ياعقلاء التنزيه مقدم على الإثبات!!! الدكتور محمد العايدي

بسم الله الرحمن الرحيم
ياعقلاء التنزيه مقدم على الاثبات
يتكلم
المجسمة على قاعدة مغلوطة يحاولون أن يلصقوها في عقول السذج من الناس هم
كعادتهم محتالون في العلم مضللون في الفهم فتراهم تارة يقولون: نحن نثبت
لله ماأثبت لنفسهم مثلاً، فهلا اثبتم أن الله اثبت لنفسه أولا هذا المعنى
ثم تقولون هذه العبارة أليس هذا الكلام مصادرة على المطلوب لأن المطلوب منك
ان تثبت أولاً أن هذا المعنى أراده الله تعالى.
ويقولون:
نحن نتقيد بالكتاب والسنة فإذا كانت المسألة لا تناسب اعتقادهم تركوا
القرآن والسنة وأخذوا بنقل من هنا او هناك فإذا لم يساعدهم النقل وكانت
المسألة مجمع عليها تستروا بكلام ابن تيمية وابن القيم هذه هي حلقتهم
المفرغة .
يتنططون
من هنا الي هناك كما نقل الامام السبكي في الطبقات 9/163 ما قاله صفي
الدين الهندي في مناظرته مع ابن تيمية : (ما أراك ياابن تيمية إلا كعصفور
حيث اردت ان أقبضه من مكان فر الى مكان آخر).
أما عن المسألة التي نحن بصدد الحديث عنها وهي هل التنزيه أولاً أم الاثبات؟
يعني هل التنزيه مقدم في فهم النصوص المتشابه أم ان اثبات النصوص المتشابه مطلقا هو المقدم؟.
لاحظوا
انا نتكلم عن النصوص المتشابه وليس الصفات والنصوص المحكمة فهذه لا خلاف
عليها والمجسمة يعممون الكلام فيما تشابه وفيما أحكم واليكم إخواني الكرام
كيفية التعامل مع النصوص المتشابه ليزداد الأمرُ تفصيلاً ووضوحاً:
الأول:
أن النصوص المُتشابهة وهي النصوص التي تحتمل أكثر من معنى، لا تَصلُحُ أن
تُتَّخَذَ أصولاً ثم يُبنى عليها ما يُعارِض محكمات الأدلة النقلية وقواطع
الأدلة العقلية وهي التي لا تحتمل غير معنى واحد، فلا يجوز أن يُتَشَبَّثَ
بظواهرها من غير ردِّها إلى الأصول الثابتة بالقواطع العقلية والنقلية
(النصوص المُحكَمة)، وهذا ما قرره القرآن الكريم حيث وصف الذين لا يسيرون
على هذه القاعدة بأنهم أهل زيغ قال( {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب}[آل عمران:7].
فمثلاً
: ما ورد من اليد والعين والاستواء وغيرها نصوص متشابهة فلا يجوز أن يبنى
عليها أصول الاعتقاد بل يرد فهم هذه النصوص المتشابه إلى النصوص المحكمة
مثل قوله تعالى( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِير}[الشورى:11].
ولا يجوز بحال أن أجعل المتشابه محكماً وأفهمه رأساً بدون ظل المحكم.

الثاني:
أن النصوص المُتشابهة يجب أن تفهم على أساس التنزيه، لأن التنزيه مفهومٌ
كليٌّ يدخلُ في فهم كلِّ نصٍّ من النصوص الشرعية، وليس مفهوماً جزئياً
يتمُّ إدخالُه في بعض النصوص دون بعض، بل هو جزءٌ من ماهيَّة النصِّ الذي
لا يصحُّ فهمُ النصِّ بدونه.
لأن
آية التنزيه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير
)جاءت لعموم السلب فكل ماهو من جنس المخلوقات ومن أوصافها مسلوب عن الله
تعالى، فلا يشبه سبحانه شيء دون شيء بل لا يشبه شيئا مطلقاً، هذا المعنى لا
بد أن ينسحب في ذهن المسلم دائما عند كل نص شرعي .
وهنا
ننبه على ان التنزيه لم يأت مجملاً كما يقول المجسمة والاثبات مفصلاً كلا،
بل كلاً من التنزيه والاثبات جاء مفصلاً فكم من آية فيها التنزيه التفصيلي
كما في قوله تعالى:
(لا
تأخذه سنة ولا نوم) وفي قوله( ما مسنا من لغوب) اي من تعب، وقوله: (لم يلد
ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدا) ، وقوله( بل يداه مبسوطتان) لنفي البخل
عن نفسه وغير ذلك مما يطول سرده، ويوهم المجسمة أن التنزيه ورد مجملاً وهذا
ادعاء لا أصل له من الصحة كما ذكرنا لكم.

