إختلف
الباحثون في أصل كلمة "تصوّف". فذهب البعض إلى أنها مشتقة من مصدر الفعل
"تصوّف" للدلالة على لبس الصوف، في محاولة لعيش حياة زهد وتنسك فأطلق عليهم
الصوفية. وذهب البعض الآخر إلى أن الصوفية نسبة إلى أهل الصفة"، وهم فرق
من النساك كانوا يجلسون فوق دكة المسجد في المدينة في عهد النبي، أو أنهم
كانوا في الصف الأول من صفوف المسلمين في الصلاة. أما البعض فقد نسب
الصوفية إلى الكلمة اليونانية "سوفوس" أو ثيوسوفياTheosophia وهي
تعني حكمة الله وتتضمن العلوم، والفلسفة والدين. لكن المستشرق الألماني
نولدكه رفض هذا القول مبيناً أن السين اليونانية تكتب باطراد في العربية
سيناً لا صاداً، وأن ليس في اللغة الآرامية كلمة متوسطة للانتقال من
"سوفوس" اليونانية إلى "صوفي" العربية.
يقول
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون إن لفظ "الصوفي" ورد لأول مرة في
التاريخالإسلامي في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، إذ نعت به جابر
بن حيّان، وهو عالم الكيمياء المعروف من الكوفة، وكان تلميذ الإمام جعفر
الصادق، وكان له في الزهد مذهب خاص. أما صيغة الجمع "الصوفية" فقد ظهرت عام
199ه(814م) في خبر الفتنة التي قامت في الإسطندرية، وكانت تدل على مذهب من
مذاهب التصوّف الإسلامي، نشأ في الكوفة، وكان ذا اتجاه شيعي، وكان "عبدك
الصوفي" آخر أئمته، وكان لا يأكل اللحم، وتوفي في بغداد عام 210ه(825م).
والعلاقة
بين التصوّف والتشيّع قديمة كتب عنها دراسات عدة أبرزها كتاب "الصلة
بين التصوّف والتشيّع" للباحث المصري الدكتور كامل مصطفى الشيبي، التي نشرت
في الستينات من القرن الماضي. ولعل منشأ هذه الصلة هو ما عرف عنه الإمام
علي بن أبي طالب من زهد وعرفان وانقطاع إلى الله تعالى، فأصبح قدوة
للسالكين من الزهاد والأتقياء والمتصوفة، من أصحاب الرسول محمد(ص)
والتابعين إلى يومنا هذا، من أئمة التصوّف سنّة وشيعة.
وبرغم كون
رسول الله(ص) هو العارف الأول والأكبر، قد عرف عنه الزهد والتحنث في غار
حراء والانقطاع إلى الله تعالى، قبل نزول الوحي وبعده وخلاله، إلا أنه
رفض التصوّف على طريقة الرهبنة البوذية أو الهندوسية أو المسيحية، ونقل عنه
قوله "لا رهبانية في الإسلام". ويذهب المستشرق النمسوي ألويس شبرنغرsprenger إلى
أن هذا الحديث موضوع في القرن الثالث الهجري لتدعيم تفسير جديد للآية 27
من سورة الحديد التي ورد فيها ذكر الرهبانية. تقول الآية: ﴿ثُمَّ
قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا
رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
لكن الآية
واضحة في وصف الرهبانية بأنها من ابتداع النصارى، وأنهم انحرفوا فيها. ولعل
الآية(28) التي تليها من سورة الحديد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، تظهر أن تقوى الله والإيمان بالإسلام والرسول
محمد(ص) هي السبيل العرفاني الصحيح للحصول على رضوان الله وأجره وهدايته
وغفرانه.
كان التصوّف في
أول عهده يدور حول أمرين: الأول هو أن العكوف على العبادة يولّد في النفس
حقاق روحية، والثاني أن علم القلوب يفيض على النفس معرفة تقرّب من الله،
فالمعرفة تولّد الحب والقرب.
