[b]
إخترت لكم من مجموعة "ويسألونني" للعارف بالله رزق السيد عبده الحامدي الشاذلي هذا السؤال:


• يسـألوننى هل وردت كلمة
التصوف فى كتاب الله ، أو هل وردت على لسـان الرسول عليه الصلاة والسلام
رغم أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يترك كبيرة ولا صغيرة من أمر ديننا
ودنيانا إلا وتعرض لها ؟ وهل عرفها الصحابة رضوان الله عليهم؟

• ولماذا تسمون أنفسكم
صوفية وترفضون تسمية اللــه لكـم" هو سماكم المسلمون"، ولم يقل رسول الله
أبدا ولا روى عن الصحابة أنهم قالوا: تصوفوا.



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي المتعال
المتكرم على عباده في كل حال
والصلاة والسلام على من به ينصلح الحال وآله وصحبه زين الرجال.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد...

ونستكمل معكم ما ابتدأناه
من مجموعة (ويسألونني) وهي أسئلة وجهت للشيخ/رزق السيد عبده الحامدي
الشاذلي في حياته رضي الله عنه وأجاب عليها، والمجموعة مطبوعة - طبعة دار
أم القرى بجوار مولانا سيدنا الحسين رضي الله عنه.




ويســـــألوننى ... العدد الأول


قال شيخنا الأستاذ رزق السيد عبده الحامدى الشاذلى:


يا صاحبى ..
وقد كثرت التساؤلات الموجهة لى عن التصوف..
مشروعيته ، وأصوله ،
وعن كل ما تفرع عنه من رسوم وأفعال.
هؤلاء كلهم يسألوننى،
وأنا بفضل الله أجيب،
وإليك ما سألونى عنه وما أجبت به.


فمثلا يقولون:
• يسـألوننى هل وردت كلمة
التصوف فى كتاب الله ، أو هل وردت على لسـان الرسول عليه الصلاة والسلام
رغم أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يترك كبيرة ولا صغيرة من أمر ديننا
ودنيانا إلا وتعرض لها ؟ وهل عرفها الصحابة رضوان الله عليهم؟

• ولماذا تسمون أنفسكم
صوفية وترفضون تسمية اللــه لكـم" هو سماكم المسلمون"، ولم يقل رسول الله
أبدا ولا روى عن الصحابة أنهم قالوا: تصوفوا.



- أما من ناحية المسمى أو
التسمية فهو سمة قرآنية، وهناك توصيف لنوعيات من المسلمين، فقد ورد فى
القرآن الكريم أن منهم العابدون والتائبون والحامدون والسائحون والراكعون
والساجدون... الخ.

- وليس التصوف بديلا
للإسلام بل هو سلوك منبثق منه ، ولك أن تبحث عن سلوكيات الصوفية
وأخلاقياتهم ثم تسميهم كما تحب - لا أن تتمسك بلفظ ، فالدين سلوك وأخلاق
وعبادات وليس مسميات.

- ومن الناحية العلمية فإنه يجب تعريف كلمة التصوف ليقع الحكم على شئ معلوم.
وهل نستطيع أن نوضح
سلوكيات وعبادات قوم ذكرهم القرآن إذ يقول: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ﴾ .

ولقد ظهر المصطفى عليه
الصلاة والسلام بالجزيرة العربية حيث قسوة الحياة وخشونتها وبداءتها فلم
يكن هناك أى مظهر من مظاهر الترف، وكان الصحابة رضى الله عنهم أبعد ما
يكونون عن الرقة والترف ونعومة المعيشة وأسباب الحضارة.

ولذلك فإن الوصف بالزهد
والتقشف والخشونة والتقوى لم يكن مميزا لمسلم على مسلم، وإنما كان التميز
هنا هو الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس أرقى منها وصف لمسلم،
فليس ثمة أفضل من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس أدل على كمال
الدين من أن يقال عن المسلم أنه من صحابة رسول الله.

واستمر الزهد والتقوى
والخشونة والفقر سمات الجيل الثانى أيضا ويتميز به كافة المسلمين ، وكان
الصحابة هم أشد تمسكا بالدين وأكثر خضوعا لأحكامه ، يعيشون حياة التقشف
والبعد عن الترف وأسباب النعيم الدنيوى، وكذلك من صحبوا الصحابة وسموا
التابعين.

ولما كان الأشرف قدرا
والأعظم مكانة هم الصحابة وتابعيهم، ويعنى هذا التعريف ضمنا بأنهم العبــاد
والزهـاد والفقراء المتقشفون والمبتعدون عن زخرف الدنيا وزينتها الى آخر
ما فى سلوكيات الإسلام من وصف ، فإن هذه المواصفات أو هذا التعريف لأنماط
السلوك الدينى هو ما تسير عليه الصوفية وما يفسر به لفظ صوفى. أى التخلق
بكل خلق سنى والتخلى عن كل خلق ردئ.


وما أن انتشر الاسلام فى
كثير من البلاد التى فتحها المسلمون ووجدوا أنفسهم أمام حضارات وضروب من
الترف والنعيم تغريهم وتفتنهم، أقبل الكثيرون على ما فى هذه الحضارات من
الترف والنعيم و رويدا رويدا أصبح الزهد والفقر والخشونة والتنسك معدوما فى
هذه المجتمعات ، فأيما مسلم يظهر التقشف والزهد (وهو مظهر الصحابة
والتابعين) فإنه يعتبر شاذا فى هذه المجتمعات الحضارية والجديدة على
الاسلام، وأصبح الزهاد والعباد كأنهم علامة عن سلوك جديد غير موجود، لذلك
أطلق على هؤلاء القوم مسميات كثيرة لأنهم بطبيعة الحال يجمعهم اتحاد الوجهة
وتقارب السلوك ، وأصبح تجمعهم يميزهم عن باقى المجتمع لقلتهم.

والحقيقة أن الزهد
والخشونة والافتقار إلى الله والبعد عن الترف والليونة كانت كلها صفات
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو ما يدل عليه التصوف وما
تسير على أساسه الجماعات الصوفية الصادقة، ولكل مهنة أدعياء ومرتزقة لكنها
لا تؤثر فى سلامة المنهــج.

فإذا ما سمى أناس بوصف
معين عرفوا به فهذا ليس بدعاً فى الدين، فهل كان على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم علوم الحديث والفقه وأصول الفقه وعلوم القرآن على النحو
الموجود حاليا؟ فهذه العلوم انبثقت من الكتاب والسنة وكذلك علم التصوف
انبثق عن الفهم الراقى للكتاب والسنة والعمل بهما وبدقائق الشريعة كما قال
تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ – الآية .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" .
وكما أن علم الحديث وصحته
بنى على اتصال النقل من عدل الى عدل حتى ينتهى السند ابتداءً إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فكذلك بنى طريق التصوف على اتصال التربية بالسند
المتصل من شيخ الى شيخ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ربى صحابته
كل بحسب حاله ومحله من السلوك ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ
الْآَخِرِينَ﴾ .

إن التصوف وما يتميز به
منهجه من قوة الإيمان، والجهاد فى سبيل الدعوة إلى الله ، وما تستلزمه هذه
الدعوة من قوة التحمل وعدم الخوف إلا من الله، والبعد عن محاباة السلطان
وبطانته، وحياة التقشف والخشونة جعلت الصوفية يجوبون البلاد شرقا وغربا
داعين إلى الله، مستنفرين الناس إلى ترك رذائل الدنيا وصولا إلى مرضاة
الله، وكانوا بذلك غزاة لبلاد يستحيل لأولئك المترفون من الدعاة (الذين
اقتصرت دعوتهم للدين على أروقة السلاطين والأمراء والعيش فى ترف الحضر
بعيداًُ عن قفارى الصحارى وفقر القرى والنجوع) أن يصلوا إليها بحثا عن
السلامة والمتعة التى يفتقدونها إذ هم غادروا المدن والمعيشة المترفة.

لذلك انتشر الاسلام فى
مجاهل أفريقيا وآسيا والقفور والنجوع على أيدى دعاة الصوفية، وليس ثمة شك
بأن الأمير عبد القادر الجزائرى هو مفجر ثورة المليون شهيد بالجزائر إذ
حارب الفرنسيين وكان له عليهم انتصارات ، تشهد بذلك معركة سيدى إبراهيم فى
23 أيلول 1845 التى انتصر فيها الأمير انتصارات باهرة وكانت على الفرنسيين
كارثة عظيمة، ثم توالت انتصاراته حتى كاد يسترد البلاد، وهى حرب دامت ستة
عشر عاما قال خلالها قصيدته التى قال فيها:

ومن عادة السادات بالجيش تحتمـى
وبى يحتمى جيشـى وتحرس أبطالى
وعنى سلوا جيش الفرنسـيين تعلموا
بأن مناياهم بسيفى وغســـانى
والذى يجب أن يعرف أن
الأمير عبد القادر تلقى الطريقة القادرية ثم الشاذلية ككل أفراد أسرته، وهو
الذى تولى نشرها والتهيئة النفسية للكفاح، فأوجد مراكز فى القرى والأحياء
وبين القبائل، وبث فيها دعاةً إلى الله، وكان هؤلاء الذين غذوا حركة الجهاد
التى قام بها الأمير عبد القادر الجزائرى رحمه الله.

ولنختم كلامنا عن التصوف
ومعناه بذكر بعض ما قاله الامام السلفى العلامة الأصولى أبو اسـحق الشاطبى
فى كتابه الاعتصام (ص 274 من الجزء الأول) إذ يقول ما نصه:

وأما الكلام فى دقائق
التصوف فليس ببدعة بإطلاق ، ولا هو مما صح الدليل فيه بإطلاق، بل ينقسم ،
ولفظ التصوف لابد من شرحه أولا حتى يقع الحكم على أمر مفهوم، لأنه أمر يجمل
عند هؤلاء المتأخرين، فلنرجع إلى ما قاله فيه المتقدمون.

وحاصل ما يرجع فيه لفظ التصوف عندهم معنيان:
• أحدهما التخلق بكل خلق سنى، والتجرد عن كل خلق ردى.
• والآخـر أنه الفناء عن نفسه والبقاء بربه.
وهما فى التحقيق بمعنى
واحد، إلا أن أحدهما يصلح التعبير به عن البداية والآخر يصلح به التعبير عن
النهاية - وكلاهما إنصاف، إلا أن الأول لا يلزمه الحال والثانى يلزمه
الحال، وقد يعبر فيهما بلفظ الآخر ، وإذا ثبت هذا فالتصوف بالمعنى الأول
لابدعة فى الكلام فيه لأنه إنما يرجع إلى تفقه ينبنى عليه العمل، وتفصيل
آفاته وعوارضه وأوجه تلافى الفساد الواقع عليه بالاصلاح، وهو فقه صحيح
وأصوله فى الكتاب والسنة ظاهرة ، فلا يقال فى مثله بدعة إلا إذا أطلق على
فروع الفقه التى لم يلق مثلها فى السلف الصالح إنها بدعة كفروع السلم
والإجارات ومسائل السهو والرجوع عن الشهادات وبيوع الآجال، وما أشبه ذلك،
وليس من شأن العلماء إطلاق البدع على الفروع المستنبطة التى لم يكن فيها
سلف، وإن دقت مسائلها. فكذلك لا يطلق على دقائق فروع الأخلاق الظاهرة
والباطنة إنها بدعة لأن الجميع يرجع إلى أصول شرعية.

ثم تكلم عن المعنى الثانى ثم فصله (راجع كتاب الاعتصام للامام الشاطبى).
إنتهت إجابة السئوال من مجموعة (ويسألونني) للشيخ الحاضر الراحل رزق السيد عبده رحمه الله