منتدى الطريقه النقشبنديه
الإنسان الكامل خليفة الله 412252
عزيزى الزائر/ عزيزتى الزائره
يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت
عضو معنا
أو التسجيل ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
الإنسان الكامل خليفة الله 862936
الإنسان الكامل خليفة الله 22-4-99
ادارة المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه
الإنسان الكامل خليفة الله 412252
عزيزى الزائر/ عزيزتى الزائره
يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت
عضو معنا
أو التسجيل ان لم تكن عضو وترغب فى الانضمام الى أسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
الإنسان الكامل خليفة الله 862936
الإنسان الكامل خليفة الله 22-4-99
ادارة المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الطريقه النقشبنديه

تصوف اسلامى تزكية واداب وسلوك احزاب واوراد علوم روحانية دروس وخطب كتب مجانية تعليم برامج طب و اسرة اخبار و ترفيه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإنسان الكامل خليفة الله

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: الإنسان الكامل خليفة الله   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:31 pm

الباب الثاني

الإنسان الكامل خليفة الله

«أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ»(1)

(ب) مثل هذا الإنسان هو خليفة الله كما يدل على ذلك قوله تعالى: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) حيث ان الوصف دائمي لحقيقة الحقائق «جاعل» ، اذن يجب أن يكون المجعول دائماً كذلك لأنه تعالى يقول: جاعل وهي غير جعلت وأجعل ونحوهما، وجاعل ليس مقيداً بشخص ما أو زمان خاص حتى تكون عبارات مثل: (إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً) (يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً)محدودة.

والخليفة يجب أن يكون على صفات المستخلف عنه وفي حكمه، وبخلافه فانّه ليس بخليفة، لذا قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) حيث استخدم الجمع المحلى بالألف واللام المؤكدة بـ «كلّ» وقدم كلّ ذلك على «الخليفة» لأهميته.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق».

اذن فان الآية في دلالتها على لزوم وجود الخليفة إلى يوم القيامة من الاُمهات والمحكمات، وكما أن ذلك يدل على المعنى المذكور فإنه يدل أيضاً على أن تعيين الخليفة ليس من مسؤولية الاُمة فافهم.


تعريف الاسم وتوقيفه واشتقاقه


المطلب المهم في هذا المقام هو المعرفة بمعنى الاسم في اصطلاح أهل التحقيق أعني أهل المعرفة والولاية، والّذي هو نفس الاسم الوارد في الكتاب والسنّة. نقول في بيان ذلك.

محض الوجود البحت مبني على أساس المفهوم القويم للوحدة الشخصية للوجود بحيث يكون مبرءاً عن ممازجة ومخالطة الغير ويعبرون عن ذلك بغياب الهوية واللاتعيّن، ويقولون أيضاً (حضرة الاطلاق الذاتي) والّذي لا مجال لأي وجه من الاعتبارات فيه حتى اعتبار عدم الاعتبار أيضاً لا يوجد فيه، وغير مشوب بأي نوع من اللواحق الاعتبارية وان التركيب والكثرة لا طريق لهما إليه اطلاقاً. وهذا المقام هو اللااسم واللارسم، (لأن اسم الذات مأخوذ بصفة ونعت ما، أي أن يؤخذ متن الذات وعينها باعتبار معنى من المعاني (سواء كانت تلك المعاني وجودية أو عدمية)، فذلك المعنى يسمونه صفة أو نعتاً، وإن شئت قلت: الذات باعتبار تجل من تجلياته هو الاسم كما في الرحمن والرحيم والراحم والعليم والعالم والقاهر والقهار حيث أن عين الذات مأخوذة بصفات الرحمة والعلم والقهر، وان الأسماء المحفوظة والمتداولة هي أسماء هذه الأسماء العينية.

والفرق بين التعبيرين كما يلي:

ان الأوّل وبما أن حقيقة الوجود مأخوذة بتعيّن من تعيّنات صفاته الكمالية فهو اسم ذاتي أما الثاني فلأن الذات مأخوذة باعتبار تجل خاص من التجليات الالهية فهو اسم فعلي، والّذي سيأتي تفصيله لاحقاً.

من هذا البيان المذكور في تعريف الاسم، يتضح مراد الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة(عليهم السلام) من أن الاسم غير المسمى، وكذلك مراد أهل التحقيق في الصحف العرفانية في أن الاسم عين المسمى. فهو غير صحيح وهو عين الصحيح أيضاً. يقول عارف الجندي في رسالته:

«مقتضى الكشف والشهود أن الاسم الله ليس عين المسمّى من جميع الوجوه بل من وجه كسائر الأسماء»(2).

فكلام الجندي هذا ناظر لمقام الواحدية لا الأحدية. ويقول القيصري في بداية شرح (الفص الآدمي) من فصوص الحكم:

«ان جميع الحقائق الأسمائية في الحضرة الأحدية عين الذات وليست غيرها، وفي الواحدية عينها من وجه وغيرها من آخر»(3) يعني عينها من وجه المصداق والوجود، وغيرها من وجه المفهوم والحدود.

وكذلك يعرف المراد من توقيفية الأسماء الالهية في المنظر الأعلى لأهل المعرفة كما أفاد بذلك صائن الدين عليّ بن تركه في «تمهيد القواعد» في شرحه لرسالة جده أبي حامد:

«ان لكل اسم مبدأً لا يظهر ذلك إلاّ في موطن خاص من مواطن تنوعات الذات ومرتبة مخصوصة من مراتب تنزلاتها لا يطلق ذلك الاسم عليها إلاّ بذلك الاعتبار وهذا معنى من معاني ما عليه أئمة الشريعة رضوان الله عليهم أنّ أسماء الحقّ توقيفية»(4).

نقول توضيحاً: الأسماء حقائق عينية، والظهورات والبروزات هي تجليات الهوية المطلقة. وهذه هي هوية مطلق الوجود والوجود المطلق باطلاق السعي الكلي وهي الصمد، يعني (لا جوف ولا خلاء له) وهذا الظهور وبروز التجلي يعبّر عنه بالاسم، وبحسب غلبة أحد الأسماء في مظهر ما، يسمى ذلك المظهر بذلك الاسم الغالب.

لقد ذكرنا قيد الغلبة لنبين أن سلطان الوجود أنّى نزل بجلاله فإن جميع عساكر الأسماء والصفات تكون بمعيته لأنها من لوازمه حيث ان هذه اللوازم تكون ظاهرة في بعض المظاهر وباطنة في بعضهاالآخر كما سيأتي بحثه التفصيلي لاحقاً.

الاسم على قسمين: أحدهما: اسم تكويني عيني خارجي والّذي هو شأن من شؤون الذات الواجبة الوجود (كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأن)(5).

والاسم الآخر: هو الاسم الّذي هو عبارة عن اللفظ.

والمرتبة العالية للاسم القرآني والعرفاني هو الأوّل وليس الثاني (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا)(6).

وان كان لكل من الاسم واسم الاسم أحكامه الخاصة وفق حكم الشرع.

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ أيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى)(7).

ولما لم يكن ثمة مرجع للضمير في كلمة (فله) ـ في هذه الآية الكريمة ـ فإنه يُحكم بأن كلمة «هو» هي الأسماء الحسنى، نعم (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)(8).

وتمثيلا نقول: ان الذات مع الصفة المعينة الّتي هي الاسم مثل أمواج البحر الّتي تعكس تطورات تكسرات ماء البحر، فكل موج هو ماء متشئن بحد وهو الانكسار فليس لهذه الأمواج وجودات استقلالية على الرغم من أن كلا منها ليس بحراً لكنها ليست منفصلة عن البحر أيضاً. فذات الماء بتكسر خاص هو موج، وهذا الموج هو أحد الأسماء، وموج آخر هو اسم آخر، وإذا أردنا أن نضع لهذه الأسماء الشؤونية لبحر الألفاظ بما تقتضيه خواص الماء في هذه المظاهر، وبحسب غلبة وصف من أوصافها فإن هذه الألفاظ هي أسماء لتلك الأسماء الشؤونية والّتي هي أسماء الأسماء.

ولزيادة التبصر والفهم نرى من الصواب أن ننقل بعضاً من أقوال أساطين فن العرفان في تعريف الاسم. قال عبدالرزاق القاساني في الاصطلاحات: «ان الاسم باصطلاحهم هو اللفظ بل هو ذات المسمى باعتبار صفة وجودية، كالعليم والقدير، أو سلبية كالقدوس والسلام».

قال القيصري في الفصل الثاني من مقدمات شرح فصوص الحكم:

«والذات مع صفة معينة، واعتبار تجل من تجلياته تسمى بالاسم فإنّ الرحمن ذات لها الرحمة، والقهار ذات لها القهر. وهذه الأسماء الملفوظة هي أسماء الأسماء. ومن هنا يعلم أن المراد بأن الاسم عين المسمى ما هو»(9) انتهى ما أردنا من نقل كلامه.

متى ما أخذ عين الذات يعني حقيقة الوجود مع صفة معينة من صفاته الكمالية فهو اسم ذاتي، ومتى ما أخذ الذات مع اعتبار تجل خاص من تجلياته فهو اسم فعلي. وفي هذا المجال يُنقل الكثير من التحقيقات والتوضيحات المستفيضة من كلام المتأله السبزواري. ولقد ذكرنا في تعبيراتنا العين والمتن لغرض التمييز بينها وبين الاسم المشتق المستخدم في العلوم الرسمية، فتبصّر.


وتأتي أهمية الّذي فعله القيصري بعد تعريف الاسم انّه قال: «ومن هنا يعلم أن المراد أن الاسم عين المسمى ما هو» بسبب ما كان موجوداً من نزاع كلامي متجذّر في المؤلفات حول ما إذا كان اسم العين مسمى أو غير ذلك، ولهذا السبب أيضاً طُرحت أسئلة على الأئمة الهداة المهديين بخصوص هذا الباب وهو هل ان الاسم عين المسمى أم غير ذلك. وفي المجامع الروائية ـ مثلا ـ في باب معاني الأسماء في كتاب التوحيد في اُصول الكافي روى باسناده.

«عن هشام بن الحكم انّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن أسماء الله واشتقاقها، الله مما هو مشتق؟ فقال: يا هشام الله مشتق من اله واله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمى فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً. ومن عبد الإسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين. ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟ قال: قلت زدني. قال: لله تسعة وتسعون اسماً فلو كان الاسم هو المسمّى لكان لكلّ اسم منها الهاً ولكن الله معنىً يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلها غيره. يا هشام الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم، فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام. قال: فهو الله ما قهرني أحد في التوحيد متى قمت مقامي هذا».

قال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في الفص الشيثى من «فصوص الحكم».

«وعلى الحقيقة فما ثمة إلاّ حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات الّتي كنّى عنها بالأسماء الإلهية».




قال صدر المتألهين في شرح آية الكرسي

«والتكثّر في الأسماء بسبب تكثر الصفات، وذلك التكثّر أنما يكون باعتبار مراتبها الغيبية الّتي هي مفاتيح وهي معان معقولة في عين الوجود الحقّ بمعنى أن الذات الإلهية بحيث لو وجد في العقل أو أمكن أن يلحظها الذهن لكان ينتزع منه هذه المعاني ويصفها به فهو في نفسه مصداق لهذه المعاني» انتهى.




قال الفيض المقدس في علم اليقين

«إنما يفيض الله سبحانه الوجود على هياكل الموجودات بواسطة أسمائه الحسنى قال عزّ وجلّ (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) والاسم هو الذت من حيث تقيده بمعنى، أي الذات الموصوفة بصفة معينة كالرحمن، فإنه ذات لها الرحمة، والقهار ذات لها القهر، ومن هنا قال (سبّح اسم ربّك) فاسمه سبحانه ليس بصوت فإنه لا يسبّح بل يسبّح به، وقال: (تبارك اسم ربّك ذو الجلال والاكرام) فوصفه بذلك يدلّ على أنه حيّ لذاته فالاسم هو عين المسمّى باعتبار الهوية والوجود وإن كان غيره باعتبار المعنى والمفهوم فهذه الأسماء الملفوظة هي أسماء الأسماء. سئل الإمام الرضا(عليه السلام) عن الاسم ماهو؟ قال: «صفة لموصوف» وعن الصادق(عليه السلام) : «من عبد الله بالتوهم فقد كفر، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته الّتي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه به ونطق به لسانه في سرّ أمره وعلانيته فاُولئك هم المؤمنون حقّاً»(10).


قال المتألّه السبزواري في شرح الأسماء (بند 56 يا من له الأسماء الحسنى):

«الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود مأخوذة بتعين من التعينات الصفاتية من كمالاته تعالى، أو باعتبار تجلّ خاص من التجليات الإلهية (وهذا اسم فعل والأوّل اسم ذاتي. وهذا ظهور على الماهية الإمكانية كماهية العقل الكلي، والأوّل ظهور بمفهوم الصفة الواجبة الذاتية) . فالوجود الحقيقي مأخوذاً بتعين الظاهرية بالذات والمظهرية للغير الاسم النور، وبتعين كونه ما به الانكشاف لذاته ولغيره الاسم العليم، وبتعين كونه خيراً محضاً وعشقاً صرفاً الاسم المربد، وبتعين الفياضية للنورية عن علم ومشية الاسم القدير، وبتعين الدراكية والفعالية الاسم الحي، وبتعين الاعراب عمّا في الضمير المخفي والمكنون الغيبي الاسم المتكلم وهكذا . وكذا مأخوذاً بتجل خاص على ماهية خاصة بحيث يكون كالحصة الّتي هي الكلي المضاف إلى خصوصية تكون الاضافة بما هي اضافة وعلى سبيل التقيد لا على سبيل كونها قيداً داخلة والمضاف إليه خارجاً لكن هذه بحسب المفهوم، والتجلي بحسب الوجود اسم خاص، والمقصود أنه كما أنّ مغايرة الكلي والحصة اعتبارية اذ التغاير ليس إلاّ بالاضافة وهي اعتبارية والمضاف إليه خارج كذلك التجلي ليس إلاّ ظهور المتجلى وظهور الشيء لا يباينه، إلاّ أن الكلي والحصة يطلقان في عالم المفاهيم والمتجلي والتجلي يطلقان على الحقيقة.

فنفس الوجود الّذي لم يلحظ معه تعين ما بل بنحو اللا تعين البحت هو المسمى، والوجود بشرط التعين هو الاسم، ونفس التعين هو الصفة، والمأخوذ بجميع التعينات الكمالية اللائقة به المستتبعة للوازمها من الأعيان الثابتة الموجودة، بوجود الأسماء كالأسماء بوجود المسمى هو مقام الأسماء والصفات الّذي يقال له في عرفهم المرتبة الواحدية كما يقال للموجود الّذي هو اللاتعين البحت: المرتبة الأحدية. والمراد من اللاتعين عدم ملاحظة التعين الوصفي (قد يطلق التعين ويراد به التشخص أي ما به يمنع عن الصدق على الكثرة، ويقال له الهوية ولا هو إلاّ هو، وقد يطلق ويراد به الحد والضيق، واللاتعين هنا بهذا المعنى ومنه:


وجود اندر كمال خويش سارى است *** تعيّنها امور اعتبارى است(11)

وأما بحسب الوجود والهوية فهو عين التشخص والتعيّن والمتشخص بذاته والمتعين بنفسه. وهذه الألفاظ ومفاهيمها مثل الحي العليم المريد القدير المتكلم السميع البصير وغيرها أسماء الأسماء.

إذا عرفت هذا عرفت أنّ النزاع المشهور المذكور في تفسير البيضاوي وغيره من أن الاسم عين المسمّى أو غيره مغزاه ماذا، فإنّ الاسم علمت أنه عين ذلك الوجود الّذي هو المسمى، وغيره باعتبار التعيّن واللاتعين، والصفة أيضاً وجوداً ومصداقاً عين الذات ومفهوماً غيره، فظهر أنّ بيانهم في تحرير محل النزاع غير محرر بل لم يأتوا ببيان، حتى ان شيخنا البهائي أعلى الله مقامه قال في حاشيته على ذلك التفسير: قد تحيّر نحارير الفضلاء في تحرير محل البحث على نحو يكون حرباً بهذا التشاجر حتى قال الإمام في التفسير الكبير: ان هذا البحث يجري مجرى العبث وفي كلام المؤلف ايماءً إلى هذا أيضاً انتهى كلامه رفع مقامه.

(قوله: «حتى قال الإمام...» لانه ان اريد به اللفظ فلا ريب انّه غير المسمى، أو المعنى فلا شك أنه عينه، أو الصفة فهو مثلها في العينية والغيرية والواسطة عند الأشعري. والفرق بين الاسم والصفة كالفرق بين المشتق ومبدئه فالعليم والقدير مثلا اسم والعلم والقدرة صفة فالنزاع عبث لا طائل تحته).

وأنا أقول: لو تنزلنا عمّا حرّرنا على مذاق العرفاء الشامخين نقول: يجري النزاع في اللفظ بل في النقش إذ لكلّ شيء وجود عيني وذهني ولفظي وكتبي والكل وجوداته وأطواره وعلاقتها معه أما طبيعية أو وضعية فكما أنّ وجوده الذهني وجوده، كذلك وجوده اللفظي والكتبي إذا جعلا عنوانين له آلتين للحاظه فإنّ وجه الشيء هو الشيء بوجه وظهور الشيء هو هو فإذا سمع لفظ السماء مثلا أو نظر إلى نقشه يستغرق في وجوده الذهني الّذي هو أربط وأعلق به ولا يلتفت إلى أنه كيف مسموع أو مبصر بل جوهر بجوهريته وظهور من ظهوراته وطور من أطواره، ومن ثم لا يمسّ نقش الجلالة بلا طهارة ويترتب على تعويذه وتعويذ أسماء الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) الآثار.


(وكذا خطّ المصحف ومن ثم يصحّح قول المتكلم القائل بأن كلام الله قديم حتى ما بين الدفتين لأن القرآن له منازل عالية ومجالي شامخة إلى العلم العنائي حتى ان المشائين عندهم الصور العملية القديمة كلمات الله وكلّ واحدة منها كالكاف والنون لأنها علة لما يكون وخطاب لم يزل بما لا يزال ان الكلام لفي الفؤاد، والحروف في نقطة المداد).

ثم انّه يمكن أن يراد بالأسماء الحسنى في هذا الاسم الشريف الأئمة الأطهار كما ورد عنهم(عليهم السلام) «نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل الله عملا إلاّ بمعرفتنا» وفي كلام أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام): «إنا الأسماء الحسنى» فإن الاسم من السمة وهي العلامة ولا شك أنهم علائمه العظمى وآياته الكبرى كما قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من رآني فقد رأى الحقّ». ولأن مقام الأسماء والصفات مقامهم(عليهم السلام) وحقّ معرفته حاصل لهم والتحقق بأسمائه والتخلّق بأخلاقه حقهم فهم المرحومون برحمته الصفتية، والمستفيضون بفيضه الأقدس كما أنهم مرحومون برحمته الفعلية والفيض المقدس، وأما معرفة كنه المسمّى والمرتبة الأحدية فهي مما استأثرها الله لنفسه. (قولنا ولأن مقام الأسماء والصفات مقامهم أي الأسماء والصفات الّتي في المرتبة الواحدية كما يقال لها «سدرة المنتهى» لأنها منتهى مسير الكمل وظهور الذات بها رحمته الصفتية كما أن أشراقه على الماهيات الإمكانية رحمته الواسعة الفعلية ولا يقبل الله عملا بمعرفتنا لأنا وسائط الحادث بالقديم والأسماء الحسنى روابط ومخصصات لفيضه المطلق ولولاها لم يتحقق عالم الكثرة) »(12).

وخاتمة كلام المرحوم الحاجي في شرح الأسماء مع تعليقاته ما نقلناه بين هلالين، ولهذه الشخصية مطالب مفيدة في تبيين مراتب وجود الشيء في «اللئالي المنظومة» في المنطق وكذلك في الشرح والحواشي حيث يقول:

وإنّ في وجودات الاُمور رابطة *** ترشدكم صناعة المغالطة

وتلك عيني وذهني طبع *** ثمة كتبي ولفظي وضع

ويقول الشيخ البهائي في الكشكول:

«اعلم أن أرباب القلوب على أن الاسم هو الذات مع صفة معينة، وتجل خاص وهذا الاسم هو الّذي وقع فيه التشاجر مع إنه هو عين المسمى أو غيره، وليس التشاجر في مجرد اللفظ كما ظنّه المتكلمون فسوّدوا قراطيسهم وأفعموا كراديسهم بما لا يجدي بطائل ولا يفوق العالم به على الجاهل»(13).

كانت تلك بعضاً من مقولات أساتيذ هذا الفن بخصوص تعريف الاسم والصفة رأينا أن ننقلها لغرض المزيد من التبصر في رفع أي ابهام في معنى الاسم والّذي يعتبر من أهم الاُمور في مسائل موضوع الرسالة.

وخلاصة القول ان وحدة الظاهر وكثرة وتعدد المظاهر والّتي هي في الواقع من شؤون وظهورات وبروزات وتجليات الهوية المطلقة أي نفس تلك الوحدة الحقة الحقيقية، يلزم تدقيق الفكر وتلطيف السريرة وكذلك هو ما نقله العلاّمة الشيخ البهائي في الكشكول.

«قال السيدالشريف في حاشية شرح التجريد:إن قلت:ما تقول في من يرى أن الوجود مع كونه عين الواجب وغير قابل للتجزّي والانقسام قد انبسط على هياكل الموجودات وظهر فيها فلا يخلو منه شيء من الأشياء بل هو حقيقتها وعينها وإنما امتازت وتعينت بتقيدات وتعينات وتشخصات اعتبارية ويمثل بالبحر وظهوره في صورة الأمواج المتكثرة مع أنه ليس هناك إلاّ حقيقة البحر فقط؟

قلت: هذا طور وراء طور العقل لا يتوصل إليه إلاّ بالمجاهدة الكشفية دون المناظرات العقلية وكلّ ميسر لما خلق له»(14).


ان الاسم الّذي يكون موجباً لارتقاء واعتلاء الجوهر الإنساني هو اسم عيني

ان الاسم الّذي يكون موجباً لارتقاء واعتلاء الجوهر الإنساني والّذي بارتقائه درجة درجة يصل إلى منزلة يكون قادراً فيها على التصرف بمادة الكائنات هو الاسم العيني حيث ان الإنسان وبحسب الوجود والعين إذا اتصف بأي اسم من الأسماء الإلهية والّتي هي كلمات «كن» الباري فإن سلطان ذلك الاسم وخواصه العينية تظهر فيه، فيصبح هو الاسم، وعندها يمكنه أن يفعل ما كان يفعله المسيح.

وهذا حديث شريف رواه الصدوق بإسناده في معاني الأخبار عن أبي إسحاق الخزاعي عن أبيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «دخلت مع أبي عبدالله(عليه السلام)على بعض مواليه يعوده، فرأيت الرجل يكثر من قوله آه، فقلت: يا أخي اُذكر ربّك واستغث به، فقال أبو عبدالله(عليه السلام): «وان آه من أسماء الله عزّوجلّ فمن قال آه فقد استغاث بالله تبارك وتعالى»(15).

التجليات الأسمائية وغاية الحركة الوجودية والايجادية

لقد عبّر القرآن الكريم وروايات أهل العصمة والوحي(16) عن التجليات والّتي هي الظهورات نفسها بتعبير اليوم: (كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأن)(17) هذه التجليات والظهورات، هي عبارة عن انفطار الموجودات عن ذات الواجب تعالى، وان اشتقاق هذه الكلمات الوجودية يكون من مصدرها والّذي هو الوجود الواجب، والجميع قائم به على نحو قيام الفعل بالفاعل، والمعلول بالعلة، والفرع بالأصل، كما يقال: (انفطر النور من الشجر).

ان الأسماء الالهية تعريف للصفات الجمالية والجلالية للذات المقدسة للحقّ تعالى وهذه الأسماء باعتبار الجامعية يتميز بعضها على البعض الآخر بالفضل والمزية والمرتبة حتى تنتهي بكلمة الجلالة «الله» وهي الاسم الأعظم والكعبة لجميع الأسماء حيث الجميع طائف حولها، وكذلك فإن مظهر الاسم الأعظم وتجلّيه الأتم (الإنسان الكامل) هو كعبة الجميع، ولا يوجد فرد آخر أليق منه بذلك، بل هو في الحقيقة الاسم الإلهي الأعظم، وهو في زمان الغيبة خاتم الأولياء قائم آل محمّد المهدي الموعود (الحجة بن الحسن العسكري) صلوات الله عليهم أجمعين.


ولبقية الأوتاد والأبدال الكمّل، وكذا الأفراد غير الكمّل القرب المعنوي من مركز دائرة الكمال، كلٌّ حسب حظه ونصيبه من التحقق بالأسماء الحسنى والصفات الإلهية العليا وبالشكل الّذي سنوضحه لاحقاً في هذه الرسالة، بعد امداد الممدّ والمفيض وبالاعتماد على أولياء الحقّ والاستمداد من تلك الأرواح القدسية كالشمس في السماء الصاحية.

والأهم من ذلك هو اتصاف الإنسان وتخلقه بحقائق الأسماء الّتي تمثل الثروة الواقعية والسعادة الحقيقية له.

وإن كان معرفة لغات الأقوام وألسنتهم فضلا، إلاّ أن الّذي يكون منشأ للآثار الوجودية وموجباً لقدرة وقوة النفس الناطقة وسبباً لقربها من الجمال والجلال المطلق هو أن تكون مظهر الأسماء وتصير حقائقها الوجودية صفات وملكات في النفس.

فلو كان تعلّم الأسماء (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا)(18) تعليماً للألفاظ واللغات فكيف يمكن أن يكون ذلك سبباً لتفاخر آدم واعتلائه على الملائكة. ان المرحلة العليا الّتي يبلغها إنسان ما إذا كان مطلعاً وعارفاً بلغة أجنبية هي أن يكون بمستوى فلاّح عامي من أهل تلك اللغة، وقد لا يصل إلى هذه المرتبة. لذا قال أمين الإسلام الطبرسي في المجمع في تفسير هذه الآية: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا): أي علّمه معاني الأسماء إذ الاسم بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لإشارة الفضيلة بها». ثم يقول: «وقد رُوي عن الصادق(عليه السلام) أنه سُئل عن هذه الآية فقال: «الأرضين والجبال والشعاب والأودية. ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط مما علمه».

نستنتج من البيان الّذي قدمناه في الاسم والمسمى بأن هذه التجليات والظهورات هي انفطار الموجودات من الذات الواجبة، وان اشتقاق هذه الكلمات الوجودية يكون من مصدرها والّذي هو الوجود الواجب، والجميع قائم به بنحو قيام الفعل بالفاعل، والمعلول بالعلة، والفرع بالأصل كما يقال (انفطر النور من الشجر) وكم لحديث الاشتقاق من عذوبة في هذا المقام!




حديث الاشتقاق وبعض الاشارات واللطائف المستفادة منه

من خلال المطالب الّتي قدمناها في بحث الاسم يمكن أن نفهم معنى اشتقاق الأسماء من الذات الواجبة تعالى وكذلك حديث «نحن الأسماء الحسنى» ونظائره المروية عنهم(عليهم السلام) في المجاميع الروائية عن الوسائط بين القديم والحادث.

ان الاشتقاق الصرفي والأدبي هو مظهر أو صورة لهذا الاشتقاق، فالسلسلة الطولية للعوالم وفي جميع أحكامها الوجودية تحكي بصورة رقيقة وحقيقية عن أحدها الآخر أن المرتبة العالية هي الحقيقة الدانية وأن المنزلة الدانية هي الرقيقة العالية.

