أحدية
حمد الواحد في وحدانيته، وحدانية حمد الأحد في أحديته، فردية حمد الوتر في
وتريته، وترية حمد الفرد في فرديته، الله اكبر استدرك الناظر النظر، وقف
الخاطر بهذا حين خطر، لاح بالتضمين لا بالتصريح وجود البشر، وحدانية حمد
الواحد في إثنينيته، فردية حمد الفرد في زوجيته، وترية حمد الوتر في
شفعيته، وبقي حمد الأحد واحدا في أحديته صلى الواحد سبحانه على الإنسان
الواحد محمد الخارج بعد الضرب الموقوف على صناعة العدد وهكذا الفرد والوتر
ما عدا الأحد فإذن عادت الصلاة عليه لما لم تجد ما تستند إليه وسلم من هذا
المقام تسليما.
إخوتي الأمناء الأتقياء الأبرياء سلام الله عليكم
ورحمته وبركاته اسمعوا وعوا ولا تذيعوا فتقطعوا، هذا كتاب الألف وهو كتاب
الأحدية جاءكم به رسوله الواحد لأحديتكم بأحده جاءكم بها رسولها الواحد
لتثنيتكم بوحدها ورسولها الفرد لزوجيتكم بفردها ورسولها الوتر لشفعيتكم
بوترها فتأهبوا لقدوم رسلها وتحققوا غايات سبلها والله يمدكم بالتأييد
آمين.
اما بعد:فإن الأحدية موطن الأحد عليها حجاب العزة لا يرفع أبدا فلا يراه في أحديته سواه تأبى ذلك.
واعلموا
أن الإنسان الذي هو أكمل النسخ وأتم النشآت مخلوق على الوحدانية لا على
الأحدية لأن الأحدية لها معنى الغنى على الإطلاق ولا يصح هذا المعنى على
الإنسان وهو واحد فالوحدانية لا تقوى قوة الأحدية فكذلك الواحد لا يناهض
الأحدية لأن الأحدية ذاتية للذات الهوية والوحدانية اسم لها سَمًّتها بها
التثنية ولهذا جاء الأحد في نسب الرب ولم يجيء الواحد وجاءت معه اوصاف
التنزيه فقال اليهود، لسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:انسب
لنا ربك، فأنزل الله تعالى(قل هو الله أحد)) فجاء بالنّسب ولم يقولوا صف
ولا انعت.
ثم أن الأحدية قد أطلقت على كل موجود من انسان وغيره
لئلا يطمع فيها الإنسان فقال تعالى: (فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة
ربه أحدا) أشرك المشركون معه الملائكة والنجوم والأناسيّ والشياطين
والحيوانات والشجر والجمادات فصارت الأحدية سارية في كل موجود فزال طمع
الإنسان من الإختصاص وإنما عمت جميع المخلوقات الأحدية للسريان الإلهي الذي
لا يشعر به خلق الا من شاء الله، وهو قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا
إلا إياه) وقضاؤه لا سبيل أن يكون في وسع مخلوق أن يرده فهو ماض نافذ فما
عبد عابد غيره سبحانه، فإذن الشريك هو الأحد وليس المعبود هو الشخص المنصوب
وإنما هو السر المطلوب وهو سر الأحدية وهو مطلوب لا يلحق وإنما يعبد الرب
والله تعالى الجامع، ولهذا أشار لأهل الإفهام بقوله تعالى: (ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا) فإن الأحد لا يقبل الشركة وليست له العبادة وإنما هي للرب
فتنبه على توفية مقام الربوبية وإبقاء الأحدية على التنزيه الذي أشرنا
إليه فالأحد عزيز منيع الحمى لم يزل في العما لا يصح به تجل أبدا فإن
حقيقته تمنع وهو الوجه الذي له السبحات المحرقة فكيف هو فلا تطمعوا يا
إخواننا في رفع هذا الحجاب أصلا فإنكم تجهلون وتتعبون ولكن قوُّوا الطمع في
نيل الوحدانية فإن فيها نشأتم فإنها المتوجهة على من سواكم وقد ظهرت في
جنة عدن وغيرها ثم ثنيت لكم وأضافها إلى الأنا سبحانه.
