أزمة الفكر الأشعري للدكتور محمد العايدى

أزمة الفكر الأشعري:

الأشاعرة مدرسة فكرية إسلامية تقوم على أصول وقواعد منضبطة من القرآن والسنَّة، تنسب إلى واضع هذه الطريقة في الفهم والتلقي من القرآن والسنَّة أبي الحسن الأشعري، لا لكونه جاء بأمور عقائدية لم يقلها صلى الله عليه وسلم بل إن العقيدة الأشعرية هي ما نطق به صلى الله عليه وسلَّم، ولكن هذه الطريقة في فهم المستجدات العقائدية والتأصيل والمصطلحات سنّها ناصر السنَّة أبو الحسن الأشعري.

هذه المدرسة العظيمة لها علماؤها حافظوا عليها في نفوسهم وقاموا بنشرها بين الناس حتى أننا إلى يومنا هذا مع الأزمة التي نراها يمكن أن نحكم أن أغلب العلماء في عصرنا ينتمون إلى هذه المدرسة مع شيء من التفاوت.

لهذا ولغيره اقترحت أن أتكلم بداية عن المذهب الأشعري وما يعانيه في أيامنا من أزمة حقيقية لا ينكرها أحد، لكن هذه الأزمة بماذا تتمثل هل تتمثل بفكر السادة الأشاعرة؟، أم تتمثل في طريقتهم؟، أم في الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المدرسة؟

أين الأزمة في الفكر الأشعري؟

الفكر الأشعري: هي القضايا التي اعتقد أصحاب هذه المدرسة أنها ظنية أو قطعية، وهذا الظني أو القطعي في فكرهم منه ما يسلِّم به الآخرون ومنه ما يخالف به الآخرون.

فهناك قضايا فكرية عقدية اتفق جميع المسلمين على قطعيتها، كالقول بوحدانية الله تعالى ، ونفي الشريك والولد عنه، وفي نسبة الكمال المطلق له، وتنزيهه تعالى عن النقص، والإيمان بالنبي والأنبياء من قبل، وثبوت القرآن ، الحشر والحساب والجنة والنار، وغيرها من القطعيات التي ثبتت بالشرع .

فهذه مساحة واسعة من الاتفاق على القطعي يُحكم فيها على المخالف بالكفر، هذه أصول عند الأشاعرة وعند جميع الفرق الإسلامية.

ومثال الظني المسمى عند الأشاعرة بالكسب والرؤية في الآخرة والصراط والميزان، وعذاب القبر ونعيمه، وزيادة الصفات على الذات وغيرها.

إذا كان الأمر كذلك فهل المدرسة الأشعرية العظيمة هي التي تنسب إلى هذه المسائل الظنية أم ماذا؟

ولا بدّ هنا أن ندقق في الجواب فالمعتزلي مثلاً هل كان معتزلياً لأنه يقول ببعض القضايا الظنية ، كالصلاح والأصلح والمنزلة بين المنزلتين وغيرها، والشعي هل يسمى شيعياً لأنه يقول بالعصمة والإمامة لسيدنا علي، والأشاعرة هل يسمون أشاعرة لأنهم يقولون بالكسب وزيادة الصفات.

قلت سابقاً لا بدَّ هنا أن ندقق في الجواب: وذلك أن التسمية والمدرسة تأخذ هذا الاسم بالنظر إلى جانبين اثنين:

الأول: القواعد التأصيلية في الاستنباط من القرآن والسنَّة .

الثاني: بعض الأصول الخاصة التي صارت عندهم مقطوعات عقلية بحيث صاروا يتميزون بها عن غيرهم، ويبنون عليها مسائلهم.

أي تتمثل المدرسة بجانبين حتى تسمى مدرسة فكرية ، أو مذهباً قائماً بنفسه.

وعليه يمكن أن نناقش بعد ذلك بعض الذين يجعلون من أنفسهم مدارس أو مذاهب، وهم أصلا لا يمكن أن نسميهم بهذه التسمية، لأنه ليس كل من اجتمع على أفكار معينة يمكن يستحق هذه التسمية.

فالأشاعرة مدرسة فكرية ليس بالمسائل التي خالفوا فيها المعتزلة، والمعتزلة ليسوا معتزلة بالمسائل التي خالفوا فيها الأشاعرة، هذه نتائج.