وفي تفسير الصافي للمرحوم الفيض جاء ضمن تفسير الآية الكريمة: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) ورد هذا الحديث الشريف الّذي نرجو التبرك بنقله:

«قال عليّ بن الحسين(عليه السلام) : حدّثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا عباد الله ان آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال يا ربّ ما هذه الأنوار؟ فقال عزّوجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح. فقال آدم: يا ربّ لو بينتها لي، فقال الله عزّوجلّ: اُنظر يا آدم إلى ذروة العرش. فنظر آدم(عليه السلام) ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا الّتي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرأة الصافية فرأى أشباحنا فقال: ما هذه الأشباح يا ربّ؟ قال الله: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمّد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسماً من اسمي.

وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم شققت له اسماً من اسمي.

وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعيرهم ويشينهم، فشققت لها اسماً من اسمي.

وهذا الحسن والحسين وأنا المحسن المجمل شققت اسميهما من اسمي.

هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم اُعطي وبهم اُعاقب وبهم اُثيب، فتوسّل بهم إليَّ. يا آدم دهتك داعية فاجعلهم الي شفعاءك فإنّي آليت على نفسي قسماً حقّاً إلاّ اُخيّب بهم أملا ولا أرد بهم سائلا فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عزّوجلّ بهم فتيب عليه وغُفرت له».


من هذا الحديث الشريف يظهر أن العرش مراتب ودرجات، ولذلك قال: «من ذروة العرش، من أشرف بقاع عرشي» وكم هو عظيم المنزلة تقابل الظهر والوجه وخاصة كلمة الظهر الّتي تشعر أيضاً ان ظهور تلك الأشباح في النشأة العنصرية هي في ظهر ووراء آدم اضافة إلى أنه أظهر آدم على أنه مرآة قابلة لانطباع الصور وحقائق الأنوار المجردة فاظهر بعد ذلك على أنه يملك جهازاً ومعملا لتمثيل الأنوار المجردة واظهارها على صورة أشباح (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً)(19) فسبحان الله الّذي أعظم شأن الإنسان أي تعظيم.

في باب الروح من توحيد الكافي(20) باسناده عن محمّد بن مسلم قال:

سألت أبا جعفر(عليه السلام) عما يروون أن الله خلق آدم على صورته، فقال: «هي صورة محدثة مخلوقة واصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال بيتي ونفخت من روحي».

والحديث بعد ذلك عن «شققت له اسماً من اسمي» حيث قال: (شققت) ولم يقل (جعلت) أو تعبيرات اُخرى مشابهة فهذا الاشتقاق هو انشقاق وانفطار اسمي من الذات السبحانية الّتي لا نظير ولا قبيل لها. اسم بذلك المعنى السابق بخصوص الاسم الأسمى والكلمة العليا الّتي يكون ذاته وصفاته وأفعاله المصدر الأتم، والناطق بـ «اُوتيت جوامع الكلم» إذ يكون المصدر ومصدره في فعاله حميداً ومحموداً.

في الاشتقاق الأدبي الّذي هو ظل لهذا الاشتقاق كلّ صيغة مشتقة هي مصدر متعين بتعيّن خاص وصيغة لفعله تبين هيئة وكيفية الفعل والّتي هي صياغة خاصة، وإنما يطلق على الصائغ كذلك لأن عمله صياغة الذهب واظهاره بصيغ وهيئات مختلفة.


فالاشتقاق الآخر هو اسم الوصيّ(عليه السلام) من الاسمين الأعظمين عليّ وعظيم.

الحديث الثاني من باب حدوث الأسماء من توحيد الكافي(21) مسنداً عن ابن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) هل كان الله عزّوجلّ عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: نعم، قلت يراها ويسمعها؟ قال: «ما كان محتاجاً إلى ذلك لأ نّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمّى نفسه ولكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأ نّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف. فأول ما اختار لنفسه: العليّ العظيم، لأ نّه أعلى الأشياء كلها فمعناه الله واسمه العليّ العظيم هو أول أسمائه علا على كلّ شيء».

الملاحظة الاُخرى الملفتة للنظر هي ان اسمي الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) كلاهما مشتقان من اسم محسن ومجمل أي أن الإمام الحسن(عليه السلام)محسن ومجمل في سيرته وكذلك الإمام الحسين(عليه السلام) سواء في ذلك الإمام الحسن(عليه السلام) في مواجهة بني اُمية لمصلحة الدين والاُمة، وثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، قال النبيّ الأكرم: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»(22) وقال أبو جعفر(عليه السلام) إنّه «يعني الحسن(عليه السلام)» أعلم بما صنع لولا ما صنع لكان أمر عظيم» وقال الحسن(عليه السلام): «ما تدرون ما فعلت والله للذي فعلت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس»(23).

كما سكت الإمام عليّ عن حقه حفاظاً على الإسلام والمسلمين ويمكن اعتبار الخطبة الشقشقية وثيقة مهمة في هذا المجال.

والاحسان على مراتب والإنسان الكامل حائز لهذه المراتب كلها. وقد تحدث الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في (الفتوحات المكية) باب أربعمائة وستون عن الإسلام والإيمان والإحسان، ومن جملة ما قاله ما يلي:

«ورد في الخبر الصحيح الفرق بين الإيمان والإسلام والإحسان فالإسلام عمل والإيمان تصديق والإحسان رؤية أو كالرؤية فالإسلام انقياد والإيمان اعتقاد والإحسان اشهاد فمن جمع هذه النعوت وظهرت عليه أحكامها عم تجلي الحقّ له في كلّ صورة».

وله بحث مفيد في الباب 558 حول الاحسان قال فيه:

«قال جبرائيل(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : الاحسان أن تعبد الله كأ نّك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك. وفي رواية: فإن لم تكن تراه فإنه يراك فأمره أن يخيله ويحضره في خياله على قدر علمه به فيكون محصوراً له، وقال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ) فمن علم قوله: «ان الله خلق آدم على صورته»، وعلم قوله عليه الصلاة والسلام: «من عرف نفسه عرف ربّه» ، وعلم قوله تعالى: (وَفِي أنفُسِكُمْ أ فَلا تُبْصِرُونَ) (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآ فَاقِ وَفِي أ نْفُسِهِمْ) علم بالضرورة أنه إذا رأى نفسه هذه الرؤية فقد رأى ربّه بجزاء الإحسان وهو أن تعبد الله كأنّك تراه إلاّ الاحسان وهو أنك تراه حقيقة كما أريته نفسك... الخ.

ذكر ابن الفناري في كتابه (مصباح الانس) في الفصل الأوّل لسورة الفاتحة بحثاً مفصلا حول الاحسان ومراتبه، ونقل شواهد نقلية في هذا المجال، وذكر العلاّمة القيصري خلاصة ذلك في شرح الفص الشعيبي (ص 282) وفي بداية الفص الإسحاقي (ص 189) وفي بداية الفص اللقماني من «فصوص الحكم»:

الإحسان لغة فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير بالمال والقال والفعل والحال كما قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «وإن الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، الحديث». وفي ظاهر الشرع: «أن تعبد الله كأنك تراه» كما في الحديث المشهور، وفي باطنه والحقيقة شهود الحقّ في جميع المراتب الوجودية إذ قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): كأنك تراه تعليم وخطاب لأهل الحجاب.

فللإحسان مراتب ثلاث:

أولها: اللغوي وهو أن تحسن على كلّ شيء على من أساء اليك وتعذره وتنظر على الموجودات بنظر الرحمة والشفقة.

وثانيها: العبادة بحضور تام كأنّ العابد يشاهد ربّه.

وثالثها: شهود الربّ مع كلّ شيء وفي كلّ شيء كما قال تعالى: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى) أي مشاهد لله تعالى عند تسليم ذاته وقلبه إليه.

قال الوصيّ(عليه السلام): «قيمة كلّ امريء مايحسن» يقول الجاحظ في (البيان والتبيين)(24) بعد نقله النص المذكور: «فلو لم نقف من هذا الكتاب إلاّ على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله عزّوجلّ قد ألبسه من الجلالة وغشّاه من نور الحكمة على حسب نيّة صاحبه وتقوى قائله».

ومن النكت المهمة في حديث الاشتقاق المذكور هو ما جاء في آخره في وصف تلك الأنوار حيث يقول: «هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم اُعطي وبهم اُعاقب وبهم اُثيب».

نفس هذا التعبير جاء بخصوص العقل أيضاً كما روى ذلك ثقة الإسلام الكليني في بداية اُصول الكافي وبداية الحديث هو: روى بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليَّ منك ولا أكملتك إلاّ فيمن اُحب، أما اني إياك آمر وإياك أنهي وإياك اُعاقب وإياك اُثيب».

روي هذا الحديث في كتب الفريقين بأسانيد وصور متعددة، ونُقل بشكل مفصل ومبسوط في الباب الثالث والخمسين من إرشاد القلوب للديلمي، وهو الحديث الأوّل في ذلك الباب، وذُكرت فيه ملاحظات غاية في الدقة والأهمية.

والغرض من كلّ ذلك هو أن أوصاف وسائط الفيض الإلهي ذُكرت في حديث الاشتقاق، وفي هذا الحديث جاءت بخصوص العقل، ومن خلال التأليف بين هذين الحديثين نحصل على هذه النتيجة وهي ان الإنسان الكامل هو العقل، وكذلك فإن النتائج الكثيرة الاُخرى الّتي يصل إليها مستنتج الحقائق من التأليف بين هاتين المقدميتن أعني الحديثين المذكورين ـ هو أن الأحاديث كالآيات يفسر بعضها بعضاً، وبعضها شاهد على البعض الآخر وحاك عنه.

قال الصادق(عليه السلام): «أحاديثنا يعطف بعضها على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم»(25).

ان لسان ولغة السفراء الإلهيين كلها أسرار، نسأل الله أن يرزقنا توفيق فهم أسرارهم ورموزهم ويمكن الاستفادة من نكت اُخرى في حديث الاشتقاق المذكور ولكن الخوض في بحثها قد يؤدي بنا إلى الخروج عن موضوع هذه الرسالة.


المراد من تعليم الأسماء مما أفاضه الفيض المقدس في تفسير تعليم الأسماء هو:

«المراد بتعليم آدم الأسماء كلها خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متبائنة حتى استعدّ لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات وإلهامه معرفة ذوات الأشياء وخواصها واُصول العلم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها والتميز بين أولياء الله وأعدائه فتأتي له بمعرفة ذلك كله مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها وبلوغه مرتبة أحدية الجمع الّتي فاق بها سائر أنواع الموجودات ورجوعه إلى مقامه الأصلي الّذي جاء منها وصار منتخباً لكتاب الله الكبير الّذي هو العالم الكبير».

هذا البيان يوضح ما ذكرناه من أن المراد من تعليم الأسماء هو امتلاك استعداد وجبلة تمكنان الإنسان أن يمثل الكون الجامع، وكان الحديث في أنّ دلالة الآية الكريمة: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) صريحة على استمرار وجود الخليفة المنصوب من قبل الله تعالى وأ نّه يجب أن يكون الخليفة وفقاً لصفات المستخلف عنه وبما أن واجب الوجود مستجمع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا فإن الخليفة أيضاً يجب أن يتصف بصفاته لذا قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) ومثل هذا الشخص مطاع من قبل الملائكة.


خليفة الله جامع لجميع أسماء الله


في هذه الآية الكريمة: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) وبلحاظ تعدد الأسماء الإلهية وأتصاف الخليفة بصفات المستخلف عنه، يتمّ وجوب استمرار وجوب الإنسان الكامل على الأرض الموجود دائماً في أفراد نوع الإنسان وهو الفرد الأكمل من جميع أفراد الكائنات في جميع الأسماء والصفات الجمالية والجلالية حتى يكون ممثلا لحضرة الاله تعالى.

فمثلا أن الحقّ واحد أحد مما يدل على اكمال وحدانية ذاته، وبناءً على ذلك فإنّه يجب أن يكون في أفراد النوع الإنساني (الّذي هو أكمل وأتم وأشرف الأنواع) من هو متميز عنهم ومنفرد في اتمام الكمال.

والحقّ جلّ وعلا عالم وعليم وأن ذلك يدل على احاطته بجميع ما سواه اذن يجب أن نجعل لله تعالى مظهراً وعلامةً في أفراد النوع الإنساني يكون علمه أتم من علم ما سواه، وهكذا في صفات القادر القدير السامع السميع البصير الخبير وبقية أسمائه اللامتناهية (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) وحتى في الأسماء الالهية المستأثرة بمعنىً.


*الله* ليس مكرراً في «الفاتحة»

ان الأسماء الالهية معرّفة للصفات الجمالية والجلالية للذات المقدسة للحقّ تعالى، وهذه الأسماء ـ باعتبار جامعيتها ـ لبعضها الفضل والمزية والمرتبة على البعض الآخر حتى تنتهي جميعها بكلمة الجلالة المباركة ألا وهي كلمة الله الذاتية «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وهذه الكلمة الذاتية (ببرهان التوحيد في الذات، وفي الالهية بحسب الوجود)، وصف وهو ربّ العالمين(الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) .

لذا فإن «الله» ليس مكرراً في الفاتحة، واسم الجلالة هو الاسم الأعظم وكعبة جميع الأسماء، وأن الجميع طائف حوله، وكذلك الإنسان فهو مظهر الاسم الأعظم وتجليه الأتمّ وهو كعبة الجميع، ولا يوجد فرد آخر أولى منه بذلك.

اذن فالإنسان هو الاسم الإلهي الأعظم. وقال بعض العلماء بأنّ «علم» اسم أعظم وقال أحد أكابر أهل المعنى: لدي عقيدة بأن «اليقين» هو الاسم الأعظم. وكلها حقّ وإن تعددت من ناحية المفهوم إلاّ أنها ليست سوى شيء واحد بحسب الوجود العيني، وهذا منقوش في الفصل الآدمي الثمين ويا له من نقش لطيف بخط الحبيب ألا وهو:


«فسمي هذا المذكور ـ يعني الكون الجامع ـ انساناً وخليفةً: فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها وهو للحقّ بمنزلة إنسان العين من العين الّذي به يكون النظر وهو المعبّر عنه بالبصر فلهذا سمّي إنساناً فإنه به نظر الحقّ إلى خلقه فرحمهم فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشأ الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، فتمّ العالم بوجوده فهو من العالم كفصّ الخاتم من الخاتم الّذي هو محل النقش والعلامة الّتي بها يختم الملك على خزائنه وسمّاه خليفة من أجل هذا لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلاّ بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل، ألا تراه إذا زال وفكّ من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحقّ فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختماً على خزانة الآخرة فكان ختماً على خزانة الآخرة ختماً أبدياً.

فظهر جميع ما في الصورة الالهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الاحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة على الملائكة.


الخلافة مرتبة جامعة لجميع مراتب العالم

لا جزم أن ذلك هو الّذي حوّل آدم إلى مرآة للمرتبة الإلهية حتى يكون قابل ظهور جميع الأسماء، وكانت تلك هي مرتبة الإنسان الكامل بالفعل لكي توصل الإنسان غير الكامل وحسب قابليته واستعداده في ظهور الأسماء من القوة إلى الفعل، علاوة على أن الإنسان هو فوق مقام الخلافة الكبرى كما أشار لذلك ابن الفناري في (مصباح الانس) حيث قال:

«إن للإنسان أن يجمع بين الأخذ الأتمّ عن الله تعالى بواسطة العقول والنفوس بموجب حكم إمكانه الباقي، وبين الأخذ عن الله تعالى بلا واسطة بحكم وجوبه فيحلّ مقام الإنسانية الحقيقية الّتي فوق الخلافة الكبرى»(26).


الإنسان الكامل هو الاسم الالهي الأعظم:

تحدثنا بعض الشيء عن كلمة «الله» الذاتية والوصفية و «الاسم الأعظم» ويطلب برهان المطلب الأوّل من الفصل الأوّل إلى الثامن من بداية آلهيات الأسفار، حيث أن الموقف الأوّل هو في التوحيد ومعرفة الله الذاتية، وثامنه في التوحيد ومعرفة الله الوصفية، الّتي تعني بالالوهية الوصف العنواني للآله وربّ العالم كما يقول في افتتاحية الفصل: «في اثبات وجوده والوصول إلى معرفة ذاته» ويقول في افتتاحية الثامن: «في أن واجب الوجود لا شريك له في الإلهية وإن إله العالم واحد»(27) وكذلك فسر معنى الالوهية في الموقف الثاني للالهيات في نهاية الفصل الرابع. والقصد من هذا التشعيب ان ذات واجب الوجود الأحد هو نفسه إله وربّ العالمين فافهم.

ويجب أن تطلب سلطان بحث الالوهية وبشكل مستوف في شرح خاتمة التمهيد(28) من كتاب (مصباح الانس) وفي شرح القيصري على (فصوص الحكم)(29) حول (الفص النوحي، والإبراهيمي(30) واليعقوبي)(31).

ولابدّ من التدبر في قول الإمام الصادق(عليه السلام) في الوصول لهذا السر المقنع حيث يقول: «اسم الله غيره ... الخ»(32).


ولأن موضوع الرسالة هو الإنسان الكامل نكتفي بهذه الإيماءة في المطلب الأوّل ونتحدث باختصار واجمال حول الاسم الأعظم فنقول:

اعلم بأن الأسماء اللفظية هي أسماء الأسماء وظلالها، والأساس هي نفس الأسماء، والّتي هي الحقائق النورية والأعيان الكونية، وقد أشاروا لهذا الظل وذي الظل بالقول «للحروف صور في عوالمها» كما ذكر الشيخ محي الدين بن عربي ذلك في الدار المكنون والجوهر المصون في علم الحروف، وقال الشيخ مؤيد الجندي في شرح الفصوص:

«اعلم أنّ الاسم الأعظم الّذي اشتهر ذكره وطاب خبره ووجب طيّه وحرم نشره من عالم الحقايق والمعاني وحقيقة ومعنى ومن عالم الصور والألفاظ صورة ولفظاً... الخ»(33).


وكيف ما كان نقول في الاسترواح من هذا السر المقنع: أن سرّ كلّ شيء هو حقيقته اللطيفة المخفية والّذي يعبرون عنه أيضاً بـ «الحصة الوجودية» ونفس هذا السر والحصة الوجودية هو جدول الارتباط بالبحر اللامتناهي لمتن الاعيان.

واعلم الآن بأن الالوهية ربما انّها تمثل ظل حضرة الذات وان اُمهات أسماء الالوهية وهي الحي والعالم والمريد والقادر هي بمنزلة ظلالات أسماء الذات لذا فإن أعظم أسماء حقيقة الالوهية هو اسم (الله).

والاسم الأعظم في مرتبة الأفعال هو عبارة عن أسماء «القادر» و «القدير» وهما من الأسماء الاُم، لأن أسماء «الخالق» «الباري» «المصور» «القابض» «الباسط» وأمثالها بمنزلة السدنة.

وتوجد مرتبة اُخرى أيضاً لأعظمية الأسماء وهي مختصة بالتعريف. لذا فإن كلّ اسم كان أتمّ من غيره في تعريف الحقّ سبحانه فإنّه أعظم منه، سواءً أكان التعريف بمرتبة اللفظ والكتابة أو في مرتبة خارجة عن ذلك حيث ستكون العين الخارجي، وهذا يعود لذلك السر والحصة المذكورة والّتي يختص الاسم الأعظم فيها بالإنسان الكامل «من رآني فقد رأى الله».

وبالنتيجة فإن وجود خاتم الرسل هو أعظم أسماء الله وهكذا بالنسبة لبقية الكلمات التامة والأسماء الإلهية الحسنى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض )(34) (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض)(35).


وفي الكافي روى باسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في قول الله عزّوجلّ (ولله الأسْمَاءُ الحُسْنَى فادعوه بها). قال: نحن والله الأسماء الحسنى الّتي لا يقبل الله من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا»(36).

ان الاسم الأعظم لخاتم الرسل(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يصبح من نصيب أي شخص آخر. نعم بالقدر الّذي يمكنك أن تقترب منه عينياً لا أينيّاً فإنك تقترب من الاسم الأعظم للحقّ تعالى، ولأنّ القرآن الّذي بين الدفتين هو الصورة الكتبية للخاتم، فإن هذا الاسم الكتبي هو الاسم الأعظم أيضاً، كما تمت معرفته.

من خلال هذا البيان التعريفي حصلت على المراد من جمع هذه الروايات العديدة حول الاسم الأعظم، والآن، ومع أخذ الاُصول المذكورة بنظر الاعتبار يستحسن النظر بدقّة إلى هذه الروايات المنقولة:


أ ـ في تفسير الاخلاص في «مجمع البيان» روى:


«عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنه قال: رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له: علّمني شيئاً أنتصر به على الأعداء. فقال، قل: يا هو يا من لا هو إلاّ هو، فلمّا أصبحت قصصت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا عليّ علّمت الاسم الأعظم... الحديث».


ب ـ والكافي بإسناده، عن أبي جعفر(عليه السلام):

«أن اسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم»(37).

ج ـ وفي الباب التاسع عشر من مصباح الشريعة:

«سئل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن اسم الله الأعظم، فقال: كلّ اسم من أسماء الله أعظم ففرّج قلبك عن كلّ ما سواه وادعه بأي اسم شئت فليس في الحقيقة لله اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهّار».

إن مخاطبة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث المعراجي بـ يا أحمد يا أحمد كان أمراً منه تعالى بـ «عظّم اسمائي» وكأن عارف البسطامي قد اقتبس من هذه الكلمة السامية حين سأله أحد الأشخاص ما هو الاسم الأعظم؟ قال: بيّن لي الاسم الأصغر حتى اُبيّن لك الاسم الأعظم، فاحتار ذلك الشخص فقال له: كلّ أسماء الحقّ عظيمة.

د ـ قال باقر علوم الأولين والآخرين(عليه السلام) في دعاء السحر العظيم لشهر الله المبارك وغيره: «اللّهمّ إنّي أسألك من أسمائك بأكبرها وكلّ أسمائك كبيرة».

هـ ـ في تفسير أبي الفتوح الرازي:

«سئل الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) عن أهم أسماء الله الأعظم فقال: ادخل إلى هذا الحوض البارد، فدخل في ذلك الماء وكلما أراد أن يخرج منعه حتى قال: «يا الله أغثني» فقال: هذا هو الاسم الأعظم، فالاسم الأعظم يرتبط بحالة الإنسان نفسه».

و ـ «وفي البحار بإسناده إلى أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أنا محمّد(عليه السلام)يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها»(38) وقريب من هذا الحديث جاء في تفسير الصافي في بداية الفاتحة «العياشي عن الرضا(عليه السلام): انها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها، ورواه في التهذيب عن الصادق(عليه السلام)».

ر ـ نقل السيد الأجل عليّ خان الشيرازي المدني في كتاب (الكلم الطيب) أن الاسم الأعظم لله تعالى هو ذلك الاسم الّذي يفتتح بـ «الله» وختامه «هو» ولا توجد نقاط في حروفه «ولا تَتغير قرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإنسان الكامل خليفة الله   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:33 pm

ر ـ نقل السيد الأجل عليّ خان الشيرازي المدني في كتاب (الكلم الطيب) أن الاسم الأعظم لله تعالى هو ذلك الاسم الّذي يفتتح بـ «الله» وختامه «هو» ولا توجد نقاط في حروفه «ولا تَتغير قراءته أعرب أم لم يعرب» ويوجد ذلك في ذلك في آيات مباركة في خمس سور من القرآن المجيد هي: البقرة، آل عمران، النساء، طه، التغابن.

يقول الراقم: انّها ست آيات في ست سور واحد منها في سورة النمل أيضاً:

(اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ) إلى آخر آية الكرسي.

(اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ وَأنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأنْزَلَ الفُرْقَانَ)(39).

اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)(40).

(اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى)(41).

(لا إلَهَ إلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ)(42).

(اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَـلْيَـتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)(43).

بل يجب أن نقول بأنّ الاسم الأعظم موجود في سبع آيات من القرآن الكريم حيث ان الآية 63 من سورة «غافر» المباركة ـ والّتي هي سورة المؤمن من جملة تلك الآيات (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْء لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَأ نَّى تُؤْفَكُونَ).

هذه الآية الكريمة هي نفس الآية الّتي أشار إليها العالم الجليل محمود دهدار الملقب بالعياني في كتاب (كنوز الأسماء) في تحصيل الاسم الأعظم.

ح ـ وفي غالب مقامات مقالات بين الوحي الّتي تناولت الاسم الأعظم في زبور آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) نرى لها اشتراكاً في (الحَيُّ القَيُّومُ) يقول في كتاب (الفتوحات المكية) الباب 73 من جواب السؤال 131:

«ما رأس أسمائه الّذي استوجب منه جميع الأسماء؟ الجواب: الاسم الأعظم الّذي لا مدلول له سوى عين الجمع وفيه الحي القيوم»(44).

ان الحياة شرط لكل اسم من أسماء الذات والصفات والأفعال، وان اُمهات الأسماء والصفات سبع: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام والّتي يسمونها بالأئمة السبعة. والحياة إمام أئمة الصفات. وإمام أئمّة الأسماء هو الحي والّذي هو درّاك فعّال، فتبصّر.

ان الاسم المفرد المحلى بالألف واللام يفيد الاستغراق والشمول، والجملة الاسمية بخصوص الخبر المحلى بالألف واللام وخاصة إذا كان كناية بين الفواصل فإنّه يفيد الانحصار بشكل تام فافهم القيّوم فوق القائم، كمثل حاكمية كثرة المبانى والّذي هو قائم بذاته وحافظ لغيره، أي ان ما سواه قائم به. هذا المعنى الّذي هو متن الاعيان، والاعيان هي شؤون وأطوار الله سبحانه عما يصفون إلاّ عباد الله المخلصين.

«فهو سبحانه قيّوم كلّ شيء مما في السموات والأرض، الممسك لهما أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد بعده».

يقول الخواجه نصيرالدين الطوسي في تفسير ذلك في آخر النمط الرابع من شرح إشارات الشيخ الرئيس:

«القيوم بريٌ عن العلائق أي عن جميع أنحاء التعلّق بالغير، وعن العهد أي عن أنواع عدم الإحكام والضعف والدرك وما يجري مجرى ذلك، يقال في الأمر عهدتي لم يُحكم بعد، وفي عقل فلان عهدة أي ضعف، وعهدته على فلان أي ما أدرك فيه من درك فاصلاحه عليه، وعن المواد أي الهيولي الاُولى وما بعده من المواد الوجودية، وعن المواد العقلية كالماهيات، وعن غيرها مما يجعل الذات بحال زائدة أي عن المشخصات والعوارض الّتي يصير المعقول بها محسوساً أو مخيّلا أو موهوماً».

هذا التفسير ليس خالياً من الاشكال، علماً بأنّه حسب اُصول التوحيد لدى المتأخرين يعتبر من المشائية والّذي هو تنزيه في عين التشبيه (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) فتدبّر.

والغرض من ذلك هو بما أن الذات الواجبية هي الحي القيّوم، والحي إمام الأئمة، والقيّوم قائم بالذات ومقيم لما سواه ، لذا فإن الحي القيوم هو الاسم الأعظم (اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ).

