( التوجيه المباشر- القصص وضرب الأمثال – الحوار والأقناع )


لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم إمام المربين معيناً لا ينضب من الطرق
والوسائل الناجحة لإيصال المعاني إلى الأذهان وتأصيلها في النفوس ،
وتحويلها إلى حقائق حيّة تسعى بين الناس . فالرسول صلى الله عليه وسلم هو
الذي وضع المنهج السليم في التربية وهو أن يحسن المربي كيف يأخذ المتعلم من
أقصر طريق إلى موقع الحق في أية قضية من القضايا.. وسوف نقتصر في مقامنا
هذا على بعض الوسائل التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع
الناشئة وتعليمهم .


التعليم بضرب بالأمثال

كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول يضرب الأمثال في
أحاديثه وأقواله ؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم ما في الأمثال من قدرة على
تقريب المعنى وبيان المقصود ومن ذلك :


أ‌- عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق
داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه ، فمرّ بجدي أسكّ ميت ، فتناوله فأخذ
بأذنه ثم قال : (( أيكم يحب أنّ هذا له بدرهم ؟ )) فقالوا : ما نحبُّ أنه
لنا بشيء ، وما نصنع به ؟ قال : (( أتحبون أنه لكــم ؟ )) قالوا : والله لو
كان حيّاً كان عيباً فيه ؛ لأنه أسك فكيف وهو ميت ؟ فقال : (( فوالله
للدنيا أهون على الله من هذا عليكم )) .. في هذا الحديث بيّن النبي صلى
الله عليه وسلم لأصحابه حقارة وهوان الدنيا عندما مثّل الجدي الميت بها .


ب‌- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((
إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ،
وإن أطلقها ذهبت )) ]متفق عليه [ في هذا الحديث مثّل النبي صلى الله عليه
وسلم الشخص الذي يحفظ القرآن بصاحب الإبل المعقلة المربوطة – إن جعلها
مربوطة استطاع أن يمسكها ، وإن أطلق رباطها صعب عليه مسكها .



ج- وعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مثل
المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن
الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق
الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرُّ ، ومثل المنافق الذي
لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرٌّ )) ]مسلم [


د- وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((
مثل العائد في صدقته كمثل الكلب يعود في قيئه )) ]مسلم [ ففي هذا الحديث
تنفير من الرجوع في الهبة والصدقة .


هـ- وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى
له سائر الجسد بالسهر والحمى )) ]مسلم [ ففي هذا الحديث حثّ على التراحم
والملاطفة والمعاضدة وأن يكونوا كالجسد الواحد .


يتبين مما سبق أهمية أسلوب ضرب الأمثال ، وأنه أحد أساليب التربية الناجحة والمؤثرة في تربية الناشئة .



أسلوب التدرج

استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج في التربية والتعليم إذا
أراد أن يوصل بعض المعلومات إلى أصحابه ، ولم يقفز بهم الرسول صلى الله
عليه وسلم قفزة واحدة لتعليم الإسلام جملة واحدة ، فقد كانت تربية رسولنا
الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه تربية متدرجة .. فعن عائشة قالت : ((
إنما أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا أثاب
الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر ،
لقالوا : لا ندع الخمر أبداً . ولو نزل لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا
أبداً )) . ]فتح الباري (9/38) برقم 4993[.


وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب التدرج عندما بعث معاذاً إلى
اليمن فقال له : (( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ،
فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله أفترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة
، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة من أموالهم تؤخذ
من أغنيائهم وتردُ على فقرائهم )) .]مسلم [


وقد جاء في القرآن الكريم تحريم الخمر بصورة تدريجية ، مرّت بأربع مراحل :


الأولى : لفت نظر الناس إلى أضرار الخمر .


الثانية : ذكر بعض أضراره وأن فيه إثماً كبيراً .


الثالثة : نُهي عنه أثناء الصلاة .


الرابعة : تحريم الخمر وأنه من عمل الشيطان .


ويستطيع المربون استخدام أسلوب التدرج في تربية الناشئة ، بأن يبدأ المربي
تعليم الطفل من الشيء المحسوس إلى المجرد ، ومن السهل إلى الصعب .