وقد ذكرنا
الأنا والإضافة وما أشبه هذه الضمائر في كتاب الياء المعروف بكتاب الهو
فينظر هناك، والواحد لم يثن بغيره أصلا وإنما ظهر العدد والكثرة بتصرفه في
مراتب معقولة غير موجودة، فكل ما في الجود واحد ولو لم يكن واحد لم يصح أن
تثبت الوحدانية عنده لله سبحانه فإنه ما أثبت لموجده إلا ما هو عليه كما
قيل:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحـد
وهذه
الآية التي في كل شيء التي تدل على وحدانية الله هي وحدانية الشيء لا أمر
آخر وما في الوجود شيء من جمال وغيره وعال وسافل إلا عارفا بوحدانية خالقه
فهو واحد ولا بد، ولا تتخيل أن المشرك لا يقول بالواحد بل يقول به لكن من
مكان بعيد، ولهذا شقي بالبعد، والمؤمن يقول به من مكان قريب ولهذا سعد
بالقرب، وإلا فهذا المشرك قد أثبت وحدانية ذات المعبود وأثبت وحدانية
الشريك ثم أعطى لوحدانية الشريك وحدانية حسية وأعطى لوحدانية الحق وحدانية
سره كما توجه الوجه للكعبة وتوجه القلب إلى الحق غير أنه لما كان الأمر
مشروعا كان قربة، وكما سجدت ذوات الملائكة لآدم واسرارهم لخالقه فكل عبادة
قامت عن أمر أثني عليها، وكل عبادة لم تقم عن أمر ذمت ولم يثن عليها لكن
قامت على المشيئة التي هي مستوى ذات الأحدية، ولهذا قال الله تعالى(ما
كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها)) 27 سورة
الحديد.
فأثبت أن لها حقا ينبغي أن يراعى ويحفظ وذلك للغيرة
الإلهية فإنه لولا سر الألوهية التي تخيلوها في هذا المعبود ما عبدوه أصلا
فقام لهم سر الألوهية مقام الأمر لنا، غير أن الحق قرن السعادة بأمر
المشيئة وقرن الشقاء بإرادة المشيئة، فما ثم مشرع غير الله، فشرع ينزل على
الأسرار من خلف حجاب العقل، نزل به رسول الفكر عن إرادة المشيئة ويسميها
الحكماء السياسة، ولهذا تخيلوا أن شرع الأنبياء هكذا يُنَزَّلُ عليهم وهكذا
هو أصله وما عرفوا أمر المشيئة.
وسبب هذا جهلهم بالمشيئة فإذن
المعبود بكل لسان وفي كل حال وزمان إنما هو الواحد، والعابد من كل عابد
إنما هو الواحد فما ثم إلأ الواحد، والإثنان إنما هو واحد وكذلك الثلاثة
والأربعة والعشرة والماثة والألف إلى ما لا يتناهى ما تجد سوى الواحد ليس
أمرا زائدا فإن الواحد ظهر في مرتبتين معقولتين فسمي اثنين هكذا (اا) مثلا
ثم ظهر في ثلاث مراتب هكذا (ااا) مثلا فسمي ثلآثة زدنا واحدا فكان أربعة
وواحد على الأربعة فكان خمسة، كذلك أيضا كما أنشأه يفنيه بزواله عن تلك
فتكون الخمسة موجودة فإذا عدم الواحد من الخمسة عدمت الخمسة وإذا ظهر
الواحد ظهرت وهكذا في كل شيء.
فهذه وحدانية الحق فبوجوده ظهرنا ولو
لم يكن لم نكن ولا يلزم من كوننا لم نكن أنه سبحانه لا يكون كما لا يلزم
من عدم الخمسة عدم الواحد فإن الأعداد تكون عن الواحد لا يكون الواحد عنها
فلهذا تظهر به ولا يعدم بعدمها وهكذا أيضا فيما تناله من المراتب إن لم يكن
هو في المرتبة المعقولة لم تظهر معا فتفطن لهذا الواحد والتوحيد واحذر من
الإتحاد في هذا الموضع فإن الاتحاد لا يصح فإن الذاتين لا تكون واحدة وإنما
هما واحدان فهو الواحد في مرتبتين.
