الإنسان
في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن عربي
الدكتورة سعاد الحكيم :
أولاً : الإنسان من جهة إطلاق اللفظ
ترى الدكتورة أن المراد بلفظة ( الإنسان ) عند الشيخ الأكبر
هي المرتبة الإنسانية وهي واحدة لا غير ،
تتحقق بشكلها الكامل في ( الإنسان الكامل ) ،
والذي يعتبر عند الشيخ الأكبر هو الإنسان فقط ،
وما عداه يطلق عليه اسم إنسان لتشابهه مع ( الإنسان الكامل )
في أمرين :
1 التشابه في الشكل
كل فرد من أفراد الجنس البشري يسمى إنساناً ،
سواء تحقق بالمرتبة الإنسانية أو لم يتحقق ،
ولكن تعميم التسمية بهذا الشكل غير جائز عند الشيخ ؛
لأن
منطلق هذا التعميم هو الشبه الصوري بين أفراد الجنس البشري ليس إلا
فالإنسان الكامل والإنسان الحيوان يطلق عليهما نظراً للتشابه في الشكل لفظ (
إنسان ) يقول ابن عربي :
تقول في زيد إنه إنسان ، وفي عمرو إنه إنسان ،
وإن كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية وما ظهرت في عمرو ، فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان
2 التشابه في صفة
يطلق ابن عربي لفظ الإنسان على ثلاث مراتب وجودية مختلفة نتيجة لتشابهها بصفة معينة وهذه المراتب هي :
أ مرتبة الإنسانية أو ( الإنسان الكامل )
ب مرتبة العالم أو الإنسان الكبير
ج مرتبة القرآن أو الإنسان الكلي
يقول ابن عربي :
ما في الوجود إلا ثلاث أناسي :
الإنسان الأول الكل الأقدم ،
والإنسان العالم ،
والإنسان الآدمي
ثانياً : الإنسان من جهة المضمون
الآن وبعد أن بحثنا كلمة ( إنسان ) من جهة اللفظ ،
ننتقل إلى المضمون وسبب التسمية ،
نبدأ
أولاً باستبعاد التعريف الارسطي للإنسان بأنه ( حيوان ناطق ) وبيان أنه لا
يتفق مع ما يستنبط شهود أهل الكشف في القرآن والحديث ،
يقول ابن عربي :
فالكل
( الجماد والنبات والحيوان ) عند أهل الكشف حيوان ناطق بل حي ناطق ، غير
أن هذا المزاج الخاص يسمى إنساناً لا غير بالصورة ووقع التفاضل بين الخلائق
بالمزاج
قال تعالى :
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وشيء نكرة ، ولا يسبح إلا حي عاقل عالم بمسبحه ،
وقد ورد : أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس
يتضح من النص أن النطق ليس صفة خاصة بالإنسان ،
بل الكل حتى الجماد هو ناطق عند أهل الكشف ،
ويقدم أبن عربي دليلين من القرآن والسنة
إذن ، التعريف الارسطي لا يتفق وشهود أهل الكشف ،
فلننظر ماذا يقدمون ؟
يقول
ابن عربي : فأراد ( الهو ) أن يرى نفسه رؤية كمالية تكون لها ويزول في حقه
حكم ( الهو ) فنظر في ( الأعيان الثابتة ) فلم ير عيناً يعطي النظر إليها
هذه الرتبة ( الأنانة ) إلا عين الإنسان الكامل ، فقدرها عليه وقابلها له ،
فوافقت إلا حقيقة واحدة نقصت عنه ،
وهي وجودها لنفسها ، فأوجدها لنفسها ،
فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه
وقد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل ونفس وهباء وجسم وفلك وعنصر ومولد ،
فلم
يعط شيء منها رتبة كمالية إلا الوجود الإنساني ، وسماه إنساناً : لأنه أنس
الرتبة الكمالية ، فوقع بما رآه الأنس له ، فسماه إنساناً
يقول ابن عربي : ما في الوجود إلا ثلاث أناسي :
الإنسان الأول الكل الأقدم ،
والإنسان العالم ،
والإنسان الآدمي
ثانياً : الإنسان من جهة المضمون
الآن وبعد أن بحثنا كلمة ( إنسان ) من جهة اللفظ ،
ننتقل إلى المضمون وسبب التسمية ،
ويقول : إن معنى الإنسانية هو : الخلافة عن الله ،
وأن الخلافة عن الله
تشمل : الولاية ، والنبوة ، والرسالة ، والإمامة ، والأمر والملك فالكمال الإنساني بكمال هذه المراتب ،
وهو مركوز في الإنسان بالقوة منذ آدم إلى آخر مولود
نخلص من النصين السابقين إلى :
1 أن حقيقة الإنسان مرآة رأى فيها ( الهو ) نفسه ،
وظهر
بتلك الرؤية ، وإمكانية تلك الرؤية نتجت عن حقائق أتاحت للإنسان المضاهاة ،
فهو وحده اختصر في كونه الحقائق الإلهية فكان مرآة أنِست الرتبة الكمالية
لكمال حقيقتها الجامعة لجميع الحقائق الإلهية والكونية ، ولذلك سميت تلك
الحقيقة إنساناً
2 الإنسانية مرتبة الخلافة عن الله ،
وكل من استخلفه الله حاز المرتبة والاسم ،
فالخليفة يظهر بصفات من استخلفه ،
لذلك ليس كل فرد من أفراد البشر خليفة ،
وبالتالي ليس إنساناً حاز مرتبة الإنسانية ، بل بقي حيواناً ،