الخادم النقشبندي مشرف
الساعه : الدوله : عدد المساهمات : 961 مزاجك : تاريخ التسجيل : 13/02/2011 العمر : 49 الموقع : منتدى الطريقه النقشبنديه الاحمديه العمل/الترفيه : القراءه والاطلاع وعشق التصوف
| موضوع: الإنسان الكامل لسيدي الشيخ محيي الدين بن عربي الجمعة يوليو 20, 2012 3:20 am | |
| الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
قال تعالى : ( ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ
فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ))
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم على صورته ) أخرجه مسلم في صحيحه .
خلق الصورة الإنسانية وظهورها من وجود فرق إلى وجود جمع :
لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل , كان من العالم أيضاً الإنسان الحيوان
، المشبه للكامل في النشأة الطبيعية , وكانت الحقائق التي جمعها الله في الإنسان متبدده في العالم ,
فناداها الحق من جميع العالم فاجتمعت , فكان من جمعيتها الإنسان , فهو خزانتها ,
فوجوه العالم مصروفة إلى هذه الخزانة الإنسانية , لترى ما ظهر عن نداء الحق بجميع هذه الحقائق ,
فرأت صورة منتصبة القامة , مستقيمة الحركة معينة الجهات , وما رأى أحد من العالم مثل هذه الصورة الإنسانية ,
ومن ذلك الوقت تصورت الأرواح النارية والملائكة في صورة الإنسان ،
وهو قوله تعالى : (( فتمثل لها بشراً سويا ))
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأحياناً يتمثل لي المَلَكْ رجلاً )
فإن الأرواح لا تتشكل إلا فيما تعلمه من الصور , ولا تعلم شيئاً منها إلا بالشهود
, فكانت الأرواح تتصور في كل صورة في العالم إلا في صورة الإنسان قبل خلق الإنسان ,
فإن الأروح وإن كان لها التصور , فما لها القوة المصورة كما للإنسان ,
فإن القوة المصورة تابعة للفكرة التي هي صفة القوة المفكرة , فالتصور للأرواح من صفات ذات الأرواح النفسية لا المعنوية ,
لا لقوة مصورة تكون لها , إلا أنها وإن كان لها التصور ذاتياً ,
فلا تتصور إلا فيما أدركته من صور العالم الطبيعي , فجميع العالم برز من عدم إلى وجود إلا الإنسان وحده ,
فإنه ظهر من وجود إلى وجود , من وجود فرق إلى وجود جمع , فتغير عليه الحال من افتراق إلى اجتماع ,
والعالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود , فبين الإنسان والعالم ما بين الوجود والعدم ,
ولهذا ليس كمثل الإنسان في العالم شيء .
معنى الكمال :......................
السجود من الملائكة دائم للإنسان الكامل بعد ما تحققت رتبته :
قال صلى الله عليه وسلم :
( أطت السماء وحق لها أن تئط , ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله )
فأخبر في قوله ساجد لله , لينبه على نظر كل ملك في السماء إلى الأرض ,
لأن السجود التطأطؤ والانخفاض , وقد عرفوا أن الأرض موضع الخليفة ,
وأمروا بالسجود فطأطؤا عن أمر الله , ناظرين إلى مكان هذا الخليفة ,
حتى يكون السجود له , لأن الله بالسجود له , ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل أبداً دائماً ,
فعند الملأ الأعلى ازدحام لرؤية الإنسان الكامل , كما يزدحم الناس عند رؤية المَلِكِ إذا طلع عليهم , فأطت السماء لازدحامهم .
من عرف الإنسان الكامل عرف الحق :..................... إن الإنسان الكامل بنفسه عرف الحق , والإنسان الحيوان عرفه بعقله بعد ما استعمل آلة فكره ,
فلا المَلَك عرف الإنسان الكامل باعتراضه (( أتجعل فيها من يفسد فيها ))
لأنه ما شاهده من جميع الوجوه , ولا الإنسان الحيوان عرفه بعقله من جميع وجوهه ,
فجهل الكل الإنسان الكامل فجهلوا الحق , فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل ,
ولهذا وصفته الأنبياء بما شهدوه , وأُنزل عليهم بصفات المخلوقين لوجود الكمال الذي هو عليه الحق ,
وما وصل إلى هذه المعرفة بالله لا مَلَك ولا عقل إنسان حيواني , فإن الله حجب الجميع عنه ,
وما ظهر إلا للإنسان الكامل , الذي هو ظله الممدود , وعرشه المحدود , وبيته المقصود ,
والموصوف بكمال الوجود , فلا أكمل منه , لأنه لا أكمل من الحق تعالى ,
فعَلِمه الإنسان الكامل من حيث عقله وشهوده , فجمع بين العلم البصري الكشفي وبين العلم العقلي الفكري ,
فمن رأى أو من علم الإنسان الكامل الذي هو نائب الحق فقد علم من استنابه واستخلفه فإنه بصورته ظهر ,
فلا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل , الذي خلقه الله على صورته ,
وهي الخلافة , لأن الحق وصف نفسه في الصورة الظاهرة باليدين والرجلين والأعين وشبهِ ذلك ,
مما وردت به الأخبار , مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن جانب الله
(( وما قدروا الله حق قدره )) - فحق قدره - إضافة ما أضافه إلى نفسه ,
مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى ، إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئاً من ذلك إليه ,
فمن أضاف مثل هذا إليه عقلاً فذلك هو الذي ما قدر الله حق قدره , وما قال أخطأ المضيف ,
ومن أضافه شرعاً وشهوداً , وكان على بينة من ربه , فذلك الذي قدر الله حق قدره ,
فالإنسان الكامل - الذي هو الخليفة - قدر الحق ظاهراً وباطناً , صورة ومنزلة ومعنى .
فكل معرفة لجزء من العالم بالله معرفة جزئية إلا الإنسان , فإن معرفته بالله معرفة العالَمِ كله بالله ,
فعلمه بالله علم كلي لا علم كل , إذ لو كان علماً كُلاًّ لم يؤمر أن يقول (( رب زدني علماً ))
أترى ذلك علماً بغير الله ؟ لا والله , بل بالله , فخَلَق الإنسان الكامل على صورته ,
ومكَّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه عليه , فرداً فرداً وبعضاً بعضاً ,
لا ينطلق عليه مجموع الأسماء معاً في الكلمة الواحدة , ليتميز الرب من العبد الكامل ,
فما من اسم من الأسماء الحسنى - وكل أسماء الله حسنى -
إلا وللعبد الكامل أن يدعى بها , كما له أن يدعو سيده بها .
من كمال معرفة الإنسان الكامل :........................
الشـرع يقبلـه عقـل وإيمـان وللعـقـول مـوازيـن وأوزان
عند الإله علوم ليـس يعرفه ـاإلا لبيب له في الوزن رجحـان
فالأمر عقل وإيمان إذا اشتركـا في حكم تنزيهه ما فيه خسـران
وثم ينفرد الإيمـان فـي طبـق بمـا تماثلـه بالشـرع أكـوان
والعقل من حيث حكم الفكر يدفعه بمـا يؤيـده فـي ذاك برهـان
لو أن غير رسول الله جاء بـه في الحين كفـره زور وبهتـان
إذا تأولـه مـن غيـر وجه تهوقال ما لي على ما قال سلطان
لله في ذاك سـر ليـس يعلمـه ا فريـد وذاك الفـرد إنسـان
قد كمل الله في الإنشاء صورتـه بصورة الحق فالقـرآن فرقـان
العين واحدة والحكـم مختلـفل لجانبين فما في النشء نقصـان
من كمال معرفة الإنسان الكامل :
لما كان العارف المكمل المعرفة يعلم أن فيه من يطلب مشاهدة ربه ,
ومعرفتَه الفكرية , والشهودية , تعين عليه أن يؤدي إليهم حقهم من ذلك ,
وعلم أن فيه من يطلب المأكل الشهي الذي يلائم مزاجه ,
والمشرب والمنكح والمركب والملبس والسماع والنعيم الحسي المحسوس ,
فتعين عليه أيضاً أن يؤدي حقوقهم من ذلك , التي عيَّن لهم الحق ,
ومن كان هذا حاله , كيف يصح له أن يزهد في شيء من الموجودات ؟
وما خلقها الله إلا له , إلا أنه مفتقر إلى علم ما هو له وما هو لغيره .
الإنسان الكامل والخلافة :......................
لابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه , فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية ,
التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه ,
فجعل الله الإنسان الكامل في الدار الدنيا إماماً وخليفة , وأعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني ,
وسخر لهذا الإنسان وبنيه وما تناسل منه جميع ما في السموات وما في الأرض ,
فما حصل الإنسان الكامل الإمامة , حتى كان علامة , وأعطي العلامة , وكان الحق أمامه
, ولا يكون مثله , حتى يكون وجهاً كله , فكله أمام , فهو الإمام , لا خلف يحده ,
فقد انعدم ضده , وما اختص آدم بالخلافة إلا بالمشيئة , ولو شاء جعلها فيمن جعلها من خلقه
, قلنا : لا يصح أن تكون إلا في مسمى الإنسان الكامل , ولو جمعها في غير الإنسان من المخلوقات
, لكان ذلك الجامع عين الإنسان الكامل , فهو الخليفة بالصورة التي خلق عليها , فإن قلت :
فالعالم كله إنسان كبير فكان يكفي , قلنا : لا سبيل , فإنه لو كان هو عين الخليفة ,
لم يكن ثَمَّ على مَنْ ؟ فلابد من واحد جامع صورة العالم وصورة الحق ,
يكون لهذه الجمعية خليفة في العالم من أجل الاسم الظاهر , يعبر عن ذلك الإمام بالإنسان الكبير القدر , الجامع للصورتين .
فالكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة , فأخذها آدم عليه السلام بحكم العناية الإلهية ,
وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل , لأنه ما كل رسول خليفة , فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة
, قال تعالى : (( ما على الرسول إلا البلاغ )) وليس له التحكم في المخالف ,
إنما له تشريع عن الله أو بما أراه الله خاصة , فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم ,
فذلك هو الاستخلاف والخلافة والرسول والخليفة , ما كل من أرسل حكم , فإذا أعطي السيف وأمضى الفعل ,
حينئذٍ يكون له الكمال , فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية , فيعطي ويمنع , ويعز ويذل , ويحيي ويميت ,
ويضر وينفع , ويظهر بأسماء التقابل مع النبوة , لابد من ذلك ,
فإن الله أعطى الإنسان الكامل حكم الخلافة واسم الخليفة ,
وهما لفظان مؤنثان لظهور التكوين عنهما , فإن الأنثى محل التكوين , فهو في الاسم تنبيه
, ولم يقل فيه وإن كان المعنى عينه , ولكن قال : (( إني جاعل في الأرض خليفة ))
وما قال إنساناً ولا داعياً , وإنما ذكره وسماه بما أوجده له ,
ففائدة خلق الإنسان الكامل على الصورة , ليظهر عنه صدور الأفعال ,
فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو مَلِكٌ وليس بخليفة , فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده ,
لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم , فهذه هي درجة الكمال ,
وللنفوس تعمل مشروع في تحصيل مقام الكمال , وليس لهم تعمل في تحصيل النبوة ,
فالخلافة قد تكون مكتسبة , والنبوة غير مكتسبة .
إن البذرة والنواة والحبة خزانة لما يظهر منها إذا بذرت في الأرض ,
وهذا يدل على علم خروج العالم من الغيب إلى الشهادة ,
لأن البذرة لا تعطي ما اختزن الحق فيها إلا بعد دفنها في الأرض , فتنفلق عما اختزنته من ساق وأوراق وبذور أمثالها ,
من النواة نوى , ومن الحبة حبوب , ومن البذرة بذور , فتظهر عينها في كثير مما خرج عنها
, فالكامل من الخلفاء كالحبوب من الحبة , والنوى من النواة , والبذور من البذرة ,
فيعطي كل حبة ما أعطته الحبة الأصلية , لاختصاصها بالصورة على الكمال ,
وما تميزت إلا بالشخص خاصة , وما عدا الخلفاء من العالم ,
فلهم من الحق ما للأوراق والأغصان والأزهار , والأصول من النواة أو البذرة أو الحبة ,
ومن هنا يعلم فضل الإنسان الخليفة على الإنسان الحيوان , الذي هو أقرب شبهاً بالإنسان الكامل ,
ثم على سائر المخلوقات .
فاعلم ما الحبة التي خرج العالم منها ؟ وما أعطت بذاتها فيما ظهر من الحبوب ؟
ولماذا يستند ما ظهر منها من سوى أعيان الحبوب ؟
ولما تعدد الكُمَّل من هذه النشأة , جعلهم الحق خلائف بعد ما كان خليفة , فكل كامل خليفة ,
وما يخلو زمان عن كاملٍ أصلاً , فيما يخلو عن خليفة وإمام , فلا تخلو الأرض عن ظهور صورة إلهية
, يعرفها جميع خلق الله ما عدا الثقلين الإنس والجن , فإنها معروفة عند بعضها
, فيوفون حقها من التعظيم والإجلال لها
| |
|