[size=21]جاء في كتاب "الفتوحات المكية" وهي أيضاً المسماة "عقيدة أهل
الإسلام" للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رحمه الله
تعالى:
قول في
الله
فيا إخوتي و أحبائي رضي الله عنكم ، أشهدكم أني عيد ضعيف
مسكين فقير إلى الله تعالى في كل لحظة و طرفة,أشهدكم علي نفسه بعد أن أشهد الله
تعالي و ملائكته, و من حضره من المؤمنين و سمعه أنه يشهد قولا و عقدا, أن الله
تعالي إله واحد ، لا ثاني له و ألوهيته منزه عن الصاحبة و الولد ، مالك لا شريك له
ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده, بل
كل موجود سواء مفتقر إليه تعالى في وجوده فالعالم كله موجود به ، و هو وحده متصف
بالوجود لنفسه ، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان و لا بعرض فيستحيل اليه البقاء و لا
بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهات و الأقطار, مرئي بالقلوب و الأبصار,
اذا شاء استوى على عرشه كما قاله و على المعنى الذي اراده كما أن العرش و ما سواه
به استوي, وله الآخرة والأولى ، ليس له مثل معقول و لا دلت عليه العقول, لا يحده
زمان و لا يقله مكان بل كان و لا مكان و هو على ما عليه كان, خلق المتمكن و المكان
و أنشأ الزمان و قال : أنا الواحد الحي، لا يؤوده حفظ المخلوقات و لا ترجع اليه صفة
كم يكن عليها من صنعة المصنوعات, تعالى أن تحله الحوادث أو
يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان و لا شيء معه فإن الله
قبل، و البعد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهو القيوم الذي لا ينام و القهار الذي لا
يرام ليس كمثله شيء.
صفة
الخلق
خلق العرش و جعله حد الاستوى و أنشأ الكرسي و أوسعه
الأرض و السماوات العلى ، اخترع اللوح و القلم الأعلى و أجراه كاتبا بعلمه في خلقه
إلى يوم الفصل و القضاء ، أبدع العالم كله على غير مثال سبق و خلق الخلق و أخلق
الذي خلق أنزل الأرواح في الأشباح أمناء و جعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح
في الأرض خلفاء و سخر لنا ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه فلا تتحرك ذرة
الا اليه و عنه خلق الكل من غير حاجة اليه و لا موجب أوجب ذلك عليه لكن علمه سبق
بأن يخلق ما خلق.
صفة
العلم
فهو الأول و الآخر والظاهر و الباطن و هو على كل شيء
قدير أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا يعلم السر و أخفى يعلم خائنة الأعين و ما
تخفي الصدور كيف لا يعلم شيئا و هو خلقه (ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير) علم
الأشياء منها قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها فلم يزل عالما بالأشياء لم
يتجدد له علم عند تجدد الأشياء ، بعلمه أتقن الأشياء و أحكمها و به حكم عليها من
شاء و حكمها علم الكليات على الأطلاق كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح
و اتفاق ، فهو عالم الغيب و الشهادة فتعالي الله عما
يشركون.
