الوسائل التعليمية في مسيرة التعليم – قديماً وحديثاً – الأثر الأكبر
في توضيح المعنى، ترسيخه في الأذهان، تجسيده في ذاكرة المتعلم، تشويق
المتلقي للاستماع، تحفيز المتعلم على التفاعل مع المعلومة، والإفادة منها،
ترجمتها إلى واقع معاش، تعزيز الإدراك الحسي، زيادة الفهم، المساعدة على
التفكير والتذكر، تنظيم المادة العلمية، تنمية الميول الإيجابية للتلميذ،
العمل على تسلسل الأفكار وتماسكها، والإقناع، وسوى ذلك من الأهداف
التعليمية والتربوية .

الوسـائل التعليمية التي استخدمها المعلم الأعظم لتلاميذه وصحابته:

1- الرســم

روي الإمام البخاري رحمـه الله في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
خطّ النبي خطاً مربعاً، وخطّ خطاً في الوسط خارجاً منه، وخطّ خططاً صغاراً
إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: "هذا الإنسان، وهذا
أجلهُ محيط به- أو قد أحاط به -، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط
الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشـه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ".

والمراد بالأعراض الآفـات العارضة له، فإن سلم من هذا لم يسلم من هذا، وإن
سلم من الجميع ولم تصبه آفـة من مرض أو فقد مال أو غير ذلك بغتـة الأجـل .

2- وسـائل البيئـة

أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري: أن النبي غرز عوداً بين يديه ، ثم
غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده ، ثم قال "هذا الإنسان، وهذا أجله،
وهذا أمله، يتعاطى الأمل، والأجل يختلجه دون ذلك ".

قال الحافظ ابن حجر: والأحاديث متوافقة على أن الأجل أقرب من الأمـل .

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مرّ النبي بقبرين فقال:
" إنهما يعذبان ، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستر من بوله،
وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ".

ثم أخذ جريدة طرية، فشقها نصفين ، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله لمَ فعلت هذا؟ قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسـا " .

والجريدة : سـعفة طويلة رطبة، وقيل: هي السـعفة إذا قشرت من خوصها، فهي مجرودة .

3- النمـاذج العينيـة

روى أبو داود بسند حسن عن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله أخذ حريراً
فجعله في يمينه، وذهباً فجعله في شماله، ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور
أمتي ".

4- الإشــارة

أ‌) الإشارة بالسبابة والوسطى :

روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "
أنا وكافل اليتيم في الجنة هكـذا " وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما
شيئاً .

السبابة : الإصبع التي بين الإبهام والوسطى، صفة غالبة، وهي المسـبحة عند المصلين .

ب‌) الأخـذ باللسـان :

روى الترمذي عن معاذ رضي الله عنه حديثاً طويلاً، ذكر فيه أركان الإسلام،
وأبواب الخير، ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه، ثم قال: " ألا أخبرك بملاك
ذلك كله؟ قال معاذ: بلى يا رسول الله، فأخذ الرسول بلسانه، وقال: " كف عليك
هذا " .

قال معاذ: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال : "ثكلتك أمك، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟".

روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قول النبي " ..إن الله لا
يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ( وأشار إلى لسانه) أو
يرحـم ..".


ج) تشـبيك الأصـابع :
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " المؤمن
للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضـاً " ( وشبك بين أصابعـه ) .

د ) ضـم الأصـابع :

روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه عن النبي: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنـا وهو " (وضم أصابعه) .

هـ) الإشـارة إلى الصدر ثلاثاً :

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي حديثاً طويلاً، وفيه: "
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا " (
ويشير إلى صدره ثلاث مرات ) .

و ) الإشـارة بالإصبـع :

روى البخاري عن عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " إذا
رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم " وأشار بإصبعه قِبَلَ المشرق )
.

الوسـائل البيـانية القوليـة
التشـبيه :
لقد أوتي الرسول جوامع الكلم، والذروة في البلاغة والفصاحة، ومن أهم أبواب
البلاغة البيانية: التشبيه، لذلك نجد الأحاديث النبوية التي تضمنت التشبيه
لا تعد ولا تحصى: روى البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي: "
مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحـي والميت " . روى مسلم عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " مثل الصلوات الخمس
كمثل نهر جارٍ غمرِ على باب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات "، قال
الحسن: وما يبقى ذلك من الدرن ؟. روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : " يعمد أحدكم
إلى جمرة من نار فيجعلها في يده " فقيل للرجل بعدما ذهب النبي: خذ خاتمك
انتفع فيه، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طـرحه رسول الله. روى البخاري
ومسلم عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال: " إنما مثل الجليس
الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك (
يعطيك)، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما
أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة " . في صحيح الجامع عن ابن
عباس رضي الله عنه أن رسول الله قال: مالي وللدنيا، وما للدنيا ومالي والذي
نفسي بيده، ما مثلي ومثل الدنيا، إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت
شجرة ساعة من النهار، ثم راح وتركهـا " . روى الترمذي أيضاً عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى
يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم " . روى
البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : مثل المؤمن الذي
يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ
القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن
مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل
الحنظلة ، ليس لها ريح وطعمها مر " . روى مسلم عن المستورد بن شداد رضي
الله عنه قال: قال رسول الله: " والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل
أحدكم إصبعه هذه ( وأشار يحيى بن سعيد راوي الحديث بالسبابة ) في اليم،
فلينظر بم ترجع " وروى أيضاً مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي فيما
يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: " .. يا عبادي لو أن أولكم وأخركم
وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص
ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيطُ إذا أدخل البحـر.." .