ولكن القضية أنهم إلتزموا قواعد وطريقة في الاستنباط من القرآن والسنّة وأصول توصلوا إليها صارت عندهم قواطع.

إذا جئنا لنطبق هذين الأمرين دون النظر إلى ما يحب البعض أن يرجع إليه الفرق الإسلامية وحتى المذاهب الفقهية، أنها وجدت لمصالح شخصية ولتحقيق أهداف لأناس معينين في أزمنة معينة، نقول إن كان هذا موجوداً إلا أنه ليس هو الأصل.

إذا عرفنا هذا وغيره صار عندنا حوار بنّاء ونيـّر عند كل فرقة ومدرسة كما كان في الماضي.

وإذا عدنا إلى الحديث عن الأزمة الفكرية الأشعرية نرى أن أزمة حقيقية حصلت في زماننا وذلك أن بعض المعتقدات صارت ترتفع إلى القطع مع أنها ظنية حتى عند أصحابها، وكأن العقيدة صارت معاندة للفرق الأخرى فتجد البعض للأسف معاندة بالمعتزلة يقول عن الصراط والميزان أن أدلتها قطعية ومخالفها كافر وغيره، والبعض الآخر لا يرى وجها للدعوة لمحبة آل البيت معاندة للشيعة، وهذا من أعجب العجب.

البعض من علماء الأشاعرة من غير المحقيقين كالبيجوري وغيره نصّوا على عقيدة الأشاعرة دون التفريق بين ما هو قطعي وما هو ظني فيها، وتلقفها بعض المشايخ على أنها كلّها لها حكم القطع، وهذا لا يصح لما نرى أن كثيراً من كتب السادة الأشاعرة كانت تذكر التفريق بين الظني والقطعي في العقائد كالمسامرة، والنسفية وشروحها والمواقف وغيره.

أين الأزمة في طريقة السادة الأشاعرة؟

المقصود بالطريقة هو الأسلوب والمصطلحات التي يمكن أن نوصل بها فكر هذه المدرسة العظيمة إلى العلماء والناس عامة.

الاعتماد على الكتب القديمة بنفس المصطلحات دون فكها أو تبسيطها أو تبويبها يرهق الدارس لفكر هذه المدرسة، وقد أجاد الدكتور البوطي في كتابه كبرى اليقينيات الكونية وغيره في عرضه للمسائل العقدية ليكون في متناول الجميع.

حتى لو أننا أردنا أن نعْمَد إلى كتب السادة الأشاعرة كالرازي والجويني والغزالي وغيرهم أن نعمد إليها تهذيباً بنّاءً وتبسيطاً يفيد منه طلّاب العلم والعلماء.





أين الأزمة في المنتسبين إلى المدرسة الأشعرية في عصرنا؟

الذين ينتسبون إلى هذا المذهب العظيم ويريدون نشره لا نشكك أو نَشُكّ في إخلاصهم، إلا أننا لابدّ أن نحطاط من أخطاء قد تؤدي إضعاف هذا المذهب، وذلك في تحزيب المذهب الأشعري وإعطاؤه صفة الحزبية الشخصية وكأنّ ولي أمر هذا المذهب شخص واحد، هذا بداية الإنحدار في المدرسة الأشعرية إلا إذا تعاضدت الجهود للوقوف أمام هذا التحزيب الفكري.

وهذا التحزيب قد يكون له صور وأساليب شتى، وذلك بأن ينشيء عداءات موهومة بين أفراد المدرسة الواحدة، بأن هذا ينتسب إلى فلان وذلك ينتسب إلى علّان، فضيقوا الواسع وأرادوا أن يوهموا طلّاب العلم بسعة الضيق.

ومن صور التحزيب العمل على أن يكون الممثل للمدرسة الفكرية شخص واحد، وظهر أناس يطلقون على أنفسهم بالعقل الأوحد،والقدوة الحسنة، والعقل التاسع والعاشر … ونخشى أن يخرج لنا شخص يطلق على نفسه (سوبرمان) الأشاعرة .

نسأل الله تعالى السلامة السداد والتوفيق في القول والعمل وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت.
منقوووووووووووووووووووول