ط ـ يقول في كتاب (خشبتان وصخرة واحدة): التقرير المهم الّذي قرره بعض العظماء هو قولهم بأن العلم هو الاسم الإلهي الأعظم، وسمعت أن بعض أكابر أهل المعنى قد تخيل في أطراف الاسم الأعظم ثم قال: عندي اعتقاد بأن «اليقين» هو الاسم الأعظم ولكن بشرط اليقين. واليقين قسمان طريقي وموضوعي وكذلك فعلي وأفعالي، فليتدبر.

والمرحوم الكفعمي في المصباح أورد اليقين في عداد أسماء الحقّ تعالى وفي الحرف أو الفصل الثاني والثلاثين المختص بخواص الأسماء الحسنى وشرحها يقول «اللّهمّ إنّي أسألك باسمك يا يقين يا يد الواثقين يا يقظان لا يسهو... الخ».

اذن ما حكي عن بعض الأكابر في كتاب «خشبتان وصخرة واحدة» هو وفق هذا المعنى الرصين. وما قاله: ولكن بشرط اليقين لأنّ اليقين نفسه هو وزين ورصين جداً. اُنظروا بدقة في هذين الحديثين الشريفين:


الحديث الأوّل في الكافي(45) عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) وساق الحديث إلى أن قال: فقال (أي رجل من الزنادقة) : أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك ان الّذي ذهبت إليه غلط هو أيّن الأين، الكيّف الكف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء».

فقال الرجل: فإذاً انّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس، فقال أبو الحسن(عليه السلام): «ويلك لما عجزت حواسك عن ادراكه نكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنا أنه بخلاف شيء من الأشياء».

اذن فاعلم بأن اليقين هو اسم الحقّ تعالى باعتبار خروجه عن حد التشبيه ووجوده بخلاف شيء من الأشياء فتدبر.


الحديث الثاني: في الكافي بإسناده عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول:


«إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه، قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله مُوقناً، فعجب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله، وقال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الّذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأ نّي أنظر إلى عرشي ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأ نّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذَّبون مصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: هذا عبدٌ نور الله قلبه بالإيمان، ثم قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع الله يا رسول الله أن اُرزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر»(46).

يستفاد من ظاهر هذا الحديث أن الشاب المذكور هو (حارثة بن مالك) حيث قال في هذا الحديث لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «وكأني أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنّة، وكأني أسمع عواء أهل النار في النار».

وهذه الحادثة مسندة في كتاب المثنوي لعارف الرومي إلى زيد بن حارثة.

ان الأسماء الالهية تنتهي أحياناً بـ (هو) أو (ذو الجلال والاكرام) وأحياناً بـ (الله) و (تبارك وتعالى) وأحياناً بـ (هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن) والأوّل جاء في الحديث المذكور عن الخضر(عليه السلام) والثاني في سورة الرحمن والثالث في بداية سورة الحديد، وأحياناً بالأئمة السبعة (الحي العالم المريد القادر السميع البصير المتكلم) وأحياناً بتسع وتسعين (المأثور عن الفريقين بصور عديدة): «ان لله تسعة وتسعين اسماً مائة اسماً مائة إلاّ واحداً من أحصاها دخل الجنّة» وأحياناً بألف، وألف وواحد كما في دعاء الجوشن الكبير وأحياناً بأربعة آلاف كما روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ لله أربعة آلاف اسم، الحديث»(47) وأحياناً (وَلا يَعْلَمُ جُـنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ)(48).

ويمكن الرجوع إلى الكافي(49) باب ما اُعطي الأئمة(عليهم السلام) من اسم الله الأعظم من المجلد 19 من البحار(50) حيث أن الروايات الصادرة عن مخزن الولاية في الاسم الأعظم كلها نور.

وفي كتاب (مصباح الانس) في المقام الثالث من الفصل الثاني (تمهيد الجمل)(51) . من المنصف أن نقول بأنه يحتوي على تحقيق دقيق وشريف وعميق حول الاسم الأعظم وقد يكون لدفتري العاشق في هذا المقام نصيب من هذا اللطف، وكذا في الأسف ار ج 4 ص 168 ط 1 والله سبحانه ولي التوفيق.



(1) نهج البلاغة: الحكمة 47.

(2) مصباح الانس: 333 ط حجرية .

(3) فصوص الحكم: 62 ط 1 ط حجرية.

(4) تمهيد القواعد: 78 ط حجرية .

(5) الرحمن: 31.

(6) البقرة: 33.

(7) الاسراء: 112.

(8) الشورى: 11.

(9) شرح فصوص القيصري: 13.

(10) علم اليقين: 311 ط حجرية.

(11) أي أن الوجود سار في كماله الذاتي وان التعينات اُمور اعتبارية .

(12) شرح الأسماء للسبزواري: 214 ط الحجرية.

(13) كشكول الشيخ البهائي: 542 الدفتر الخامس ط 1 .

(14) معاني الأخبار: 101 ط حجرية.

(15) فافهم المراد من هذه الرواية .

(16) والّتي هي المرتبة النازلة للقرآن وبدنه والقرآن مرتبتها الصاعدة وأصلها وروحها .

(17) الرحمن:31 .

(18) البقرة: 32.

(19) مريم: 17.

(20) اصول الكافي: 1/134.

(21) اصول الكافي: 1/88.

(22) بحار الأنوار: 10/101.

(23) الإمامة والسياسة للدينوري: 203.

(24) 1/83 ط مصر.

(25) الخصائص الفاطمية: 25.

(26) مصباح الانس: 33 ط حجرية.

(27) 3/19 ط 1.

(28) مصباح الانس: 119 ط حجرية.

(29) فصوص الحكم: 148 ط 1.

(30) فصوص الحكم: 173.

(31) فصوص الحكم: 217.

(32) اصول الكافي: 1/88.

(33) فصوص الحكم: 70 ط 1.

(34) البقرة: 254.

(35) الاسراء: 56.

(36) الكافي اُصول الكافي: 1/111.

(37) أُصول الكافي المعرب: 1/179.

(38) بحار الأنوار: ط كمپاني 19/18.

(39) آل عمران: 2 ـ 4.

(40) النساء: 88 .

(41) طه: 9.

(42) النمل: 27.

(43) التغابن: 14.

(44) الفتوحات المكية: 2/133 ط بولاق.

(45) الحديث الثالث باب حدوث العالم واثبات المحدث من كتاب التوحيد في اُصول الكافي: 1/61.

(46) اُصول الكافي المعرب: 2/44 باب حقيقة الإيمان واليقين من كتاب الإيمان والكفر.

(47) بحار الأنوار: 2/164 ط كمپاني.

(48) المدثر: 32.

(49) اصول الكافي: 1/179.

(50) 18 ط 1 .

(51) مصباح الانس: 115 ـ 117 ط 1.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:35 pm

الباب الثالث

الإنسان الكامل قطب الزمان

(ج) والإنسان الكامل هو قطب الزمان: «ان محلي منها محل القطب من الرحى»(1) ولذا لا يمكن تعدد ذلك في زمان واحد .

ان الرحى تدور حول القطب وهو ثابت ومحكم، وكذلك الخلافة الإلهية قائمة بالإنسان الكامل الّذي هو قطب عالم الإمكان، وإلاّ فإنّها ليست بالخلافة الإلهية.

التعدد في القطب لا طريق له:

انّ مقام القطب هو نفس مرتبة الإمامة ومقام الخلافة، بحيث انّه لا طريق لا للتعدد فيه ولا الانقسام إلى ظاهر وباطن ولا انشقاق إلى أعلم وأعقل وغيرها.

ان انقسام الخلافة إلى ظاهر وباطن هو حقّ سكوتي يظهر اقتناع ورضاء أوهام الموهومين بهذه القسمة الضيزى.

ومع بسط الآية الكريمة (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا) يتضح لنا ان الإمام في كلّ عصر لا يمكن إلاّ أن يكون شخصاً واحداً.وهوالقطب وخليفة الله وأن مجيء كلمة خليفة بلفظ الواحد في الآية الكريمة: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) إشارة إلى وجوب وحدة الخليفة في كلّ عصر.

لقد تفوّه بهذا السر في المقام الرابع من (سر العالمين) المنسوب إلى الغزالي بالقول: «والعجب من حقّ واحد كيف ينقسم ضربين والخلافة ليست بجسم ينقسم ولا يعرض يتفرق ولا بجوهر يحدّ فكيف توهب أو تُباع».

وفي الكافي بإسناده عن الحسين بن أبي العلاء قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام)تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت يكون إمامان؟ قال: لا إلاّ وأحدهما صامت»(2).






الباب الرابع

الإنسان الكامل مصلح برية الله


د ـ ومثل هذا الإنسان هو مصلح لبرية الله «إنّما الأئمّة قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه»(3) وان كان الواسطة في الفيض ومكمل النفوس المستعدة لذلك، قال الإمام الباقر(عليه السلام):

«إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم».

وفي تفسير العياشي عن باب الحوائج إلى الله (الإمام السابع) قوله: «لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحَّد الله».

وأعظم فوائد السفراء الإلهيين(عليهم السلام) تكميل القوة العلمية والعملية للخلق.


بقاء كلّ العالم مرتبط ببقاء الإنسان الكامل


والبرية هي بمعنى الخلق «اُولئك هم خير البرية» وإصلاح البرية بمعنى آخر أدقّ هو: بما أن الإنسان هو الكون الجامع ومظهر الاسم الجامع وإن أزمّة كلّ الأسماء بيد قدرته وإن صورة المجتمع الإنساني غاية الغايات لتمام الموجودات الإمكانية، بناءً على ذلك فإنّ دوام مبادئ الغايات هو دليل على استمرار بقاء العلة الغائية. اذن فبقاء الإنسان الكامل الفرد هو بقاء للعالم أجمع.

«في الكافي بإسناده عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»(4).






الباب الخامس

الإنسان الكامل معدن كلمات الله

(هـ) ومثل هذا الإنسان هو معدن كلمات الله «فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن»(5).

وجاء التعبير عنه في صحف أتباع الولاية بصاحب المرتبة العمائية والّتي تضاهي المرتبة الإلهية. والمرتبة العمانية هي تعبير آخر عن مرتبة الإنسان الكامل والّتي تجمع جميع المراتب الإلهية والكونية من العقول والنفوس الكلية والجزئية ومراتب الطبيعة في مصطلح أهل الله وحتى آخر التنزلات والتطورات في الوجود وهي الفرق والتمييز بين الربوبية والمربوبية كما صرح ونص على ذلك قائم آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) في توقيع شهر الولاية (رجب).


بيان نكتة فى توقيع الناحية

روى السيد ابن طاووس التوقيع المبارك في الاتصال بسلسلة الرواية المسندة: «ومن الدعوات في كلّ يوم رجب ما رويناه عن جدّي أبي جعفر الطوسي(رضي الله عنه) فقال: أخبرني جماعة عن ابن عيّاش قال: مما خرج على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد(رضي الله عنه) من الناحية المقدسة ما حدثني به خير بن عبدالله قال: كتبته من التوقيع الخارج إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم ادع في كلّ يوم من أيام رجب: «اللّهمّ اني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرّك، المستبشرون بأمرك، الواصفون لقدرتك، المعلنون لعظمتك. وأسألك بما نطق فيهم من مشيئتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك الّتي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلاّ أ نّهم عبادك وخلقك... الخ».

الضميران (بينها إلاّ أ نّهم) مثل الضميرين في الآية الكريمة (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّها ثم عرضهم) وتوقيعه الشريف هو آية من آيات الإنسان الكامل ومتن تام فى اُصول واُمهات مسائل الولاية والإمامة. وفي الصحف الكريمة لأرباب العقول لطائف حول هذه اللطيفة الالهية، ومن ذلك جملة العلاّمة القيصري في أواخر الفصل الأوّل من مقدمات شرح فصوص الحكم حيث يقول:

«ومرتبة الإنسان الكامل عبارة عن جميع المراتب الإلهية والكونية من العقول والنفوس الكلية والجزئية ومراتب الطبيعة (يعني طبيعة الوجود) إلى آخر تنزلاّت الوجود وتسمى بالمرتبة العمائية أيضاً فهي مضاهة للمرتبة الإلهية ولا فرق بينهما إلاّ بالربوبية والمربوبية ولذلك صار خليفة الله»(6).

ويقول أيضاً في بداية شرح الفص الآدمي:

«والكون الجامع هو الإنسان المسمى بآدم، وغيره ليس له هذه القابلية والاستعداد»(7).






الباب السادس

الإنسان الكامل حجة الله

(و) ومثل هذا الإنسان هو حجة الله:

«اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة امّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً»(8) «والحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق».

وان كانت الحكمة المتعالية قد برهنت على أنه لا يوجد زمن من الأزمنة خال من النفوس المكتفية وان كلّ نفس من النفوس المكتفية والّتي هي أتم وأكمل من سائر النفوس سواء المكتفية أو غير المكتفية هي حجة الله، اذن لا يمكن أن يخلو زمن من الأزمنة من حجة الله.

في الدعاء السابع والأربعين من أدعية الصحيفة السجادية المعروف بدعاء عرفة تقرأ ما يلي: «اللّهمّ انّك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك، والذريعة إلى رضوانك...الخ».

وهذه الحجة شاهد سواء أكان ظاهراً أم غائباً وهو شاهد قائم لا قعود له مطلقاً وجاء في تعبير باقر علوم الأولين والآخرين: «إذا قام قائمنا» وجاء في تفسير صادق آل البيت(عليهم السلام) لقوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ): «من أقر بقيام القائم(عليه السلام) إنّه حقّ » وجاء في كلام ثامن الحجج(عليه السلام) : «لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف» وهكذا في الروايات الاُخرى الّتي تتحدث عن القائم. وعليك أن تتعمق وتتدبر في السبب من كون إمام الزمان قائمنا.


الانتفاع بالحجة في زمان الغيبة:

اعلم ان فائدة وجود الإمام لا تنحصر بالاجابة عن أسئلة الناس بل ان الموجودات وكمالاتها الوجودية مرتبطة بوجوده وإن افاضاته واستفاضته مستمرة في حال غيبته فافتح بصيرتك في حل هذا اللغز من لسان قائم آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وافهم ذلك من توقيع ثاني الوكلاء الأربعة محمّد بن عثمان العمري في جوابه لإسحاق بن يعقوب كما جاء في الاحتجاج للطبرسي حيث يقول: «وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب».

ونفس هذا البيان في غيبة خاتم الأئمة (عجّل الله فرجه) قاله الإمام الصادق(عليه السلام) لسليمان بن مهران الأعمش بل قاله خاتم الأنبياء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لجابر الأنصاري. وما يجب أن تدركه أيضاً هو هل ان خليفة الله غائب أم اننا غير حاضرين وفي حجاب ثم نسمي أنفسنا باسم ذلك الشاهد في كلّ مكان. اننا الذين نرى انّه لا حاجة للتمسك بالاقناعيات حول البراهين الايقانية العقلية والنقلية المتواترة عن بيت الوحي إلاّ ما نراه مفيداً في الاستيناس ورفع الاستيحاش عن بعض النفوس، نقول: ان (السلحفاة) ومن باب الأحجية قالوا بشأنها أنها تراقب بيوضها عن بعد وتعمل ذلك من أجل ايجاد سلحفاة مستعدة وجيدة، فهل ان النفس الكلية القدسية لخليفة الله وولي الله وحجة الله أقل عناية بالخلق في حالة الغيبة من عناية تلك السلحفاة ببيوضها؟!


البرهان على إمكان دوام البدن العنصري

ان أهم المعارف في معرفة وسائط الفيض الإلهي هو معرفة النفس الإنسانية بل ان معرفة النفس هي قلب وقطب جميع المباحث الحكمية ومحور جميع مسائل العلوم العقلية والنقلية وأساس جميع الخيرات والسعادات، ومعرفتها أشرف المعارف، وإذا ما تمت معرفة جنس هذه الجوهرة النفيسة فانّها تبدّل صورة الإنكار في مثل هذه المسائل الضرورية في النظام الرباني الأحسن إلى دولة الاقرار والاعتراف.

والمطلب الرئيسي في ذلك هو أننا لم نتصفح هذا الكتاب الإلهي الأكبر، والمسمى بالإنسان بشكل حاذق، ولم نطالع بشكل جيد مطالع كلماته وآياته، وأدركنا منه حدّه العادي في أنه (غاذ ونام ومتحرك الإرادة).

فمن أجل السير الصعودي في معارج المقامات الأنفسية والوقوف على موقف هذه الصحيفة الإلهية، لابدّ من قيام اُستاذ بذلك. اُستاذ من أهل السير والعرفان. وأنا أيضاً لا أدّعي بأن أكون المتعهد باعطاء التحديد الحقيقي والتعريف الواقعي لذلك. ولكني اُحاول ترسمه بالاستمداد من الأنفاس القدسية لأولياء الحقّ مع ما امتلكه من بضاعتي المزجاة، وفي حد الاستطاعة والوسع، واُقدم في هذا الصدد وفيما يخص موضوع الرسالة الشريف ـ بعض الهدايا والّتي هي عبارة عن بعض نتائج البحث، إنّ الهدايا على مقدار مهديها.

الإنسان عبارة عن حقيقة ممتدة من الفرش إلى العرش (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَـيْنِ فِي جَوْفِهِ)(9) ومرتبته النازلة بدنه وفيها نشأة بدنه العنصرية وبهذا الوصف العنواني فان البدن في الحقيقة عبارة عن روح متجسدة، وان شئت قلت: هو عبارة عن جوهرة جسمانية متصفة بأوصاف الجسم كالشكل والصورة والكيفية والكمية وغيرها، وروحه عبارة عن جوهرة نورانية منزهة عن شؤون الطبيعة. وتلك هي مراتب التجرد البرزخية والعقلانية وفوق التجرد العقلاني والّتي ليس لها حد الوقوف، وله حكم خاص في كلّ مرتبة، وفي نفس الوقت له أحكام جميع المراتب، وهي ظهور لأطواره الوجودية (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَـقَكُمْ أطْوَاراً)(10).

ان مرتبته النازلة محاكاة لمرتبته العالية كما في السلسلة الطولية، حيث ان وجود كلّ دان هو عبارة عن ظل للعالي، والنشأة الاُولى هي مثال للنشأة الاُخرى (وَلَـقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأةَ الاُولَى فَـلَوْلا تَذكَّرُونَ)(11).

وفي المأثور عن صادق آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله عزّوجلّ خلق ملكه على مثال ملكوته، وأسس ملكوته على مثال جبروته ليستدل بملكه على ملكوته وبملكوته على جبروته»(12).

ان البدن العنصري هو من عالم الطبيعة وهو في تجدد دائماً وان صورة عالم الطبيعة بما في ذلك السموات والأرضين تتبدل دائماً بشكل مستمر وغير منقطع، لأن الطبيعة هي المبدأ القريب للحركة، وإن علة الحركة يجب أن تكون متجددة كما تمت برهنة ذلك في الحكمة المتعالية من أن:

«الحجة العمدة على الحركة في الجوهر هي ان جميع الحركات سواء كانت طبيعية أو ارادية أو قسرية مبدأها هو الطبيعة ومبدأ المتجدد يجب أن يكون متجدداً فالطبيعة يجب أن تكون متجدّدة بحسب الذات».

والآيات القرآنية من قبيل: (بَلْ هُمْ فِي لَبْس مِنْ خَلْق جَدِيد)(13) ، (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)(14)، (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ)(15) ، هي بهذا المعنى. وبناءً على ذلك، فان للعالم غاية وهدفاً يصل من خلال تكميله، من الهيولا الاُولى والاتحاد بالصور البسيطة والمركزية الحيوانية والانسانية والعقلية إلى المراتب العالية وإلى الفناء المحض (كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ)(16) فان نهاية الحراك سكون.

لذا فان النفس تمتلك بواسطة الطبيعة جنبة التجدد والّتي ليس لها بقاء وثبات، وهذه بنفسها هي جنبة البقاء إذ: «خلقتم للبقاء لا للفناء» وبعبارة اُخرى: ان النفس وفق الجنبة الحسية في تبدّل ووفق الجنبة العقلية ثابتة.

ان صورة الشيء محفوظة بواسطة تجدد الأمثال في خضم حركة الطبيعة، فالإنسان من خلال الحركة الجوهرية وتجدد الأمثال دائماً في حال ترقٍّ ويبقى ثابتاً من جهة لطافة ورقة الحجاب، والحجاب هو نفس هذه المظاهر المتكثرة والّتي هي حجاب الذات تقدست أسماءه بمعنى من المعاني.

يقول في الفص الشعيبي: «ومن أعجب الأمر أن الإنسان في الترقي دائماً ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ورقّته وتشابه الصور مثل قوله تعالى:(وَاُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً)(17) .

وان لطافة الحجاب ورقته هي بمعنى أن الصانع وواهب الصور باسم «المصور» وبحكم (كلّ يوم هو في شأن) فانّه لحظة بلحظة وآن بآن يقوم بايجاد الأمثال بتلك الطريقة الّتي يتصور فيها المحجوب بأن هذه الصور هي نفس تلك الصور السابقة والقديمة، كمثل الشخص الواقف بجانب نهر سريع الجريان فانّه يرى صورته ثابتة ومستقرة طيلة ذلك الزمن، بينما هذه الصورة ناتجة عن انعكاس نور البصر في الماء، لا قرار له، ويحدث بصورة متوالية ومتتالية صورة جديدة كالصورة السابقة.

فالإنسان الثابت سيّال في نفس الوقت... سيّال في الطبيعة، وثابت في جوهر الروح المتغذي بالصورة النورية المجردة للحقائق العلمية (فَـلْيَـنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ)(18).

ان الإنسان من حيث هو إنسان فان طعامه مسانخ لغذائه، قال باقر علوم النبيين لزيد الشحام في تفسير الطعام «علمه الّذي يأخذه عمن يأخذه».

ان الغذاء باختلاف أنواعه وضروبه هو مظهر لصفة البقاء ومن سدنة الاسم القيّوم ومسانخ للمتغذي، والتغذي حسب دوام ظهور الاسم الظاهر وأحكامه.

ان الحقائق العلمية هي صور فعلية وصلت إلى الكمال ولا طريق للحركة فيها، وإلاّ فيجب أن تكون موجودة بالقوة، وهذا يلزم عدم تحقق أية صورة علمية وعدم وصولها إلى الفعل.

اذن: العلم ووعاء العلم مجرد ومنزّه عن المادة وأحكامها.

وبما أن الإنسان الثابت سيّال أيضاً، لذا فإن براهين تجرّد النفس وأدلة الحركة الجوهرية للطبيعة في صورتها الجسمانية تبقيان على قوتهما.

ونتيجة هذا البحث: ان العلم والعمل ليسا في العرض بل هما جوهران لبناء الإنسان، وإن النفس الإنسانية بقبولها للعلم والعمل تكتشف توسعها واشتدادها الوجودي وتتحول إلى جوهر نوراني.

ان العلم هو باني ومشخّص الروح الإنسانية، والعمل هو باني ومشخّص البدن الإنساني في النشأة الاخروية، والإنسان عبارة عن أبدان في طول بعضها البعض ووفق النشآت، وان تفاوت الأبدان يكون في النقص والكمال.

ولأن روح الإنسان، وحسب ارتقائه واشتداد وجوده النوري يعتبر من سنخ الملكوت وعالم القدرة والسطوة، فإنه دائماً يسخّر طبيعته لصالحه ويتغلب عليها. وإن أحكام العقول القدسية وأوصاف أسماء الصقع الربوبية تظهر عليه بالحد الّذي يصبح وعاء وجوده وجود المجرّدات القاهرة والبسائط النورية ويصبح متخلقاً بالأخلاق الربوبية.

وللصدر القنوي حديث في غاية الكمال من كتاب الفكوك في ان الإنسان واسطة لفيض حيث يقول:

«الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرآة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه، وبين صفات الحدثان وهو الواسطة بين الحقّ والخلق وبه، ومن مربته يصل فيض الحقّ والمدد الّذي هو سبب بقاء ما سوى الحقّ في العالم كلّه علواً وسفلا، ولولاه من حيث برزخيته الّتي لا تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الواحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل المدد إليه».

ان النتيجة الحالية من اللبس المستحصلة من هذا التحقيق هو ان امكان دوام مثل هذا الإنسان الكامل الحقيقي والّذي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان، يكون في النشأة العنصرية.

يقول الخواجة الطوسي في كتاب النفائس في صفات الذهب: «امّا صورة معدن الذهب فانّها لا تفسد بأي من كيفيات العناصر الأربعة ولا تتمكن أية قوة ان تبطل عنصره وان أكثر الفلزات الّتي تخلط معه وتحرقه فالذهب يبقى على حاله ونقاوته وينفصل عنه الغش، وإذا ما اُخفي الذهب الخالص لأزمنة مديدة تحت الأرض فلا ينقص منه أي شيء مع انّه لا يتغير منه أي شيء بخلاف بقية الجواهر» ويقول في صفات الفضة: «ان الفضة أيضاً ذهب ولكن ثباتها ليس كثبات الذهب، ويتأثر بسرعة عند معاملتها بالأدوية حيث تفترق وتصبح عديم القيمة وتحول بمرور الزمن إلى رماد إذا ما بقيت تحت الأرض».

كان هذا كلام الخواجة في الكتاب المذكور وغرضي من نقله هو إذا كان الكيميائي يتمكن من تحويل الفضة إلى ذهب خالص بواسطة علمه وصناعته حيث تتحول بذلك الفضة المتغيرة إلى ذهب ثابت وغير متغير، فما هو المانع في أن يتمكن الإنسان الكامل الكيميائي ولو بواسطة علم الكيمياء من ابقاء خلقة بدنه العنصري ولقرون طويلة ثابتاً وراسخاً؟


يقول المرحوم الحاج زين العابدين الشيرواني في كتابه الشريف المسمى «بستان السياحة» في ذكر صاحب الزمان (عجل الله فرجه): «ولقد منحه واهب العطايا تعالى الحكمة في طفولته كما منحها ليحيى(عليه السلام) في طفولته وجعله إماماً للأنام في صغر سنه وكعيسى بن مريم الّذي أوصله إلى ذلك المقام العظيم في صباه، وانّه لمن دواعي العجب أن يقول بعض الأشخاص ببقاء الخضر والياس من الأنبياء، ومن الأعداء الشيطان والدجال على قيد الحياة وينكرون وجود ذي الوجود وصاحب الزمان في الوقت الّذي هو أفضل من أنبياء السلف وهو ولد صاحب النبوة المطلقة والولاية الكلية.

والأعجب من ذلك ان بعض المتصوفة الذين يعدون أنفسهم من أهل العلم وأرباب النظر يقولون بانّه في بلاد الهند يوجد بين البراهمة واليوغيين بعض المرتاضين الذين عاشوا ويعيشون لآلاف من السنين بسبب استخدامهم لبعض الأساليب الرياضية كحبس النفس وقلة الأكل ومع ذلك نراهم ينكرون وجود صاحب الزمان.

يقول الفقير: ان انكار وجوده المبارك هو في الحقيقة انكار لقدرة البارئ تعالى، ان المنّة الإلهية الّتي منّها الله على هذا الفقير رؤيتي الأمر كالشمس الساطعة بأ نّه كقدرة ذلك الكيميائي في صنع مادة نادرة من تأليف الأجزاء المتفرقة وإضافة تلك المادة على الفضة وتحويل تلك الفضة إلى ذهب أحمر، وعلى العكس من الفضة الّتي تتلف وتباد خلال مدة قصيرة، فان الذهب لا يُمحى بل يبقى على منوال واحد لعدة آلاف من السنين. فإذا تمكن وليّ الله كمثل ذلك الكيميائي أن يجعل من اكسير التفاتة بدنه عاملا لانسجام وتجانس بدنه مع روحه فإنه ليس ببعيد من أن يجعل بدنه باقياً ودائماً وخالداً، واُولئك الذين ينكرون وجوده المبارك ويؤولون لفظ المهدي وصاحب الزمان انما يعبرون عن عمى بصيرهم، وإلاّ فلو كان هناك قليل من الشعور لما بقي لديهم ذرة من الانكار (والله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)»(19).

كان هذا الكلام للمرحوم الشيرواني في كتاب بستان السياحة والّذي رأيته مفيداً لمزيد من البصيرة في هذا الموضوع، مضافاً إلى أن أعاجيب التأثيرات الكونية للنفس من قبيل حبس الدم والرياضات والمجاهدات الاُخرى (حتى من قبل طوائف مع كفرهم) خارجة عن العدّ والاحصاء، وإن كثيراً منها مسطورة في الزبر المرتبطة بها، فما بالك بخواص النفس القدسية وهي العقل الفعّال المصادف للوجود الطبيعي.

وقد ذكرت قدرات بعض المرتاضين في الباب 39 من كتاب «غاية المراد في وفق الاعداد» وهي من اُمهات واُصول كتب هذا العلم الشريف (علم الأوفاق) وتثير العجب حقاً، وقد أعرضنا عن ذكرها هنا تحاشياً للاطالة والاطناب.


أثر الكيمياء والمومياء ونفس الإنسان الكامل

تقوم الكيمياء بتبدبل المعدن وتغييره إلى معدن آخر وتمنحه عمراً طويلا. اما المومياء فتحفظ الحبوبات والأجسام الميتة من الفساد.

المومياء شيء شبيه القبر بل هو القبر في كماله النهائي، والمومياء كلمة يونانية تعني حافظ الأجساد ويقال لها بالعربية (عرق الجبال) لأ نّها تخرج من شقوق بعض الجبال من قبيل جبل (داراب) من توابع فارس واصطهبات ونواحيها حيث تقطر من الجبل وكأنها عرقُه. فإذا كان الموميائي يستطيع حفظ أجساد الموتى من التفسخ بواسطة المومياء، فلماذا لا تستطيع الموميائية وهي الاسم الإلهي الأعظم أن تصون الجسد الحي من الزوال والبوار؟


تاريخ الأهرام في مصر ودوام الحنطة

يقوم في أهرام مصر هرمان كبيران بالخصوص بإحكام بقية الاهرامات وتثبيتها واستقامتها فاعتبروا تأريخيهما سماوياً لا أرضياً، لأن التواريخ الأرضية معرضة للزوال والنسيان عبر مرور الأيام وكرور الأعوام، ولا تسع تاريخ الاهرامات لهذا قيل في تأريخ ذينك الهرمين «قد بُني الهرمان والنسر الطائر في السرطان».

النسر الطائر من الثوابت البيضاء وهو من أكبر القدر الثاني على هيئة عقاب والّذي هو من الصور الشمالية والنسر بين منكبيه وطوله في تاريخ (الزيج البهادري) للدلو 16 دقيقة وعرضه 29 درجة و15 دقيقة وهو من شظايا عنكبوت الاسطرلاب في التأريخ أعلاه لم يذكر في أية درجة السرطان وورد في الزيج المذكور: (ان سرعة حركة الكواكب الثابتة مختلفة فيما بينها فأسرعها يقطع الدرجة خلال 61 سنة و8 أشهر و8 أيام قمرية وسطى، وأبطأها يقطع الدرجة الواحدة خلال 82 سنة و3 أشهر و17 يوم قمري أوسط، وسرعة بقية الكواكب ما بين هاتين.

في منتهى الأرب في مادة (هرم)، ورد تأريخ الهرمين من دون ذكر كلمة الطائر، هكذا: «وقد بني الهرمان والنسر في السرطان» وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يكون المقصود هو النسر الواقع لا النسر الطائر، والنسر الواقع على هيئة (شلياق) من القدر الأوّل وهو من الصور الشمالية ويستقر على (الخرفقة) الحاملة له، طوله في الزيج المذكور الجدي 14 درجة و25 دقيقة وعرضه 62 درجة والنسر الواقع كذلك من شظايا العنكبوت وقد صرح الصوفي بكلتا الصورتين:


«النيّر المشهور الّذي يرسم على الاصطلاب وهو النسر الطائر من القدر الثاني من أعظمه فيما بين المنكبين».

وفي هذا قال: «النسر المشهور من القدر الأوّل وهو الّذي يرسم على الاصطرب ويسمى النسر الواقع».


وكيف كان، فإن مبدأ (الزيج البهادري) هو يوم الثلاثاء الغرة الوسطى لمحرم 1251 ناقصة (هجري) واليوم الثلاثاء 15 شوال المكرم 1400 هـ قمري الموافق لـ 4 شهريور 1359 هـ ش حيث قام هذا المتمسك بذيل ولاية سرّ الأنبياء والعالمين أجمعين، أميرالمؤمنين(عليه السلام) (حسن حسن زاده الطبري الآملي) تأليف هذه الصحيفة المكرمة حول (الإنسان الكامل في نهج البلاغة) بمناسبة الذكرى الألفية لنهج البلاغة، فلو أخذنا المعدل بين السرعتين الآنفتين واعتبرنا كلّ 70 سنة درجة واحدة، وأول السرطان بداية الحساب، فإن النسر الطائر المذكور لم يكمل أية دورة لحد الآن خلال هذه الفترة البالغة (14840) سنة، وان النسر الواقع هو الآن في حدود (13580) سنة.

الغرض مما تقدم من الاطالة والازعاج هو أ نّهم وجدوا في الأهرام المذكورة حبات من الحنطة المعالجة بالمومياء وقاموا بزرعها فاخضرت، ولم تكن قد فسدت. فإذا كان حال حبات الحنطة هذا ـ حيث لم تفقد قابليتها طيلة هذه الفترة المتمادية ـ فما هو مجال الطعن والقدح في أن تحفظ الروح الّتي هي المظهر الأتم والأكمل للولاية الالهية الكلية اعتدال مزاج جسدها الطاهر ليظل سنوات طويلة في النشأة العنصرية.


حفظ الكافور في ظل الشعير وحفظ الجسد في ظل الروح


يقول مؤلف (مخزن الأدوية) لما كان الكافور يتبخر سريعاً ولا يبقى، خاصة في أيام الحر وفي البلدان الحارة، فان طريقة حفظه هي ان يغلق عليه جيداً في وعاء زجاجي سميك ذي غطاء محكم بعد ملئه بعدّة حبات من الشعير والفحم أو الفلفل ويحكم غلقه. وقد أورد محمّد بن عبدالله الإسكافي شعراً:

«نفسي فداوك لا لقدري بل أرى *** ان الشعير وقاية الكافور»

فإذا كانت حبة الشعير والفلفل والفحم الخالية من الروح حافظة لموجود عنصري تفترق عنها ومن غير نوعها، فإن الوسوسة والتشكيك في بقاء الجسد العنصري، والّذي هو المرتبة النازلة للنفس برعاية وتصرف الروح الكلية لعيبة الأسرار الالهية، هو من عمى البصيرة (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور)(20).

ان الروايات الواردة في أن الأرض لا تخلو أبداً من حجة لله، وذلك في طرق العامة والخاصة خارجة عن العدّ والاحصاء، وإن كلام أميرالمؤمنين لكميل والّذي ورد في النهج: «اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة» رواه الفريقان مع ذكر السند. وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى أمرين لمحض التبصرة وتزيد البصيرة في غيبة (حضرة بقية الله وتمام النبوة إمام العصر قائم آل محمّد صلوات الله عليهم).

الأمر الأوّل في غيبة إدريس(عليه السلام):

الباب الثاني في (كمال الدين) هو في غيبة النبيّ إدريس صلوات الله عليه وحديثه مروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) ان غيبة النبيّ إدريس وظهوره محيّرة حالها حال الاُمور الإلهية جميعها.

إدريس في العبرية (هرمس) ويطلقون عليه (هرمس الهرامسة).

ان الروايات الّتي تتحدث عن غيبة النبيّ إدريس وظهوره تحمل أسرار لطيفة جداً، كما أن تعبيرات صحف مشائخ أهل العرفان في هذا المجال حول ذلك النبيّ شريفة هي الاُخرى، وكتب قصص الأنبياء وتذكرة الحكماء والسير والتواريخ تحوي مطالب عجيبة في هذا المجال أيضاً.

ورد في القرآن الكريم: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً)(21) وكذلك: (وَإسْمَاعِيلَ وَإدْرِيسَ وَذَا الكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)(22) وكذلك (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإسْمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِينَ)(23) ، (وَإنَّ إلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ألا تَتَّـقُونَ أ تَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الخَالِقِين اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آ بَائِكُمُ الأوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إلاَّ عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ)(24).

والغرض من نقل هذه الروايات حول إدريس الياس(عليه السلام) هو انّه جاء في العديد من الروايات ان الياس هو إدريس نفسه، وقد نقل بعض الروايات العارف عبد الغني النابلسي في شرح الفص الياسي من خصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن عربي، وكان الشيخ قد أطلق على الف ص الرابع (أي الإدريسي) هكذا «فص الحكمة القدسية في الكلمة الإدريسية» والفص الثاني والعشرين (أي الالياسي) هكذا (فص الحكمة القدسية في الكلمة الادريسية) والفص الثاني والعشرين (الفص الإدريسي) هكذا «فص الحكمة الايناسية في الكلمة الالياسية» فالعنوان الأوّل يناسب حال النبيّ قبل الظهور فيما العنوان الثاني حاله بعد الظهور لقد صرح الشيخ ونص في عدة موارد من الفص الالياسي على أن الياس هو إدريس نفسه. قال في أوله:

«الياس وهو إدريس(عليه السلام) كان نبياً قبل نوح ورفعه الله مكاناً علياً فهو في قلب الأفلاك ساكن ثم بُعث إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية، وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصاً بالملك، وكان إلياس الّذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار، فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية... الخ».

وقال في آخره:

«فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الّذي أنشأه الله تعالى نشأتين وكان نبيّاً قبل نوح(عليه السلام) ثم رفع فنزل رسولا بعد ذلك فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل من حكم عقله إلى شهوته ليكون حيواناً مطلقاً حتى يكشف ما تكشفه كلّ دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أ نّه قد تحقّق بحيوانيته... الخ».

والغرض الرئيس للشيخ في هذا الفص هو اثبات ظهور شخص واحد في صورتين لأن ظهور إدريس(عليه السلام) في صورة الياس مع بقاء الأوّل على حاله من دون ضرورة النسخ والفسخ وقد بيّن الشيخ في أول (فصوص الحكم) أنه حصل على الكتاب المذكور في مكاشفة على يد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقام يأخذه ونشره بين الناس.

«أمّا بعد فإنّي رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم لسنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده(صلى الله عليه وآله وسلم) كتاب فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكحم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به ... الخ».

يقول العارف عبدالرزاق في (شرح فصوص الحكم) في شرحه للفص الإدريسي المذكور:

«وقد بالغ إدريس(عليه السلام) في التجريد والتروح حتى غلبت الروحانية على نفسه وخلع بدنه وخالط الملائكة واتصل بروحانيات الأفلاك وترقى إلى عالم القدس وأقام على ذلك ستة عشر عاماً لم ينم ولم يطعم شيئاً، لأنّ الشهوة قد سقطت عنه وتروّحت طبيعته وتبدّلت أحكامها بالأحكام الروحية، وانقلبت بكثرة الرياضة وصار عقلا مجرداً ورفع مكاناً علياً في السماء الرابعة».

المقصود من النشأتين في كلام الشيخ إذ قال: (الّذي أنشأه الله تعالى نشأتين) هو نشأة النبوة ونشأة الرسالة كما أوضح ذلك بعد العبارة الآنفة حيث قال: انّه كان نبياً قبل نوح ثم نزل بعد ذلك وصار رسولا بل ان القرآن صرّح بذلك وقال:(وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) وقال: (إنَّ إلْيَاسَ كانَ من المُرْسَلِينَ) فينبغي أن تحلّ كلّ مشكلة عن طريقها الخاص بها، فكما ان لكلّ نتيجة صغرى وكبرى خاصة، ولكلّ مقدمات ارتباطاً خاصاً بمطلوبها، فكذلك فهم مسائل الإمامة والوصول إلى ادراك مثل هذه الاُصول في العقائد الّتي هي من غوامض أسرار المعارف الالهية الحقة، يجب أن يتوصل إليها عن طريقها الخاص بها ومن أهلها، وقد وردت بتوفيقات الله سبحانه في هذه الرسالة اشارة إلى بعض منها (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً).

ينقل الجندي في بيان المقام الإدريسي الإلياسي للإنسان الكامل كلاماً ينقله عن ابن الفناري في الفصل الخامس من (مصباح الانس)، فبعد تقديم عدة اُصول في إمكان أن يكون شيء واحد مظهراً وظاهراً باعتبارين يقول: «فالإنسان الكامل مظهر له من حيث الاسم الجامع، ولذا كان له نصيب من شأن مولاه، فإذا تحقق بمظهرية الاسم الجامع كان التروّح من نصيب حقائقه اللازمة فيظهر في صور كثيرة من غير تقيد وانحصار فتصدق تلك الصور عليه وتتصادق لاتّحاد عينه كما تتعدّد لاختلاف صوره، ولذا قيل في إدريس انّه هو الياس المرسل إلى بعلبك، لا بمعنى أن العين خلع تلك الصورة وليس الصورة الإلياسية وإلاّ لكان قولا بالتناسخ بل إنّ هوية إدريس مع كونها قائمة في انيته وصورته في السماء الرابعة ظهرت وتعينت في إنية الياس الباقي إلى الآن، فيكون من حيث العين والحقيقة واحدة ومن حيث التعين الشخصي اثنين كنحو جبرئيل وميكائيل وعزرائيل يظهرون في الآن الواحد من مائة ألف مكان بصور شتى كلّها قائمة بهم وكذلك أرواح الكمّل وأنفسهم كالحق المتجلي بصور تجليات لا تتناهى كما ذكره الجندي»(25).


اذن فنتيجة الحديث أن أمر إدريس(عليه السلام) وبقية الله قائم آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) الّذي هو صاحب أعدل الأمزجة في عالم الإنسان الكامل بفضل الله سبحانه والمؤيد بروح القدس وجامع حقائق ورقائق ـ أسماء الله الحسنى هو وفق الموازين العقلية والعلمية، وان الاستبعاد والاستيحاش في مثل هذه المسائل هو من نصيب العوام الغافلين عن العالم الإنساني سواءً كانوا قد قالوا شيئاً من العلوم الطبيعية والمادية الرسمية أم لا.


الأمر الثاني: واقعة النبيّ خالد:


روى الصدوق في هذا الباب بإسناده عن معاوية بن عمار قال الصادق(عليه السلام): «بقي الناس بعد عيسى(عليه السلام) خمسين ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة» وباسناد اُخرى روى عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام): «كان بين عيسى(عليه السلام) ومحمّد صلوات الله عليه خمسمائة عام. منها مائتا وخمسون عاماً ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسكين بدين عيسى(عليه السلام) قلت: فما كانوا؟ قال: كانوا مؤمنين: ثم قال(عليه السلام) : ولا يكون الأرض إلاّ وفيها عالم».

ان قيد «ظاهر» و «ظاهرة» في هذه الرواية هو انّه لا تخلو الأرض أبداً من حجة الهية وإن لم يكن ظاهراً كما قال في آخر الحديث الثاني «ولا تكون الأرض إلاّ وفيها عالم» وعن عليّ(عليه السلام) لكميل: «اللّهمّ انّك لا تُخلي الأرض من قائم بحجة امّا ظاهر أو خاف مغمور كيلا تبطل حججك وبيناتك».

سنتعرض لحديث الإمام(عليه السلام) لكميل بالتفصيل فيما بعد، وفي الدعاء السابع والأربعين للإمام سيد الساجدين المعروف بدعاء عرفة يقول الإمام: «اللّهمّ انّك أيدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك مناراً في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك والذريعة إلى رضوانك...».

لدي نسخة من (المصباح الصغير) وهو خلاصة (مصباح المتهجد) للشيخ الطوسي(قدس سره) مما كتب في حاشيته «والأنبياء الذين كانوا زمن الفترة بين عيسى(عليه السلام) ونبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) جرجيس(عليه السلام) من أهل فلسطين بعثه الله بعد المسيح(عليه السلام)إلى بلد الموصل، وخالد بن سنان العبسي من العرب بعد عيسى(عليه السلام) وحنظلة بن صفوان كان في زمن الفترة بين عيسى ونبينا(صلى الله عليه وآله وسلم)» انتهى.

ومن الأنبياء الذين كانوا في الفترة بين المسيح(عليه السلام) ونبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) النبيّ شمعون الصفا وصيّ عيسى كما ذكر في الروايات، وقال المرحوم الصدوق في الباب الأوّل من (كمال الدين) في مقدمة الكتاب: «ومثل عيسى(عليه السلام) كان وصيه شمعون الصفا وكان نبياً... الخ»(26).

وبعض الأنبياء المذكورين في زمن الفترة ورد ذكرهم في الدعاء المعروف (الاستفتاح) في عمل اُم داود من أعمال شهر رجب نقله الطوسي في مصباح المتهجد:


«اللّهمّ صل على أبينا آدم بديع فطرتك... اللّهمّ صل على اُمّنا حواء المطهرة من الرجس... اللّهمّ صلّ على هابيل وشيث وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط ولوط وشعيب وأيوب وموسى وهارون ويوشع وميشا والخضر وذي القرنين ويونس وإلياس واليسع وذي الكفل وطالوت وداود وسليمان وزكريا وشعيب ويحيى وتورخ ومتّى وأرميا وحبقوق ودانيال وعزير وعيسى وشمعون وجرجيس والحوارين والأتباع وخالد وحنظلة ولقمان، اللّهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين...» الخ.


ووجه تسمية الدعاء المذكور بدعاء اُم داود ـ كما في عمدة الطالب ـ هو ان دواد هذا ابتلي بسجن المنصور الدوانيقي وتخلص من السجن ببركة هذا الدعاء الّذي علّمه الإمام الصادق(عليه السلام) إلى اُمّ داود فتخلص ابنها من السجن(27).

من بين أنبياء زمن الفترة تحظى قصة النبيّ خالد(عليه السلام) بالعجب ويفتح منها لأهل السر باب من أسرار الإنسان الكامل المنعَّم بنعم حقائق الأسماء الالهية.

في روضة الكافي لثقة الإسلام الكليني وفي المجلد الخامس من البحار (النبوة) نقلا عن الكافي وقصص الأنبياء وكمال الدين والاحتجاج(28) وكذلك في الوافي(29) للفيض المقدس نقلا عن الكافي باب باسم (قصة خالد بن سنان العبسي(عليه السلام)) حيث شرح أحوال ذلك النبيّ بالتفصيل كما ان الشيخ الأكبر (ابن عربي) جعل الفص السادس والعشرين من (فصوص الحكم) باسم (الفص الخالدي) أو (الحكمة الصمدية في الكلمة الخالدية) ثم ختم كتابه بالفص المحمّدي وقد نقل الشرّاح (كالعارف الملا عبدالرزاق والعارف القيصري والجامي والبالي وعبدالغني النابلسي وغيرهم) قصة ذلك النبيّ وورد اختلاف بسيط في بعض التعابير مع الكتب الروائية الآنفة الذكر. وذكروا لطائف ثمينة وقيّمة في شرح الفص المذكور في الأطوار الوجودية للإنسان الكامل، ونحن نكتفي بنقل قسم من كلام الشيخ فقط. قال:

«امّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخية فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلاّ بعد الموت فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا، فيعلم بذلك صدق الرسل كلّهم فيما اُخبروا به في حياتهم الدنيا، فكان غرض خالد إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ليكون خالد رحمة للجميع، فإنّه شرف بقرب نبوته من نبوة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلم خالد أن الله أرسله رحمة للعالمين، ولم يكن خالد برسول فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمّدية على حظّ وافر ولم يؤيد بالتبليغ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق، فأضاعه قومه ولم يصف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قومه بأ نّهم ضاعوا وإنّما وصفهم بأ نّهم أضاعوا نبيّهم حيث لم يبلغوه مراده».


يقول الشيخ البهائي(قدس سره) في الكشكول:

«أسماء الأنبياء الذين ذكروا في القرآن العزيز خمسة وعشرون نبيّاً: محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، يونس، داود، سليمان، إلياس، اليسع، زكريا، يحيى، عيسى، وكذا ذا الكفل عند كثير من المفسرين»(30).

في دعاء اُم داود المشار إليه ورد ذكر كلّ هؤلاء الأنبياء الخمسة والعشرين، قال الله في كتابه:

(وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)(31)، وكذلك قال: (وَلَـقَدْ أرْسَلْـنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَـقْصُصْ عَلَيْكَ)(32).

وفصوص الحكم المذكورة إنّما هي 27 فصاً باسم 27 شخصاً، لم يذكر صاحبها من الـ (25) نبيّ المذكورين في القرآن اليسع وذي الكفل فيكون قد ذكر 23 اسماً من الأنبياء الـ (25) الذين ذُكروا في القرآن اضافة إلى (4) أنبياء انفرد بذكرهم عن القرآن وهم شيث وعزير ولقمان وخالد.

ان للشيخ في تسمية الفصوص باسم كلّ واحد من اُولئك الأنبياء وفي ترتيب الفصوص غرضاً عرفانياً في المقامات الإنسانية النوعية الرفيعة في الأطوار والأدوار لا أن تكون ترجمة شخصية خاصة في كلّ فص، إذ يمكن أن يكون إنسان عيسوي المشرب أو موسوي المشرب وإن لم يكن حائزاً لرتبة النبوة التشريعية كما أن (بقية الله قائم آل محمّد) أرواحنا فداه ليس حائزاً على درجة النبوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب السابع   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:36 pm

الباب السابع

الإنسان الكامل هو العقل المستفاد


الكمالات الفعلية للنفوس القدسية المكتفية متحققة بالفعل


(ز) ومثل هذا الإنسان هو عقل مستفاد: «إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً»(1).

(وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين)(2) . فهو واجد لجميع الحقائق الأسمائية وحائز على جميع المراتب الكمالية، لأن كلّ ماهو ممكن للباري تعالى والمفارقات النبوية بالإمكان العام فهو واجب لعدم وجود الحالة المنتظرة فيهم، فإن الحالة المنتظرة إنما توجد في شيء ذي إمكان استعدادي وهو من أحوال المادة. أما المفارقات النورية فهي تامة، وواجب الوجود فوق التمام (وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ).

بناءً على هذا فمن جهة التجرد الروحاني للإنسان الكامل وكمال اعتداله الوجودي الّذي هو نفس مكتفية وكاملة بالفعل يجب أن تكون ـ بالفعل ـ المظهر التام لجميع الأسماء والصفات الإلهية، لأنّه حيث لا إمساك من ذلك الجانب وان النفس في كمال الاعتدال والاستواء من هذا الجانب، لهذا فالكمالات الإنسانية الممكنة للنفوس الناقصة تكون واجبة بالفعل بالنسبة للنفوس الكاملة.

هذه المنزلة الرفيعة للعقل المستفاد يسمى بالقلب في اصطلاح أرباب العقول، وكما يقول القيصري في شرح الفص الشعيبي من فصوص الحكم: «القلب يطلق على النفس الناطقة إذا كانت مشاهدة للمعاني الكليّة والجزئية متى شاءت وهذه المرتبة مسماة عند الحكماء بالعقل المستفاد».

يقال لمثل هذا الشخص الإنسان، والإنسان الكامل، والمرآة الّتي تكشف العالم وتعكس الوجود، وأسماء كثيرة اُخرى. وليس في الموجودات أعلم أو أعظم منه، فهو زبدة وخلاصة الموجودات، ويكون جميع عمال مصنع الوجود من الأعلى إلى الأسفل ومن الملائكة الكروبيين حتى القوى المنطبعة في الطبائع، ومن العقل الأولي حتى الهيولي الاولى خدمة له ويطوفون حوله.


اتحاد النفس وفناؤها في العقل الكلّ:

بما أن الإنسان الكامل هو العقل المستفاد فانّه يصدق عليه: «إذا شاؤا أن عُلّموا عُلِّموا (أو أُعلموا أو عَلموا) » ليس الارتباط بالعقل البسيط فحسب فهو العقل الكلّ بل متصل ومتحد معه، لا بل ان الاتحاد أيضاً من ضيق التعبير لانّ الموضوع أعلى من ذلك، وقد عُبّر عنه بالفناء من باب المسامحة، واللابد، ولكنه الفناء الّذي هو قرة عين العارفين.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبيّ مرسل» والنكرة في سياق النفي تفيد العموم فتكون عبارة (لا يسعني) شاملة له(صلى الله عليه وآله وسلم) والحالة هذه، فتبصّر.

«وإنّما قال وقت ولم يقل مقام للفرق بين مرتبة الرسالة ومرتبة الولاية لأن دعوى الرسالة لا يلائم دعوى المقام هناك وإنما يلائم الدعوى الموقتية(3).

فانّه مقام الشهود الدائم بخلاف الوقت، والفرق بين الوقت والمقام كالفرق بين الحال والملكية»(4).

قال كشاف الحقائق الإمام بالحقّ الناطق صادق آل محمّد(عليه السلام): «لنا مع الله حالات هو نحن ونحن هو وهو هو ونحن نحن» وقال أيضاً: «ان روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها»(5).

«والإمام المبين في سورة يس هو الإمام عليّ(عليه السلام) فهو الإنسان الكامل».

في المجالس بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية: (وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين) قام رجلان من مجلسهما فقالا يا رسول الله هو التوراة؟ قال: لا، قالا: فالانجيل؟ قال: لا، قالا: فالقرآن؟ قال: لا، قيل: أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام)؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): هذا الإمام الّذي أحصى الله فيه علم كلّ شيء(6).




من شأن كلّ شيء أن يكون معقول الإنسان، ومن شأن الإنسان أن يعقل كلّ شيء

ان من شأن كلّ موجود مادياً كان أو عارياً عن المادة وأحكامها أن يكون بذاته معلوماً ومعقولا للإنسان وكذلك للإنسان مثل هذه الشأنية والقابلية والاستعداد ـ وبافاضة محرج النفس القوة إلى الفعل ـ بأن يخرج من القوة إلى الفعلية ليكون مصداق «أحصى الله فيه علم كلّ شيء» بل يكون كلّ الأشياء، كما ثبت بالبراهين القطعية للعقل والعاقل والمعقول والّذي هو العلم والعالم والمعلوم أو الإدراك والمدرِك(7) والمدرَك نفس الحقيقة والهوية حسب الوجود لأن جامعية الإنسان الكامل الّذي «أحصى الله فيه علم كلّ شيء» يتمثل في لوح فؤاد كامل آخر.

فهي تظهر طبقاً لعرف الناس وعادتهم ولتقريب أذهانهم إلى الواقع على صورة قطيع الابل الممتد دون بداية أو نهاية ـ مثلا ـ حاملا لتلك الفضائل والمناقب كما أن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رأى فضائل الوصيّ(عليه السلام) كذلك لكن رؤية النبيّ تمثلت في صقع نفس خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال هو ليلة الاسراء: «مثل لي النبيون»، (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ ... فَأرْسَلْنَا إلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً)(8).