لم يكن
المتصوّفة الأوائل يتوقعون الاصطدام بعامة المسلمين، وهم جنحوا إلى العزلة
والزهد تقرباً إلى الله تعالى، في رغبة منهم في الكشف عن الله بأي وسيلة،
وخاصة بتصفية القلب من كل شاغل. وهذا ما نلمسه في سيرة الحسن البصري( 21-
110ه) وعظاته وعبره، وفي كتابي المتصوفين الكبيرين الحارث المحاسبي(170 –
243ه)، "الوصايا"، والإمام أبي حامد الغزالي(450 – 505ه)، "المنقذ من
الضلال".
يرى المستشرق
ماسينيون أن الخوارج كانت أولى الفرق التي أظهرت عدوانها للصوفية، وذلك
بادٍ في ما وقع للحسن البصري. كما عارضت فئات كبرى من المذاهب الأخرى السنة
والإمامية والزيدية التصوّف لأنه يستحدث بين المؤمنين ضرباً من الشذوذ،
خصوصاً نزوعهم نحو بعض الاعتقادات التي تقول بالحلول ووحدة الوجود، أو
انصرافهم عن بعض مظاهر العبادة وإهمالهم للفرائض. وقد ذهب المعتزلة
والظاهرية إلى استنكار قول المتصوّفة بعشق الله، لأنه يقوم نظرياً على
التشبيه، وعملياً على الملامسة والحلول.
ولا شك أن
بعض المقاربات للتصوّف أنذاك كانت تبسيطية وظالمة ومجحفة، فأخرج بعض
المتصوّفين من الإيمان، وتم تكفير بعضهم وأعدموا كالحسين بن منصور
الحلاج(244 - 309 هـ). والتصوّف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس
مسلكاً فردياً بين المتصوّف والخالق فقط. لقد طوّر الحلاج النظرة العامة
إلى التصوّف، فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع، ولا يخفى
ما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه.
ونقل عن الحلاج قوله: "ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه"، وقوله أيضاً:
وحِّد واحدي بتوحيد صدقٍ ما إليه من السالك طُرقُ
فأنا الحقّ حقَّ للحق حقُ لابس ذاته فما ثَّم فرقُ
ويقال إن سبب
إعدام الحلاج يكمن في اجابته على سؤال أحد الاعراب له عما في جبته، فرد
عليه الحلاج "ما في جبتي إلا الله" فاتهم بالزندقة وأقيم عليه الحد.
وقد فسّر ابن
تيمية سبب إعدام الحلاج بقوله: "مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ
الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ
كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ
إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ
مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ..
وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ
اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ.. فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ
الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ".
وقد دافع عدد
من المتصوّفة والباحثين والمستشرقين عن الحلاج واعتبروه شهيداً وبطلاً
ثورياً وأن لكلامه معاني باطنية، وأن قوله بالحلول والاتحاد هو نفس القول
بوحدة الوجود، أي وجود الله في كل مكان، على غرار محيي الدين ابن عربي(558 -
638ه). كما أن الإمام الخميني قد إعتبر الحلاج شهيداً وأنه لم تفهم كلماته
بمعناها الباطني.
يقول الشيخ
الأكبر إبن عربي: "نحن قوم يحرم النظر في كتبنا، وذلك أن الصوفية تواطئوا
على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها.
فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفَر
وكفَّرهم".
وللمتصوّفة
طرق وأساليب في سلوكهم إلى الله، ومقامات وأحوال، ويستخدمون مصطلحات خاصة،
واستعاروا مصطلحات قرآنية وفقهية وحوّروا معاني بعضها. ولا شك أن الفلسفات
اليونانية والهندية قد تسرّبت إلى العالم الإسلامي واستعان فيها المسلمون
في علم الكلام والفلسفة والتصوّف، فظهرت مصطلحات جديدة واختلطت بعض الأفكار
الفلسفية اليونانية بالتوجّهات الصوفية والعرفانية، مما كان له أكبر أثر
على تطوّر التصوّف، من حالته البسيطة من زهد وتنسك وتقوى وانقطاع إلى الله،
إلى الحالة الفلسفية من القول بوحدة الوجود والفيض الإلهي والإشراق.