صفة الإرادة
فعال لما يريد فهو المريد الكائنات في عالم الأرض و
السماوات لم تتعلق قدرته بشيء حتى أراده كما أنه لم يرده حتى علمه ، إذ في العقل أن
يريد ما لا يعلم, أو يفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد كما يستحيل
أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها
فما في الوجود طاعة و لا عصيان و لا ربح و لا خسران و لا عبد و لا حر و لا برد و لا
حر و لا حياة و لا موت و لا حصول و لا فوت و لا نهار و لا ليل و لا اعتدال و لا ميل
و لا بر و لا بحر و لا شفع و لا وتر و لا جوهر و لا عرض و لا صحة و لا مرض و لا فرح
و لا ترح و لا روح و لا شبح و لا ظلام و لا ضياء و لا أرض و لا سماء و لا تركيب و
لا تحليل و لا كثير و لا قليل و لا عداة و لا أصيل و لا بياض و لا سواد و لا رقاد و
لا سهاد و لا ظاهر و لا باطن و لا متحرك و لا ساكن و لا يابس و لا رطب و لا قشر و
لا لب و لا شيء من هذه النسب المتضادات منها و المختلفات و المتماثلات الا و هو
مراد للحق تعالى. و كيف لا يكون مرادا له و هو أوجده فكيف يوجد المختار ما لا يريد
لا راد لأمره و لا معقب لحكمه يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من
يشاء و يذل من يشاء و يضل من يشاء و يهدي من يشاء ، ما شاء كان و ما لم يشاء أن
يكون لم يكن لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا لم يرد الله تعالى أن يريدوه
ما أرادوه أو يفعلوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده و أرادوه عندما أراد منهم أن
يريدوه ما فعلوه و لا استطاعوا على ذلك و لا أقدرهم عليه فالكفر و الإيمان و الطاعة
و العصيان من مشيئته و حكمه وإرادته و لم يزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا و
العالم معدوم غير موجود و إن كان ثابتا في العلم في عينه ثم أوجد العالم من غير
تفكر و لا تدبر عن جهل أو عدم علم فيعطيه التفكر و التدبر على ما جهل جل و علا عن
ذلك عل أوجده عن العلم السابق و تعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم
بما أوجدته عليه من زمان و مكان أكوان و ألوان فلا مريد في الوجود علي الحقيقة سواه
إذ هو القائل سبحانه ( و ما تشاؤون الا أن يشاء الله) سورة
الإنسان.
صفه السمع
و أنه سبحانه كما علم فأحكم و أراد فخصص و قدَّر فأوجد
كذلك سمع و رأى ما تحرك و سكن أو نطق في الورى من العالم الأسفل و الأعلى لا يحجب
سمعه البعد فهو القريب و لا يحجب بصره القرب فهو البعيد يسمع كلام النفس في النفس و
صوت المماسة الخفية عند اللمس و يرى السواد في الظلماء و الماء في الماء لا يحجبه
الامتزاج و لا الظلمات و لا النور و هو السميع البصير.
صفة
الكلام
تكلم سبحانه لا عن صمت متقدم و لا سكوت متوهم بكلام قديم
أزلي كسائر صفاته من علمه و إرادته و قدرته كلم به موسى عليه السلام سماه التنزيل و
الزبور و التوراة و الإنجيل من غير حروف و لا أصوات و لا نغم و لا لغات بل هو خالق
الأصوات و الحروف و اللغات فكلامه سبحانه من غير لهاة و لا لسان كما أن سمعه من غير
أصمخة و لا أذان كما أن بصره من غير حدقة و لا أجفان كما أن إرادته في غير قلب و لا
جنان كما أن علمه من غير اضطرار و لا نظر في برهان كما أن حياته من غير بخار بجويف
القلب حدث عن امتزاج الأركان كما أن ذاته لا تقبل الزيادة و
النقصان.
التنزيه
فسبحانه سبحانه من بعيد دان عظيم السلطان عميم الإحسان
جسيم الامتنان كل ما سواه فهو في وجوده فائض ، و فضله و هو الباسط له و القابض ،
أكمل صنع العالم و أبدعه حين أوجده و اخترعه لا شريك له في ملكه و لا مدبر معه في
ملك غيره فينسب إلى الجور و الحيف و لا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك و
الخوف كل ما سواه تحت سلطان قهره و متصرف عن إرادته.