ولهذا إذا ضربت الواحد في
الواحد لم يتضعف ولم يتولد منهما كثرة لأن هما ما هو فإنك ضربت الشي في
نفسه فلم يظهر لك سوى نفسه، فاضرب أنا في أنا يخرج لك في الخارج أنا واضرب
هو في هو يخرج لك في الخارج هو، وهكذا كل مضروب في نفسه حتى الجمل إذا ضربت
الجملة في الجملة يخرج لك من الاعداد إحدى الجملتين كاملة في مرتبة كل
واحد من آحاد تلك الجملة المضروب فيها، وذلك لأن الجملة واحدة في الجمل
والجمل والجملة آحاد واِلآحاد تكرار الواحد في المراتب فالوحدانية سارية ما
ثم غيرها والتثنية مثل الحال لا موجودة فإن الحقيقة تفنيها او تأباها ولا
معدومة فاذ الحق يثبتها.
ومثال ما ذكرنا من الجمل أن تقول أربعة في
أربعة فيكون المجتمع من ذلك ستة عشر فكأني قلت إذا مشت الأربعة بجملتها في
آحاد هذه الأربعة أو في آحاد نفسها وهو الصحيح بالضرورة تكون ستة عشر لان
الأربعة حقيقة واحدة والستة عشر واحدة فما صدر عن الواحد إلا واحد هو معنى
قولنا وهو الصحيح وكذالك إذا قلنا سبعة في ثمانية وهذا من الضرب المختلف
فيكون المجتمع التولد منهما ستة وخمسين فكأني قلت إذا مشت السبعة في آحاد
الثمانية أو الثمانية في آحاد السبعة كم من مرتبة تظهر من الآحاد فلا بد أن
تقول ستة وخمسين واحدا فكأنه قال الواحد مشى ستة وخمسين منزلا فهكذا
فليعرف الواحد. إلأ أن معنى الواحد لا يشركه اسم سوى اسم الوتر فإنه شاركه
في المبدأ ولهذا يجوز الوتر بركعة وبثلاثة فيشرك الفرد أيضا فإن الفرد لا
يظهر إلأ من الثلاثة قصاعدا في كل عدد لا يصح أن ينقسم كالخمسة والسبعة
والتسعة والأحد عشر وما أشبه ذلك فكأن الوتر طالب ثأر من الواحد لأنه أخفى
رسمه وعزله من أكثر المواضع وما أبقى له إلا القليل مثل الوتر في مراتب
الصلاة وفي أسماء الحق والواحد مسترسل منسحب على كل المراتب والمنازل فقد
جاء في اللغة الوتر الذحل وهو طلب الثأر فإنما يشارك الوتر للواحد في
المبدأ لكونه عزله من أكثر المراتب وبالعكس.
وانما عزل الواحد
الوتر من المراتب لكونه شاركه في المبدأ وابقاء الفرد يتميز في المراتب مثل
الواحد لأنه لم يشاركه في المبدأ لكن قد أبأحه له لأنه فيه بتوليته فلا
يبالي لأنه تحت حكمه، والوتر ما ولاه الواحد فلهذا ينبغي فيما ذكرناه.
فأول
الإفراد الثلاثة ولهذا فردانية اللطيفة الإنسانية تخالف وحدانيتها فإن
فرداينتها ثبتت له بتقدم الإثنين وهو تسوية البدن وتوجه الروح الكلي، فظهرت
النفس الجزئية التي هي اللطيفة الانسانية فكانت فردا فإن بعل هذا الجسد
المسوى إنما هو الكلي فبقي هذا الجزئي المولد بينهما فردا فطلب أهلا يألف
إليه ويسكن كسكون أبيه الذي هو الروح الكلي إلى أمه الذي هو الجسد المسوى
فقال: ((رب لا تذرني فردا وانت خير الوارثين)) لعلمه بأن الامر بعده يعود
إلى ربه وهنا يصح استخلاف العبد ربه في مقابلة استخلاف الرب إياه في
قوله(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)) وقد ظهر هذا من النبي عليه السلام
عالم العلماء في دعائه في السفراللهم أنت الخليفة في الأهل) فاستخلفه في
أهله فكأن الحق في حكم العبد وجار بأمره لا إله إلا هو العزيز الحكيم،
وكذلك في الميراث قال الله تعالى: ((وان الارض لله يورثها من يشاء من
عباده) وقال له العبد الفرد ((وانت خير الوارثين)) فقال سبحانه(إنا نحن نرث
الارض ومن عليها والينا يرجعون)).