كلّ الموجودات العينية بمثابة أعضاء، الإنسان الكامل وجوارحه

بما ان الإنسان ارتبط بالعقل البسيط بالنحو الّذي اُشير إليه، فانّ جميع شؤون العقل البسيط من أقصاه إلى أقصاه ومن سفلاه إلى علياه، ستكون بمنزلة أعضائه وجوارحه ويتصرف فيها جميعاً كتصرف النفس في الأعضاء والجوارح، وتكون كلّها مسخرة له.

فان السعيد الّذي صار عقلا مستفاداً قد استوفى جميع شؤون ما دون العقل كما إن صاحب مقام الولاية والإمامة يحب أن يكون حائزاً على جميع المعقولات كما نرى نحن المبصرات، وسمى بعض أرباب المعرفة ذلك المقام الشامخ بالفؤاد (مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى)(9) فانّ للحقيقة الإنسانية في العالم الكبير والصغير مظاهر وأسماء مما تقال في الروح. وإن شئت قلت: إن الطبيعة يجب ان تستفيد من كلّ حقّ وحقيقة متصورة ومتحققة في طريق استكمالاتها الذاتية أي طريق سلوكها حتى الوصول إلى الغاية الجمعية لانّ الطبيعة ما لم تستوف كلّ حقّ من الحقوق الجمادية فانّ دخولها وورودها إلى أدنى درجة نباتية غير متصور، وكذلك من النباتية إلى الحيوانية إلى الإنسانية ثم إلى ما شاء الله، ومن هذا الحديث يتضح السر في أن الإنسان الكامل الخاتم هو الغاية في النظام الكلي الأعلى والجامع لجميع الحقائق العالية: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ)(10).


الطفرة محال مطلقاً:

وسبب الاستيفاء المذكور هو أن الطفرة محال مطلقاً سواء في الماديات أو في المعنويات. فما لم يتجاوز الشيء حدوده الجسمية والجمادية والنباتية لا يصل إلى أولى الدرجات العقلية، فالنقل من عالم الوجود المادّي للوصول إلى الوجود العقلي يتطلب النقل إلى عالم الحس أولا وبعده إلى عالم الخيال ومن ثم إلى عالم العقل. ومحال أن تصل النفس من العقل الهيولاني إلى العقل بالفعل من دون أن تكون قد تخطّت وتجاوزت مرحلة العقل المستفاد من مرحلة العقل بالملكة ودون أن تقطع في أثناء سلكوها الاستكمالي مرحلة العقل بالفعل.

سبحان الله ان القوة المنطبعة في سلالة الطين تتحول بتجدّد الأمثال والحركة الجوهرية بإذن الله تعالى إلى إمام مبين فتكون نقطة باسم بذرة أكبر كتاب إلهي، واللوح المحفوظ لجميع حقائق الأسماء والصفات، وحبة صغيرة من شجرة طوبى الطيبة تكون فروعها جميع العوالم المادية والمعنوية (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(11)، (أ فَرَأيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أأ نْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(12).








الباب الثامن

الإنسان الكامل ثمرة شجرة الوجود

وكمال العالم الكوني وغاية الحركة الوجودية والإيجادية

(ح) ومثل هذا الإنسان ثمرة لشجرة الوجود وكمال العالم الكوني وغاية للحركة الوجودية والإيجادية «نحن صنائع الله والناس (والخلق ـ خ ل) بعد صنائع لنا»(13) فالغاية القصوى من ايجاد العالم وتمامه وكماله هو خلق الإنسان، وغاية خلق الإنسان ووجوده وصول قوتي عقله النظري والعملي إلى الفعلية أي وصولهما من القوة إلى الفعل وإلى الكمال من النقص.


تفسير سورة «والعصر» عن الخواجة الطوسي:

للخواجة نصير الدين الطوسي بيان موجز ومفيد في تفسير سورة العصر المباركة يحسن نقله هنا وهو: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِوَالْعَصْرِ * إِنَّ الاِْنسَانَ لَفِي خُسْر) أي الاشتغال بالاُمور الطبيعية والاستغراق بالنفوس البهيمية، ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي الكاملين في القوة النظرية، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي الكاملين في القوة العملية (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) أي الذين يكمّلون عقول الخلائق بالمعارف النظرية، (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) أي الذين يكمّلون أخلاق الخلائق ويهذّبونها.

ان العالم معمل عظيم لصناعة الإنسان فإذا لم ينتج مثل هذا الإنسان لزم العبث في الخلق، على ان خلق سائر المخلوقات متفرعة عليه.


كمال عالم الوجود وغرضه الإنسان

للشيخ الرئيس كلام في المبدأ والمعاد في بيان هذا الموضوع السامي يقول:

«كمال العالم الكوني أن يحدث منه إنسان وسائر الحيوانات والنباتات يحدث إمّا لأجله وإمّا لئلا تضيع المادة كما أن البنّاء يستعمل الخشب في غرضه فما فضل لا يضيعه بل يتخذه قسيّاً وخلالا وغير ذلك، وغاية كمال الإنسان أن يحصل لقوته النظرية العقل المستفاد ولقوته العملية العدالة وهاهنا يتختم الشرف في عالم المواد».

والحاصل ان المقصود من الخلقة ينحصر في الإنسان الكامل وان خلق سائر الأكوان من الجمادات والنباتات والحيوانات إنّما هي في خدمته من جهة احتياجه في المعيشة والانتفاع بها.

وما لم تهمل المواد وتبدّد فهي تتحول إلى خالص وزبدة موادّ خلق الإنسان فانّ الحكمة الإلهية والرحمة الربانية تقتضي عدم ضياع أي حقّ من الحقوق بل ان كلّ مخلوق يصل إلى سعادته حسب استعداده وقابليته. كذلك فان للشيخ في آخر إلهيات الشفاء بياناً شافياً في هذا الغرض الأسنى حيث يقول:

«رؤوس هذه الفضائل عفة وحكمة وشجاعة ومجموعها العدالة وهي خارجة عن الفضيلة النظرية، ومن اجتمعت له معها الحكمة النظرية فقد سعد ومن فاز مع ذلك بالخواص النبوية كاد أن يصير ربّاً إنسانياً وكاد أن تحل عبادته بعد الله تعالى وهو سلطان العالم الأرضي وخليفة الله فيه».

الغرض: ان أشرف الموجودات وأعظم المخلوقات على حسب النوع هو الإنسان وبحسب الشخص فهو الفرد الكامل الّذي يكون كمال العالم الكوني وغاية الحركة الوجودية والإيجادية.


أقول: أمّا ان نعتقد بالسفسطائية الّتي تنكر الحقيقة والواقع، ولا يخفى على العاقل وهن هذا القول (وَإنَّ أوْهَنَ البُيُوتِ لَبَـيْتُ العَنْكَبُوتِ)(14) والأدلة على رد مزاعمهم كثيرة جداً.

وأمّا أن نقول بوجود الواقع ونفس الأمر ولكنه ليس سوى المادة والطبيعة ولا وجود لشي فوق الطبيعة، وبديهي ان هذا القول هو الآخر تدحضه براهين تجرد النفس الناطقة والعلم ومعطى العلم الّذي هو مخرج النفوس من النقص إلى الكمال، ومن أن وعاء العلم موجود غير مادي، ووحدة الصنع و... و... و...، مما يكفي كلّ منها للرد على هذا الرأي أيضاً.

أو أن نقول ان الوجود لا ينحصر بالطبيعة وان هناك وجوداً لما فوق الطبيعة مما يعبر عنه بما وراء الطبيعة وما قبل الطبيعة أيضاً، وأن وحدة الصنع مثلا تدلّ على وحدة الصانع وان للعالم مبدأ، ولكن ننكر أن يكون له معاد بمعنى أن يكون الخلق بلا غرض وان هذا المعمل العظيم اللامتناهي والعجيب للوجود والّذي هو عبارة عن الحياة والعلم والإرادة والقدرة والأوصاف الجمالية والجلالية الاُخرى عبث في عبث وبديهي ان الشواهد دليل على رد مثل هذه الأساطير.

أو أن تعتبر الغاية والغرض وكمال العالم الكوني عناصر، والحال ان المعادن أفضل. وإذا كانت معادن فالنبات أفضل أو نبات فالحيوان أفضل أو حيوان فالإنسان أفضل ومن بين الناس يكون الّذي بلغت القوة النظرية والعملية فيه إلى الكمال هو الأفضل.

اذن لو أن العالم الكوني والنشأة العنصرية افتقد مثل هذا الإنسان دائماً فحريّ أن نعتبره بلا كمال كالشجر بلا ثمر، لهذا لا تخلو النشأة العنصرية (أي العالم الكوني) من الإنسان الكامل أبداً.


الحركة الوجودية والإيجابية


كانت هذه احدى المباني القويمة للحكيم في ان الإنسان الكامل هو غاية العالم الكوني والنشأة العنصرية، لكن في نظر العارف فان الحركة الوجودية والايجادية حسية مأخوذة من «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لكي اُعرف».

ان غاية الحركة الوجودية هي الكمال الحقيقي الحاصل للإنسان، أي ان الحركة الوجودية حركة استكمالية في أن يصل الإنسان إلى الكمال الحقيقي، فان الخلق ليس عبثاً وان كلّ نوع هو في طريق التكامل ويصل إلى كماله الممكن، وكذلك الإنسان فهو ليس مستثنى من هذا الإمكان، إذن فالوصول إلى الغاية الإنسانية ممكنة له، ولابدّ أن يبلغ المرحلة الفعلية ، وذلك البالغ إلى الفعلية هو الإنسان الكامل.




غاية الحركة الوجودية والإيجادية

وغاية الحركة الإيجادية ظهور الحقّ من المظهر التام المطلق الشامل لجميع جزئيات المظاهر وذلك هو الإنسان الكامل. وهذا الإطلاق للسعة الوجودية الحاوية لجميع الشؤون يقول عنها صائن الدين في (التمهيد) لهذا الأصل السديد والحكم الرشيد:

«غاية الحركة الإيجادية هو ظهور الحقّ في المظهر التام المطلق الشامل لجزئيات المظاهر والمراد بالإطلاق الّذي هو الغاية في الوصول هاهنا ليس هو الإطلاق الرسمي الاعتباري المقابل للتقييد بل الغاية هاهنا هو الإطلاق الذاتي الحقيقي الّذي نسبة التقييد وعدمه إليه على السوية إذ ذلك هو الشامل لهما شمول المطلق لجزئياته المقيدة»(15).

وفي غاية الحركة الوجودية يقول في التمهيد أيضاً: «الغاية للحركة الوجودية هو الكمال الحقيقي الحاصل للإنسان» والمراد من المظهر التام في عبارة (ابن تركة صائن الدين) هو الإنسان الكامل.

اذن بحكم الحكيم وامضاء العارف يكون الإنسان الكامل هو كمال العالم الكوني وغاية الحركة الوجودية والايجادية. وفي الحقيقة فمسلك هذا مسير ذاك ومبنى ذلك منهج هذا.

اذن نتيجة فصل الخطاب هذا هو أ نّه لا يخلو العالم الكوني (المعبر عنه أيضاً بالنشأة العنصرية) أبداً من الإنسان الكامل الّذي هو غاية وكمال العالم وحجة الله وخليفته، وما روي بشأن هذا البرهان الحكمي والعرفاني مستفيض من الفريقين وخارج عن حدود هذا البحث: «اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة... اُولئك خلفاء الله في أرضه»(16).

ومن طرق العامة أخرج ابن عساكر عن خالد بن صفوان عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لم تخل الأرض من قائم لله بحجة في عباده»(17).

الغرض من ايجاد الإنسان والسر المطلق للايجاد:

استناداً إلى تحقيق أهل الشهود أ نّى نزل سلطان الوجود كانت عساكر أسمائه وصفاته في معيته بل تحت راية عزته سبحانه وتعالى كما جاء في مصباح الانس: «أن كلّ شىء فيه الوجود ففيه الوجود مع لوازمه فكلّ شيء فيه كلّ شيء ظهر أثره أم لا»(18). وكذلك في مطلع «خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم» ورد: «أن لوازم الوجود موجود في كلّ ما له وجود إلاّ أنها ظاهرة الوجود في البعض وباطنة في الآخر»(19).

أقول: إذا كان رأي الأصحاب وفقاً لهذا الرأي السديد والقول الثقيل فنعم ما هو، ولا يبعد أن يكون قدماء الحكماء قد ساقوا حديثهم على هذا المحمل، ولكن المتأخرين أخذوا ظاهر قولهم واعترضوا عليه وأوردوا عليه الطعون كما أن نظائر ذلك كثيرة، والدخول في التفصيل يوجب التطويل والخروج عن موضوع الرسالة.

ان الأسماء الحسنى الخارجة عن حد الاحصاء هي تعينات الشؤون الإلهية وخصوصيات النسب العلمية والصور العينية له عزّوجلّ والعين ظاهرة والشأن باطنة، كما أن الحقّ بحسب العين الأحدي وبحسب الأسماء كثير، والكون في لسان صدق هذا الفريق هو الجمع بين ذينك الاثنين، والإنسان الكامل الجامع لآثار كلّ الأسماء هو الكون الجامع بين صفات القدم والحدثان أي البرزخ بين الوجوب والإمكان.

ان تجلّي الحقّ المتحقق بالكمال الذاتي متوقف على الظهور وان كان بحسب ذاته منزهاً عن الاستكمال بالمصالح والأغراض وغنياً عن العالمين، ومظهره الأتم هو لفظ الجلالة (الله) قبلة وقدوة جميع الأسماء وغاية الحركة الوجودية والايجادية وكمال العالم الكوني الطبيعي والمقصد النهائي لقوافل النشأة العنصرية، أعني الإنسان الكامل الّذي هو آخر المظاهر. ومن هنا يتضح الغرض وينكشف السر المذكور، فافهم.

ان الفيض الإلهي المنقسم إلى الأقدس والمقدس، والأخير يترتب على الأوّل والّذي هو عبارة عن التجلي الحبّي الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية كما قال هو نفسه «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اُعرف» والفيض المقدس عبارة عن التجليات الأسماءية الموجبة لظهور ما يقتضي استعدادات الأعيان الثابتة في الخارج، وبعبارة اُخرى: فان الأعيان الثابتة واستعداداتها الأصلية في الحضرة العلمية إنما تحصل بالفيض الأقدس، فيما يحصل بالفيض المقدس ما تقتضيه تلك الأعيان الثابتة في الخارج مع لوازمها وتوابعها، ولذا قيل في وجه تسمية الفيض بالأقدس انّه أقدس من جهة أنّ هذا الفيض غير مفيض أو أنه أقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ونقائص الحقائق الإمكانية بخلاف الفيض المقدس، فافهم.




في اتحاد النفوس المكتفية بالنفس ، الرحمانية والعقل البسيط


اعلم انّه قد حقق في صحف أهل التحقيق أن الصادر الأوّل هو النفس الرحمانية، وذلك هو أصل الاُصول وهيولي العوالم اللامتناهية ومادة التعيينات، ويعبر عنه كذلك بالتجلي الساري والرقّ المنشور والنور المرشوش والوجود المنبسط. والصادر الأوّل هو الوجود العالم المفاض على أعيان المكوّنات ما وجد منها وما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده، وهذا الوجود مشترك بين القلم الأعلى الّذي هو أوّل موجود، المسمّى أيضاً بالعقل الأوّل، وبين سائر الموجودات.

القلم الأعلى أو العقل الأوّل هو المخلوق الأوّل والّذي هو واحد من تعيّنات الصادر الأوّل ومظهر الاسم الشريف المدبر بل هو هكذا كما ورد في النفحات الإلهية:

«حقيقة القلم الأعلى المسمّى بالعقل الأوّل عبارة عن المعنى الجامع لمعاني التعيّنات الإمكانية الّتي قصد الحقّ افرازها من بين الممكنات الغير المتناهية ونقشها على ظاهر صفحة النور الوجودي بالحركة العينية الإرادية وبموجب الحكم العلمي الذاتي»(20).

فأوّل ما خلق الله القلم وأوّل ما خلق الله العقل (الخلق بمعنى التقدير) ففي مصباح الفيومي: «الخلق التقدير يقال: خلقت الأديم للسقاء إذا قدرت له».

يقول الزمخشري في الأساس: «خلق الخرّاز الأديم والخياط الثوب قدّره قبل القطع».

ويقال للنفس الرحمانية بالحقيقة المحمّدية أيضاً لأ نّها نفس أعدل الأمزجة وهي النفس المكتفية وتعادل حسب الصادر الأوّل حسب الصعود وارتقاء الدرجات واعتلاء المقامات وان كانت من حيث بدء التكون والحدوث جسمانية كالنفوس العنصرية الاُخرى، بل وأكثر من العدل المذكور فهو يحصل له اتحاد وجودي مع الوجود المنبسط وتصبح في هذا المقام جميع الكلمات شؤونا حقيقية.

ان للشيخ العارف ابن عربي في الباب 198 من (الفتوحات المكية) كلاماً مشهوراً في معرفة (النفس) بفتح الفاء وأسراره، وخلاصته: «الموجودات هي كلمات الله الّتي لا تنفد كما في قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي)(21) وقال تعالى في حقّ عيسى: (وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ )(22) وهو عيسى، فلهذا قلنا إن الموجودات كلمات الله ـ إلى أن قال: ـ وجعل النطق في الإنسان على أتم الوجوه، فجعل ثمانية وعشرين مقطعاً للنفس يظهر في كلّ مقطع حرفاً معيناً هو غير الآخر، ماهو عينه مع كونه ليس غير النفس. فالعين واحدة من حيث أنها نفس، وكثيرة من حيث المقاطع».

هذه النفس الّتي هي وجود منبسط بما أنها أصل جميع التعينات والكلمات الوجودية يقال له من جهة كونها الأصل و (الفاعل) (ربّ الأكوان) كما هو عند أهل التحقيق، أو عالم الإمكان بلحاظ كونه هيولي التعيّنات الوجودية وهي قابلة ولما كانت النفس المكتفية في قوس الصعود قابلة للاتحاد الوجودي معه فقد اتصفت بأوصافه فصارت من الناحية الفاعلية أب الأكوان ومن الناحية القابلية اُم عالم الأكوان وهكذا في الأوصاف الكمالية الاُخرى. واعلم أيضاً أن المراد من سريان الولاية الّذي يدور على ألسنة أهل التحقيق هو نفس سريان الوجود المنبسط والنفس الرحمانية والفيض المقدس كما قالوا: ان وجود وحياة جميع الموجودات بمقتضى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْء حَيٍّ)(23) إنما هو بسريان ماء الولاية أي النفس الرحمانية الّتي هي بمنزلة الهيولي وبمثابة المادة السارية في جميع الموجودات.

ويقال للنفس الرحمانية هذه: الحقيقة الإنسانية أيضاً، فقد اعتبروا العالم صورة الحقيقة الإنسانية كما قال العلاّمة القيصري في الفصل الثامن من مقدمات شرح فصوص الحكم: «العالم هو صورة الحقيقة الإنسانية».

وللوصول إلى هذا المطلب السامي ينبغي الاستمداد من مبحث اتحاد النفس مع العقل البسيط المبرهن عليه في الحكمة المتعالية: (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى سَوَاءَ السَّبِيلِ).

فمن هذا البحث في علم الإنسان الكامل (وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين)(24) (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا)(25) وفي ضبط واحاطة جميع الحضرات في اصطلاح أهل التحقيق وفي تبيينه حقائق الأسماء ومن تصرفه في مادة الكائنات حيث تغدو جميع الموجودات العينية بمنزلة أعضائه وجوارحه وان التأثير في العالم السفلي لا يتحقق من دون التأييد من العالم العلوي بحيث يستطيع الإنسان الواجد للعالم العلوي من التأثير في السفلي... ومن كلّ ما مرّ ينبغي الحصول على الوعي ومعرفة الإنسان الكامل.

يعلم من سرّ النفس الرحمانية ان الكلام ليس زائداً على ذات المتكلم كما ان الكلمات الوجودية كلها تعيّنات النفس الرحمانية وان للنفس المؤيدة المكتفية في مقام الارتقاء الوجودي بالنفس الرحمانية مرتبة فوق الخلافة الكبرى.


«إذا شاء الحقّ تعالى بسابق عنايته أن يطلع من اختاره من عبيده على حقائق الأشياء على نحو تعيّنها في علمه جذبه إليه بمعراج روحاني فيشاهد انسلاخ نفسه عن بدنه وترقّيه في مراتب العقول والنفوس متحداً بكلّ عقل ونفس طبقة بعد طبقة اتحاداً يفيده الانسلاخ عن جملة من أحكامه الجزئية وأحكامه الإمكانية في كلّ مقام حتى يتّحد بالنفس الكلية، ثم بالعقل الأوّل إن كمل معراجه، فيظهر جميع لوازم ماهيته من حيث إمكاناتها النسبية ما عدا حكماً واحداً هو معقولية كونه في نفسه ممكناً في العقل الأوّل فتثبت المناسبة بينه وبين ربّه، ويحصل القرب الّذي هو أول درجات الوصول ويصح له الأخذ عن الله بدون واسطة كما في شأن العقل الأوّل، وللإنسان أن يجمع بين الأخذ عن الله تعالى بلا واسطة العقول والنفوس بموجب حكم إمكانه الباقي وبين الأخذ عن الله تعالى بلا واسطة بحكم وجوبه فيحل مقام الإنسانية الحقيقية الّتي فوق الخلافة الكبرى، هذا ما أبانه الصدر القونوي في الهادية».

وكذلك نتبرك بنقل عدة جمل من الكلمات المكنونة لصدر المتألهين، يقول في كتاب المفاتيح: (إن الإنسان الكامل حقيقةً واحدة وله أطوار ومقامات ودرجات كثيرة في القيود وله بحسب كلّ طور ومقام اسم خاصّ».

ويقول في موضع آخر:

«النفس الإنسانية من شأنها أن تبلغ إلى درجة يكون جميع الموجودات أجزاء ذاتها وتكون قوتها سارية في الجميع ويكون وجودها غاية الكون والخليقة».

ويقول في موضع آخر: «واعلم ان الباري تعالى وحداني الذات في أول الأولين وخليفة الله مرآتي الذات في آخر الآخرين (كَمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ)(26). فالله سبحانه ربّ الأرض والسماء وخليفة الله مرآة يظهر فيها الأسماء ويرى بها صور جميع الأشياء».

وبالجملة: فإن أهل التحقيق، واستناداً إلى الوحدة الشخصية للوجود، يعتقدون اعتقاداً راسخاً أن مراتب جميع الموجودات في قوس النزول هي من تعيّنات النفس الرحمانية وحقيقة الولاية، وان لحقيقة النفس الإنسانية في قوس الصعود جميع المظاهر، وهي جامعة لجميع المراتب، اذن فجميع حقائقها العقائدية ورقائقها البرزخية الّتي يعبر عنها تارةً بالعقل وأحياناً بالشجرة واُخرى بالكتاب المسطور وبعبارات وأسامي مختلفة، أ نّها جميعاً نفس حقيقة الإنسان الكامل والّتي تحصل حسب كلّ درجة من درجاتها ـ على تعيّن خاص واسم مخصوص. ومن هذه الجهة جاز لحقيقة الإنسان الكامل أن يسند آثار جميع تلك التعيّنات إلى حقيقته، كما ورد في الخطبة المنسوبة لأميرالمؤمنين وسيد الموحّدين: «أنا آدم الأوّل، أنا نوح الأوّل، أنا آية الجبار، أنا حقيقة الأسرار، أنا صاحب الصور، أنا ذلك النور الّذي اقتبس موسى منه الهدى، أنا صاحب نوح ومنجيه، أنا صاحب أيوب المُبتلى وشافيه» إلى غير ذلك من الأخبار والآثار.

وفي هذا الموضوع فانّ الفصل الثامن من مقدمات العلاّمة القيصري على شرح فصوص الحكم مطلوب. وقول الإمام «أنا آدم الأوّل... الخ» من هذا الباب الّذي بيّنه العلاّمة القيصري في أول شرح فص الإسحاقي من فصوص الحكم هو ان:

«العارف المطلع على مقامه هو على بينة من ربّه يخبر عن الأمر كما هو عليه كإخبار الرسل عن كونهم رسلا وأنبياء لا أ نّهم ظاهرون بأنفسهم، مفتخرون بما يخبرون عنه»(27).

والتبصرة في هذا المرصد الأسنى يجب أن يأخذ هذا الأصل الرصين في الإنسان الكامل بنظر الاعتبار، كما قال المرحوم المتألّه السبزواري في تعليقة الأسفار:

«وقد قرّر أن العقول الكلية لا حالة منتظرة لها فكيف يتحول الروح النبوي الختمي(صلى الله عليه وآله وسلم) من مقام إلى مقام؟ فالجواب: أنّ مصحيح التحولات هو المادة البدنية، ففرق بين العقل الفعّال الّذي لم يصادف الوجود الطبيعي وبين الفعّال المصادف له، فالأوّل له مقام معلوم، والثاني يتخطى إلى ما شاء الله كما قال(صلى الله عليه وآله وسلم):(لي مع الله ... الحديث)، فما دام البدن باقياً كان التحول جائزاً... انتهى»(28).

أقول: ماورد من ان:

«أنّ الأئمة(عليهم السلام) يزدادون في ليلة الجمعة» ولولا أنّ الأئمة(عليهم السلام) يزدادون لنفد ما عندهم» وما في كتاب الحجة اُصول الكافي يجب أن يتبين من خلال التدقيق في هذا الأصل ونحوه.




الباب التاسع

الإنسان الكامل مؤيد بروح القدس والروح

(ط) وهكذا يكون الإنسان مؤيّداً بروح القدس والروح (وَأيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ)(29).

(نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ)(30)«أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة».

للروح كما للعقل والنفس «كونها مشتركة لفظياً» اطلاقات متعددة ابتداءً من الروح البخارية الّتي هي جسم لطيف سيال فتكون من أبخرة وصفوة ولطافة الأخلاط الأربعة، إلى الروح الحيوانية والطبيعية والنفسانية، وانتهاءً بروح القدس، والروح من أمره تعالى.

يستفاد من روايات الأئمة الأطهار(عليهم السلام) أن الروح(عليه السلام) هو أعظم الأرواح والمحيط بها. والأرواح هي مظاهر الاسم الشريف (الرب) لأن جميع مظاهر الحقّ تعالى مربوبة لله تعالى بهذه الأرواح. وترتقي النفس القدسية للإنسان الكامل من شدّة اعتدال المزاح بحسب الصعود إلى روح القدس لتتصل به، بل هو ـ كما اُشير إليه ـ فوق الوضع والمحاذاة والارتباط والاتصال والاتحاد، وقد عبّر عنه بالفناء لعدم وجود لفظة تناسب ذلك المعنى المقصود. مثل هذا الشخص ونتيجة لكثرة حدّية ذهنه وشدة ذكائه وصفاء روحه يتحول بحكم: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى)(31) وبلا واسطة معلم بشري، إلى الكمال المطلق المؤيّد بروح القدس والروح.

فكما أ نّه غني عن التعلّم البشري فكذلك هو أبعد من الفكر البشري. فقوّة حدسه ـ كماً وكيفاً ـ من القوة بحيث يستغني عن التفكير والتأمل. والحدس هو الانتقال الدفعي من دون ترو، بل ان الحديث أبعد من هذا.