الثالث:
أن التنزيه مُقدَّمٌ على الإثبات، لأنه الأصلُ، فلا يجوز أن نثبت نصاً الا
بعد فهمه في إطار التنزيه، والناظرُ في النصوص الشرعية يجدُ هذا الكلام
واضحاً، كما في قوله تعالى: ?ليسَ كمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ
البَصيرُ?، فقدَّم اللهُ سبحانه النفيَ الذي يُرادُ به التنزيهُ على
الإثبات وأتى في نهاية الآية بصفتي السمع والبصر لأنهما أكثر صفتين يمكن
للإنسان أن يتوهمهما فاكد أن هاتين الصفتين أيضاًَ تفهمان في إطار ليس
كمثله شيء فمن باب أولى بقية الصفات.
وكذلك
كلمة التوحيد المشرَّفة «لا إله إلا الله» قدَّم فيها النفيَ الذي يُراد
به التنزيه على الإثبات، خلافاً لِمَا يفعلُه بعضهم من تقديم الإثبات على
التنزيه مُدَّعين فهمَ السلف، وليتهم أثبتوا ونزَّهوا كما ادَّعَوا، بل
أثبتوا وغالوا في الإثبات وتركوا التنزيه بحجَّة أنه باب إلى التعطيل،
فوقعوا في التجسيم.
ولا
يعلم هؤلاء الحمقى أن التعطيل هو نفي الكمال لا نفي النقص الذي يسمى
التنزيه فالفرق واضح بين التنزيه الذي هو نفي النقص وبين التعطيل الذي هو
نفي ما ثبت كماله لله تعالى فإذا نفي المسلم النقص المتوهم من لفظ اليد
مثلاً لا يسمى معطلاً لأنه نفى النقص المتوهم ولم ينفي صفة اليد كصفة، هو
فقط نفى الظاهر الذي يوهم العضو والجارحة فكيف يسمى عندئذ معطل ولله در من
قال:

إن كان من ينفى النقائص كلها... عن ربه ترمونه بمتمشعر
وترونه ذا بدعة في عقله ... فليشهد الثقلان أني أشعري
الرابع:
التفويضُ والتأويلُ طريقان من طرق التنزيه، وليسا أصلاً من أصول الاعتقاد،
بل الأصل كما ذكرنا هو التنزيه، فالتنزيه سابقٌ عليهما، لأنه مفهومٌ كليٌّ
قطعيٌّ، والتأويلُ والتفويضُ طريقان للاجتهاد في فهم النصِّ.
يعني
المسلم ليس ملزماً ديانة في تأويل كل نص لأن التأويل هو شغل العلماء وذلك
يحتاج إلى علم في اللغة وفي قواعد الشرع وأصول الاستنباط وهذا لا يكلف به
العامة وإنما هو من وظيفة العلماء لبيان المعاني المرادة من النصوص وهذا
معنى قول الامام الرازي : (والاشتغال بالتأويل على سبيل التبرع) أي ليس
واجباً شرعاً بل الواجب هو ان تنزه الله تعالى عن النقص المتوهم من السياق.
فمثلاً
اليد في قوله تعالى (يد الله فوق ايديهم) ليس مطلوباً منك أن تعرف معنى
السياق هنا وجوباً ومعنى اليد هنا بل الواجب ان لا تعتقد باليد هنا العضو
والجارحة والمعنى بعد ذلك يحدده العلماء بأن المراد منها مثلا القدرة هنا
أو النعمة أو...
ودع
عنك ما يُشاغب به بعضهم من خطر التأويل، فضلاً عمن يذكر المُؤوِّلة
والمعطلة والملاحدة في سياق واحد، فإنه تهويلٌ لا قيمة له، لأن التنزيه في
حقيقته هو نفيُ النقص عن الله، وهو المرحلة الأولى في فهم النص، فإذا
فُهِمَ النصُّ على هذا الأساس يكون المرادُ من النصِّ معنىً كماليّاً حتماً
لأن الظاهر المتوهم غير مراد فلم يبق من معنى بعد هذا التنزيه فهو معنى
كمالي قطعاً.
ثم يأتي في المرحلة الثانية وهو الاجتهادُ في تحديد هذا المعنى الكماليّ المراد، فمن لم يُعيِّنه وأحال علمَه إلى الله فهو المفوِّض.
ومن اجتهد في تحديد المعنى الكماليّ المراد فهو المؤوِّل.
ومن
هنا لم يكن في الخطأ في التأويل خطرٌ، لأنه اجتهادٌ في إطار الكمال، فأنت
لا تؤول غلا بعد أن تنزه ولا تفوض الا بعد أن تنزه، فأنت في كلا الحالين
منزه.
ولله در الامام اللقاني عندما قال:

وكل نص أوهم التشبيها....أوله أو فوض ورم تنزيها
فلو
أخطأ في نسبة أيِّ معنى كمالي إلى الله لا يضرُّ، لأن الكمالات جميعها
يجوز نسبتُها إلى الله، ولكن على المجتهد أن يتحرَّى الأصوب والأقرب، وفي
الجملة هو مأجور على اجتهاده.
أما
من يُخطيء فينسبُ النقص إلى الله مُدَّعياً الإثبات فإنه على خطر عظيم،
لأنه يكون بذلك قد نقضَ أصلاً من أصول الاعتقاد وهو التنزيه، فمن يسمون
أنفسهم المثبته بدون قيد أو شرط هؤلاء على خطر عظيم في دينهم لأنهم يجرون
أنفسهم إلى التجسيم وقد تكلمنا عن خطر التجسيم في المقالة السابق وأن
المجسم اقرب إلى الوثنية من إلى التوحيد.
وإذا
تقرَّر عندك هذا علمتَ أن التنزيه ممقدم على الاثبات وأن مَن يعترضُ على
التأويل أو التفويض، إنما يعترض في واقع الأمر على التنزيه. فتدبَّر.
وللحديث بقية إن شاء الله...
منقووووووووووووووول

أخى الفاضل بارك الله فيك وجزاك الله خيراً
تسلم الأيادى على مجهودك الرائع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفقنا الله جميعاً لرقى المنتدى

» الدكتور محمد العايدي
» أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري بقلم الدكتور محمد سعيد البوطى
» مؤلفات الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي