إن المتأمل في التوجيهات النبوية يجدها تشي بالجهد الجهيد الذي بذله
نبي الإنسانية في سبيل تحسين أوضاع العبيد والإماء ويعرف بحق كيف كانت
مكرمة العبيد في الإسلام. وهذه بعض التوجيهات النبوية التي نذكر بعضًا منها
على سبيل المثال لا الحصر.



أولاً : وصيته ~ صلى الله عليه و سلم ~ بالعبيد والإماء



كان آخر كلمات النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ وهو يجود بروحه الشريفة،
وقد حضره الموت، الوصية بالعبيد والإماء.. فعن عليّ بن أبي طالب رضي الله
عنه قال: كان آخر كلام رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ : "الصلاة
الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم" [1] !

إنه يوصي بالعبيد، وهو في سكرات الموت! فهو الذي احتضنهم حيًّا، وأوصى بهم بعد مماته خيرًا، فكان خير معلم لهم وخير أب وخير محرر .



ثانيًا: تحذيره ~ صلى الله عليه و سلم ~ من إيذاء العبيد والإماء



فكان يغضب أشد الغضب من ضرب العبيد أو إيذائهم، فعن أبي مسعود الأنصاري
رضي الله عنه، قال: كنت أضرب غلامًا لي؛ فسمعتُ مِنْ خَلْفِي صوتًا:
"اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ.. لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ"!
فالتفتُ فإذا هو النبي! فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى. قَالَ:
"أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ النَّارُ أَوْلَمَسَّتْكَ
النَّارُ" [2] .

كذا كان رسول الله يربي تلاميذه، ويفقه شعبه، على احترام آدمية الناس، وخاصة الضعفاء منهم والعبيد والخدم والأجراء.

ويمتد هذا النداء الأبوي إلى حكام المسلمين في كل زمان ومكان؛ فيلزمهم
بحماية العبيد من التعذيب أو الاضطهاد، فضلاً عن السعي الجاد لتحريرهم.



ثالثًا: أمره ~ صلى الله عليه و سلم ~ بالإحسان إلى العبيد



وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألطف الناس بالعبيد، وأرفق الناس
بالإماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله من أشد الناس لطفًا!
والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبي أن يأتيه
بالماء فيغسل وجهه وذراعيه!! وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم
ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم
ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه [3] .

وعن المعرور قال : لقيت أبا ذر بالربدة، وعليه حلة وعلى غلامه حله [يعني من
نفس الثوب ]فسألته عن ذلك . فقال : إني ساببت رجلاً، فعيرته بأمه[قال
لبلال : يابن السوداء ]فقال لي النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ : "يا أبا
ذر ! أعيرته بأمه ! ؟ إنك امروء فيك جاهلية ! إخوانكم خولكم [العبيد
والإماء والخدم والأسرى هم إخوانكم في الدين والإنسانية]، جعلهم الله تحت
أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده: فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا
تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم " [4] .



فحرم السخرية من العبيد أو الاستهزاء بألوانهم أو أنسابهم، كما حرم إجهاد
العبد في الخدمة، وأوجب مساعدته إذا كُلّف ما يغلبه.. وحذر الفقهاء من
استعمال العبيد على الدوام ليل نهار، فقالوا: إذا استعمل السيدُ العبدَ
نهارًا أراحه ليلاً، وكذا بالعكس، وقالوا: يريحه بالصّيف في وقت القيلولة،
ويمنحه قسطه من النّوم، وفرصة للصّلاة المفروضة. وإذا سافر به يجب عليه أن
يحمله معه على الدابة أو يتعاقبان على البعير ونحوه.

بل قالوا: "إن كان العبد ذمّيًّا فقد ذكر بعض الفقهاء أنه لا يمنع من إتيان
الكنيسة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير؛ لأن ذلك دينه، نقله البنانيّ
عن قول مالكٍ في المدوّنة" [5]

وتأمل معي قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن عيّر العبد: "إنك امرؤ فيك
جاهلية".. دلالة على أن صفة من يهينون العبيد ويؤذونهم بالقول أو الفعل،
فوصفهم بالجهل، وربطهم بعصور الجاهلية، وعهود التخلف.



رابعًا: التعاون في تحرير العبيد



شغل الرقُ سلمانَ الفارسي حينًا من الزمن .. فقد كان مولى عند أحد
الوجهاء، حتي فات سلمان عدد من المشاهد مع الرسول الكريم ~ صلى الله عليه و
سلم ~ ، منها بدر وأحد.

فذهب إلى النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~

فأشار عليه النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ أن يكاتب سيده، فكاتبه علي ثلاثمائة نخلة يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.

وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان، فأحضروا له النخل وحفروا معه
أماكنها وقدم رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ ووضعه بيده الشريفة
وعُتق سلمان.

وكانت أول مشاهده غزوة الأحزاب، وكان هو صاحب فكرة إنشاء خندق عظيم حول
المدينة لتحصينها من الغزاة .. ولما نجحت الفكرة، زاد تقدير الناس لسلمان
نظرًا لرجاحة عقله، وجهده في خدمة دولة الإسلام بفكرة الخندق، فقال الأنصار
: سلمان منا ! وقال المهاجرون: سلمان منا !

فقال النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ : "سلمان منا أهل البيت !!" [6] .

وهكذا ارتفع شأن العبيد في دولة الإسلام بجهدهم وخدمتهم للمجتمع، ولم تكن
عبوديتهم أيما يوم من الأيام تشينهم بين إخوانهم المسلمين.وفي ذلك أيضًا
النموذج العملي الذي حشد فيه النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ جهود شعبه
من أجل تحرير عبد. وهو بذلك يلزم المجتمع بضرورة تضافر الجهود الشعبية لفك
الإنسان من الرق .