أمره
و أمره فهو الملهم نفوس المكلفين التقوى و الفجور و هو
المتجاوز عن سيئات من شاء ، و ألآخذ بها من شاء هنا و في يوم النشور لا يحكمه في
فضله و لا فضله في ه أخرج العالم قبضتين و أوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة و لا
أبالي و هؤلاء للنار و لا أبالي و لم يعترض عليه معترض هناك ، إذ لا موجود كان ثم
سواه فالكل تحت تصريف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه و قبضة تحت أسماء آلائه و لو
أراد سبحانه أن يكون العام كله سعيدا لكان، أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه
سبحانه لم يرد فكان كما أراد فمنهم الشقي و السعيد هنا و في يوم المعاد فلا سبيل
إلى تبديل ما حكم عليه القديم و قد قال القرآن في الصلاة هي خمس و هي خمسون (ما
يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد) سورة ق: 29 لتصرفي في ملكي و إنفاذ مشيئتي
في ملكي و ذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار و البصائر و لم تعثر عليها الأفكار و لا
الضمائر إلا بوهب ، الا هي وجود رحماتي لمن اعتنى الله به من عباده و سبق له ذلك
بحضرة أشهاده فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم و أنه من رقائق القديم
فسبحان من لا فاعل سواه و لا موجود لنفسه الا إياه (و الله خلقكم و ما تعملون) سورة
الصافات: 96 و ( لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون ) سورة الأنبياء : 23 (فلله الحجة
البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) سورة الأنعام: 149.
الشهادة
الثانية
و كما أشهدت الله و ملائكته و جميع خلقه و إياكم على
نفسي بتوحيده فكذلك أشهده سبحانه و ملائكته و جميع خلقه و إياكم على نفسي بالإيمان
بمن اصطفاه و اختاره و اجتباه من وجوده ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي
أرسله إلى جميع الناس كافة بشيرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا
فبلغ صلى الله عليه و سلم ما أنزل من ربه إليه و أدى أمانته و نصح أمته و وقف في
حجة و داعه على كل من حضر من أتباعه فخطب و ذكر و خوف و حذر و بشر و أنذر و وعد و
أوعد و أمطر و أرعد و ما خص بذلك التذكير أحدا من أحد عن إذن الواحد الصمد ثم قال (
ألا هل بلغت؟ ) فقالوا بلغت يارسول الله فقال صلى الله عليه و سلم اللهم اشهد
.
و إني مؤمن بكل
ما جاء به صلي الله عليه وسلم مما علمت و ما لا أعلم فمما جاء به فقرر أن الموت عن
أجل مسمى عند الله إذا جاء لا يؤخر فأنا مؤمن بهذا إيمانا لا ريب فيه و لا شك كما
آمنت و أقررت أن سؤال فتاني القبر حق و عذاب القبر حق و بعث الأجساد من القبور حق و
العرض على الله تعالي حق و الحوض حق و الميزان حق و تطاير الصحف حق و الصراط حق و
الجنة حق و النار حق و فريقا في الجنة و فريقا في النار حق و كرب ذلك اليوم حق على
طائفة و طائفة أخرى لا يحزنهم الفزع الأكبر وشفاعة الملائكة و النبين و المؤمنين و
إخراج أرحم الراحمين بعد الشفاعة من النار من شاء حق و جماعة من أهل الكبائر
المؤمنين يدخلون جهنم ثم يخرجون منها بالشفاعة و الامتنان حق و التأيد للمؤمنين و
الموحدين في النعيم المقيم في الجنان حق و التأبيد لأهل النار في النار حق و كل ما
جاءت به الكتب و الرسل من عند الله علم أو جهل حق. فهذه شهادتى على نفسي أمانة عند
كل وصلت إليه أن يؤديها إذا سُئلها حيثما كان نفعنا الله و إياكم بهذا الإيمان و
ثبتنا عليه عند الانتقال من هذه الدار إلى الدار الحيوان و أحلنا منها دار الكرامة
و الرضوان و حال بيننا و بين دار سرابيلها من القطران و جعلنا من العصابة التي أخذت
الكتب بالإيمان و ممن انقلب من الحوض و هو ريان و ثقل له ميزان و ثبتت له علي
الصراط قدمان إنه المنعم المحسان, فالحمد الله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو
لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
انتهى كلامه رضي الله
عنه وقدس الله روحه.