ولعل من أروع الأبيات التي تعبّر عن أحوال العارفين ما عبّرت عنه رابعة العدوية في قولها لله عزّ وجلّ:
أحبّك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواكا
وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
إختلف
الباحثون في أصل كلمة "تصوّف". فذهب البعض إلى أنها مشتقة من مصدر الفعل
"تصوّف" للدلالة على لبس الصوف، في محاولة لعيش حياة زهد وتنسك فأطلق عليهم
الصوفية. وذهب البعض الآخر إلى أن الصوفية نسبة إلى أهل الصفة"، وهم فرق
من النساك كانوا يجلسون فوق دكة المسجد في المدينة في عهد النبي، أو أنهم
كانوا في الصف الأول من صفوف المسلمين في الصلاة. أما البعض فقد نسب
الصوفية إلى الكلمة اليونانية "سوفوس" أو ثيوسوفياTheosophia وهي
تعني حكمة الله وتتضمن العلوم، والفلسفة والدين. لكن المستشرق الألماني
نولدكه رفض هذا القول مبيناً أن السين اليونانية تكتب باطراد في العربية
سيناً لا صاداً، وأن ليس في اللغة الآرامية كلمة متوسطة للانتقال من
"سوفوس" اليونانية إلى "صوفي" العربية.
يقول
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون إن لفظ "الصوفي" ورد لأول مرة في
التاريخالإسلامي في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، إذ نعت به جابر
بن حيّان، وهو عالم الكيمياء المعروف من الكوفة، وكان تلميذ الإمام جعفر
الصادق، وكان له في الزهد مذهب خاص. أما صيغة الجمع "الصوفية" فقد ظهرت عام
199ه(814م) في خبر الفتنة التي قامت في الإسطندرية، وكانت تدل على مذهب من
مذاهب التصوّف الإسلامي، نشأ في الكوفة، وكان ذا اتجاه شيعي، وكان "عبدك
الصوفي" آخر أئمته، وكان لا يأكل اللحم، وتوفي في بغداد عام 210ه(825م).
والعلاقة
بين التصوّف والتشيّع قديمة كتب عنها دراسات عدة أبرزها كتاب "الصلة
بين التصوّف والتشيّع" للباحث المصري الدكتور كامل مصطفى الشيبي، التي نشرت
في الستينات من القرن الماضي. ولعل منشأ هذه الصلة هو ما عرف عنه الإمام
علي بن أبي طالب من زهد وعرفان وانقطاع إلى الله تعالى، فأصبح قدوة
للسالكين من الزهاد والأتقياء والمتصوفة، من أصحاب الرسول محمد(ص)
والتابعين إلى يومنا هذا، من أئمة التصوّف سنّة وشيعة.
وبرغم كون
رسول الله(ص) هو العارف الأول والأكبر، قد عرف عنه الزهد والتحنث في غار
حراء والانقطاع إلى الله تعالى، قبل نزول الوحي وبعده وخلاله، إلا أنه
رفض التصوّف على طريقة الرهبنة البوذية أو الهندوسية أو المسيحية، ونقل عنه
قوله "لا رهبانية في الإسلام". ويذهب المستشرق النمسوي ألويس شبرنغرsprenger إلى
أن هذا الحديث موضوع في القرن الثالث الهجري لتدعيم تفسير جديد للآية 27
من سورة الحديد التي ورد فيها ذكر الرهبانية. تقول الآية: ﴿ثُمَّ
قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا
رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
لكن الآية
واضحة في وصف الرهبانية بأنها من ابتداع النصارى، وأنهم انحرفوا فيها. ولعل
الآية(28) التي تليها من سورة الحديد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، تظهر أن تقوى الله والإيمان بالإسلام والرسول
محمد(ص) هي السبيل العرفاني الصحيح للحصول على رضوان الله وأجره وهدايته
وغفرانه.
كان التصوّف في
أول عهده يدور حول أمرين: الأول هو أن العكوف على العبادة يولّد في النفس
حقاق روحية، والثاني أن علم القلوب يفيض على النفس معرفة تقرّب من الله،
فالمعرفة تولّد الحب والقرب.
لم يكن
المتصوّفة الأوائل يتوقعون الاصطدام بعامة المسلمين، وهم جنحوا إلى العزلة
والزهد تقرباً إلى الله تعالى، في رغبة منهم في الكشف عن الله بأي وسيلة،
وخاصة بتصفية القلب من كل شاغل. وهذا ما نلمسه في سيرة الحسن البصري( 21-
110ه) وعظاته وعبره، وفي كتابي المتصوفين الكبيرين الحارث المحاسبي(170 –
243ه)، "الوصايا"، والإمام أبي حامد الغزالي(450 – 505ه)، "المنقذ من
الضلال".