طـريقة السـؤال والجـواب :
روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله: " أتدرون من
المفلس ؟" قالوا : المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال : " إن
المفلس من أمتي ، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم
هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من
حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من
خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار " روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " ما تعدّون الشهيد فيكم ؟ " قالوا : "
من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: " إن شهداء أمتي إذاً لقليل " قالوا:
فمن هم؟ يا رسول الله ! قال: " من قتل في سبيل الله ، فهو شهيد، ومن مات في
سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو
شهيد " . روى مسلم رحمه الله عن ابن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول
الله: " ما تعدون الرقوب فيكم ؟ " قال : قلنا : الذي لا يولد له ولد، قال: "
ليس ذاك الرقوب ، ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئاً ".قال: فما
تعدون الصُرعة فيكم؟" قال: قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: " ليس بذلك ،
ولكنه الذي يملك نفسـه عند الغضب".

التكــرار :
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي: أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها
ثلاثاً، حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم، سلم ثلاثاً . روى
البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال
النبي: " ألا أنبؤكم بأكبر الكبائر ؟" ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله ،
قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين – وجلس وكان متكئاً، فقال- ألا وقول
الزور " قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليـته سكـت ( إشفاقاً عليه ) .

القصــة
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " بينما رجل يمشي بطريق،
اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها وشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل
الثرى من العطش، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ
مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله
له، فغفر له " قالوا: يا رسول الله ! وإن لنا في هذه البهائم لأجراً،
فقال: " في كل كبد رطبة أجـراً" روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول
الله قال: " كانت امرأتان معهما ابناهما،جاء الذئب فأخذ بابن إحداهما،
فقالت صاحبتها، إنمـا ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما
إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال:
ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى، لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها،
فقضى به للصغرى " .

لـفت الانتبـاه
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "
إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل: يا رسول الله ، وكيف يلعن
الرجل والديه؟ قال: " يسب الرجل أبا الرجل فسب أبـاه، ويسب أمه فيسب أمه "
.

روي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنـوا
عليها خيراً، فقال النبي " وجبت". ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال:
"وجبت". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه
خيراً، فوجبت لـه الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً، فوجبت له النار، ثم أنتم
شهداء الله في الأرض ".

روى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "رغم أنفه، ثم رغم أنفه "
قيل: من يا رسول الله؟ قال " من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما،
ثم لم يدخل الجنة " .

روى البخاري عن أبي شرح رضي الله عنه أن النبي قال: " والله لا يؤمن ،
والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: " الذي لا يأمن
جارُه بوائقـه".

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " إن الله عز وجل
يقول يوم القيامة، يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت
رب العالمين ؟. قال: أما علمتَ أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمتَ أنك
لو عـدته لوجدتني عنـده؟

يا ابن آدم استطعمتُك لم تطعمني .قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟
قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمتَ
أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟

يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟
قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقِهِ، أما إنك لو سـقيتهُ وجدتَ ذلك عندي ".

الخـاتمــة :

بعـد هذه الجولة السريعة في استعراض نماذج من الوسائل التعليمية التي كان
رسولنا المعلم القدوة يستعملها رديفـة توضح المعلومة وترسّخها في الأذهان،
فحري بكل داعية وأستاذ ومربًّ أن يجتهد في الاستعانة بالوسائل التي تعين
المتلقي على الفهم، وتحفزه على الاستماع، وبهذا تكون العملية التعليمية قد
آتت أُكلها، وحققت غايتها .

ورسولنا الكريم المكلف من ربه سبحانه بتبليغ رسالته" يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"، رأيناه قد وظف كل ما هو
متاح لديه في زمنه من وسائل الإيضاح وترسيخ الكلمة المراد تبليغها للأمة.
ولنا في رسولنا المعلم قـدوة حسـنة .

فعلينا أن نوظف كل ما هو متاح لدينا من وسائل قديمة وحديثة، تعيننا على تشويق المتلقي، وإفهامه، وبل وترسيخ ذلك الفهم في ذاكرته .

وقد تطورت - كما هو معلوم – هذه الوسائل من السبورة والرسوم المحدودة ، إلى
الأفلام والحاسب (الكمبيوتر) والتلفاز التعليمي والمذياع التعليمي
والفيديو ومختبرات اللغات وسواها.

فينبغي للمسلم المربي والمعلم أن يُعنى بكل ذلك تحقيقاً للأهداف النبوية في التربية والتعليم .

وبهذا نكـون قد اقتدينا برسولنا المعلم، وبلغنا ما في أعناقنا من رسالة على أكمل وجـه .

وصلى الله على الحبيب المصطفى الذي تركنا على المحجة البيضاء ، والصراط المستقيم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .