ولما جاءت الأحكام المشروعة إلى المكلفين وتعلقت بأفعالهم
وفرق الحكم في أفعال المكلفين
ومعصية ولا طاعة ولا معصية
وإلى مرغب فيه وإلى حكم غير مرغب فيه
فالطاعة والمعصية حظر ووجوب فعلاً أو تركاً
والمرغب فيه وغير المرغب فيه ندب وكراهة فعلاً أو تركاً
ولا طاعة ولا معصية ولا مرغب فيه ولا غير مرغب فيه إباحة
وهو حكم مرتبة النفس بما هي لذاتها وعينها
وباقي الأحكام ليست لديها وإنما تقبله بالداعي من خارج
من لمة ملك و لمة شيطان فهي لمن حكمت عليه لمته منهما لا لذاتها
فالسعيد من النفوس المكلفة على نوعين
مرغب السعادة النوع الواحد مستور عن قيام المعصية به
وغير المرغب فيه ولا لا طاعة ولا لا معصية
ولا مرغباً ولا غير مرغب فيه فهو أسعد السعداء
والنوع الآخر هو المستور بعد حكم المعصية فيه عن العقوبة على ذلك
وهو المغفور له وهذه الأحكام تتعلق من المكلف في ظاهره وباطنه
فالسعيد التام الكامل المعصوم
ودونه المحفوظ ظاهراً غير المحفوظ باطناً
فأقل مستور من اسمه عبد الغافر
وأكثر مستور من اسمه عبد الغفور
والمتوسط بينهما عبد الغفار
فالناس أعني المكلفين على ثلاثة أحوال غافر وغفور و غفار
ثم أن للمكلفين بعضهم مع بعض حكم هذه الأسماء فيمن جنى عليهم
أو من حموه عن وقوع الجناية منهم ولهم أحكام أسماء الله
فمتى تجاوز عمن جنى عليه تجاوز الله عنه
ومن أنظر معسر أجني ثمرة ذلك في الآخرة من عند الله
فما يرى المكلف في الآخرة إلا أعماله
ثم إن الله يعفو عن كثير
واعلم أن من الستور وإرخائها ما
هو معلول بالبشرية وهو قوله
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب
وهو الستر أو يرسل رسولاً وهو ستر أيضاً
وليس الستر هنا سوى عين الصورة
التي يتجلى فيها للعبد عند إسماعه كلام الحق في أي صورة تجلى
فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم فأجره حتى يسمع كلام الله
والمتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده
وقوله تعالى كنت سمعه وبصره الحديث
فهذه كلها صور حجابية أعطتها البشرية وما ثم إلا بشر وروح
هذه المسألة ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ
فنفى الوسائط عن خلق آدم ومن هنا إلى ما دون ذلك حكم اسم البشر
فحيث ارتفعت الوسائط ظهر حكم البشرية
لمن عقل أن في ذلك لآية لقوم يعقلون
فهذا حصر الستور وإرخاؤها على البدور
والمكسوفات ستور فمنها ظلالية ومنها أعيان ذوات
مثل كسوف القمر والشمس
وسائر الكواكب الخمسة وأعظمها ستر الشمس
فإنها تطمس أنوار الكواكب فلا يبقى نور إلا نورها
في عين الرائي وإن كانت أنوار الكواكب مندرجة فيها
ولكن لا ظهور لها كما قال النابغة الجعدي في ممدّحه
ألم تر أن الله أعطاك صورة | | ترى كل ملك دونها يتذبـذب |
بأنك شمس والملوك كواكـب | | إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب |
ونعلم بالقطع أن الكواكب بادية وطالعة في أعيانها ومجاريها
غير أن إدراك الرائي يقصر عنها
لقوّة نور الشمس على نور البصر فيبهره
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت ربك
فقال نور اني أراه
فكيف أن يرى به فهو حجاب عليه
ولم يكن ذلك إلا لضعف الإدراك
فإنه تعالى قد يتجلى فيما دون النور فيرى كما ورد أينما شاء
وهو القائل لن تراني فرؤيته لا رؤيته
فهو المستور المرئي من غير ظهور ولا إحاطة فالستر لا بد منه
وهذا القدر كاف من الإيماء فإن ميدان الغفران واسع
لأنه الغيب والشهادة والله من ورائهم محيط
فأسبل الستر بالوراء على أعين السامعين فوقفوا مع ما سمعوا
فأسبل الستـر بـالـوراؤ | | أسباله الستر بالـمـراء |
بلا نزاع مجلي ولا خصام | | ولا جـدال ولا مــراء |
فكل مجلي له حـجـاب | | يحجبه عـنـد كـل راء |
من عن يمين وعن شمال | | وعن أمـام وعـن وراء |
يعرفـه كـل مـن رآه | | من مخلص كان أو مراء |