الفكر والحدس:


الفكر في مقابل الحدس نظري، لضعف النفس ووهن العقل، لأن الفكر حركة دورية من المراد الإجمالي للمبادئ ثم الوصول من هذه المبادئ بلحاظ الترتيب والأوضاع الخاصة إلى نفس المراد فيكون الأمر الأوّل هو نفس الأمر الأخير، والفرق في الاجمال والابهام في الأوّل، والتفصيل والبيان في الأخير. أما المؤيّد بروح القدس فهو مستغن عن هذا العناء وهذه الحركة الفكرية. والخلاصة ما قاله المير سيد شريف في رسالة المنطق الكبرى «ان ميزة الإنسان عن سائر الحيوانات هي أنه يمكنه الحصول على المجهولات عن طريق النظر والفكر وبالتالي يستطيع الحصول على المعلومات التصورية والتصديقية على الوجه الصحيح متى أراد أمّا اُولئك المؤيدون من عند الله بالنفوس القدسية فهم لا يحتاجون في معرفة الأشياء والعلم بها إلى فكر ونظر».

ان النسبة بين الفكر والحدس عن طريق النظر وبين الاستدلال كالنسبة بين السلوك والجذبة في غير الطريق المذكور، والّذي هو طريق أهل الكشف والعرفان.


اثبات روح القدس:

بل ان مثل هذا الشخص ولأن الحقّ يكون عينه الّتي يرى وإذنه الّتي بها يسمع وعين جوارحه وقواه الروحية والجسمية، فان تصرفه الفعلي أيضاً يكون كالحدس والجذبة الروحية حتى يصير قوله وفعله واحداً، ولا يحتاج إلى الامتداد الزماني في حركاته وانتقالاته، بل يصير محلا لمشيئة الله ومظهراً لـ (إنَّمَا قَوْلُـنَا لِشَيْء إذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(32) حيث يتحد عندها القول والفعل بل في إطلاق الزمان لا يصح أيضاً إلاّ من باب المسامحة في التعبير (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ أ نَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ)(33).

وهذا الّذي صار فعله في ظرف الزمان كالحدس وجذبة الحكيم والعارف في صقع النفس، فكيف ستكون تصوراته وأفكاره في الحدس والجذبة والإرادة والمشيئة.

الشيخ الرئيس في الفصل 12 من النمط الثالث للإشارات في اثبات وجود القوة القدسية ابتدأ بالغبي وصولا للغني، الّذي هو الغني عن التعلم والتفكير (تنبيه: ولعلك تشتهي زيادة دلالة على القوة القدسية وإمكان وجودها ... الخ) وهكذا في الشفاء وفي عدة من كتبه ورسائله الاُخرى.

وهكذا بحث الحكماء والإلهيون منذ قديم الزمان في اثبات القوة القدسية وامكان وجودها في الصحف القيمة للحكمة المتعالية، فزيتون الكبير تلميذ أرسطو تحدث في اثبات القوة القدسية في رسالة النبوة الّتي قررها وحررها الفارابي وطبعت مع بقية رسائله في حيدرآباد الهند. والفارابي نفسه في رسالة الفصوص(34)والفخر الرازي في ج 1 ص 353 من (المباحث المشرقية) والشيخ الأكبر محي الدين في «الفصوص» و «الفتوحات» والمير في «القبسات» والسهروردي في «حكمة الاشراق» وصدر المتألهين في «مفاتح الغيب» و «شرح اُصول الكافي» و في «الأسفار» (الفصل 19 المسلك الخامس في اتحاد العاقل والمعقول)(35) وهكذا بقية أساطين الفن.


في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والوصيّ(عليه السلام) خمس أرواح:


ولأئمتنا الأطهار(عليه السلام) والّذين هم قدوة واُسوة الحكماء الإلهيين كلمات وإشارات في روح القدس وخصائص نائلها. ففي الكتاب الموثوق (الكافي) للكليني باسناده: «عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن علم العالم فقال لي: يا جابر، إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى. ثم قال: يا جابر، إنّ هذه الأربعة أرواح يصيبها الحَدثان، إلاّ روح القدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب».

وكذلك روى بإسناده: «عن المفضّل بن عمر عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره. فقال: يا مفضّل إنّ الله تبارك وتعالى جعل في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة أرواح: روح الحياة، فبه دبّ ودرج، وروح القوّة، فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان، فبه آمن وعدل، وروح القدس، فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به».

ان المقصود من هذه الأرواح ليس الأرواح المتعددة المتمايزة عن الاُخرى لأ نّه (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَـيْنِ فِي جَوْفِهِ) بل ان هذه الأرواح شعب وفروع وشؤون حقيقة واحدة ممتدة أحد طرفيها في النشأة العنصرية فيما يمتد طرفها الآخر إلى بطنان العرش «ان لكلّ بدن نفساً واحدة... الخ»(36).

والبحث الأساس هو: «بروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، وروح القدس لا يلهو ولا يلعب ولا ينام ولا يغفل ولا يزهو». ولأوصاف روح القدس هذه (المعروفة بمقام الإنسان الكامل وعلاماته) أهمية قصوى.




مراتب الناس من الغبي إلى الغني

يقول الشيخ الرئيس في الفصل المذكور في اثبات القوة القدسية وإمكان وجودها: «تنبيه: ولعلك تشتهي زيادة دلالة على القوة القدسية وامكان وجودها فاسمع اذن: ألا تعلم بوجود الحدس وإن للإنسان فيه وفي الفكر مراتب، فبعض غبي لا يفكر بشيء، وبعض ذكي إلى درجة ويمتع بالفكر. وبعض حاد الذكاء ويقال عنه انّه يحظى بالحدس؟! وليست حدة الذكاء واحدة في الجميع بل هي قليلة عند بعض، وكثيرة عند بعض، فهو ينتهي عند البعض إلى انعدام الحدس كما انّه قد ينتهي بزيادته عند البعض إلى الغني. حيث يستغني صاحبها غالباً عن الحاجة إلى التعلم والفكر».

هذا الفصل مصدر بكلمة (إشارة) في النسخ المطبوعة غير انّه صحح إلى كلمة (تنبيه) طبقاً لعدة نسخ مخطوطة فإن الشيخ يصدر كلّ حكم يحتاج اثباته إلى برهان بكلمة (إشارة) ويصدر كلّ فصل يكتفي في اثبات حكمه بتجريد الموضوع والمحمول من اللاحق والنظر إلى البراهين السابقة بكلمة (تنبيه).

وحسن صنيع الشيخ هو أ نّه شرع بالغبي وانتهى بالغني فيكون (الأوّل) مخدوعاً وليس له حظ من الفكر، ويكون (الأخير) على مستوى من الثقافة وحدة الذهن بحيث يكون مؤيداً بروح القدس وغنياً عن التعلم والفكر. وبين هذا وذاك مراتب، فشخص على درجة كبيرة من الغباء في حركة الفكر بحيث يستوجب اعادة موضوع ما له مراراً وضرب الأمثلة المختلفة له حتى يستطيع أن يفهم شيئاً بسيطاً منه فالغبي بحاجة لكي يفهم إلى التكرار والتمثيل والمطالعة وكثرة التفكير والمساعدات الفكرية، في حين لا يحتاج الآخر إلى التمثيل ولا إلى التكرار والأكثر من ذلك انّه ليس بحاجة لأن يسمع كلّ الموضوع الّذي يريده المتكلم، بل بمجرد أن يفتح المتكلم فاه، يفهم الغني ماذا يريد المتكلم قوله إلى النهاية.

اذن فهذا الأخير مستغن عن كثير مما يحتاجه الآخرون لإدراك الموضوعات وهضم المطالب.


يقول الشيخ الرئيس في المباحثات: «الحدس هو فيض إلهي واتصال عقلي يكون بلا كسب البتة، وقد يبلغ بعضهم مبلغاً يكاد يستغني عن الفكر في أكثر ما يعلم وتكون له قوّة النفس القدسية، إذا شرفت النفس واكتسبت القوة الفاضلة وفارقت البدن كان نيلها ما ينال هناك عند زوال الشواغل أسرع من نيل الحدس فتمثّل لها العالم العقلي على ترتيب حدود القضايا والمعقولات الذاتي دون الزماني ويكون ذلك دفعة وإنما الحاجة إلى الفكر لكدر النفس أو قلّة ثمرتها وعجزها عن نيل الفيض الإلهي» انتهى كلامه ملخصاً.


لا يخفى أن تعبير الاتصال العقلي (كما جاء في المباحثات والشفاء والإشارات) انّما هو بناءً على ممشى المشاء، وهو في الحقيقة اتحاد عقلي بل ان (الاتحاد) استعمل نتيجة قلة الألفاظ وعدم اسعافها المطلوب.

والاتحاد فناء النفس الناطقة في العالم القدسي، يقول الشيخ الرئيس في آخر الفصل السادس المقالة الخامسة من (الشفاء) نفسه وبعد تمهيده لمطالب معينة: «فجائز أن يقع للإنسان بنفسه الحدس وأن ينعقد في ذهنه القياس بلا تعلم... الخ»(37).

ان الحديث السابع والعشرين من كتاب العقل في كتاب الكافي للكليني مناسب جداً في هذا المجال وهو:

«باسناده عن إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) الرجل آتيه واُكلّمه ببعض كلامي فيعرفه كلّه، ومنهم من آتيه فاُكلّمه بالكلام فيستوفي كلامي كلّه ثم يرده عليَّ كما كلّمته، ومنهم من آتيه فاُكلمه فيقول: أعد عليَّ. فقال: يا إسحاق وما تدري لِمَ هذا؟ قلت: لا. قال: الّذي تكلّمه ببعض كلامك فيعرفه كلّه فذاك من عُجنت نطفته بعقله، وأمّا الّذي تكلّمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الّذي ركّب عقله فيه في بطن اُمه، وأما الّذي تكلّمه بالكلام فيقول أعد عليَّ فذاك الّذي ركّب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول لك أعد عليَّ».

والأقوى من ذلك الأخير والغني عن كثير من الاحتياجات يستطيع أن يمنح حدسه الثاقب انتقالة دفعية، والأقوى منه يستطيع أن يكون عالماً دون معلم بشري بل (عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) و (عَلَّمَ الاِْنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)و (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ* خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ) .

مثل هذا الشخص غني عن كلّ تلك الوسائط، هذا هو البيان الاجمالي في مراتب الفهم والادراك البشري من الغبي حتى الغني.

فهذا الغني هو صاحب الروح المقدسة والمؤيد بروح القدس، وقد ساق جُلّ الحكماء الشامخين والعرفاء الكاملين أدلّة في اثبات الإنسان الكامل بالبرهين والشهود العرفانية أيضاً ـ ولأهل البيت(عليهم السلام) ـ أيضاً عدة روايات تعضد برهان ووجدان اُولئك العظماء وتؤيد أحكامهم العقلية وشهودهم العرفانية.

للعالم المادي امكان استعدادي، وأن الموجود المادي إذا أراد أن يبلغ كماله أمكنه ذلك بالتدريج، وانتقل من المرتبة النازلة صوب المرتبة الكاملة أي من النقص إلى الكمال ومن القوة المحضة إلى الكمال المطلق. وهذا الّذي نراه من احرازه القابليات انّما هو اكتساب للفيض حسب استعداده، ومحال أن يظل المستعد القابل بالفعل محروماً، ولا وجود لأي امساك على الإطلاق من جهة المفيض، وليس في افاضته حالة الانتظار أبداً، وإلاّ لما كان تاماً في عليّته الذاتية وفعلية محضة في كمالاته الوجودية، والحال ان واجب الوجود بالذات من جميع الجهات، اذن ففيضه فائض دوماً، وما هو بالإمكان العام للممكن فهو وجوب وفعلية محضة في مقام واجب الوجود بالذات. ولو اتفق ان القابل لم يكن تاماً في استعداده وقابليته لتقبل الحقائق والعلوم والمعارف فإنه لن تكون لديه حالة الانتظار أبداً.

بناءً على هذا فإن صاحب الروح القدسية والمؤيد بروح القدس والّذي هو الغني مقابل الغبي، له محل القابل الكامل في القبول. ولهذا فإن مثل هذه الروح ينبغي أن تكون المظهر والمصداق التام للأسماء التعليمية والتكوينية لـ «علّم آدم الأسماء كلّها» وهو التام في الفاعلية والقابلية على السواء.






الباب العاشر

الإنسان الكامل موضع مشيئة الله

(ي) وهكذا يكون الإنسان الكامل موضع مشيئة الله بل ان مقام الإنسان الكامل أساساً مقام ومحل مشيئة الله. والآية الكريمة: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(38) والآيات الاُخرى المشابهة في المشيئة صادقة عليه. وان مظهر المشيئة والاختيار الإلهي هذا هو صاحب الولاية الكلية الحائز على رقائق صفات الحقّ تعالى وهو محل ظهور تجلّي جميع الأوصاف الكمالية الإلهية.


تصرّف النفوس الكاملة للأعيان الخارجية

اذن وجود الإنسان الكامل هو ظرف لجميع الحقائق وخزائن أسماء الله، وهذه الأسماء هي أعيان الحقائق النورية للوجود، لا أسماء لفظية.

لا شك أن لصاحب هذا المقام الولاية التكوينية وهي امتلاكه مفاتيح الغيب أي أن نفس الحقائق النورية بيده ويستطيع بإذن الله ومشيئته أن يتصرف في الكائنات، بل وأن ينشئ ويوجد في الوعاء الخارج من بدنه، وأن تكون الموجودات الخارجية بمثابة أعضائه ويكون هو بمثابة روحها، لأن النفس الناطقة الإنسانية المجردة قائمة بذاتها وخارجة عن البدن والمحيط ومستولية على ذلك ولها التصرف في البدن والتعلق التدبيري فيه.


بناءً على هذا: ما هو الفرق بأن يتصرف في بدنه هو أو في الأعيان الخارجة الاُخرى. وان المعاجز والكرامات وكلّ خوارق العادات للأفراد الكمّل إنّما هي من هذه الجهة. وبما ان الأسماء حقائق والقرآن هو بيان الحقائق وان كلا كتابي الله التكويني والتدويني متقارنان، فهذا حاك وذاك بيان، لهذا فالإنسان الكامل هو وعاء لحقائق القرآن وهو كلام الله الناطق.

لقد ثبت في الحكمة المتعالية ان شيئية الشيء بالصورة لا بالمادة. وعن الإمام الصادق(عليه السلام) الّذي تعتبر كلماته وأحاديثه كاشفة لرموز الأنبياء والأولياء وإشارات الحكماء والعرفاء، رواية تقول: «ان حقيقة الشيء بصورته لا بمادّته»(39) وشأن جميع الموجودات هو هذا، بأن تكون معقول الإنسان، وللإنسان أيضاً هذه الشأنية بأن يكون عاقلها، والعقل والعاقل والمعقول بحسب الوجود حقيقة نورية واحدة.

اذن فبوسع الإنسان المؤيّد أن يكون المعقولات بالفعل، ويغدو خزانة الحقائق والمعارف النورية ومعهداً لأنواع العلوم السبحانية، فيكون هو العالم العقلي المضاهي للعالم العيني.

ان الإنسان الكامل والّذي هو إمام قافلة النوع البشري متّصف بهذه الأنوار الملكوتية، وهو مصباح وسراج منير تستمدّ منه الأرواح المستعدة الاُخرى.

من الكلمات القصار للشيخ(قدس سره) في المعاد في كتاب الشفاء قوله:

«إنّ النفس الناطقة كمالها الخاصّ بها أن تصير عالماً عقلياً مرتسماً فيها صورة الكلّ والنظام المعقول في الكلّ، والخير الفائض في الكلّ مبتدئة من مبدأ الكل، سالكة إلى الجوهر الشريفة الروحانية المطلقة، ثم الروحانية المتعلقة نوعاً ما من التعلق بالأبدان، ثم أجسام العلوية بهيئاتها وقواها، ثم كذلك حتى تستوفي في نفسها هيئة الوجود كلّه فتنقلب عالماً معقولا موازياً للعالم الموجود كله مشاهدة لما هو الحسن المطلق والخير المطلق والجمال الحقّ المطلق ومتحدة به ومنتقشة بمثاله وهيأته ومنخرطة في سلكه وصائرة من جوهرة، وإذا قيس هذا بالكمالات المعشوقة الّتي للقوى الاُخرى وجد في المرتبة بحيث يقبح معها أن يقال إنّه أفضل وأتم منها بل لا نسبة لها إليه بوجه من الوجوه فضيلة وتماماً وكثرة».

بل ان الإنسان اضافة إلى مضاهاة العالم العقلي للعالم العيني، يصبح صاحب الولاية الكلية، وتكون جميع العوالم بمنزلة أعضائه وجوارحه «فيتصرف فيها كيف يشاء» لان السعة الوجودية والعظمة الروحية للأولياء الإلهيين المؤيد بروح القدس أوسع وأعظم من جميع ما سوى الله تعالى.

نهديكم عدة أحاديث وقصص عن آثار ومآثر عن بعض النوابغ لتكسر سورة جحود هذا الفريق الّذي لم نسمع عنه سوى الاستيحاش من مثل هذه الموضوعات:


حديث الجوزجاني حول اُستاذه ابن سينا:

يقول أبو عبيدة الجوزجاني وهو أحد تلامذة الشيخ في أول مدخل منطق الشفاء: ان الشيخ كتب طبيعيات وإلهيات الشفاء (باستثناء الحيوان والنبات) في مدة عشرين يوماً فقط بالاعتماد على طبعه دون أن يكون ثمة كتاب لديه:

«فصادفت منه خلوة وفراغاً اغتنمته وأخذته بتميم كتاب الشفاء وأقبل هو بنفسه ـ يعني الشيخ الرئيس ـ على تصنيفه اقبالا بجدّ، وفرغ من الطبيعيات والإلهيات خلا كتابي الحيوان والنبات في مدّة عشرين يوماً من غير رجوع إلى كتاب يحضره وإنما اعتمد طبعه فقط... الخ».

يقول النظامي في أوائل «ليلى والمجنون» في مدة نظم الكتاب: إن هذه الأربعة آلاف بيت ـ نظمت في أقل من أربعة أشهر، لو حرمت على نفسي الأعمال الاُخرى ـ لتمّت في أربع عشرة ليلة.

وكتب سعدي ثمانية أبواب من «گلستان» في أقل من فصل واحد، كما ورد في ديباجته في تاريخ شروعه «لقد تكلمنا بحكم الضرورة وخرجنا للنزهة في فصل الربيع بعد سكون صولة البرد ووصول دولة الورد، وقد بقيت من ورود البستان وردة على اكمال كتاب «گلستان».

العارف الشبستري محمود بن عبدالكريم بن يحيى المتوفى حوالي 732 هـ ق (عن 33 سنة على المشهور) اشتهر انّه نظر في غاية الاختصار (گلشن راز) في الثامنة عشرة في جواب 19 سؤالا للعارف الخراساني الكبير الأمير حسين الهروي في عام 717 هـ ثم أضاف على كلّ بيت أبياتاً فصار مجموعها 992 بيتاً.

واستطاع الصفي أن ينظم القرآن الكريم في فترة عامين، كما أشار إلى ذلك في نهاية منظومته.

وأما المير داماد فقد شرع في كتابه «القبسات» في ربيع الأوّل عام 1304 هـ يوم ميلاد النبيّ الأكرم وانتهى منه في السادس من شعبان من نفس السنة كما أشار لذلك أيضاً في الخاتمة «ولقد نجز بحمد الله سبحانه وتنجّز الفراغ منه هريعاً من ليلة الأربعاء لست مضين من شهر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شعبان المعظم عام 1340 من هجرته المباركة القدسية ، وقد كان الأخذ فيه يوم ميلاده(عليه السلام) في شهر ربيع الأوّل من هذا العام».


لعل البعض يندهش كيف ان هذه المؤلفات والآثار العلمية الثمينة لقد ألفت في تلك الفترة القصيرة.

فهذا ابن النديم نقل (240) كتا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإنسان الكامل خليفة الله   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:39 pm

لعل البعض يندهش كيف ان هذه المؤلفات والآثار العلمية الثمينة لقد ألفت في تلك الفترة القصيرة.

فهذا ابن النديم نقل (240) كتاباً ورسالة من تأليفات الفيلسوف العربي ابن إسحاق الكندي في فنون علوم الفلسفة والمنطق والهندسة والموسيقى والنجوم والفلك والطب والجدل والنفس والسياسة والمعادن والحيوانات وغيرها.

وللشيخ الرئيس مؤلفات كثيرة في أنواع العلوم ومنها (الشفاء) و (القانون) و (النجاة) و (الإشارات) في حين أنّ (الشفاء) لوحده دائرة كاملة، ويعجز علماء عصرنا عن الاتيان بكتاب مثل المنطق ـ منه ـ فقط، بل اننا لا نعرف اليوم من يستطيع تدريس دورة الشفاء من الرياضيات بأنواعها والمنطقيات والطبيعيات والحيوان والنبات والالهيات وغيرها.

أمّا الخواجة الطوسي فقد ألّف (113) كتاباً ورسالةً في اختصاصات مختلفة والّتي من جملتها (تحرير محسبطي بطليموس واكرمانا لاوس) في المثلثات الكروية وكشف القناع عن أسرار شكل القطاع وشرح اشارات الشيخ الرئيس و (الزيج الايلخاني) وتحرير اُصول اقليدس و (التذكرة في الهيئة) و (أساس الاقتباس) مما يعتبر كلّ منها معجزة لنا.

وللعلاّمة الحلي حوالي 500 جزءاً من المؤلفات العلمية والّتي منها (تذكرة الفقهاء) و (المنتهى) و (المختلف) و (القواعد) و (التحرير) و (شرح تجريد الخواجة) في علم الكلام باسم (كشف المراد) وشرح تجريد الخواجة من المنطق باسم (الجوهر النضيد).

وللشيخ الأكبر محي الدين بن عربي 800 مجلد من كتب ورسائل قام عثمان بن يحيى بفهرستها في فرنسا بجزءين ومن جملتها (الفتوحات المكية) و(فصوص الحكم) و(انشاء الدوائر) و(عنقاء المغرب) و(شق الجيب في المهدي(عليه السلام)) و(مفتاح الأسرار في علم الحروف والجفر) و(كتاب السهل الممتنع في الجفر الجامع) والّذي يسمى أيضاً بـ (الدر المكنون والجوهر المصون في علم الحروف والجفر) وقد عدّ شارح المناقب المنسوبة للشيخ وهو (السيد صالح الخلخالي والّذي هو حسب قول صاحب المآثار والآثار في ص 185 التلميذ المبرز للسيد أبي الحسن جلوة) بعضاً من مصنّفات الشيخ وقال: منها: التفسير الكبير وقد بلغ 90 مجلداً بل ان الوافي بالوفيات 95 مجلداً، واليوم فانّ الفهرسة العلمية للفتوحات تعد فناً للعالم المتبحر في صناعة العرفان. وهل ان فهم المفتاح وخاصة الدر المكنون أمر ميسور إلاّ للأوحدي من العلماء.


يقول عبدالرحيم صفي بوري في مادة (ز غ ل) في (منتهى الأرب في لغة العرب) الزاغوالي محمّد بنچديهي بن حسين بن محمّد بن حسين مصنّف كتاب (قيد الأوابد) في 400 مجلد مشتملا على التفسير والحديث والفقه واللغة.

ولمحمد بن مسعود العياشي أكثر من 200 مجلد مشتملا على التفسير والحديث والفقه واللغة.

ولمحمد بن مسعود العياشي أكثر من 200 مجلد في أصناف العلوم ذكر أكثرها ابن النديم في فهرسته وقد صرّح ابن بابويه الصدوق في مقدمة كتاب (من لا يحضره الفقيه) بـ 245 مجلداً من تأليفاته، وقال عنه الشيخ الطوسي في فهرسته (له نحو من ثلاثمائة مصنف).

وكان لتوماس اديسون مكتشف الكهرباء قابليات خارقة فلم يتوقف ذهنه الفعّال أبداً، وقد قدّم خلال الأعوام 1871 م 1876 م (122) اختراعاً وقال: لقد ثبت لي بالتجربة ان العلم لا يتوقف أبداً.


وللملا جلال الدين السيوطي حوالي 500 مجلد، وهكذا بالنسبة لأساطين العلم والمعارف الاُخرى كالشيخ الطوسي صاحب (التهذيب والتبيان) والسيد مرتضى علم الهدى صاحب (الشافي) و(الذريعة)، وأخيه الشريف الرضي جامع نهج البلاغة، والفخر الرازي صاحب التفسير و(المباحث المشرقية)، والملا عليّ القوشجي صاحب (زيج الغ بيك) وشرحه وشرح تجريد الخواجة، والملا صدرا صاحب (الأسفار)، و(شرح اُصول الكافي) و(المفاتيح)، وملا محسن فيض صاحب (الوافي)، (الصافي)، (المفاتيح)، و(احياء احياء الغزالي)، والمجلسي الثاني صاحب (البحار) ، و(مرآة العقول) ووو... .


فانّ لكلّ واحد من هؤلاء العظماء في علومهم وفنونهم وأعمالهم العلمية نبوغاً خارجاً عن طاقة أكثر أهل العلم، وان آثارهم العلمية نحو من أنحاء الكرامة إلى حد اننا نرى ان هذه النطفة والعلقة والمضغة الفقيرة المعدمة، قفزت وصارت هكذا.

لماذا لا نعترض على كلّ هذا، ولكن عندما نقول انّها يجب أن ترقى أكثر، وبعد أن صارت صاحبة ثروة واستعداد وقابلية أكبر وطارت بالتوفيق وكثرة العطاء ممن «لا تزيده كثرة العطاء إلاّ جوداً وكرماً» وتتعالى وتسمو حتى لتكون خليفة الله بل حائزة على مرتبة فوق مقام الخلافة الكبرى، نحس في أنفسنا تشكيكاً. وهذا ليس إلاّ لأن اسسنا وقواعدنا العلمية ليست رصينة. وعلى حد قول (العرشي) والموجز الدقيق جناب الفارابي المعلم الثاني في الرسالة الثمينة (اثبات المفارقات) «والعقل الهيولاني ان كان قدسياً فإنه مستعد لأن يصير عقلا بالفعل أتم وإذا كان العقل الهيولاني قد يتصل بالمفارق من دون تعلم أعني من دون استعمال فكر وخيال فلأن يتصل به العقل بالفعل أوجب وأولى».

فلو أن أحداً راجع في أوصاف وأحوال الجمادات وعالم النباتات وخواصها وآثارها التكوينية إلى الكتب المختصة وحصلت له المعرفة اليسيرة بأسرارها الفطرية، فان صولة اعتراضه في الاعتلاء الوجودي والاشتداد الروحي للإنسان الكامل ستبدل إلى دولة الاعتراف.

النمط الثامن والتاسع والعاشر من اشارات الشيخ الرئيس وشرح الخواجة عليها (وخاصة العاشر الّذي هو في أسرار الآيات).. كلّ منها باب للورود والوصول إلى البيان الواقعي لهذا اللغز، وكلّ من الفصوص والفتوحات المكية للشيخ الأكبر ـ لو فهمت من لسان الفهم ـ فهي حل لهذا الطلسم.

ننقل طياً واقعة عجيبة وقعت للشيخ الرئيس نقلها بقلمه في آخر الفصل الثاني من المقالة السابقة في الطبيعيات:

«حكي لي حال رجل ببيابان دهستان تحذر نفسه ونفخه الحيّات والأفاعي الّتي بها وهي قتالة جداً والحيات لا تنكفأ فيه باللسع ولا تلسعه اختياراً ما لم يقسرها عليه فإن لسعته حية ماتت. وحكى أن تنيناً عظيماً لسعته فماتت وعرض له حمى يوم ثم إني لما حصبت ببيابان دهستان طلبته فلم يعش وخلف ولداً أعظم خاصية في هذا الباب منه فرأيت منه عجائب نسيت أكثرها فكان من جملتها أنّ الأفاعي تصدّ عن عزّه وتحيد عن تنفّسه وتخدر في يده»(40).

ان عجائب المخلوقات من هذا القبيل كثيرة، وأين هي الذرة الخالية من العجائب في الوجود سوى أننا ألفنا بعضها فلا تبدو في نظرنا عجيبة، ومع وجود كلّ هذه العجائب في دنيا الوجود فانّ بعض الناس ينكرون الأسرار اللامتناهية لأكبر كتاب إلهي ... أعني ـ الإنسان ـ الّذي لا أحد يوقفه في أي مقام وهو أكبر من كلّ ما سوى الله.

يقول اُستاذي العلاّمة الشعراني(قدس سره) في طريق السعادة: لقد نقل عن كبار مشاهير العلم منذ بداية الحياة وحتى الآن عجائب لا يمكن انكارها، فمثلا ان الشاه إسماعيل الصفوي قاد جيشاً وهو في (الرابعة عشرة من عمره) إلى أذربيجان أو القفقاز وأصبح فاتحاً وأقام السلطنة. والاسكندر المقدوني هضم أكثر علوم زمانه في السادسة عشرة. ويقول الفاضل الهندي في كشف اللثام: لقد فرغت في الثانية عشرة من العلوم الرسمية. وأصبح ابن سينا رئيس العلوم العقلية والطب في السادسة عشرة بلا معلم.

نعم فكلّ شخص وما هو وما سيصير معلوم منذ البداية. يقول الشاعر العربي:

في المهد ينطق عن سعادة جده *** أثر النجابة ساطع البرهان

هذا هو حال الناس العاديين الذين لا ولاية لهم ولا نبوة أمّا عن الأنبياء فقد ورد في قصة يحيى(عليه السلام): (وَآ تَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً) وعن عيسى المسيح(عليه السلام) قال تعالى: (إنِّي عَبْدُ اللهِ آ تَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً).

وكان الإمام الجواد(عليه السلام) حين وصلت إليه الإمامة في الثامنة أو التاسعة أمّا الإمام الهادي(عليه السلام) ففي السادسة أو السابعة، والإمام العسكري(عليه السلام) في الرابعة والعشرين، وكان الشيعة يعتبرونهم أصحاب علوم الشريعة والتوحيد والمعارف وقد نُقل عن الإمام المهدي(عليه السلام) عجائب وهو في سن الرابعة فإذا كان مقرراً لبعض الإلهيين المؤيّدين وأولياء الله أن يكون لهم ـ اضافة إلى الروح الإنسانية اتصال بروح أكبر وأن تكون لهم روابط مع موجودات عالم الغيب، فما هو المانع أن يكون ذلك منذ عهد الطفولة؟ وعلى أي حال فان الروح المرتبطة بالأئمة والأولياء وأعاظم الأنبياء هي قوة اُخرى غير الّتي يملكها الأفراد العاديّون عن بني البشر، ولا يلزم أن يكون بدء الاتصال والارتباط بها حين الكبر فانه خارق للعادة على كلّ حال سواءً كان في الصغر أم في الكبر، والّذي يعتبر خرق العادة ممكناً عليه أن يقبله في الحالتين(41).


النفس المكتفية والنفس الناقصة:

نعود إلى موضوع بحثنا، كان يدور حول الإنسان المؤيّد بروح القدس: مثل هذا الإنسان ذو علم لدنّي ونفس مكتفية، ويقال لها مستكفية أيضاً، أي إنّه يكتفي بفطرته وبنفس ما وهبه الله، وبذاته وباطنه من علله الذاتية في خروجه من النقص إلى الكمال، ولا يحتاج إلى مكمّل ومتمّم خارجي أو معلم بشري، خلافاً للنفس الناقصة المحتاجة لمكمل خارجي في تحصيل الكمالات والخروج من القوة إلى الفعل، وبعد الاستكمال يصل المرتبة التامة أي العقل التام ثم يكون خليفة لما فوق التمام أي لواجب لوجود تعالى:

«ولما كانت الحكمة في الايجاد المعرفة والعلم، والعلماء بحسب الاحتمال ثلاثة أقسام: أحدها تام في كماله بحسب الفطرة كالعقول المفارقة، وثانيها مستكف يحتاج إلى التكميل ولكن لا يحتاج إلى اُمور زائدة ومكمّل من خارج كالنفوس الفلكية، ومن هذا القسم نفوس الأنبياء(عليهم السلام) بحسب الفطرة ولكن بعد الاستكمال ربّما صاروا من القسم الأوّل، وثالثها ناقصة بحسب الفطرة تحتاج في التكميل إلى اُمور خارجة عن ذاتها من انزا الكتاب والرسل وغيرهما، فقد أوجد الله سبحانه جميع هذه الأقسام توفية للافاضة وتكميلا للأقسام المحتملة عند العقل وقد أشار إلى هذه الأقسام بقوله: (وَالصَّافَّاتِ صَفّاً * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً) وبقوله: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالمُدَبِّرَاتِ أمْراً) يحتمل أن يكون الترتيب في الآية الثانية على عكس الترتيب في الآية الاُولى أي من المسبّب إلى السبب بأن يكون السابحات إشارة إلى عالم الأفلاك كما في قوله: (كلّ في فلك يسبحون) والسابقات إلى نفوسها، والمدبّرات أمراً إلى عقولها الّتي من عالم الأمر الموجودة بأمر الله وقوله كن بل هي نفس الأمر الوارد منه تعالى»(42).

ان فعلية النفس هي بالمعارف الالهية والملكات العلمية والعملية الصالحة، وهذه هي طينة العليين الّتي عجن منها السعداء، وان الإنسان في اصطلاح أهل العرفان هو الفرد الكامل لا الصورة الإنسانية، وفي الحديث القدسي: «الإنسان سرّي وأنا سرّه».


الروح وروح القدس


ان مضمون روايات أهل بيت العصمة والوحي هو أن فوق روح القدس روحاً اُخرى وهي أعظم من جبرائيل وميكائيل.

في الكافي باسناده إلى الكناني عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإيمَانُ)؟ قال: خلق من خلق الله تبارك وتعالى أعظم من جبريل وميكائيل كان مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره ويسدّده وهو مع الأئمة من بعده صلوات الله عليهم»(43).


وباسناده إلى أسباط بن سالم قال: سأله رجل من أهل هيت وأنا حاضر عن قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا) ؟ فقال: «منذ أنزل الله تعالى ذلك الروح على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ما صعد إلى السماء وإنّه لفينا».

وبإسناده إلى أبي بصير قال سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قول الله تعالى: (يَسْأ لُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي)؟ قال: «خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مع الأئمة وهو من الملكوت».

وبإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: (وَيَسْأ لُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مع الأئمة يسدّدهم وليس كلّ ما طلب وجد.

وبإسناده عن أبي حمزة قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن العلم أهو علم يعلّمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب أما سمعت قول الله عزّوجلّ : (وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإيمَانُ)، ثم قال: أيّ شيء يقول أصحابكم في هذه الآية؟ أيقرّون انّه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك ما يقولون، فقال لي: بلى قد كان في حال لا يدرى ما الكتاب ولا الايمان، حتى بعث الله تعالى الروح الّتي ذكر في الكتاب فلمّا أوحاها إليه علّم بها العلم والفهم وهي الروح الّتي يعطيها الله تعالى من شاء فإذا أعطاها عبداً علّمه الفهم.

وباسناده عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أميرالمؤمنين(عليه السلام) يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل؟ فقال له أميرالمؤمنين(عليه السلام)جبرئيل(عليه السلام) من الملائكة والروح غير جبرئيل. فكرّر ذلك على الرجل، فقال له: لقد قلت عظيماً من القول، ما أحدٌ يزعم أن الروح غير جبرئيل فقال له أميرالمؤمنين: انّك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول الله تعالى لنبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) (أتَى أمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ)(44) والروح غير الملائكة صلوات الله عليهم.

وفيه بإسناده عن عليّ بن رئاب رفعه إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام) قال: إنّ لله نهراً دون عرشه ودون النهر الّذي دون عرشه نور نوره وانّ في حافتي النهر روحين مخلوقين روح القدس وروح من أمره... الحديث»(45).


في هذه الروايات: الروح غير جبرائيل وأعظم منه ومن ميكائيل ومنذ نزوله على الرسول الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم تخل الأرض منه أبداً، وهو مع الأئمة الذين من بعده، لأن الأرض لا تخلو من حجة، وان الحجج مؤيدون بالروح. وفي حديث عليّ بن رئاب ان روح القدس غير الروح من أمر الله، والأخير فوق الأوّل.


الاسم الأعظم 73 حرفاً


ان الرواية الّتي ذكرت ان الروح(عليه السلام) كان مع النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده مع الأئمة(عليهم السلام) بيان لسرّ الروايات الّتي جاءت في باب «ما اُعطي الأئمة(عليهم السلام) عن اسم الله الأعظم».

في الكافي وكتب الحديث الاُخرى ان الاسم الأعظم 73 حرفاً، حرف واحد منها كان عند آصف بن برخيا وحرفان عند عيسى(عليه السلام) وأربعة عند موسى و8 عند إبراهيم و15 عند نوح و25 عند آدم و72 عند محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) المحجوب من حرف فقط «ان اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفاً اُعطي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) اثنين وسبعين وحُجب عنه حرف واحد»(46).


مراتب الأنبياء والرسل والأولياء:


كذلك الحروف الاثنان والسبعون اُعطيت للأئمة من بعده(عليهم السلام) كما في الكافي باسناده إلى عليّ بن محمّد النوفلي عن أبي الحسن صاحب العسكر(عليه السلام) قال سمعته يقول: «اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً كان عند آصف حرف فتكلّم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان ثم انبسطت الارض في أقلّ من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب»(47).

فهذا الحرف حرف وليس بحرف فإذا ضُم هذا الحرف إلى الروايات الواردة في كتاب التوحيد في حدوث الأسماء والمعاني واشتقاقاتها فأي حرف سيتألف منها؟

ولو قرن إلى الآيات والروايات في الكلم والكلمات والآية والكتاب واللوح والقضاء ونظائرها فأية نتائج ستحصل من اقترانها؟ ولو اُلفت مع (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض) أو مع (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض) فما هي الفوائد المتحققة؟ فللحرف من دون اسم ورسم بل أقل منه للنقطة من دون حرف وفيها شرح واشارات والحمد لله ربّ العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالليل
المراقب العام
المراقب العام
قمرالليل


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 676
مزاجك : ركوب الخيل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011
العمر : 46
الموقع : هنا
العمل/الترفيه : !!!
الأوسمه عضو مجلس الإداره

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: الباب الحادي عشر   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد مايو 29, 2011 7:40 pm

الباب الحادي عشر

الإنسان الكامل صاحب مرتبة القلب


(ي) ومثل هذا الإنسان هو صاحب رتبة القلب «إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها»(1).

وقد عُرف سابقاً أن صاحب مرتبة القلب في مشهد العرفاء هو نفس مرتبة العقل المستفاد في منظر الحكماء لكن لأهمية شؤون القلب نقول:

«اللّهمّ نوَّر ظاهري بطاعتك، وباطني بمحبتك، وقلبي بمعرفتك، وروحي بمشاهدتك، وسرّي باستقلال اتّصال حضرتك، يا ذا الجلال والإكرام».


تعريف القلب ووجه تسميته

ان الظاهر والباطن والقلب والروح والسر هي من مراتب النفس الناطقة وهي حقيقة ممتدة من الخلق إلى الأمر. في مرتبة القلب نشاهد معان كلية وجزئية، يقول العارف عن هذه المرتبة (القلب) ويقول عنها الحكيم (العقل المستفاد).

ان جميع القوى الروحية والجسمية تتشعب وتتفرع عن القلب، ومن هنا كان قلباً، حيث لا يقرّ للحظة، وهو في تقلّب دائم وقبض وبسط مستمرين، كما أن مظهر الوصف اللحمي في البنية الإنسانية كذلك، فله في كلّ دقيقة عدة حالات في الانقباض والانبساط ولا سكون له للحظة. لهذا فالقلب هو المظهر الأتم لـ (كُلَّ يَوْم هُوَ فِى شَأْن).

ان تقلّب القلب هو من الظهورات الإلهية والشؤونات الذاتية وان كمالات الروح وكليات العلم كلّها تستوي في هذا المحل. ومن هنا عُبر عنه بـ (مرآة العالم) والبرزخ بين الظاهر والباطن وإنسانية الإنسان. والقلب كالبدل والمبدل عنه، ففي القلب جميع التنزلات والترقيات والمدارج ومعارف الفيض الوجودي. يقول القيصري في ديباجة شرح فصوص الحكم:


«الإنسان إنّما يكون صاحب القلب إذا تجلّى له الغيب وانكشف له السر وظهرت عنده حقيقة الأمر وتحقق بالأنوار الإلهية وتقلّب في الأطوار الربوبية لأنّ المرتبة القلبية هي الولادة الثانية المشار إليها بقول عيسى(عليه السلام): «لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين»(2).

أحد أسماء الله تعالى هو المؤمن، والّذي جاء في آخر سورة الحشر، والإنسان المؤمن مظهر له «المؤمن مرآة المؤمن» وقلبه من السعة بحيث لا وجود لمخلوق يسعه «قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله تعالى: ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي» وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّ تقي ونقي إليَّ» وقال: «سلمان منّا أهل البيت» فتبصّر.


العلم والعمل يصنعان الإنسان، والعلم ماء الحياة


ليس لوعاء القلب حد محدود (وَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ) ومهما يسكب فيه من العلم والّذي هو ماؤه فهو يتّسع أكثر. فماء الحياة هو العلوم والمعارف وهي غذاء الروح (فَـلْيَـنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ) وان طعام الإنسان من حيث هو انسان هو ما يصنع الإنسان. لهذا قال الإمام أبو جعفر(عليه السلام) في تفسير الآية لزيد الشحام ان الطعام هو «علمه الّذي يأخذه عمّن يأخذه»(3). والعلم والعمل صانعا الإنسان (إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) وان العلم والعمل جَنّة إذا كانا ملكوتين، ونار إذا كانت جذورهما في الدنيا.


الحكمة جنة:

اعتبر النبيّ الخاتم الحكمة جنّة، روى الشيخ الصدوق في المجلس 61 من أماليه بإسناده عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنا مدينة الحكمة وهي الجنّة وأنت يا عليّ بابها، فكيف يهتدي المهتدي إلى الجنّة ولا يهتدي إليها إلاّ من بابها» إذن فالحكمة جنّة والحكمة طعام الإنسان وقلبه مزرعة لبذور المعارف.

«يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتى يودعوها نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم»(4).


معلّمو البشر (زرّاع)


ووصف الإمام في هذا الكلام معلمي البشر ووسائط الفيض الإلهي بالزرّاع ووصف القلوب المستفيضة بالمزارع «والمعرفة بذر المشاهدة» فالعلماء الكبار هم الذين يبذرون المعارف الإلهية في مزارع قلوبهم، وإذا أخضرت هذه البذور أي صارت المزارع مؤهلة والقلوب قابلة، فان هذه الحدائق الخضراء ستكون قرة عين الناظرين ونزهة أهل الولاية.

ألا ترى إنّه قال: ان الأرض السبخة لا تقبل ولايتنا؟ اُنظر إلى بذور الحكمة هذه أية جنات ستتحول.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وقال أيضاً (أفرأيتم ما تحرثون أأ نْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) .

ان سلسلة الكلام متصلة مع بعضها ولا تقبل الانفصال والمنافاة، فهناك عدد من السفراء الالهيين معروفين بالزراع، وفي كلام الإمام وفي هذه الآية أيضاً قال (نَحْنُ الزَّارِعُونَ) فافهم.


الله تعالى هو الزارع والإنسان الكامل سرّ الله وأسرار

الولاية بذور والقلوب مزارع


روى يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق انّه قال: «ان الله خلق قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان فإذا أراد استنارة ما فيها فتحها بالحكمة وزرعها بالعلم وزارعها والقيّم عليها ربّ العالمين» وكذلك عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «من يزرع خيراً يحصد غبطة ومن يزرع شراً يحصد ندمة، ولكلّ زارع ما زرع»(5).

وروى عمر بن يسع عن شعيب الحداد قال:

سمعت الصادق جعفر بن محمّد(عليه السلام) يقول: «إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان أو مدينة حصينة. قال عمرو فقلت لشعيب يا أبا الحسن وأي شيء المدينة الحصينة؟ قال: فقال سألت الصادق(عليه السلام) عنها، فقال لي: القلب المجتمع»(6).

ان القلب المجتمع هو المدينة الحصينة، وإن أسرار أهل الولاية لا تختفي في القرى المهجورة القديمة البوابات والأبراج، بل يجب ان تكون مدناً من المدن الّتي هي حصن الله. ليست أسرار الولاية أسلاكاً بلا روح مدفونة تحت التراب بل انّها الودائع الالهية الّتي ينبغي أن تعطى إلى اُمناء الله الذين هم مدن حصينة وصدور أمينة، في نهج البلاغة:


«إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإِيمَانِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ»(7).


وعن بصائر الدرجات عن الصادق(عليه السلام) : «إن أمرنا سرّ وسرّ في سرّ وسرّ مستسر وسرّ لا يفيده إلاّ سرّ وسرّ على سرّ وسرّ مقنع بسرّ» وقال(عليه السلام): «هو الحقّ وحقّ الحقّ وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السرّ والسرّ المستسر وسرّ مقنع بالسرّ».

وقال(عليه السلام): «خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم مما ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان».

في اُصول الكافي باب بهذا العنوان «فيما جاء ان حديثهم صعب مستصعب» في الحديث الأوّل عن أبي جعفر(عليه السلام) عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) : «ان حديث آل محمّد صعب مستصعب... الخ» وفي الحديث الثاني عن الصادق عن السجاد(عليهما السلام) «ان علم العلماء صعب مستصعب ... الخ» وفي الحديث الثالث عن الصادق(عليه السلام): «ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ صدور منيرة أو قلوب سليمة وأخلاق حسنة» وفي بصائر الدرجات عن الباقر(عليه السلام) جاء عن المفضل قال قال أبو جعفر(عليه السلام): «إن حديثنا صعب مستصعب ذكران أجرد ولا يحتمله ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أمّا الصعب فهو الّذي لم يركب بعد، وأمّا المستصعب فهو الّذي يهرب منه إذا رؤي، وأمّا الذكران فهو ذكاء المؤمنين، وأمّا الأجرد فهو الّذي لا يتعلق به شيء من بين يديه ولا من خلفه وهو قول الله: (اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ)(8) فأحسن الحديث حديثنا ولا يحتمل أحد من الخلائق أمره بكماله حتى يحدّه، لأن من حد شيئاً فهو أكبر منه والحمد لله على التوفيق والانكار هو الكفر».


وفي البصائر أيضاً مسنداً عن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) : انّ من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا عبد مؤمن قلت: فمن يحتمله؟ قال: نحن نحتمله».

اذن فأحاديث أهل البيت(عليهم السلام) كلّها علوم وأسرار، وسرّ كلّ شيء حقيقته المخفية. فالحقيقة العلمية سرّ وسرّ مستسر مقنع لا يفهمها كلّ سر، وتلك الحقائق فوق مرتبة البيان اللفظي والادراك الفكري بل تُنال بالمعرفة الشهودية. وكلّ في حد ينال مرتبة منها، لكن لا تنالها كلّ يد بل (لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ). فلابدّ ان يكون القلب منيراً سليماً مجتمعاً أميناً حصيناً ليناله ويدركه اضافة إلى أن حديث البصائر من غرر الأحاديث.

وهناك حديث آخر «ولا يحتمل أحد من الخلائق أمره بكماله حتى يحدّه لأ نّه من حدّ شيئاً فهو أكبر منه».

اُنظر إلى بيان الإنسان الكامل فهو كامل أيضاً، فانّه لم يُنقل مثل هذه العبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة عن غير الأئمة المعصومين لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من علماء الأعصار والأمصار.


وعاء العلم مجرد عن المادة


في بيان حقيقة وتعريف وعاء المعارف هذا، قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): «كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه، إلاّ وعاء العلم فانّه يتسع به».

أي ان ظرف العلم الّذي هو النفس الناطقة الإنسانية ليس من جنس الموجودات الطبيعية والمادية بل هو موجود من عالم ما وراء الطبيعة بحيث يتسع لكلّ ما يوضع فيها ان له مقاماً فوق التجرد.

وبما ان قيمة الإنسان تقدَّر بمقدار معارفه اذن فان أفضل ظروف العلم (أي النفوس الإنسانية) هو ذلك الظرف الّذي سعته أكبر.

يقول الإمام المجتبى(عليه السلام) ما مضمون حديثه: لما رأى الله تعالى كبر قلب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) اختاره. فكم هي سعة وعظمة قلب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث يسع حقائق كتاب الله القرآن الفرقان (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ)(9) (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)(10).


في سعة القلب


لقد رسم على افتتاحية الفص الشعيبي الخالي من العيب هذا الطلسم «قلب العارف بالله هو من رحمة الله وهو أوسع منها فانّه وسع الحقّ جلّ جلاله ورحمته لا تسعه».

أي ان رحمة الحقّ تعالى لا تسعه، وقلب العارف بالله تسع الحقّ وأوسع منها.

وكذلك على فص الحكمة الحقّة في كلمة الاسحاق رقم هذا النقش.

«يقول أبو يزيد في هذا المقام لو ان العرش وما حواه ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام بل أقول لو أنّ ما لا يتناهى وجوده يقدّر انتهاء وجوده مع العين الموجودة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ بذلك في علمه فإنّه قد ثبت أن القلب وسع الحقّ ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلى ارتوى».




أقوال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كلّها رموز مشحونة بالمعقول


ضمن كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام): «كلّ وعاء يضيق ... الخ» يقول ابن أبي الحديد: «هذا الكلام تحته سرّ عظيم ورمز إلى معنى شريف غامض ومنه أخذ مثبتوا النفس الناطقة الحجة على قولهم»(11).

نعم ان كلمات السفراء الإلهيين وحاملي الوحي مملوءة بالرموز والأسرار وروايات أهل البيت أفضل حجة على حجّيتهم وهم(عليهم السلام) أنفسهم براهين على إمامتهم كما الدليل دليل لنفسه.

يقول الشيخ الرئيس في الرسالة المعراجية وفي رسالة النبوة وفي الهيات الشفاء: ان أقوال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كلّها رموز مشحونة بالمعقول.

ان ابن أبي الحديد بعد نقله كلمة أميرالمؤمنين «كلّ وعاء يضيق...». يقول:

«ومحصول ذلك أنّ القوى الجسمانية يكلّها ويتعبها تكرار أفاعيلها عليها، كقوّة البصر يتعبها تكرار ادراك المرئيات، حتى ربما أذهبها وأبطلها أصلا، وكذلك قوّة السمع يتعبها تكرار الأصوات عليها، وكذلك غيرها من القوى الجسمانية، ولكنّا وجدنا القوة العاقلة بالعكس من ذلك، فإن الإنسان كلّما تكرّرت عليه المعقولات ازدادت قوّته العقلية سعة وانبساطاً واستعداداً لإدراك اُمور اُخرى غير ما أدركته من قبل، حتى كان تكرار المعقولات عليها يشحذها (يحدها ـ خ) ويصقلها فهي إذن مخالفة في هذا الحكم للقوى الجسمانية، فليست منها، لأ نّها لو كانت منها لكان حكمها حكم واحد من أخواتها، وإذ لم تكن جسمانية فهي مجردة، وهي الّتي نسميها النفس الناطقة»(12).

ولكن الحقّ هو ان الكلام الكامل لأميرالمؤمنين(عليه السلام) دالّ على أن للنفس مرتبةً فوق التجرد لا أ نّها مجردة فقط كما ثبت بالبراهين القطعية: ان الإنسان هوية واجبة ذات مراتب بدءاً بمرتبة الطبع وانتهاءً إلى مرتبة ما فوق التجرد العقلي، وان له في كلّ مرتبة أحكاماً خاصة متعلقة بتلك المرتبة، في مقام الطبع تتجسم الروح بهذا المعنى اللطيف والشريف من أن البدن هو المرتبة النازلة لحقيقة الإنسان وهو في المرتبة الّتي فوقها مثال متّصل له تجرد برزخي، وان كثيراً من أدلّة تجرد النفس ناظرة إلى هذه المرتبة، كالأدلة الّتي يسوقها المرحوم الآخوند في الفصل السادس، الطرف الثاني، المسلك الخامس من الأسفار، يقول: «فصل في أن المدرك للصور المتخيلة أيضاً لابدّ أن يكون مجرداً عن هذا العالم»(13).

وفي رتبة العقل له تجرد عقلي، والكثير من أدلة تجرد النفس ناظرة إلى هذه المرتبة كأدلة الآخوند في الباب السادس من الأسفار بهذا العنوان يقول: «الباب السادس في بيان تجرّد النفس الناطقة الإنسانية تجرداً تاماً عقلياً... الخ»(14) والقيد العقلي التام هو لاخراج التجرد الخالي، وهو وإن كان مجرداً لكنه ليس تاماً، كما هو من أجل اخراج التجرد العقلي فوق التام الّذي هو بالاضافة إلى تماميته أتم، فإنّه ليس للنفس الإنسانية حد تقف عنده، إذ بالإضافة إلى تجردها لا يحدها من هذه الناحية شيء، فتبصّر.


هذا اضافة إلى أن القوة العاقلة شأن من شؤون النفس لا أن تكون هي النفس الناطقة. فقد بوّبنا هذه المسائل في دروس معرفة النفس الّتي هي قيد التأليف وأشبعناها برهاناً. وهذه المراتب الأربع للنفس (مرحلة ومرتبة الطبع، الخيال، مقام العقل، والشأن اللايقفي) هي من اُصول واُمهات مسائل معرفة النفس، والله ولي التوفيق.


قلب عالم الإمكان وقلب القرآن وليلة القدر


الإنسان الكامل هو قلب عالم الإمكان وقلب البرزخ بين الظاهر والباطن، وجميع القوى الروحية والجسمية منشعبة منه، ومنه يصلها الفيض.

الإنسان الكامل الّذي هو واسطة الفيض، والّذي منه يصل الفيض إلى شعب القوى الروحية والجسمانية الاُخرى، منزله الحد المشترك بين عالم الملك والملكوت، وهو مشارك لكلّ منها بوجه، فهو كالملائكة مطلع على ملكوت السموات والأرض، وله نصيب من الربوبية، وهو كالبشر يأكل ويشرب وينكح، وإن كان لكلّ إنسان نصيب من الربوبية، لكن مرتبتها التامة هي للإنسان الكامل كما ان عبوديته أيضاً عبودية تامة.

إن ادراك المراتب الخمس للقلب ضروري في هذا المقام أي القلب النفسي والقلب الحقيقي المتولد من مشيمة جمعية النفس، والقلب متولد من مشيمة الروح، أي قلب التجلي الوجودي الباطني، والقلب الجامع مسخر بين الحضرتين أي حضرة الاسم الظاهر وحضرة الاسم الباطن والقلب الأحدي الجمعي المحمدي(صلى الله عليه وآله وسلم) المبين في الفصل الخامس من فصول فاتحة (مصباح الانس) في شرح مفتاح الغيب.

هذا الإنسان الكامل هو قلب عالم الامكان وهو صاحب مرتبة (كن).

