وحدة الذات وحدة الصفات وحدة الأسماء وحدة الأفعال

الوحدة لغة تعني الانفراد مختار الصحاح لأبي بكر الرازي ،
والوحدانية شرعاً تعني انفراد الله سبحانه وتعالى في كل شيء أي عدم وجود
نظير له لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله.

والذات لغة : هي الشيء على حقيقته، وشرعاً : ذات الله تعالى هي الله على حقيقته التي لا تُدرك ، قال تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سورة الأنعام، رقم الآية 103. وقد نهانا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتفكر في ذات الله عز وجل فقال (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره) رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن ابن عباس. وروى
أبو الشيخ في العظَمة عن ابن عباس قال (تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في
ذات الله، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف سنة نور، وهو فوق
ذلك) كشف الخفاء، للإمام العجلوني. وقد
دلت على وجود ذاته العلية صفاته العظيمة، ودلت على وجود صفاته العظيمة
أسماءه الحسنى، ودلت على وجود أسماءه الحسنى أفعاله في ملكه وملكوته.

والوحدانية صفة واجبة في حقه تعالى أي تجب له الوحدانية عقلاً وشرعاً، أما الدليل الشرعي فهو قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} سورة الأنبياء رقم الآية 22.
والدليل العقلي هو وجود هذا العالم الذي يدل بوضوح على وحدانية الله
سبحانه وتعالى، وهذا ما ذكره الشيخ الباجوري في شرح جوهرة التوحيد شرح جوهرة التوحيد للإمام إبراهيم الباجوري، بيت الشعر 25، الصفحة 99
قائلاً : لو كان ثمة إلهان فإما أن يتفقا وإما أن يختلفا، فإن اتفقا فلا
يمكن أن يوجدا هذا العالم معاً لوجود مؤثرين معاً على أثر واحد، ولا يمكن
أن يوجداه مرتباً لأنه إن أوجده الأول فالثاني لا محل له، ولا يمكن أن يختص
أحدهما ببعضه والآخر ببعضه الآخر لأنه إذا تعلقت قدرة الأول بشيء فمعناه
انسداد الطريق أمام قدرة الثاني وهذا عجز يقضي بأنه ليس بإله، وإن اختلفا
بأن أراد أحدهما إيجاد العالم والآخر إعدامه فلا يمكن أن ينفذ مرادهما لأنه
يترتب عليه اجتماع ضدين، ولا يمكن أن ينفذ مراد أحدهما لأنه يعني عجز الذي
لم ينفذ مراده وهو بالتالي ليس بإله، قال سبحانه وتعالى {مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا
لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} سورة المؤمنون، رقم الآية 91.

وحدة الذات :
وتعني وحدة الذات في حق الله تعالى معنيين هما :

المعنى الأول :
عدم وجود نظير له في ذاته العلية أي أنه تعالى إله واحد لا ثاني له، وهذا
ينفي التعددية بحقه جل في علاه، قال تعالى في كتابه العزيز {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْوَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.

المعنى الثاني :
هو أن ذاته جل جلاله واحدة غير مركبة من أجزاء ولا مكونة من مركبات. وهذا
ينفي التركيب في حقه تعالى. ودليله أنه لو جاز ذلك لكان بعضه محتاجاً إلى
بعضه الآخر وهذا نقص لا يجوز بحق الله تعالى.

وحدة الصفات :

وتعني وحدة الصفات في حق الله تعالى معنيين هما :

المعنى الأول : (أنه لا يوجد صفة لأحد تشبه صفته تعالى) شرح جوهرة التوحيد للإمام إبراهيم الباجوري.

فلا أحد توصف له قدرة مثل قدرة الله تعالى، ولا أحد علمه كعلم الله العزيز الحكيم مثلاً، قال تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} سورة البقرة، رقم الآية 255.

المعنى الثاني :
أن صفاته تعالى واحدة أي غير متعددة من جنس واحد، فليس له تعالى قدرتان،
ولا إرادتان ولا علمان. فقدرته تعالى واحدة وإرادته واحدة وعلمه واحد.

وحدة الأسماء :

وأسماؤه سبحانه وتعالى قديمة غير حادثة من حيث المعنى لا من حيث الأحرف واللفظ لأن الأسماء عربية أو أعجمية وكلها حادثة. فالله
تعالى اسمه الرحمن منذ الأزل ولو لم تظهر آثار رحمته إلا بعد إيجاده لخلقه
وكذلك اسمه القدوس والعلي والقدير وغيرها، لأن أسماءه الحسنى عبارة عن
دلالات على صفاته القديمة ، ودليلها أن السيف يسمى قاطعاً وهو في الغمد (أي
في حقيقته) ويسمى قاطعاً وهو في حال حز الرقبة (أي بفعله)المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، لأبي حامد الغزالي، بتصرف يسير.

ومعنى
مصطلح وحدة الأسماء أنه تعالى وحده المستحق لهذه الأسماء وليس هناك من أحد
يستحق أي اسم من أسماء الله تعالى من خلال الدلالة الحقيقة المطلقة، أما
تسمي الخلق بأسماء الله تعالى فهي من باب المشاكلة لا المماثلة والمطابقة،
مثل ما ذكر القرآن الكريم من تسمية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأسماء مثل رؤوف ورحيم وغيرها {لَقَدْ
جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيز عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين}سورة التوبة، رقم الآية 128، لأنها في حق الله تعالى مطلقة كاملة قائمة بذاته العلية، لا بداية لها
ولا نهاية لها، وفي حق البشر وحتى في حق سيد البشر فهي ناقصة ومقيدة، و
لها بداية ولها نهاية ومعتمدة على إمداد الله سبحانه وتعالى في كل لحظة.

وحدة الأفعال :

وتعني
وحدة الأفعال أنه لا يوجد لأحد تأثير في إيجاد الأفعال كلها في جميع خلقه،
فالله تبارك وتعالى هو الموجد لكل الأفعال بمعنى مخرجها إلى حيز الوجود
بقدرته، قال في محكم كتابه العزيز {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}سورة الصافات، رقم الآية 96. وإنما ينسب الفعل لغير الله بمعنى الكسب والاختيار. جاء في العقيدة الطحاوية : (أفعال العباد خلق الله وكسب من العباد، والخير والشر مقدران على العباد) العقيدة الطحاوية، لأبي جعفر الطحاوي.
ولتوضيح هذا المعنى نسرد كلام الإمام الغزالي : (أن فعل العبد وإن كان
كسباً للعبد فلا يخرج عن كونه مراداً للّه سبحانه. فلا يجري في الملك
والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء اللّه وقدرته
وبإرادته ومشيئته. ومنه الشر والخير والنفع والضر والإسلام والكفر والفوز
والطاعة والعصيان والشرك والإيمان، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، يضل من
يشاء ويهدي من يشاء {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[1] ويدل عليه من النقل قول الأمة قاطبة "ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن" وقول اللّه عز وجل {أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}) قواعد العقائد، لأبي حامد الغزالي، الركن الثالث، العلم بأفعال الله تعالى.

وخلاصة
الأمر أن الله سبحانه وتعالى واحد في كل شيء، قال سيدنا عبد الرحمن الشريف
قدست أسراره في حزب السيف مناجياً ربه : (وأنت الواحد في ذاتك وصفاتك
وأسمائك وأفعالك على جود ساحتك محض التعويل) أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية.

وما
يستفيده العبد من علمه بأن الله تعالى واحد في ذاته وصفاته وأسماءه
وأفعاله هو تحققه يقيناً بكمال الله تعالى في كل شيء، وكونه جل في علاه ليس
كمثله شيء، وبمعرفته بكمالات الله تعالى يسعى العبد للتخلق بأخلاق الله
تعالى والاتصاف بصفاته العلية والتحلي بأسمائه الحسنى والتشبه بأفعاله السنية.
وللعباد في هذا الأمر حظوظ تختلف باختلاف درجاتهم، فالذي يفهم هذه المعاني
من غير كشف ويصدقها فهو من العوام، وأما من تلقاها وتعلمها واعتقدها بقلبه
وصمم عليها فهو من العلماء، وأما المقربين فهم على ثلاث درجات، الدرجة
الأولى هم الذين عرفوا هذه المعاني على سبيل المكاشفة والمشاهدة فاتضحت لهم
حقائقها بالبرهان الذي لا يجوز فيه الخطأ. وأما الدرجة الثانية فهم الذين
استعظموا ما انكشف لهم من صفات الجلال على وجه يشوقهم إلى الاتصاف بما
يمكنهم من تلك الصفات والأسماء ليقربوا بها من الحق، فيأخذوا شبهاً من
الملائكة المقربين، وأما الدرجة الثالثة فهم الذين سعوا في اكتساب الممكن
من تلك الصفات والأسماء والأفعال وتخلقوا بها حتى أصبحوا ربانيين، ومن كان
كذلك كان مع الملأ الأعلى من الملائكة المقربين على بساط القرب والوصال من
الله تعالى، ومن كان قريباً من هؤلاء الربانيين نال شيئاً من صفاتهم
المقربة إلى الحق تعالى كتاب المقصد الأسنى في سرح أسماء الله تعالى الحسنى، لأبي حامد الغزالي، بتصرف يسير واختصار.

ولعظيم وحدانية الله تعالى وكونها مدار الأمر كله في هذا الدين قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضلُ الذِّكرِ لا إلهَ إلاّ اللَّهُ) سنن الترمذي، أبواب الدعوات. وخير ما نختم به هذا المبحث أن نتوسل إلى الله تعالى بالأبيات التالية حزب الهمزة، لسيدنا عبد الرحمن الشريف، كتاب أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية :

وبوحدة الذات العلي ووصـفها وبـوحدة الأفعال يا مـولائي

وبوحدة الأسـما الكثيرة خصنا بالجمــع ثم بجمعه الأسـماءِ

إجعل هـداك شعارنا ودثـارنا وأمـددنا بعواطف الصـلحاء
وأدم صلاتك والسلام على الذي داوى القلوب بأعظـم

بـــــاركـــــ الـلـــــــــه فـيـــــــــكــــ
وجــعـله فـــــــــى مـــــــــيــزان حـســــنـاتــــــكــ يـــــــوم الـقـيـامــه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دمــت ودام عـطــــاءكــ لـلـمـنـتـدى
فــــــــــى إنتــظـار مـــزيـــدكـــ الــشــــيق

» معنى وحدة الوجود عتد الشيخ عبد الهادى الخرسا
» ابن عربي ترجمان رسالة الوحدة الإنسانية لا وحدة الوجود
» الأسماء والصفات عند الفلاسفة