسم الجوال والستالاايت @ قسم البرامج العامه للحاسوب @ دروس وشروحات فى الحاسوب @ تطوير مواقع ومنتديات @ انترنت وشبكات @ منتدى الشكاوى والمقترحات @ منتدى التبادل الاعلانى @
الدخول السريع
  • تذكرني؟
  • اليكسا
    التسجيل
    حفظ البيانات؟
    متطلبات المنتدى
    أرجو قفل الموضوع


    هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

    و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

    للتسجيل اضغط هـنـا

    تنويه
    لا يتحمّل منتدى الطريقه النقشبنديه الصوفيه أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها من قبل الساده الأعضاء أو المشرفين أو الزائرين
    ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم   التي تخالف القوانين
    أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    مواضيع مماثلة
    rss
    Preview on Feedage: free Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
    Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
    Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

    الطريقه النقشبنديه

    قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى الطريقه النقشبنديه على موقع حفض الصفحات