ان صاحب (الفتوحات المكية) في الباب 361 منه وبعد تمهيد مطالب يفيدنا في هذا المجال بقوله:

«فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة فهو قلب لجسم العالم الّذي هو كلّ ما سوى الله وهو بيت الحقّ الّذي قال فيه: «ووسعني قلب عبدي المؤمن» فكانت مرتبة الإنسان الكامل من حيث انّه قلب بين الله والعالم، وسمّاه بالقلب لتقليبه وتصريفه واتساعه في التقليب والتصريف ولذلك كانت له هذه السعة الالهية لأ نّه وصف نفسه تعالى بأ نّه (كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأن) واليوم هنا هو الزمن الفرد فكل يوم فهو في شؤون وليست التصريفات والتقليبات سوى هذه الشؤون الّتي هو الحقّ فيها، ولم يرد نص عن الله ولا عن رسوله في مخلوق أ نّه اُعطي «كن» سوى الإنسان خاصة، فظهر ذلك في وقت في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك، فقال: كن أبا ذر، فكان أبا ذر».

وورد في الخبر في أهل الجنّة: «انّ الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن عليهم في الدخول فإذا دخل ناولهم كتاباً من عند الله بعد أن يسلم عليهم من الله وإذا في الكتاب لكلّ إنسان يخاطب به من الحي القيوم الّذي لا يموت إلى الحي القيوم الّذي لا يموت، أما بعد فإنّي أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك اليوم تقول للشيء كن فيكون».


ان ليلة القدر كما جاء في روايات أهل البيت(عليهم السلام) هي قلب شهر الله وليلة مباركة، وقد نزل فيها القرآن. قال تعالى:(إنَّا أنزَلْنَاهُ فِي لَـيْلَة مُبَارَكَة) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ).

فقد نزل القرآن في قلب هذا الشهر على قلب النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) .

(قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بإذن الله) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لتكون من المنذرين).

وقد ورد في الروايات أن (يس) قلب القرآن، كما في تفسير نور الثقلين للحويزي عن أنس بن مالك عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ان لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس» وكذلك في الجامع الصغير للسيوطي ومسند أحمد بن حنبل عن معقل بن يسار عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في ذيل حديث انّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يس قلب القرآن»(15) وكذا في الروايات أن (يس) من أسماء رسول الله. وفي تفسير المجمع «يس معناه يا إنسان بلغة طي»، فتبصّر.

ان قلب شهر الله في أواخر الشهر.

في باب (إنا أنزلناه) في الكافي يروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) : «يا ابن رسول الله كيف أعرف أنّ ليلة القدر تكون في كلّ سنة؟ قال: إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كلّ ليلة مائة مرة فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الّذي سألت عنه».

وسورة (يس) المباركة في الجزء 23 من القرآن.

قال الصادق(عليه السلام):

«علّموا أولادكم يس فإنها ريحانة القرآن»(16) . وفي الأمالي عن عليّ(عليه السلام)قال: «الحسن والحسين(عليهما السلام) ريحانتا رسول الله».

ووردت كلمة ريحانة حول القرآن نفسه، اذن يس قلب القرآن والقرآن ريحانة نزل في قلب شهر الله على قلب عالم الإمكان مرةً واحدةً سواء أنزالا دفعياً أو تدريجياً.

اذن فالإمام قرآن والقرآن إمام وكلاهما ريحانة.

«وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

ان ذات الحقّ غير متناهية كذلك صفاته وأفعاله وكتابه وكلّ كلماته (وَلَوْ أنَّ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَة أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(17) (قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَـنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(18) .


آيات القران خزائن إلهية

القرآن غير متناه، وكلّ آية وكلمة وسورة وحرف منه خزائن «إن الآية من القرآن والسورة لتجيء يوم القيامة حتى تصعد ألف درجة»(19) عن الزهري قال: سمعت عليّ بن الحسين(عليه السلام) يقول: «آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة تنبغي لك أن تنظر ما فيها»(20).


لكلّ حرف من القرآن سبعون ألف معنى

روي عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّه قال: «ما من حرف من حروف القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى»(21).


الحكمة جنّة


القرآن غير متناه وله درجات وعوالم، والإنسان ظرف للعلم، وليس هناك حد يقف عنده، وهذا الظرف هو المظروف أي الحقائق القرآنية. فالقرآن حكيم (يس وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ)وعرفت ان الحكمة جنّة فالقرآن جنّة وحكيم، وحكم الحكيم مُحكمٌ (الر كِتَابٌ اُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)(22) وبيان لكلّ شيء (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِـبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(23).


تبيان مع التنزيل وهو التفصيل لا الانزال وهو الاجمال، والإمام الّذي هو الإنسان الكامل وقلب عالم الإمكان هو قرآن فيه تبيان كلّ شيء.


درجات الجنّة على عدد آيات القرآن


يوصي إمام الثقلين أبو الحسنين(عليه السلام) ابنه محمّد بن الحنفية قائلا: «عليك بتلاوة (بقراءة ـ خ ل) القرآن والعمل به... اعلم أنّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق... الحديث»(24).

هذا الدستور العظيم وبهذه الفصاحة والبلاغة من نهج البلاغة، وهل له من نظير؟

ان مفاد «اقرأ وارق» هو أ نّك أي مقام بلغت توقّف عنده، ثم اقرأ وارق، والوصول إلى ذلك المقام هو الوصول الادراكي والوجودي إليه. وما أدركته من مقامات القرآن بالحكم المحكم لاتحاد الإدراك والمدرِك والمدرَك، فبنفس المقدار من القرآن اُنظر مقدار حظك من القرآن، لأن حقائق القرآن درجات ذاتك ومدارج عروجك.

اذن فمعنى القراءة أيضاً قد عُلم بحسب النشآت، ولا تعجب أن يكون لكل حرف من حروف القرآن سبعون ألف معنى لأن هذه الحروف ليست حروفاً وفيها من الكلام الكثير.

هذه حروف المقامات الوجودية والمراتب الطولية للقرآن الكريم، هذه هي الثلاثة والسبعون حرفاً الّتي اُشير إليها سابقاً.


شكل القطاع ووجوه أحكامه الهندسية

القطاع شكل هندسي من أشكال المثلثات الكروية ولهذا الشكل 497664 حكماً هندسياً، وقد كتب الخواجة نصيرالدين الطوسي كتاباً باسم (كشف القناع عن أسرار شكل القطاع) في هذا المجال. قال أميرالمؤمنين(عليه السلام):«بَلْ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ؟ وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ»(25). وقال: «فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن»(26).

وللقرآن منازل كثيرة، وأحسنها منزلة القرآن الناطق (وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين) فأية أسرار تنطوي عليها؟


كلام في القرآن والعترة


لقد قام الكليني رضوان الله عليه بجمع الكافي من الاُصول الأربعة خلال 20 سنة، ولقد أجاد في ترتيب الكتب والأبواب مما يعكس منزلته في دراية وفهم الحديث، وقدّم الأصح على الصحيح، وجميع رواياته مسندة، ورجاله معروفون في كتب الرجال، وهذا الكتاب آية. لو أردنا أن نتحدث أكثر عن جلالة قدره ومنزلته لاحتجنا إلى رسالة أو كتاب.

كتابه الأوّل هو كتاب العقل والجهل، والثاني فضل العلم، والثالث كتاب التوحيد، والرابع الحجة، تأملوا في هذه الأبواب الافتتاحية الأربعة وانظروا تبحرّه العلمي.

ان جميع الكتب والأبواب والروايات في كلّ باب تجري على هذا النسق نفسه، فكتاب الحجة 130 باباً، وكلّ باب منه يتضمن روايات خاصة في الحجة ويجمعها تقريباً نفس العنوان المتخذ من مضمونها. فمثلا الباب الأوّل «باب الاضطرار إلى الحجة» والباب الخامس «أن الأرض لا تخلو من حجة» وباب آخر هو «باب الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا» وباب آخر «باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار(عليه السلام)» وباب آخر «باب مولد الصاحب(عليه السلام)» وكتاب الكافي كاف للإمامية في الإمامة والغيبة، بل ان الصحاح والسنن وكتب الحديث العامة لوحدها تكفيهم لذلك.

فإذا كان منكر الإمامة مسلماً فيجب التحدث معه عن طريق خاص وإذا لم يكن مسلماً فمن طريق آخر، كما ان الكتب الكلامية بشأن النبوة العامة موجهة إلى الدهريين والطبيعين والفرق المنكرة الاُخرى، وفي النبوة الخاصة تكون وجهة الحديث مع أصحاب الأديان كاليهود والنصارى والمجوس.

ان المؤمن برسالة خاتم الأنبياء مضطر للاعتراف بعصمة أميرالمؤمنين، والمعترف بعصمته(عليه السلام) لابدّ له من الاعتراف بعصمة الأئمة الاثني عشر واحداً واحداً، وبغيبة صاحب الأمر، لأنّ وصي المعصوم معصوم، ووصي الإمام إمام، ووصي حجة الله حجة الله، ولا أدخل في هذا المقام ببحث العصمة والإمامة، وإنّما أكتفي بمقولة عن ابن متويه وهو واحد من مشاهير علماء أهل السنّة.

قال الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في الخطبة 85 من نهج البلاغة في وصف وتعريف العترة: «بَلْ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ؟ وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ».


وقال ابن أبي الحديد في شرحها:


«فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم وذلك أنه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها واعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن».

ثم قال: فإن قلت فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك؟ قلت: نصّ أبو محمّد بن متويه ـ رحمة الله عليه ـ في كتاب الكفاية على أن عليّاً(عليه السلام) معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة»(27).

كان هذا حديث ابن متويه في عصمة العترة الطاهرة(عليهم السلام) وهو حديث حقّ، فقد قال العالم المشهور من أهل السنّة في كتاب الكفاية بعبارته الشريفة: «أدلة النصوص قد دلّت على عصمته» وهذا الأمر وهذه الحقيقة أوردناهما في مطلع الرسالة وهو أن كاتب هذه السطور ثابت وبشدة على معتقده الصافي والخالص في أن الصحاح وسنن أهل السنّة حجة بالغة في إمامة وعصمة الأئمة الاثني عشر بغض النظر عن كتب الشيعة الإمامية في هذا المجال.

نعم، ان العترة معصومة، والوصيّ، والّذي هو رأس سلسلة العترة معصوم وإنّه الوحيد الّذي كان معصوماً بين صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وليس الآخرين، كما ان ابن متويه نطق بالحقّ من أدلة النصوص «ان ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة» فإن خليفة الله وخليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والقائم مقام القرآن والنازل أحسن منازل القرآن، لابدّ أن يكون معصوماً، ولو قال ابن متويه غير هذا لقال خلاف الحقّ.


حديث مع ابن أبي الحديد


اننا لا نختلف مع ابن أبي الحديد عندما شرح مقولة «فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ» بقوله: «إنّه أمر المكلفين بأن يجروا العترة الطاهرة في إجلالها واعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن» مع إنّه يجب انزال العترة بأحسن منازل القرآن واعظامهم والانقياد لهم، واطاعة أوامرهم، إلاّ ان كلام الإمام حول العترة هو فوق هذا، لأن عبارة «فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ» محفوفة بجملة تدلّ على أن العترة هم عين أحسن منازل القرآن والفاء هنا فصيحة، وسياق العبارة ان اعرفوا العترة بأ نّهم واجدي هذه المنازل وأصحابها. لقد قال(عليه السلام) في الخطبة 152 من نهج البلاغة «فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن».

لقد فرّع الإمام(عليه السلام) قوله: «فأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ» على قوله: «كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ؟ وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وأعلام الدين وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ» أي بما أن عترة نبيكم هم بينكم أزمّة الدين وأعلام الدين وألسنة الصدق، فلذلك «أنزلوهم...».

وهذا هو ما قاله أهل التحقيق من أن الإنسان الكامل قرآن ناطق أي ان الصورة الكتبية للقرآن هي الصورة الكتبية للإنسان الكامل، والصورة العينية للقرآن هي الصورة العينية للإنسان الكامل وبما أن القرآن معصوم في صوره ومنازله من كلّ خطأ، فإن المنزلين أحسن منازله معصومون كذلك. وهذا الكلام ليس مشعراً بالعصمة فحسب بل هو مبين له والباب 35 من كتاب الكافي هو حول هذا العنوان «باب إنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمة(عليهم السلام) وإنّهم يعلمون علمه كلّه».


اضافة إلى أن الحقائق والمعارف الصادرة عنهم(عليهم السلام) هي أصدق شاهد على انهم مبيّنون لحقائق الأسماء أي أحسن منازل القرآن.

ثم قال الإمام(عليه السلام) «وردوهم ورود الهيم العطاش».

ان للماء في النشأة العنصرية صورة العلم، وكما ان العلم سبب حياة الأشباح فكذلك العلم سبب حياة الأرواح، فإن الغذاء من سنخ المغتذي، لهذا فالماء يضرّ في عالم الأحلام بالعلم وقد فسر ابن عباس الماء بالعلم في قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماءً) بل ان المرحوم الطبرسي وفي تفسير الآية الكريمة:


(وَأنْ لَوِ اسْتَـقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَـيْـنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً)(28) قال: عن بريد العجلي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «معناه لأفدناهم علماً كثيراً يتعلمونه من الأئمة».

وقال أيضاً: وفي تفسير أهل البيت(عليهم السلام) عن أبي بصير قال قلت لأبي جعفر(عليه السلام) قول الله (إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّـنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)؟ قال: «هو والله ما أنتم عليه، لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً».

وقال المرحوم الكليني في الباب الثلاثين من كتاب الكافي بإسناده عن الباقر(عليه السلام): «يعني لو استقاموا على ولاية أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) والأوصياء من ولده وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقاً، يقول لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي الإيمان بولاية عليّ والأوصياء».

اذن فالعترة هم ماء الحياة وعيش العلم، كما ورد في الباب المائة من كتاب الكافي «إن مستقى العلم من بيت آل محمّد(عليهم السلام)».

ولما كان للقرآن منازل ودرجات حتى العرش، فان العترة المحمّدية هي في أحسن وأعلى منازله ومراتبه وبما أ نّهم مرزوقون بمعرفة حقائق الأسماء العينية فهم مطّلعون على البطون والأسرار وتأويلات آيات القرآن، بل هم القرآن الناطق.

«وانّ ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة» نعم العترة معصومة وعليّ(عليه السلام) (الّذي هو رأس السلسلة في العترة) معصوم، وهو الوحيد بين أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المختص بالعصمة، انّه خليفة الله وخليفة رسوله والقائم مقام أحسن منازل القرآن، فلابدّ أن يكون معصوماً، ولو قال ابن متويه غير هذا الجانب الحقّ...

سُئل الخليل بن أحمد البصري اُستاذ سيبويه وواضع علم العروض:

«ماهو الدليل على أنّ عليّاً إمام الكلّ في الكلّ؟ فقال: احتياج الكلّ إليه وغناه عن الكلّ» كذلك عنه في نفس الموضوع: «إحتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ دليل على انّه إمام الكلّ».

يقول الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي في الباب السادس من (الفتوحات المكية) في بحث الهباء «فلم يكن أقرب إليه قبولا في الهباء إلاّ حقيقة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأقرب الناس إليه عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) إمام العالم وسرّ الأنبياء أجمعين».


لقد كان أمير المؤمنين(عليه السلام)بين الخلق

كالمعقول بين المحسوس


يقول الشيخ الرئيس في الرسالة المعراجية: ان مركز الحكمة وفلك الحقيقة وخزينة العقل أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو بين الخلق كالمعقول بين المحسوسات.

هذه العترة إمام الكلّ في الكلّ، وإمام العالم، وسرّ الأنبياء أجمعين، فهم بين الخلق كالمعقول بين المحسوس، وهم أحسن منازل القرآن، أي انّهم الحكيم، وتبيان كلّ شيء، وكلّ الصفات الّتي عددناها للإنسان الكامل وتحدثنا عن بعضها إجمالا.

فالإناء المنكوس الّذي ظهره إلى السماء ووجهه إلى الأرض لا تجتمع فيه ولا قطرة من الماء النازل من السماء إذا نزل عليها المطر، خلافاً لما لو كانت مفتوحةً صوب السماء فإنّ الله لا يترك الفم الجائعة بلا طعام.

في الكافي بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر قال: «القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشرّ فيه يعتلجان فأيّهما كانت منه غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن»(29).


ليس للقلب قرار ولا للتجلّي تكرار

ليس للقلب توقّف، انّه متقلّب على الدوام، ولا تكرار في التجلّي، لهذا فانّ أي اسم من أسماء الله تعالى لا يتكرر، فمثلا الاسم الشريف (النور) له ظهور خاص في كلّ آن (كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأن) فكلّه شأن واليوم زمان الظهور، وفي كلّ آن ظهورات وتجليات لا متناهية، وصاحب القلب أحقّ في قبول تجلّيات الحقّ، لا صاحب العقل، فهذا عقال، والقلب في تقلّب وتنوّع، فللذاكر حالة خاصة في كلّ حال وهو ذاكر اسماً بمعنىً في كلّ حال، وذلك الاسم يكون بمعنى آخر في حال اُخرى. فمثلا عندما ينادي المريض والجائع والضال الله فالأوّل يناديه بـ (يا شافي) والثاني (يا رزّاق) والثالث (يا هادي).

ان نزول البركات والتجلّيات في القلب المفتوح هو من فيض قلب عالم الإمكان، وهذا معنى الهجرة أي أن تترك مدينة خلقك وتتوجه إلى مدينة اُخرى أي التوجه من عالم الطبيعة إلى ما وراءها.

«لا يقع اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجة في الأرض فمن عرفها وأقرّ بها فهو مهاجر»(30).

فهذه الهجرة إعراض عن النشأة العنصرية، وفي هذا الاعراض بركات فيها التمثلات النورية في موطن خيال صقع للنفس الناطقة الّتي هي مظهر الاسم الشريف (المصور) والمجبولة على محاكاة الهيئات الادراكية.

ان النوم والاحتضار والتنويم المغناطيسي وأشباهها ونظائرها لا موضوعية لها في حصول التمثلات، وهي ملاك إعراض النفس عن النشأة العنصرية، والأحوال هنا للتوجه التام والحضور الكامل هناك (فِي مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر) قال الإمام الصادق(عليه السلام): «القلب حرم الله فلا تُسكن في حرم الله غير الله».




تجدد الأمثال والحركة الجوهرية


ان جميع التجليات هي مظاهر ومجال متصلة وغير منقطعة كما انّه لا وجود لأي تراخ بين التجلّيين في أي اسم وعين، وان التعبير بـ (ف) و (ثم) هو لتقدم رتبة القبلي على البعدي.

القلب (وخاصة قلب الإنسان الكامل) هو مرآة ظهورات التجليات المستمرة هذه، وإن ظهورات التجليات المستمرة هذه هي تجديد الخلق في كلّ آن، وهو ما لا يحس به الإنسان حتى بنفسه إذ لم يكن قبل ذلك ثم صار كائناً. يقول تعالى: (بَلْ هُمْ فِي لَبْس مِنْ خَلْق جَدِيد) ، وتجديد الخلق هذا هو تجدد الأمثال كما أشرنا سابقاً.

العجيب ان الإنسان في ترقٍّ مستمر، لكنه غير ملتفت لذلك للطافة ورقّة الحجاب.

ان تجدد الأمثال سار في الإنسان والعالم، سواءً العاري من المادة أو المملوء بها. ان لطافة الحجاب ورقته تعني ان الصانع (جلّت عظمته وعلا صنعه) متفرد في التصوير، ولا يمكن للغير أن يلتفت إلى تجدّد الأمثال الّتي ينشئها متتابعة، بل ان المحجوبين لا يرون ولا يتصورون إلاّ شيئاً واحداً، والحجاب هو هذه المظاهر المتكررة ذاتها، فهي حجب الذات.

كما لو وقف شخص إلى جانب النهر الّذي يسير الماء فيه بسرعة، فانّه يرى صورته ثابتة في الماء مهما امتد الزمان وجرى الماء، مع ان صورته تتكرر بتكرر انعكاس الصور في الماء الجديد الّذي يسير خلق بعضه، مع اننا نعلم أن ماء النهر لا قرار له. وهكذا الصانع الماهر المصور الّذي هو كلّ يوم في شأن، له القدرة على أن يوجد تجدداً في أمثلة من الطبائع والقوى والأملاك والعقول في الموجودات بحيث يتصور انّها نفس الصور السابقة والقديمة.

ان الحركة الجوهرية سارية في عالم الطبائع المادي فقط (لكاتب هذه السطور رسالة وجيزة في تجدد الأمثال وفرقها عن الحركة الجوهرية مع تحقيق وتقرير في مسائلها ومطالبها بصورة مستوفية).


ذكر الحلقة في الجنّة «يا عليّ»


على الرغم من أن القلب ليس له قرار ولكني أتبرك بذكر الحلقة الّتي في الجنّة واترك البحث: «في الأمالي بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّ حلقة باب الجنّة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فإذا دقّت الحلقة على الصفحة طنّت وقالت يا عليّ».

حبذا لو اخترع أرباب الصناعات حلقة يكون رنينها يا عليّ.

لقد تم الفراغ من تأليف هذه الرسالة في سحر ليلة الثلاثاء 22 شوال المكرم سنة 1400 هـ .ق.


(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّـتُهُمْ

فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محب الشريف
المشرف العام
المشرف العام
محب الشريف


الساعه :
ذكر
عدد المساهمات : 1568
تاريخ التسجيل : 12/02/2011
العمر : 47
العمل/الترفيه : حب التصوف
الأوسمه جائزة الإبداع

الإنسان الكامل خليفة الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإنسان الكامل خليفة الله   الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالإثنين مايو 30, 2011 2:49 am

موضوع متميز أخى الكريم بارك الله فيك
دمت ودام عطائك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإنسان الكامل خليفة الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإنسان الكامل لسيدي الشيخ محيي الدين بن عربي
» سبحان الله مخ الإنسان يسجد لله حتى لو كان كافرا
» ما معنى كلمة (مدد) كأن يقول الإنسان مدد يا رسول الله أو مدد يا شيخ فلان؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الطريقه النقشبنديه  :: منتدى الطريقه النقشبنديه الاسلامى :: منتدى الطريقه النقشبنديه فى العقيده والتوحيد-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» للخلاص من كل مرض وبليه ومجرب
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالخميس أبريل 27, 2023 4:07 pm من طرف mechri

» الأربعون النووية
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالأحد سبتمبر 19, 2021 7:38 am من طرف احمد محمد النقشبندي

» مجموعة كتب فى الفقه العام و أصول الفقه.
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2021 10:57 pm من طرف احمد محمد النقشبندي

» السيرة النبوية لإبن هشام
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالسبت سبتمبر 04, 2021 10:51 pm من طرف احمد محمد النقشبندي

»  الجن و دياناتهم
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» برنامج لكسر حماية ملفات الـ pdf لطباعته
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» حمل كتب الامام محي الدين بن عربي
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

» رياض الصالحين .
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:46 pm من طرف الموجه النقشبندي

»  دعآء آلهم و آلحزن و آلكرب و آلغم
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي

» للوقايه من شر الإنس والجن
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm من طرف الموجه النقشبندي

» خواص عظيمه للزواج
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:44 pm من طرف الموجه النقشبندي

» اختصاص الامام علي كرم الله وجهه بالطريقة
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:38 pm من طرف الموجه النقشبندي

» النقشبندية...منهجها وأصولها وسندها ومشائخها
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:36 pm من طرف الموجه النقشبندي

» الشريف موسى معوض النقشبندى وذريته وأبنائه 9
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:35 pm من طرف الموجه النقشبندي

» االرحلة الالهية
الإنسان الكامل خليفة الله Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 04, 2017 5:34 pm من طرف الموجه النقشبندي

أقسام المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لـ{منتدى الطريقه النقشبنديه} ®
حقوق الطبع والنشر © مصر 2010-2012
@ الطريقه النقشبنديه للتعارف والاهداءات والمناسبات @المنتدى الاسلامى العام @ الفقه والفتاوى والأحكام @ منتدى الخيمه الرمضانيه @ قسم الصوتيات والمرئيات الاسلاميه @ الطريقه النقشبنديه للثقافه والموضوعات العامه   منتدى الطريقه النقشبنديه للحديث الشريف @ منتدى الطريقه النقشبنديه للعقيده والتوحيد @ منتدى الطريقه النقشبنديه للسيره النبويه @ منتدى مناقب ال البيت @ منتدى قصص الأنبياء @ شخصيات اسلاميه @   الطريقه النقشبنديه والتصوف الاسلامى @ الطريقه النقشبنديه @ صوتيات ومرئيات الطريقه النقشبنديه @ رجال الطريقه النقشبنديه @ @  قصائد نقشبنديه @  منتدى قصائد أهل التصوف والصالحين @ منتدى سيرة ألأولياء والصالحين @ شبهات وردود حول التصوف الاسلامى @ التزكيه والآداب والسلوك @ أذواق ومشارب الساده الصوفيه @ الصلوات المحمديه على خير البريه @ أحزاب وأوراد @ أدعيه وتوسلاات @   تفسير الروىء وألأحلام @  منتدى الروحانيات العامه @  منتدى الجن والسحر والعفاريت @  منتدى الكتب والمكتبات العامه @ منتدى الكتب والمكتبات الصوفيه @ منتدى كتب الفقه الاسلامى @ كتب التفاسير وعلوم القران @ كتب الحديث والسيره النبويه الشريفه @ منتدى الابتهالاات الدينيه @ منتدى المدائح المتنوعه @ منتدى مدائح وأناشيد فرقة أبو شعر @ منتدى مدح الشيخ ياسين التهامى @ منتدى مدح الشيخ أمين الدشناوى @ منتدى القصائد وألأشعار @ منتدى الأزهر الشريف التعليمى @ منتدى معلمى الأزهر الشريف @ منتدى رياض الأطفال @ منتدى تلاميذ المرحله الابتدائيه @ منتدى طلاب وطالبات المرحله الاعداديه @ منتدى التربيه والطفل @ منتدى الاسره والمجتمع @ منتدى المرأه المسلمه @ منتدى الترفيه والتسليه @ منتدى الطريقه النقشبنديه للصور الاسلاميه @ منتدى صور الصالحين @ منتدى غرائب وعجائب الصور @ الصور والخلفيات العامه والمتحركه @ منتدى الطب النبوى @ أمراض وعلاج @ منتدى الوقايه خير من العلاج @ قسم الجوال والستالاايت @ قسم البرامج العامه للحاسوب @ دروس وشروحات فى الحاسوب @ تطوير مواقع ومنتديات @ انترنت وشبكات @ منتدى الشكاوى والمقترحات @ منتدى التبادل الاعلانى @
الدخول السريع
  • تذكرني؟
  • اليكسا
    التسجيل
    حفظ البيانات؟
    متطلبات المنتدى
    أرجو قفل الموضوع


    هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

    و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

    للتسجيل اضغط هـنـا

    تنويه
    لا يتحمّل منتدى الطريقه النقشبنديه الصوفيه أيّة مسؤوليّة عن المواد الّتي يتم عرضها أو نشرها من قبل الساده الأعضاء أو المشرفين أو الزائرين
    ويتحمل المستخدمون بالتالي كامل المسؤولية عن كتاباتهم وإدراجاتهم   التي تخالف القوانين
    أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر.
    مواضيع مماثلة
    rss
    Preview on Feedage: free Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
    Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
    Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
    تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

    الطريقه النقشبنديه

    قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى الطريقه النقشبنديه على موقع حفض الصفحات