يرى المستشرق
ماسينيون أن الخوارج كانت أولى الفرق التي أظهرت عدوانها للصوفية، وذلك
بادٍ في ما وقع للحسن البصري. كما عارضت فئات كبرى من المذاهب الأخرى السنة
والإمامية والزيدية التصوّف لأنه يستحدث بين المؤمنين ضرباً من الشذوذ،
خصوصاً نزوعهم نحو بعض الاعتقادات التي تقول بالحلول ووحدة الوجود، أو
انصرافهم عن بعض مظاهر العبادة وإهمالهم للفرائض. وقد ذهب المعتزلة
والظاهرية إلى استنكار قول المتصوّفة بعشق الله، لأنه يقوم نظرياً على
التشبيه، وعملياً على الملامسة والحلول.
ولا شك أن
بعض المقاربات للتصوّف أنذاك كانت تبسيطية وظالمة ومجحفة، فأخرج بعض
المتصوّفين من الإيمان، وتم تكفير بعضهم وأعدموا كالحسين بن منصور
الحلاج(244 - 309 هـ). والتصوّف عند الحلاج جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس
مسلكاً فردياً بين المتصوّف والخالق فقط. لقد طوّر الحلاج النظرة العامة
إلى التصوّف، فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في النفس والمجتمع، ولا يخفى
ما لتلك الدعوة من تأثير على السلطة السياسية الحاكمة في حينه.
ونقل عن الحلاج قوله: "ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله فيه"، وقوله أيضاً:
وحِّد واحدي بتوحيد صدقٍ ما إليه من السالك طُرقُ
فأنا الحقّ حقَّ للحق حقُ لابس ذاته فما ثَّم فرقُ
ويقال إن سبب
إعدام الحلاج يكمن في اجابته على سؤال أحد الاعراب له عما في جبته، فرد
عليه الحلاج "ما في جبتي إلا الله" فاتهم بالزندقة وأقيم عليه الحد.
وقد فسّر ابن
تيمية سبب إعدام الحلاج بقوله: "مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ
الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ
كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ
إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ
مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ..
وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ
اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ.. فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ
الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ".
وقد دافع عدد
من المتصوّفة والباحثين والمستشرقين عن الحلاج واعتبروه شهيداً وبطلاً
ثورياً وأن لكلامه معاني باطنية، وأن قوله بالحلول والاتحاد هو نفس القول
بوحدة الوجود، أي وجود الله في كل مكان، على غرار محيي الدين ابن عربي(558 -
638ه). كما أن الإمام الخميني قد إعتبر الحلاج شهيداً وأنه لم تفهم كلماته
بمعناها الباطني.
يقول الشيخ
الأكبر إبن عربي: "نحن قوم يحرم النظر في كتبنا، وذلك أن الصوفية تواطئوا
على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها.
فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفَر
وكفَّرهم".
وللمتصوّفة
طرق وأساليب في سلوكهم إلى الله، ومقامات وأحوال، ويستخدمون مصطلحات خاصة،
واستعاروا مصطلحات قرآنية وفقهية وحوّروا معاني بعضها. ولا شك أن الفلسفات
اليونانية والهندية قد تسرّبت إلى العالم الإسلامي واستعان فيها المسلمون
في علم الكلام والفلسفة والتصوّف، فظهرت مصطلحات جديدة واختلطت بعض الأفكار
الفلسفية اليونانية بالتوجّهات الصوفية والعرفانية، مما كان له أكبر أثر
على تطوّر التصوّف، من حالته البسيطة من زهد وتنسك وتقوى وانقطاع إلى الله،
إلى الحالة الفلسفية من القول بوحدة الوجود والفيض الإلهي والإشراق.
ولعل من أروع الأبيات التي تعبّر عن أحوال العارفين ما عبّرت عنه رابعة العدوية في قولها لله عزّ وجلّ:
أحبّك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواكا
وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا